أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : أنه تعالى لما قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35سبحانه ) ثم قال عقيبه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) كان كالحجة على
nindex.php?page=treesubj&link=29705تنزيهه عن الولد ، وبيان ذلك أن الذي يجعل ولدا لله ، إما أن يكون قديما أزليا أو يكون محدثا فإن كان أزليا فهو محال ؛ لأنه لو كان واجبا لذاته لكان واجب الوجود أكثر من واحد ، هذا خلف ، وإن كان ممكنا لذاته كان مفتقرا في وجوده إلى الواجب لذاته غنيا لذاته فيكون الممكن محتاجا لذاته فيكون عبدا له ؛ لأنه لا معنى للعبودية إلا ذلك ، وأما إن كان الذي يجعل ولدا يكون محدثا فيكون وجوده بعد عدمه بخلق ذلك القديم وإيجاده وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) فيكون عبدا له لا ولدا له فثبت أنه يستحيل أن يكون لله ولد .
المسألة الثانية : احتج الأصحاب بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) على
nindex.php?page=treesubj&link=29626قدم كلام الله تعالى قالوا : لأن الآية تدل على أنه تعالى إذا أراد إحداث شيء قال له : كن فيكون فلو كان قوله كن محدثا لافتقر حدوثه إلى قول آخر ولزم التسلسل وهو محال ، فثبت أن قول الله قديم لا محدث ، واحتج
المعتزلة بالآية على حدوث كلام الله تعالى من وجوه :
أحدها : أنه تعالى أدخل عليه كلمة إذا ، وهذه الكلمة دالة على الاستقبال ؛ فوجب أن لا يحصل القول إلا في الاستقبال .
وثانيها : أن حرف الفاء للتعقيب ، والفاء في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35فإنما يقول له ) يدل على تأخر ذلك القول عن ذلك القضاء ، والمتأخر عن غيره محدث .
وثالثها : الفاء في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35فيكون ) يدل على حصول ذلك الشيء عقيب ذلك القول من غير فصل فيكون قول الله متقدما على حدوث الحادث تقدما بلا فصل ، والمتقدم على المحدث تقدما بلا فصل يكون محدثا ، فقول الله محدث . واعلم أن استدلال الفريقين ضعيف ، أما استدلال الأصحاب فلأنه يقتضي أن يكون قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35كن ) قديما وذلك باطل بالاتفاق ، وأما استدلال
المعتزلة فلأنه يقتضي أن يكون قول الله تعالى هو المركب من الحروف
[ ص: 187 ] والأصوات وهو محدث وذلك لا نزاع فيه إنما المدعى قدم شيء آخر .
المسألة الثالثة : من الناس من أجرى الآية على ظاهرها فزعم أنه تعالى إذا أحدث شيئا قال له كن وهذا ضعيف ؛ لأنه ، إما أن يقول له كن قبل حدوثه أو حال حدوثه . فإن كان الأول كان ذلك خطابا مع المعدوم وهو عبث وإن كان الثاني فهو حال حدوثه قد وجد بالقدرة والإرادة فأي تأثير لقوله ( كن ) فيه ، ومن الناس من زعم أن المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35كن ) هو التخليق والتكوين وذلك لأن القدرة على الشيء غير وتكوين الشيء غير فإن الله سبحانه قادر في الأزل وغير مكون في الأزل ، ولأنه الآن قادر على عوالم سوى هذا العالم وغير مكون لها ، والقادرية غير المكونية ، والتكوين ليس هو نفس المكون لأنا نقول : المكون إنما حدث لأن الله تعالى كونه فأوجده ، فلو كان التكوين نفس المكون لكان قولنا المكون إنما وجد بتكوين الله تعالى نازلا منزلة قولنا المكون إنما وجد بنفسه وذلك محال ، فثبت أن التكوين غير المكون فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35كن ) إشارة إلى الصفة المسماة بالتكوين ، وقال آخرون قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35كن ) عبارة عن
nindex.php?page=treesubj&link=33679_28783نفاذ قدرة الله تعالى ومشيئته في الممكنات . فإن وقوعها بتلك القدرة والإرادة من غير امتناع واندفاع يجري مجرى العبد المطيع المسخر المنقاد لأوامر مولاه ، فعبر الله تعالى عن ذلك المعنى بهذه العبارة على سبيل الاستعارة .
[قوله تعالى وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ...
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35سُبْحَانَهُ ) ثُمَّ قَالَ عَقِيبَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) كَانَ كَالْحُجَّةِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=29705تَنْزِيهِهِ عَنِ الْوَلَدِ ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يُجْعَلُ وَلَدًا لِلَّهِ ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا أَزَلِيًّا أَوْ يَكُونَ مُحْدَثًا فَإِنْ كَانَ أَزَلِيًّا فَهُوَ مُحَالٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لِذَاتِهِ لَكَانَ وَاجِبُ الْوُجُودِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ ، هَذَا خُلْفٌ ، وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا لِذَاتِهِ كَانَ مُفْتَقِرًا فِي وُجُودِهِ إِلَى الْوَاجِبِ لِذَاتِهِ غَنِيًّا لِذَاتِهِ فَيَكُونُ الْمُمْكِنُ مُحْتَاجًا لِذَاتِهِ فَيَكُونُ عَبْدًا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْعُبُودِيَّةِ إِلَّا ذَلِكَ ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ الَّذِي يُجْعَلُ وَلَدًا يَكُونُ مُحْدَثًا فَيَكُونُ وُجُودُهُ بَعْدَ عَدَمِهِ بِخَلْقِ ذَلِكَ الْقَدِيمِ وَإِيجَادِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) فَيَكُونُ عَبْدًا لَهُ لَا وَلَدًا لَهُ فَثَبَتَ أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ وَلَدٌ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : احْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=29626قِدَمِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى قَالُوا : لِأَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ إِحْدَاثَ شَيْءٍ قَالَ لَهُ : كُنْ فَيَكُونُ فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ كُنْ مُحْدَثًا لَافْتَقَرَ حُدُوثُهُ إِلَى قَوْلٍ آخَرَ وَلَزِمَ التَّسَلْسُلُ وَهُوَ مُحَالٌ ، فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ قَدِيمٌ لَا مُحْدَثٌ ، وَاحْتَجَّ
الْمُعْتَزِلَةُ بِالْآيَةِ عَلَى حُدُوثِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ تَعَالَى أَدْخَلَ عَلَيْهِ كَلِمَةَ إِذَا ، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ دَالَّةٌ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ ؛ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَحْصُلَ الْقَوْلُ إِلَّا فِي الِاسْتِقْبَالِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ حَرْفَ الْفَاءِ لِلتَّعْقِيبِ ، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ ) يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِ ذَلِكَ الْقَوْلِ عَنْ ذَلِكَ الْقَضَاءِ ، وَالْمُتَأَخِّرُ عَنْ غَيْرِهِ مُحْدَثٌ .
وَثَالِثُهَا : الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35فَيَكُونُ ) يَدُلُّ عَلَى حُصُولِ ذَلِكَ الشَّيْءِ عَقِيبَ ذَلِكَ الْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ فَيَكُونُ قَوْلُ اللَّهِ مُتَقَدِّمًا عَلَى حُدُوثِ الْحَادِثِ تَقَدُّمًا بِلَا فَصْلٍ ، وَالْمُتَقَدِّمُ عَلَى الْمُحْدَثِ تَقَدُّمًا بِلَا فَصْلٍ يَكُونُ مُحْدَثًا ، فَقَوْلُ اللَّهِ مُحْدَثٌ . وَاعْلَمْ أَنَّ اسْتِدْلَالَ الْفَرِيقَيْنِ ضَعِيفٌ ، أَمَّا اسْتِدْلَالُ الْأَصْحَابِ فَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35كُنْ ) قَدِيمًا وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ
الْمُعْتَزِلَةِ فَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْمُرَكَّبَ مِنَ الْحُرُوفِ
[ ص: 187 ] وَالْأَصْوَاتِ وَهُوَ مُحْدَثٌ وَذَلِكَ لَا نِزَاعَ فِيهِ إِنَّمَا الْمُدَّعَى قِدَمُ شَيْءٍ آخَرَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : مِنَ النَّاسِ مَنْ أَجْرَى الْآيَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا فَزَعَمَ أَنَّهُ تَعَالَى إِذَا أَحْدَثَ شَيْئًا قَالَ لَهُ كُنْ وَهَذَا ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُ ، إِمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ قَبْلَ حُدُوثِهِ أَوْ حَالَ حُدُوثِهِ . فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَانَ ذَلِكَ خِطَابًا مَعَ الْمَعْدُومِ وَهُوَ عَبَثٌ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ حَالَ حُدُوثِهِ قَدْ وُجِدَ بِالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ فَأَيُّ تَأْثِيرٍ لِقَوْلِهِ ( كُنْ ) فِيهِ ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35كُنْ ) هُوَ الْتَّخْلِيقُ وَالتَّكْوِينُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الشَّيْءِ غَيْرٌ وَتَكْوِينُ الشَّيْءِ غَيْرٌ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ فِي الْأَزَلِ وَغَيْرُ مَكُونٍ فِي الْأَزَلِ ، وَلِأَنَّهُ الْآنَ قَادِرٌ عَلَى عَوَالِمَ سِوَى هَذَا الْعَالَمِ وَغَيْرُ مَكُونٍ لَهَا ، وَالْقَادِرِيَّةُ غَيْرُ الْمَكُونِيَّةِ ، وَالتَّكْوِينُ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ الْمَكُونِ لِأَنَّا نَقُولُ : الْمَكُونُ إِنَّمَا حَدَثَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَوَّنَهُ فَأَوْجَدَهُ ، فَلَوْ كَانَ التَّكْوِينُ نَفْسَ الْمَكُونِ لَكَانَ قَوْلُنَا الْمَكُونُ إِنَّمَا وُجِدَ بِتَكْوِينِ اللَّهِ تَعَالَى نَازِلًا مَنْزِلَةَ قَوْلِنَا الْمَكُونُ إِنَّمَا وُجِدَ بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ مُحَالٌ ، فَثَبَتَ أَنَّ التَّكْوِينَ غَيْرُ الْمَكُونِ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35كُنْ ) إِشَارَةٌ إِلَى الصِّفَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالتَّكْوِينِ ، وَقَالَ آخَرُونَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35كُنْ ) عِبَارَةٌ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=33679_28783نَفَاذِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتِهِ فِي الْمُمْكِنَاتِ . فَإِنَّ وُقُوعَهَا بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ مِنْ غَيْرِ امْتِنَاعٍ وَانْدِفَاعٍ يَجْرِي مَجْرَى الْعَبْدِ الْمُطِيعِ الْمُسَخَّرِ الْمُنْقَادِ لِأَوَامِرِ مَوْلَاهُ ، فَعَبَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ .
[قوله تعالى وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ...