[ ص: 190 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=41واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=43يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=44يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=45يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا )
القصة الثالثة : قصة إبراهيم عليه السلام
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=41واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42إذ قال لأبيه ياأبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=43ياأبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=44ياأبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=45ياأبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا )
اعلم أن الغرض من هذه السورة بيان التوحيد والنبوة والحشر ،
nindex.php?page=treesubj&link=28671والمنكرون للتوحيد هم الذين أثبتوا معبودا سوى الله تعالى ، وهؤلاء فريقان : منهم من أثبت معبودا غير الله حيا عاقلا فاهما وهم
النصارى ، ومنهم من أثبت معبودا غير الله جمادا ليس بحي ولا عاقل ولا فاهم وهم عبدة الأوثان والفريقان وإن اشتركا في الضلال إلا أن ضلال الفريق الثاني أعظم فلما بين تعالى ضلال الفريق الأول تكلم في ضلال الفريق الثاني وهم عبدة الأوثان فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=41واذكر في الكتاب ) والواو في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=41واذكر ) عطف على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=2ذكر رحمة ربك عبده زكريا ) كأنه لما انتهت قصة
عيسى وزكريا عليهما السلام قال قد ذكرت حال
زكريا فاذكر حال
إبراهيم وإنما أمر بذكره ؛ لأنه عليه السلام ما كان هو ولا قومه ولا أهل بلدته مشتغلين بالعلم ومطالعة الكتب فإذا أخبر عن هذه القصة كما كانت من غير زيادة ولا نقصان كان ذلك إخبارا عن الغيب ومعجزا قاهرا دالا على نبوته . وإنما شرع في قصة
إبراهيم عليه السلام لوجوه :
أحدها :
nindex.php?page=treesubj&link=31851أن إبراهيم عليه السلام كان أبا العرب وكانوا مقرين بعلو شأنه وطهارة دينه على ما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=78ملة أبيكم إبراهيم ) ( الحج : 78 ) وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=130ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ) ( البقرة : 130 ) فكأنه تعالى قال للعرب إن كنتم مقلدين لآبائكم على ما هو قولكم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=23إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ) ومعلوم أن أشرف آبائكم وأجلهم قدرا هو
إبراهيم عليه السلام فقلدوه في ترك عبادة الأوثان وإن كنتم من المستدلين فانظروا في هذه الدلائل التي ذكرها
إبراهيم عليه السلام لتعرفوا
nindex.php?page=treesubj&link=29255فساد عبادة الأوثان وبالجملة فاتبعوا
إبراهيم إما تقليدا وإما استدلالا .
وثانيها : أن كثيرا من الكفار في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانوا يقولون كيف نترك دين آبائنا وأجدادنا فذكر الله تعالى قصة
إبراهيم عليه السلام وبين أنه ترك دين أبيه وأبطل قوله بالدليل ورجح متابعة الدليل على متابعة أبيه ليعرف الكفار أن ترجيح جانب الأب على جانب الدليل رد على الأب الأشرف الأكبر الذي هو
إبراهيم عليه السلام .
وثالثها : أن كثيرا من الكفار كانوا يتمسكون بالتقليد وينكرون الاستدلال على ما قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=22قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة ) ( الزخرف : 23 )
[ ص: 191 ] و (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=53قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين ) [الأنبياء : 53] فحكى الله تعالى عن
إبراهيم عليه السلام التمسك بطريقة الاستدلال تنبيها لهؤلاء على سقوط هذه الطريقة ثم قال تعالى في وصف
إبراهيم عليه السلام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=41إنه كان صديقا نبيا ) وفي الصديق قولان :
أحدهما : أنه مبالغة في كونه صادقا وهو الذي يكون عادته الصدق لأن هذا البناء ينبئ عن ذلك يقال رجل خمير وسكير للمولع بهذه الأفعال .
والثاني : أنه الذي يكون كثير التصديق بالحق حتى يصير مشهورا به والأول أولى ، وذلك لأن المصدق بالشيء لا يوصف بكونه صديقا إلا إذا كان صادقا في ذلك التصديق ؛ فيعود الأمر إلى الأول ، فإن قيل : أليس قد قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=19والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=19والشهداء ) ( الحديد : 19 ) ؟
قلنا : المؤمنون بالله ورسله صادقون في ذلك التصديق واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=21380النبي يجب أن يكون صادقا في كل ما أخبر عنه لأن الله تعالى صدقه ؛ ومصدق الله صادق ؛ وإلا لزم الكذب في كلام الله تعالى ؛ فيلزم من هذا كون الرسول صادقا في كل ما يقول ، ولأن الرسل شهداء الله على الناس على ما قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=41فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) [النساء : 41] والشهيد إنما يقبل قوله إذا لم يكن كاذبا .
فإن قيل : فما قولكم في
إبراهيم عليه السلام في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=63بل فعله كبيرهم ) [الأنبياء : 63] و (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إني سقيم ) قلنا قد شرحنا في تأويل هذه الآيات بالدلائل الظاهرة أن شيئا من ذلك ليس بكذب فلما ثبت أن كل نبي يجب أن يكون صديقا ولا يجب في كل صديق أن يكون نبيا ظهر بهذا قرب
nindex.php?page=treesubj&link=19495مرتبة الصديق من مرتبة النبي فلهذا انتقل من ذكر كونه صديقا إلى ذكر كونه نبيا .
وأما النبي فمعناه كونه رفيع القدر عند الله وعند الناس ، وأي رفعة أعلى من رفعة من جعله الله واسطة بينه وبين عباده .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=41كان صديقا ) قيل : إنه صار ، وقيل إن معناه وجد صديقا نبيا أي : كان من أول وجوده إلى انتهائه موصوفا بالصدق والصيانة .
قال صاحب " الكشاف " : هذه الجملة وقعت اعتراضا بين المبدل منه وبدله أعني
إبراهيم وإذ قال ، ونظيره قولك : رأيت زيدا ، ونعم الرجل أخاك ، ويجوز أن يتعلق إذ بكان أو بصديقا نبيا ، أي : كان جامعا لخصائص الصديقين والأنبياء حين خاطب أباه بتلك المخاطبات أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42ياأبت ) فالتاء عوض عن ياء الإضافة ولا يقال يا أبتي لئلا يجمع بين العوض والمعوض عنه وقد يقال : يا أبتا لكون الألف بدلا من الياء ، واعلم أنه تعالى حكى أن
إبراهيم عليه السلام تكلم مع أبيه بأربعة أنواع من الكلام :
[ ص: 190 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=41وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=43يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=44يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=45يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا )
الْقِصَّةُ الثَّالِثَةُ : قِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=41وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=43يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=44يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=45يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا )
اعْلَمْ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ بَيَانُ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْحَشْرِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28671وَالْمُنْكِرُونَ لِلتَّوْحِيدِ هُمُ الَّذِينَ أَثْبَتُوا مَعْبُودًا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَهَؤُلَاءِ فَرِيقَانِ : مِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَ مَعْبُودًا غَيْرَ اللَّهِ حَيًّا عَاقِلًا فَاهِمًا وَهُمُ
النَّصَارَى ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَ مَعْبُودًا غَيْرَ اللَّهِ جَمَادًا لَيْسَ بِحَيٍّ وَلَا عَاقِلٍ وَلَا فَاهِمٍ وَهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ وَالْفَرِيقَانِ وَإِنِ اشْتَرَكَا فِي الضَّلَالِ إِلَّا أَنَّ ضَلَالَ الْفَرِيقِ الثَّانِي أَعْظَمُ فَلَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى ضَلَالَ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ تَكَلَّمَ فِي ضَلَالِ الْفَرِيقِ الثَّانِي وَهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=41وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ ) وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=41وَاذْكُرْ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=2ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ) كَأَنَّهُ لَمَّا انْتَهَتْ قِصَّةُ
عِيسَى وَزَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ قَالَ قَدْ ذَكَرْتَ حَالَ
زَكَرِيَّا فَاذْكُرْ حَالَ
إِبْرَاهِيمَ وَإِنَّمَا أُمِرَ بِذِكْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا كَانَ هُوَ وَلَا قَوْمُهُ وَلَا أَهْلُ بَلْدَتِهِ مُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ وَمُطَالَعَةِ الْكُتُبِ فَإِذَا أَخْبَرَ عَنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ كَمَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ كَانَ ذَلِكَ إِخْبَارًا عَنِ الْغَيْبِ وَمُعْجِزًا قَاهِرًا دَالًّا عَلَى نُبُوَّتِهِ . وَإِنَّمَا شَرَعَ فِي قِصَّةِ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِوُجُوهٍ :
أَحَدُهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=31851أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ أَبَا الْعَرَبِ وَكَانُوا مُقِرِّينَ بِعُلُوِّ شَأْنِهِ وَطَهَارَةِ دِينِهِ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=78مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ) ( الْحَجِّ : 78 ) وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=130وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ) ( الْبَقَرَةِ : 130 ) فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ لِلْعَرَبِ إِنْ كُنْتُمْ مُقَلِّدِينَ لِآبَائِكُمْ عَلَى مَا هُوَ قَوْلُكُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=23إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَشْرَفَ آبَائِكُمْ وَأَجَلَّهُمْ قَدْرًا هُوَ
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَلِّدُوهُ فِي تَرْكِ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنَ الْمُسْتَدِلِّينَ فَانْظُرُوا فِي هَذِهِ الدَّلَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِتَعْرِفُوا
nindex.php?page=treesubj&link=29255فَسَادَ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَبِالْجُمْلَةِ فَاتَّبِعُوا
إِبْرَاهِيمَ إِمَّا تَقْلِيدًا وَإِمَّا اسْتِدْلَالًا .
وَثَانِيهَا : أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْكُفَّارِ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَقُولُونَ كَيْفَ نَتْرُكُ دِينَ آبَائِنَا وَأَجْدَادِنَا فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى قِصَّةَ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَبَيَّنَ أَنَّهُ تَرَكَ دِينَ أَبِيهِ وَأَبْطَلَ قَوْلَهُ بِالدَّلِيلِ وَرَجَّحَ مُتَابَعَةَ الدَّلِيلِ عَلَى مُتَابَعَةِ أَبِيهِ لِيَعْرِفَ الْكُفَّارُ أَنَّ تَرْجِيحَ جَانِبِ الْأَبِ عَلَى جَانِبِ الدَّلِيلِ رَدٌّ عَلَى الْأَبِ الْأَشْرَفِ الْأَكْبَرِ الَّذِي هُوَ
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْكُفَّارِ كَانُوا يَتَمَسَّكُونَ بِالتَّقْلِيدِ وَيُنْكِرُونَ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=22قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ ) ( الزُّخْرُفِ : 23 )
[ ص: 191 ] وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=53قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ) [الْأَنْبِيَاءِ : 53] فَحَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ التَّمَسُّكَ بِطَرِيقَةِ الِاسْتِدْلَالِ تَنْبِيهًا لِهَؤُلَاءِ عَلَى سُقُوطِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=41إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ) وَفِي الصِّدِّيقِ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مُبَالَغَةٌ فِي كَوْنِهِ صَادِقًا وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ عَادَتُهُ الصِّدْقَ لِأَنَّ هَذَا الْبِنَاءَ يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ يُقَالُ رَجُلٌ خِمِّيرٌ وَسِكِّيرٌ لِلْمُولَعِ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ الَّذِي يَكُونُ كَثِيرَ التَّصْدِيقِ بِالْحَقِّ حَتَّى يَصِيرَ مَشْهُورًا بِهِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُصَدِّقَ بِالشَّيْءِ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ صِدِّيقًا إِلَّا إِذَا كَانَ صَادِقًا فِي ذَلِكَ التَّصْدِيقِ ؛ فَيَعُودُ الْأَمْرُ إِلَى الْأَوَّلِ ، فَإِنْ قِيلَ : أَلَيْسَ قَدْ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=19وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=19وَالشُّهَدَاءُ ) ( الْحَدِيدِ : 19 ) ؟
قُلْنَا : الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ صَادِقُونَ فِي ذَلِكَ التَّصْدِيقِ وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21380النَّبِيَّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ عَنْهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَدَّقَهُ ؛ وَمُصَدَّقُ اللَّهِ صَادِقٌ ؛ وَإِلَّا لَزِمَ الْكَذِبُ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا كَوْنُ الرَّسُولِ صَادِقًا فِي كُلِّ مَا يَقُولُ ، وَلِأَنَّ الرُّسُلَ شُهَدَاءُ اللَّهِ عَلَى النَّاسِ عَلَى مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=41فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ) [النِّسَاءِ : 41] وَالشَّهِيدُ إِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا .
فَإِنْ قِيلَ : فَمَا قَوْلُكُمْ فِي
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=63بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ ) [الْأَنْبِيَاءِ : 63] وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إِنِّي سَقِيمٌ ) قُلْنَا قَدْ شَرَحْنَا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَاتِ بِالدَّلَائِلِ الظَّاهِرَةِ أَنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِكَذِبٍ فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ صِدِّيقًا وَلَا يَجِبُ فِي كُلِّ صِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا ظَهَرَ بِهَذَا قُرْبُ
nindex.php?page=treesubj&link=19495مَرْتَبَةِ الصِّدِّيقِ مِنْ مَرْتَبَةِ النَّبِيِّ فَلِهَذَا انْتَقَلَ مِنْ ذِكْرِ كَوْنِهِ صِدِّيقًا إِلَى ذِكْرِ كَوْنِهِ نَبِيًّا .
وَأَمَّا النَّبِيُّ فَمَعْنَاهُ كَوْنُهُ رَفِيعَ الْقَدْرِ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ النَّاسِ ، وَأَيُّ رِفْعَةٍ أَعْلَى مِنْ رِفْعَةِ مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ وَاسِطَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=41كَانَ صِدِّيقًا ) قِيلَ : إِنَّهُ صَارَ ، وَقِيلَ إِنَّ مَعْنَاهُ وُجِدَ صِدِّيقًا نَبِيًّا أَيْ : كَانَ مِنْ أَوَّلِ وُجُودِهِ إِلَى انْتِهَائِهِ مَوْصُوفًا بِالصِّدْقِ وَالصِّيَانَةِ .
قَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " : هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَقَعَتِ اعْتِرَاضًا بَيْنَ الْمُبْدَلِ مِنْهُ وَبَدَلِهِ أَعْنِي
إِبْرَاهِيمَ وَإِذْ قَالَ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُكَ : رَأَيْتُ زَيْدًا ، وَنِعْمَ الرَّجُلُ أَخَاكَ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ إِذْ بَكَانِ أَوْ بِصِدِّيقًا نَبِيًّا ، أَيْ : كَانَ جَامِعًا لِخَصَائِصِ الصِّدِّيقِينَ وَالْأَنْبِيَاءِ حِينَ خَاطَبَ أَبَاهُ بِتِلْكَ الْمُخَاطَبَاتِ أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42يَاأَبَتِ ) فَالتَّاءُ عِوَضٌ عَنْ يَاءِ الْإِضَافَةِ وَلَا يُقَالُ يَا أَبَتِي لِئَلَّا يُجْمَعَ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ عَنْهُ وَقَدْ يُقَالُ : يَا أَبَتَا لِكَوْنِ الْأَلِفِ بَدَلًا مِنَ الْيَاءِ ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَكَلَّمَ مَعَ أَبِيهِ بِأَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْكَلَامِ :