الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            والنوع الثالث : قوله : ( ياأبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا ) أي لا تطعه ؛ لأنه عاص لله فنفره بهذه الصفة عن القبول منه ؛ لأنه أعظم الخصال المنفرة ، واعلم أن إبراهيم - عليه السلام - لإمعانه في الإخلاص لم يذكر من جنايات الشيطان إلا كونه عاصيا لله ، ولم يذكر معاداته لآدم - عليه السلام - كأن النظر في عظم ما ارتكبه من ذلك العصيان غمى فكره وأطبق على ذهنه ، وأيضا فإن معصية الله تعالى لا تصدر إلا عن ضعيف الرأي ، ومن كان كذلك كان حقيقا أن لا يلتفت إلى رأيه ، ولا يجعل لقوله وزن ، فإن قيل : إن هذا القول يتوقف على إثبات أمور :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : إثبات الصانع .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : إثبات الشيطان .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : إثبات أن الشيطان عاص لله .

                                                                                                                                                                                                                                            ورابعها : أنه لما كان عاصيا لم تجز طاعته في شيء من الأشياء .

                                                                                                                                                                                                                                            وخامسها : أن الاعتقاد الذي كان عليه ذلك الإنسان كان مستفادا من طاعة الشيطان ، ومن شأن الدلالة التي تورد على الخصم أن تكون مركبة من مقدمات معلومة مسلمة ، ولعل أبا إبراهيم كان منازعا في كل هذه المقدمات ، وكيف والمحكي عنه أنه ما كان يثبت إلها سوى نمروذ فكيف يسلم وجود الإله الرحمن ؟ وإذا لم يسلم وجوده ، فكيف يمكنه تسليم أن الشيطان كان عاصيا للرحمن ؟ ثم إن على تسليم ذلك فكيف يسلم الخصم بمجرد هذا الكلام أن مذهبه مقتبس من الشيطان ، بل لعله يقلب ذلك على خصمه ؟ قلنا : الحجة المعول عليها في إبطال مذهب آزر هو الذي ذكره أولا من قوله : ( لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ) فأما هذا الكلام فيجري مجرى التخويف والتحذير الذي يحمله على النظر في تلك الدلالة ، وعلى هذا التقدير يسقط السؤال .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية