(
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=47قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=48وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46قال أراغب أنت عن آلهتي ياإبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=47قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=48وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا ) .
اعلم أن
إبراهيم - عليه السلام - لما دعا أباه إلى التوحيد ، وذكر الدلالة على فساد عبادة الأوثان ، وأردف تلك الدلالة بالوعظ البليغ ، وأورد كل ذلك مقرونا باللطف والرفق ، قابله أبوه بجواب يضاد ذلك ، فقابل حجته بالتقليد ، فإنه لم يذكر في مقابلة حجته إلا قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46أراغب أنت عن آلهتي ياإبراهيم ) فأصر على ادعاء إلهيتها جهلا وتقليدا وقابل وعظه بالسفاهة حيث هدده بالضرب والشتم ، وقابل رفقه في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=45ياأبت ) بالعنف حيث لم يقل له يا بني بل قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46ياإبراهيم ) وإنما حكى الله تعالى ذلك
لمحمد صلى الله عليه وسلم ليخفف على قلبه ما كان يصل إليه من أذى المشركين فيعلم أن الجهال منذ كانوا على هذه السيرة المذمومة . أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46أراغب أنت عن آلهتي ياإبراهيم ) فإن كان ذلك على وجه الاستفهام فهو خذلان ؛ لأنه قد عرف منه ما تكرر منه من وعظه وتنبيهه على الدلالة وهو يفيد أنه راغب عن ذلك أشد رغبة فما فائدة هذا القول ؟ . وإن كان ذلك على سبيل التعجب فأي تعجب في الإعراض عن حجة لا فائدة فيها ، وإنما التعجب كله من الإقدام على عبادتها فإن الدليل الذي ذكره
إبراهيم - عليه السلام - كما أنه يبطل جواز عبادتها فهو يفيد التعجب من أن العاقل كيف يرضى
[ ص: 195 ] بعبادتها فكأن أباه قابل ذلك التعجب الظاهر المبني على الدليل بتعجب فاسد غير مبني على دليل وشبهة ، ولا شك أن هذا التعجب جدير بأن يتعجب منه ، أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : في الرجم ههنا قولان :
الأول : أنه الرجم باللسان ، وهو الشتم والذم ، ومنه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4والذين يرمون المحصنات ) [ النور : 4 ] أي بالشتم ، ومنه الرجيم ، أي المرمي باللعن ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : الرجم في القرآن كله بمعنى الشتم .
والثاني : أنه الرجم باليد ، وعلى هذا التقدير ذكروا وجوها :
أحدها : لأرجمنك بإظهار أمرك للناس ليرجموك ويقتلوك .
وثانيها : لأرجمنك بالحجارة لتتباعد عني .
وثالثها عن المؤرج : لأقتلنك بلغة قريش .
ورابعها : قال
أبو مسلم : لأرجمنك المراد منه الرجم بالحجارة إلا أنه قد يقال ذلك في معنى الطرد والإبعاد اتساعا ، ويدل على أنه أراد الطرد قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46واهجرني مليا ) واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=34077أصل الرجم هو الرمي بالرجام فحمله عليه أولى ، فإن قيل : أفما يدل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46واهجرني مليا ) على أن المراد به الرجم بالشتم ؟ قلنا : لا ، وذلك ؛ لأنه هدده بالرجم إن بقي على قربه منه ، وأمره أن يبعد هربا من ذلك فهو في معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46واهجرني مليا ) .
المسألة الثانية : في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46واهجرني مليا ) قولان :
أحدهما : المراد واهجرني بالقول .
والثاني : بالمفارقة في الدار والبلد وهي هجرة الرسول والمؤمنين أي تباعد عني لكي لا أراك وهذا الثاني أقرب إلى الظاهر .
المسألة الثالثة : في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46مليا ) قولان :
الأول : مليا أي مدة بعيدة مأخوذ من قولهم أتى على فلان ملاوة من الدهر أي زمان بعيد .
والثاني : مليا بالذهاب عني والهجران قبل أن أثخنك بالضرب حتى لا تقدر أن تبرح يقال فلان ملي بكذا إذا كان مطيقا له مضطلعا به .
المسألة الرابعة : عطف اهجرني على معطوف عليه محذوف يدل عليه لأرجمنك ، أي فاحذرني واهجرني لئلا أرجمنك ، ثم إن
إبراهيم - عليه السلام - لما سمع من أبيه ذلك أجاب عن أمرين :
أحدهما : أنه وعده التباعد منه ، وذلك لأن أباه لما أمره بالتباعد أظهر الانقياد لذلك الأمر وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=47سلام عليك ) توادع ومتاركة كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=55لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=63وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) وهذا دليل على جواز
nindex.php?page=treesubj&link=20077_32022متاركة المنصوح إذا ظهر منه اللجاج ، وعلى أنه تحسن
nindex.php?page=treesubj&link=32022مقابلة الإساءة بالإحسان ، ويجوز أن يكون قد دعا له بالسلامة استمالة له ، ألا ترى أنه وعده بالاستغفار ؟ ثم إنه لما ودع أباه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=47سلام عليك ) ضم إلى ذلك ما دل به على أنه وإن بعد عنه فإشفاقه باق عليه كما كان وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=47سأستغفر لك ربي ) واحتج بهذه الآية من طعن في
nindex.php?page=treesubj&link=28751_21384عصمة الأنبياء ، وتقريره أن
إبراهيم - عليه السلام - فعل ما لا يجوز ؛ لأنه استغفر لأبيه وهو كافر والاستغفار للكافر لا يجوز ، فثبت بمجموع هذه المقدمات أن
إبراهيم - عليه السلام - فعل ما لا يجوز ، إنما قلنا إنه استغفر لأبيه لقوله تعالى حكاية عن
إبراهيم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=47سلام عليك سأستغفر لك ربي ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=86واغفر لأبي إنه كان من الضالين ) [ الشعراء : 86 ] وأما أن أباه كان كافرا فذاك بنص القرآن وبالإجماع ، وأما أن
nindex.php?page=treesubj&link=27928الاستغفار للكافر لا يجوز فلوجهين :
الأول : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) [ التوبة : 113 ] .
الثاني : قوله في سورة الممتحنة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم )
[ ص: 196 ] إلى قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4لأستغفرن لك ) الممتحنة : 4] وأمر الناس إلا في هذا الفعل فوجب أن يكون ذلك معصية منه ، والجواب : لا نزاع إلا في قولكم الاستغفار للكافر لا يجوز فإن الكلام عليه من وجوه :
أحدها : أن القطع على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30351_30539الله تعالى يعذب الكافر لا يعرف إلا بالسمع ، فلعل
إبراهيم - عليه السلام - لم يجد في شرعه ما يدل على القطع بعذاب الكافر ، فلا جرم استغفر لأبيه .
وثانيها : أن الاستغفار قد يكون بمعنى الاستماحة ، كما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=14قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ) [ الجاثية : 14 ] والمعنى سأسأل ربي أن لا يجزيك بكفرك ما كنت حيا بعذاب الدنيا المعجل .
وثالثها : أنه - عليه السلام - إنما استغفر لأبيه ؛ لأنه كان يرجو منه الإيمان فلما أيس من ذلك ترك الاستغفار ، ولعل في شرعه جواز الاستغفار للكافر الذي يرجى منه الإيمان ، والدليل على وقوع هذا الاحتمال قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) [ التوبة : 113 ] فبين أن المنع من الاستغفار إنما يحصل بعد أن يعرفوا ( أنهم من أصحاب الجحيم ) .
ثم قال بعد ذلك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ) [ التوبة : 114 ] فدلت الآية على أنه وعده بالاستغفار لو آمن ، فلما لم يؤمن لم يستغفر له بل تبرأ منه ، فإن قيل فإذا كان الأمر كذلك فلم منعنا من التأسي به في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم ) إلى قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك ) [ الممتحنة : 4 ] قلنا الآية تدل على أنه لا يجوز لنا التأسي به في ذلك لكن المنع من التأسي به في ذلك لا يدل على أن ذلك كان معصية .
فإن
nindex.php?page=treesubj&link=31775كثيرا من الأشياء هي من خواص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز لنا التأسي به مع أنها كانت مباحة له - عليه السلام - .
ورابعها : لعل هذا الاستغفار كان من باب ترك الأولى وحسنات الأبرار سيئات المقربين ، أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=47إنه كان بي حفيا ) أي لطيفا رفيقا يقال أحفى فلان في المسألة بفلان إذا لطف به وبالغ في الرفق ، ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=37إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ) [ محمد : 37 ] أي وإن لطفت المسألة والمراد أنه سبحانه للطفه بي وإنعامه علي عودني الإجابة فإذا أنا استغفرت لك حصل المراد فكأنه جعله بذلك على يقين إن هو تاب ، أن يحصل له الغفران .
الجواب الثاني من الجوابين : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=48وأعتزلكم وما تدعون من دون الله ) الاعتزال للشيء هو التباعد عنه والمراد أني أفارقكم في المكان وأفارقكم في طريقتكم أيضا وأبعد عنكم وأتشاغل بعبادة ربي الذي ينفع ويضر ، والذي خلقني وأنعم علي فإنكم بعبادة الأصنام سالكون طريقة الهلاك ، فواجب علي مجانبتكم ، ومعنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=48عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا ) أرجو أن لا أكون كذلك ، وإنما ذكر ذلك على سبيل التواضع كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=82والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ) [ الشعراء : 82 ] وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=48شقيا ) مع ما فيه من التواضع لله ففيه تعريض بشقاوتهم في دعاء آلهتهم على ما قرره أولا في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=47قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=48وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=47قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=48وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ) .
اعْلَمْ أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا دَعَا أَبَاهُ إِلَى التَّوْحِيدِ ، وَذَكَرَ الدَّلَالَةَ عَلَى فَسَادِ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ، وَأَرْدَفَ تِلْكَ الدَّلَالَةَ بِالْوَعْظِ الْبَلِيغِ ، وَأَوْرَدَ كُلَّ ذَلِكَ مَقْرُونًا بِاللُّطْفِ وَالرِّفْقِ ، قَابَلَهُ أَبُوهُ بِجَوَابٍ يُضَادُّ ذَلِكَ ، فَقَابَلَ حُجَّتَهُ بِالتَّقْلِيدِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي مُقَابَلَةِ حُجَّتِهِ إِلَّا قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ ) فَأَصَرَّ عَلَى ادِّعَاءِ إِلَهِيَّتِهَا جَهْلًا وَتَقْلِيدًا وَقَابَلَ وَعْظَهُ بِالسَّفَاهَةِ حَيْثُ هَدَّدَهُ بِالضَّرْبِ وَالشَّتْمِ ، وَقَابَلَ رِفْقَهُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=45يَاأَبَتِ ) بِالْعُنْفِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ لَهُ يَا بُنَيَّ بَلْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46يَاإِبْرَاهِيمُ ) وَإِنَّمَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ
لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخَفِّفَ عَلَى قَلْبِهِ مَا كَانَ يَصِلُ إِلَيْهِ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ فَيَعْلَمَ أَنَّ الْجُهَّالَ مُنْذُ كَانُوا عَلَى هَذِهِ السِّيرَةِ الْمَذْمُومَةِ . أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ ) فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِفْهَامِ فَهُوَ خِذْلَانٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَ مِنْهُ مَا تَكَرَّرَ مِنْهُ مِنْ وَعْظِهِ وَتَنْبِيهِهِ عَلَى الدَّلَالَةِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ رَاغِبٌ عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ رَغْبَةٍ فَمَا فَائِدَةُ هَذَا الْقَوْلِ ؟ . وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّعَجُّبِ فَأَيُّ تَعَجُّبٍ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ حُجَّةٍ لَا فَائِدَةَ فِيهَا ، وَإِنَّمَا التَّعَجُّبُ كُلُّهُ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى عِبَادَتِهَا فَإِنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ
إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا أَنَّهُ يُبْطِلُ جَوَازَ عِبَادَتِهَا فَهُوَ يُفِيدُ التَّعَجُّبَ مِنْ أَنَّ الْعَاقِلَ كَيْفَ يَرْضَى
[ ص: 195 ] بِعِبَادَتِهَا فَكَأَنَّ أَبَاهُ قَابَلَ ذَلِكَ التَّعَجُّبَ الظَّاهِرَ الْمَبْنِيَّ عَلَى الدَّلِيلِ بِتَعَجُّبٍ فَاسِدٍ غَيْرِ مَبْنِيٍّ عَلَى دَلِيلٍ وَشُبْهَةٍ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا التَّعَجُّبَ جَدِيرٌ بِأَنْ يُتَعَجَّبَ مِنْهُ ، أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي الرَّجْمِ هَهُنَا قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ الرَّجْمُ بِاللِّسَانِ ، وَهُوَ الشَّتْمُ وَالذَّمُّ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ) [ النُّورِ : 4 ] أَيْ بِالشَّتْمِ ، وَمِنْهُ الرَّجِيمُ ، أَيِ الْمَرْمِيُّ بِاللَّعْنِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ : الرَّجْمُ فِي الْقُرْآنِ كُلِّهِ بِمَعْنَى الشَّتْمِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ الرَّجْمُ بِالْيَدِ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ذَكَرُوا وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : لَأَرْجُمَنَّكَ بِإِظْهَارِ أَمْرِكَ لِلنَّاسِ لِيَرْجُمُوكَ وَيَقْتُلُوكَ .
وَثَانِيهَا : لَأَرْجُمَنَّكَ بِالْحِجَارَةِ لِتَتَبَاعَدَ عَنِّي .
وَثَالِثُهَا عَنِ الْمُؤَرِّجِ : لَأَقْتُلَنَّكَ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ .
وَرَابِعُهَا : قَالَ
أَبُو مُسْلِمٍ : لَأَرْجُمَنَّكَ الْمُرَادُ مِنْهُ الرَّجْمُ بِالْحِجَارَةِ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الطَّرْدِ وَالْإِبْعَادِ اتِّسَاعًا ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الطَّرْدَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=34077أَصْلَ الرَّجْمِ هُوَ الرَّمْيُ بِالرِّجَامِ فَحَمْلُهُ عَلَيْهِ أَوْلَى ، فَإِنْ قِيلَ : أَفَمَا يَدُلُّ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الرَّجْمُ بِالشَّتْمِ ؟ قُلْنَا : لَا ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ هَدَّدَهُ بِالرَّجْمِ إِنْ بَقِيَ عَلَى قُرْبِهِ مِنْهُ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَبْعَدَ هَرَبًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : الْمُرَادُ وَاهْجُرْنِي بِالْقَوْلِ .
وَالثَّانِي : بِالْمُفَارَقَةِ فِي الدَّارِ وَالْبَلَدِ وَهِيَ هِجْرَةُ الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ أَيْ تَبَاعَدْ عَنِّي لِكَيْ لَا أَرَاكَ وَهَذَا الثَّانِي أَقْرَبُ إِلَى الظَّاهِرِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46مَلِيًّا ) قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : مَلِيًّا أَيْ مُدَّةً بَعِيدَةً مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ أَتَى عَلَى فُلَانٍ مَلَاوَةٌ مِنَ الدَّهْرِ أَيْ زَمَانٌ بَعِيدٌ .
وَالثَّانِي : مَلِيًّا بِالذَّهَابِ عَنِّي وَالْهِجْرَانِ قَبْلَ أَنْ أُثْخِنَكَ بِالضَّرْبِ حَتَّى لَا تَقْدِرَ أَنْ تَبْرَحَ يُقَالُ فُلَانٌ مَلِيٌّ بِكَذَا إِذَا كَانَ مُطِيقًا لَهُ مُضْطَلِعًا بِهِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : عَطَفَ اهْجُرْنِي عَلَى مَعْطُوفٍ عَلَيْهِ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ، أَيْ فَاحْذَرْنِي وَاهْجُرْنِي لِئَلَّا أَرْجُمَنَّكَ ، ثُمَّ إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ ذَلِكَ أَجَابَ عَنْ أَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ وَعَدَهُ التَّبَاعُدَ مِنْهُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَبَاهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِالتَّبَاعُدِ أَظْهَرَ الِانْقِيَادَ لِذَلِكَ الْأَمْرِ وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=47سَلَامٌ عَلَيْكَ ) تَوَادُعٌ وَمُتَارَكَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=55لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=63وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ) وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=20077_32022مُتَارَكَةِ الْمَنْصُوحِ إِذَا ظَهَرَ مِنْهُ اللَّجَاجُ ، وَعَلَى أَنَّهُ تَحْسُنُ
nindex.php?page=treesubj&link=32022مُقَابَلَةُ الْإِسَاءَةِ بِالْإِحْسَانِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَعَا لَهُ بِالسَّلَامَةِ اسْتِمَالَةً لَهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ وَعَدَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ ؟ ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا وَدَّعَ أَبَاهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=47سَلَامٌ عَلَيْكَ ) ضَمَّ إِلَى ذَلِكَ مَا دَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ بَعُدَ عَنْهُ فَإِشْفَاقُهُ بَاقٍ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=47سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ) وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ طَعَنَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28751_21384عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَغْفَرَ لِأَبِيهِ وَهُوَ كَافِرٌ وَالِاسْتِغْفَارُ لِلْكَافِرِ لَا يَجُوزُ ، فَثَبَتَ بِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ ، إِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهُ اسْتَغْفَرَ لِأَبِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ
إِبْرَاهِيمَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=47سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ) وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=86وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ ) [ الشُّعَرَاءِ : 86 ] وَأَمَّا أَنَّ أَبَاهُ كَانَ كَافِرًا فَذَاكَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَبِالْإِجْمَاعِ ، وَأَمَّا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27928الِاسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ لَا يَجُوزُ فَلِوَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ) [ التَّوْبَةِ : 113 ] .
الثَّانِي : قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْمُمْتَحَنَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ )
[ ص: 196 ] إِلَى قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ) الْمُمْتَحَنَةِ : 4] وَأَمَرَ النَّاسَ إِلَّا فِي هَذَا الْفِعْلِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْصِيَةً مِنْهُ ، وَالْجَوَابُ : لَا نِزَاعَ إِلَّا فِي قَوْلِكُمُ الِاسْتِغْفَارُ لِلْكَافِرِ لَا يَجُوزُ فَإِنَّ الْكَلَامَ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْقَطْعَ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30351_30539اللَّهَ تَعَالَى يُعَذِّبُ الْكَافِرَ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِالسَّمْعِ ، فَلَعَلَّ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَجِدْ فِي شَرْعِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَطْعِ بِعَذَابِ الْكَافِرِ ، فَلَا جَرَمَ اسْتَغْفَرَ لِأَبِيهِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الِاسْتِمَاحَةِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=14قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ ) [ الْجَاثِيَةِ : 14 ] وَالْمَعْنَى سَأَسْأَلُ رَبِّي أَنْ لَا يَجْزِيَكَ بِكُفْرِكَ مَا كُنْتُ حَيًّا بِعَذَابِ الدُّنْيَا الْمُعَجَّلِ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِنَّمَا اسْتَغْفَرَ لِأَبِيهِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَرْجُو مِنْهُ الْإِيمَانَ فَلَمَّا أَيِسَ مِنْ ذَلِكَ تَرَكَ الِاسْتِغْفَارَ ، وَلَعَلَّ فِي شَرْعِهِ جَوَازُ الِاسْتِغْفَارِ لِلْكَافِرِ الَّذِي يُرْجَى مِنْهُ الْإِيمَانُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى وُقُوعِ هَذَا الِاحْتِمَالِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) [ التَّوْبَةِ : 113 ] فَبَيَّنَ أَنَّ الْمَنْعَ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ إِنَّمَا يَحْصُلُ بَعْدَ أَنْ يَعْرِفُوا ( أَنَّهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ) .
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ) [ التَّوْبَةِ : 114 ] فَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ وَعَدَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ لَوْ آمَنَ ، فَلَمَّا لَمْ يُؤْمِنْ لَمْ يَسْتَغْفِرْ لَهُ بَلْ تَبَرَّأَ مِنْهُ ، فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلِمَ مَنَعَنَا مِنَ التَّأَسِّي بِهِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ ) إِلَى قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ) [ الْمُمْتَحَنَةِ : 4 ] قُلْنَا الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَنَا التَّأَسِّي بِهِ فِي ذَلِكَ لَكِنَّ الْمَنْعَ مِنَ التَّأَسِّي بِهِ فِي ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَعْصِيَةً .
فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31775كَثِيرًا مِنَ الْأَشْيَاءِ هِيَ مِنْ خَوَاصِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَجُوزُ لَنَا التَّأَسِّي بِهِ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ مُبَاحَةً لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - .
وَرَابِعُهَا : لَعَلَّ هَذَا الِاسْتِغْفَارَ كَانَ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْأَوْلَى وَحَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ ، أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=47إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ) أَيْ لَطِيفًا رَفِيقًا يُقَالُ أَحْفَى فُلَانٌ فِي الْمَسْأَلَةِ بِفُلَانٍ إِذَا لَطَفَ بِهِ وَبَالَغَ فِي الرِّفْقِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=37إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا ) [ مُحَمَّدٍ : 37 ] أَيْ وَإِنْ لَطُفَتِ الْمَسْأَلَةُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لِلُطْفِهِ بِي وَإِنْعَامِهِ عَلَيَّ عَوَّدَنِي الْإِجَابَةَ فَإِذَا أَنَا اسْتَغْفَرْتُ لَكَ حَصَلَ الْمُرَادُ فَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ بِذَلِكَ عَلَى يَقِينٍ إِنْ هُوَ تَابَ ، أَنْ يَحْصُلَ لَهُ الْغُفْرَانُ .
الْجَوَابُ الثَّانِي مِنَ الْجَوَابَيْنِ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=48وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) الِاعْتِزَالُ لِلْشَيْءِ هُوَ التَّبَاعُدُ عَنْهُ وَالْمُرَادُ أَنِّي أُفَارِقُكُمْ فِي الْمَكَانِ وَأُفَارِقُكُمْ فِي طَرِيقَتِكُمْ أَيْضًا وَأَبْعُدُ عَنْكُمُ وَأَتَشَاغَلُ بِعِبَادَةِ رَبِّيَ الَّذِي يَنْفَعُ وَيَضُرُّ ، وَالَّذِي خَلَقَنِي وَأَنْعَمَ عَلَيَّ فَإِنَّكُمْ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ سَالِكُونَ طَرِيقَةَ الْهَلَاكِ ، فَوَاجِبٌ عَلَيَّ مُجَانَبَتُكُمْ ، وَمَعَنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=48عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ) أَرْجُو أَنَ لَا أَكُونَ كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=82وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ) [ الشُّعَرَاءِ : 82 ] وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=48شَقِيًّا ) مَعَ مَا فِيهِ مِنَ التَّوَاضُعِ لِلَّهِ فَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِشَقَاوَتِهِمْ فِي دُعَاءِ آلِهَتِهِمْ عَلَى مَا قَرَّرَهُ أَوَّلًا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ) .