(
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا ) .
[ ص: 204 ] اعلم أن في الآية إشكالا وهو أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=63تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ) كلام الله ،
nindex.php?page=treesubj&link=34077_28990وقوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وما نتنزل إلا بأمر ربك ) كلام غير الله فكيف جاز عطف هذا على ما قبله من غير فصل ؟
والجواب : أنه إذا كانت القرينة ظاهرة لم يقبح كما أن قوله سبحانه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=47إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) [ آل عمران : 47] هو كلام الله وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=36وإن الله ربي وربكم ) [ مريم : 36 ] كلام غير الله وأحدهما معطوف على الآخر ، واعلم أن ظاهر قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وما نتنزل إلا بأمر ربك ) خطاب جماعة لواحد وذلك لا يليق إلا بالملائكة الذين ينزلون على الرسول ويحتمل في سببه ما روي
أن قريشا بعثت خمسة رهط إلى يهود المدينة يسألونهم عن صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - وهل يجدونه في كتابهم فسألوا النصارى فزعموا أنهم لا يعرفونه وقالت اليهود : نجده في كتابنا وهذا زمانه وقد سألنا رحمان اليمامة عن خصال ثلاث فلم يعرف فاسألوه عنهن فإن أخبركم بخصلتين منهما فاتبعوه ، فاسألوه عن فتية أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح قال فجاءوا فسألوه عن ذلك فلم يدر كيف يجيب فوعدهم أن يجيبهم بعد ذلك ، ولم يقل إن شاء الله فاحتبس الوحي عنه أربعين يوما وقيل خمسة عشر يوما فشق عليه ذلك مشقة شديدة وقال المشركون ودعه ربه وقلاه ، فنزل جبريل - عليه السلام - فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - أبطأت عني حتى ساء ظني ، واشتقت إليك قال إني كنت أشوق ولكني عبد مأمور إذا بعثت نزلت ، وإذا حبست احتبست فأنزل الله تعالى هذه الآية وأنزل قوله : (nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24إلا أن يشاء الله ) [ الكهف : 23 - 24] وسورة الضحى . ثم أكدوا ذلك بقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64له ما بين أيدينا وما خلفنا ) أي هو المدبر لنا في كل الأوقات الماضي والمستقبل وما بينهما أو الدنيا والآخرة وما بينهما ؛ فإنه يعلم إصلاح التدبير مستقبلا وماضيا ، وما بينهما والغرض أن أمرنا موكول إلى الله تعالى يتصرف فينا بحسب مشيئته وإرادته وحكمته لا اعتراض لأحد عليه فيه وقال
أبو مسلم قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وما نتنزل إلا بأمر ربك ) يجوز أن يكون قول أهل الجنة والمراد وما نتنزل الجنة إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا أي في الجنة مستقبلا وما خلفنا مما كان في الدنيا ، وما بين ذلك أي ما بين الوقتين ، وما كان ربك نسيا لشيء مما خلق فيترك إعادته ؛ لأنه عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وما كان ربك نسيا ) ابتداء كلام منه تعالى في مخاطبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويتصل به : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65رب السماوات والأرض ) أي بل هو (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده ) قال القاضي وهذا مخالف للظاهر من وجوه :
أحدها : أن ظاهر التنزل
nindex.php?page=treesubj&link=29747_29687نزول الملائكة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - لقوله بأمر ربك وظاهر الأمر بحال التكليف أليق .
وثانيها : أنه خطاب من جماعة لواحد وذلك لا يليق بمخاطبة بعضهم لبعض في الجنة .
وثالثها : أن ما في سياقه من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وما كان ربك نسيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65رب السماوات والأرض وما بينهما ) لا يليق إلا بحال التكليف ولا يوصف به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكأنهم قالوا للرسول وما كان ربك يا
محمد نسيا يجوز عليه السهو حتى يضرك إبطاؤنا بالتنزل عليك إلى مثل ذلك ثم ههنا أبحاث :
البحث الأول : قال صاحب " الكشاف " التنزل على معنيين :
أحدهما : النزول على مهل .
والثاني : بمعنى النزول على الإطلاق والدليل عليه أنه مطاوع نزل ، ونزل يكون بمعنى أنزل وبمعنى التدريج ، واللائق بمثل هذا الموضع هو النزول على مهل والمراد أن نزولنا في الأحايين وقتا بعد وقت ليس إلا بأمر الله تعالى .
البحث الثاني : ذكروا في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك ) وجوها :
أحدها : له ما قدامنا وما خلفنا من الجهات وما نحن فيه فلا نتمالك أن ننتقل من جهة إلى جهة ومن مكان إلى مكان إلا بأمره ومشيئته ، فليس لنا أن ننقلب من السماء إلى الأرض إلا بأمره .
وثانيها : له ما بين أيدينا ما سلف من أمر الدنيا
[ ص: 205 ] وما خلفنا ما يستقبل من أمر الآخرة ، وما بين ذلك وما بين النفختين وهو أربعون سنة .
وثالثها : ما مضى من أعمارنا وما غبر من ذلك والحال التي نحن فيها .
ورابعها : ما قبل وجودنا وما بعد فنائنا .
وخامسها : الأرض التي بين أيدينا إذا نزلنا والسماء التي وراءنا وما بين السماء والأرض ، وعلى كل التقديرات فالمقصود أنه المحيط بكل شيء لا تخفى عليه خافية ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة فكيف نقدم على فعل إلا بأمره وحكمه .
البحث الثالث : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وما كان ربك نسيا ) أي تاركا لك كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=3ما ودعك ربك وما قلى ) [ الضحى : 3 ] أي ما كان امتناع النزول إلا لامتناع الأمر به ولم يكن ذلك عن ترك الله لك وتوديعه إياك ، أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65رب السماوات والأرض وما بينهما ) فالمراد أن من يكون ربا لها أجمع لا يجوز عليه النسيان إذ لا بد من أن يمسكها حالا بعد حال وإلا بطل الأمر فيهما ، وفيمن يتصرف فيهما ، واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28785فعل العبد خلق الله تعالى ؛ لأن فعل العبد حاصل بين السماء والأرض ، والآية دالة على أنه رب لكل شيء حصل بينهما ، قال صاحب " الكشاف " : رب السماوات والأرض بدل من ربك ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هو رب السماوات والأرض فاعبده واصطبر لعبادته فهو أمر للرسول - صلى الله عليه وسلم - بالعبادة والمصابرة على مشاق التكاليف في الأداء والإبلاغ ، وفيما يخصه من العبادة فإن قيل لم لم يقل واصطبر على عبادته ، بل قال واصطبر لعبادته قلنا : لأن العبادة جعلت بمنزلة القرن في قولك للمحارب اصطبر لقرنك أي اثبت له فيما يورد عليك من شداته . " والمعنى " أن العبادة تورد عليك شدائد ومشاق فاثبت لها ، ولا تهن ولا يضق صدرك من إلقاء أهل الكتاب إليك الأغاليط عن احتباس الوحي عنك مدة ، وشماتة المشركين بك ، أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65هل تعلم له سميا ) فالظاهر يدل على أنه تعالى جعل علة الأمر بالعبادة والأمر بالمصابرة عليها أنه لا سمي له ، والأقرب هو كونه منعما بأصول النعم وفروعها وهي خلق الأجسام والحياة والعقل وغيرها ، فإنه لا يقدر على ذلك أحد سواه سبحانه ، فإذا كان هو قد أنعم عليك بغاية الإنعام وجب أن تعظمه بغاية التعظيم وهي العبادة ، ومن الناس من قال : المراد
nindex.php?page=treesubj&link=29687_33677أنه سبحانه ليس له شريك في اسمه وبينوا ذلك من وجهين :
الأول : أنهم وإن كانوا يطلقون لفظ الإله على الوثن فما أطلقوا لفظ الله على شيء سواه وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - لا يسمى بالرحمن غيره .
الثاني : هل تعلم من سمي باسمه على الحق دون الباطل ؟ لأن التسمية على الباطل في كونها غير معتد بها كلا تسمية ، والقول الأول هو الصواب والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) .
[ ص: 204 ] اعْلَمْ أَنَّ فِي الْآيَةِ إِشْكَالًا وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=63تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ) كَلَامُ اللَّهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=34077_28990وَقَوْلَهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) كَلَامُ غَيْرِ اللَّهِ فَكَيْفَ جَازَ عَطْفُ هَذَا عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ ؟
وَالْجَوَابُ : أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الْقَرِينَةُ ظَاهِرَةً لَمْ يَقْبُحْ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=47إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 47] هُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَقَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=36وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ ) [ مَرْيَمَ : 36 ] كَلَامُ غَيْرِ اللَّهِ وَأَحَدُهُمَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْآخَرِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) خِطَابُ جَمَاعَةٍ لِوَاحِدٍ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِالْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ عَلَى الرَّسُولِ وَيَحْتَمِلُ فِي سَبَبِهِ مَا رُوِيَ
أَنَّ قُرَيْشًا بَعَثَتْ خَمْسَةَ رَهْطٍ إِلَى يَهُودِ الْمَدِينَةِ يَسْأَلُونَهُمْ عَنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَلْ يَجِدُونَهُ فِي كِتَابِهِمْ فَسَأَلُوا النَّصَارَى فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ وَقَالَتِ الْيَهُودُ : نَجِدُهُ فِي كِتَابِنَا وَهَذَا زَمَانُهُ وَقَدْ سَأَلْنَا رَحْمَانَ الْيَمَامَةِ عَنْ خِصَالٍ ثَلَاثٍ فَلَمْ يَعْرِفْ فَاسْأَلُوهُ عَنْهُنَّ فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِخَصْلَتَيْنِ مِنْهُمَا فَاتَّبِعُوهُ ، فَاسْأَلُوهُ عَنْ فِتْيَةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَعَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ وَعَنِ الرُّوحِ قَالَ فَجَاءُوا فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَدْرِ كَيْفَ يُجِيبُ فَوَعَدَهُمْ أَنْ يُجِيبَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَاحْتَبَسَ الْوَحْيُ عَنْهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَقِيلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَشَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ مَشَقَّةً شَدِيدَةً وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ وَدَّعَهُ رَبُّهُ وَقَلَاهُ ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْطَأْتَ عَنِّي حَتَّى سَاءَ ظَنِّي ، وَاشْتَقْتُ إِلَيْكَ قَالَ إِنِّي كُنْتُ أَشْوَقَ وَلَكِنِّي عَبْدٌ مَأْمُورٌ إِذَا بُعِثْتُ نَزَلْتُ ، وَإِذَا حُبِسْتُ احْتَبَسْتُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَأَنْزَلَ قَوْلَهُ : (nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ) [ الْكَهْفِ : 23 - 24] وَسُورَةَ الضُّحَى . ثُمَّ أَكَّدُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا ) أَيْ هُوَ الْمُدَبِّرُ لَنَا فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ وَمَا بَيْنَهُمَا أَوِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا بَيْنَهُمَا ؛ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ إِصْلَاحَ التَّدْبِيرِ مُسْتَقْبَلًا وَمَاضِيًا ، وَمَا بَيْنَهُمَا وَالْغَرَضُ أَنَّ أَمْرَنَا مَوْكُولٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَتَصَرَّفُ فِينَا بِحَسَبِ مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَحِكْمَتِهِ لَا اعْتِرَاضَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ فِيهِ وَقَالَ
أَبُو مُسْلِمٍ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالْمُرَادُ وَمَا نَتَنَزَّلُ الْجَنَّةَ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا أَيْ فِي الْجَنَّةِ مُسْتَقْبَلًا وَمَا خَلْفَنَا مِمَّا كَانَ فِي الدُّنْيَا ، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ أَيْ مَا بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ ، وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا لِشَيْءٍ مِمَّا خَلَقَ فَيَتْرُكَ إِعَادَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ عَالِمُ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) ابْتِدَاءُ كَلَامٍ مِنْهُ تَعَالَى فِي مُخَاطَبَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَتَّصِلُ بِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) أَيْ بَلْ هُوَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ ) قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ ظَاهِرَ التَّنَزُّلِ
nindex.php?page=treesubj&link=29747_29687نُزُولُ الْمَلَائِكَةِ إِلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ بِأَمْرِ رَبِّكَ وَظَاهِرُ الْأَمْرِ بِحَالِ التَّكْلِيفِ أَلْيَقُ .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ خِطَابٌ مِنْ جَمَاعَةٍ لِوَاحِدٍ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِمُخَاطَبَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي الْجَنَّةِ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ مَا فِي سِيَاقِهِ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ) لَا يَلِيقُ إِلَّا بِحَالِ التَّكْلِيفِ وَلَا يُوصَفُ بِهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا لِلرَّسُولِ وَمَا كَانَ رَبُّكَ يَا
مُحَمَّدُ نَسِيًّا يَجُوزُ عَلَيْهِ السَّهْوُ حَتَّى يَضُرَّكَ إِبْطَاؤُنَا بِالتَّنَزُّلِ عَلَيْكَ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ ثُمَّ هَهُنَا أَبْحَاثٌ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : قَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " التَّنَزُّلُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : النُّزُولُ عَلَى مَهَلٍ .
وَالثَّانِي : بِمَعْنَى النُّزُولِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُطَاوِعُ نَزَّلَ ، وَنَزَّلَ يَكُونُ بِمَعْنَى أَنْزَلَ وَبِمَعْنَى التَّدْرِيجِ ، وَاللَّائِقُ بِمِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ هُوَ النُّزُولُ عَلَى مَهَلٍ وَالْمُرَادُ أَنَّ نُزُولَنَا فِي الْأَحَايِينِ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ لَيْسَ إِلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى .
الْبَحْثُ الثَّانِي : ذَكَرُوا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ) وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : لَهُ مَا قُدَّامَنَا وَمَا خَلْفَنَا مِنَ الْجِهَاتِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا نَتَمَالَكُ أَنْ نَنْتَقِلَ مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ وَمِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ إِلَّا بِأَمْرِهِ وَمَشِيئَتِهِ ، فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَنْقَلِبَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِأَمْرِهِ .
وَثَانِيهَا : لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا مَا سَلَفَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا
[ ص: 205 ] وَمَا خَلْفَنَا مَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ ، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ سَنَةً .
وَثَالِثُهَا : مَا مَضَى مِنْ أَعْمَارِنَا وَمَا غَبَرَ مِنْ ذَلِكَ وَالْحَالُ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا .
وَرَابِعُهَا : مَا قَبْلَ وُجُودِنَا وَمَا بَعْدَ فَنَائِنَا .
وَخَامِسُهَا : الْأَرْضُ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِينَا إِذَا نَزَلْنَا وَالسَّمَاءُ الَّتِي وَرَاءَنَا وَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، وَعَلَى كُلِّ التَّقْدِيرَاتِ فَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ الْمُحِيطُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فَكَيْفَ نُقْدِمُ عَلَى فِعْلٍ إِلَّا بِأَمْرِهِ وَحُكْمِهِ .
الْبَحْثُ الثَّالِثُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) أَيْ تَارِكًا لَكَ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=3مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ) [ الضُّحَى : 3 ] أَيْ مَا كَانَ امْتِنَاعُ النُّزُولِ إِلَّا لِامْتِنَاعِ الْأَمْرِ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَنْ تَرْكِ اللَّهِ لَكَ وَتَوْدِيعِهِ إِيَّاكَ ، أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ) فَالْمُرَادُ أَنَّ مَنْ يَكُونُ رَبًّا لَهَا أَجْمَعَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ النِّسْيَانُ إِذْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُمْسِكَهَا حَالًا بَعْدَ حَالٍ وَإِلَّا بَطَلَ الْأَمْرُ فِيهِمَا ، وَفِيمَنْ يَتَصَرَّفُ فِيهِمَا ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28785فِعْلَ الْعَبْدِ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ حَاصِلٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، وَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ رَبٌّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَصَلَ بَيْنَهُمَا ، قَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " : رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَدَلٌ مِنْ رَبِّكَ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ فَهُوَ أَمْرٌ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعِبَادَةِ وَالْمُصَابَرَةِ عَلَى مَشَاقِّ التَّكَالِيفِ فِي الْأَدَاءِ وَالْإِبْلَاغِ ، وَفِيمَا يَخُصُّهُ مِنَ الْعِبَادَةِ فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ يَقُلْ وَاصْطَبِرْ عَلَى عِبَادَتِهِ ، بَلْ قَالَ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ قُلْنَا : لِأَنَّ الْعِبَادَةَ جُعِلَتْ بِمَنْزِلَةِ الْقِرْنِ فِي قَوْلِكَ لِلْمُحَارِبِ اصْطَبِرْ لِقِرْنِكَ أَيِ اثْبُتْ لَهُ فِيمَا يُورِدُ عَلَيْكَ مِنْ شَدَّاتِهِ . " وَالْمَعْنَى " أَنَّ الْعِبَادَةَ تُورِدُ عَلَيْكَ شَدَائِدَ وَمَشَاقَّ فَاثْبُتْ لَهَا ، وَلَا تَهِنْ وَلَا يَضِقْ صَدْرُكَ مِنْ إِلْقَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَيْكَ الْأَغَالِيطَ عَنِ احْتِبَاسِ الْوَحْيِ عَنْكَ مُدَّةً ، وَشَمَاتَةِ الْمُشْرِكِينَ بِكَ ، أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) فَالظَّاهِرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ عِلَّةَ الْأَمْرِ بِالْعِبَادَةِ وَالْأَمْرِ بِالْمُصَابَرَةِ عَلَيْهَا أَنَّهُ لَا سَمِيَّ لَهُ ، وَالْأَقْرَبُ هُوَ كَوْنُهُ مُنْعِمًا بِأُصُولِ النِّعَمِ وَفُرُوعِهَا وَهِيَ خَلْقُ الْأَجْسَامِ وَالْحَيَاةِ وَالْعَقْلِ وَغَيْرِهَا ، فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ سِوَاهُ سُبْحَانَهُ ، فَإِذَا كَانَ هُوَ قَدْ أَنْعَمَ عَلَيْكَ بِغَايَةِ الْإِنْعَامِ وَجَبَ أَنْ تُعَظِّمَهُ بِغَايَةِ التَّعْظِيمِ وَهِيَ الْعِبَادَةُ ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ : الْمُرَادُ
nindex.php?page=treesubj&link=29687_33677أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ فِي اسْمِهِ وَبَيَّنُوا ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْإِلَهِ عَلَى الْوَثَنِ فَمَا أَطْلَقُوا لَفْظَ اللَّهِ عَلَى شَيْءٍ سِوَاهُ وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا يُسَمَّى بِالرَّحْمَنِ غَيْرُهُ .
الثَّانِي : هَلْ تَعْلَمُ مَنْ سُمِّيَ بِاسْمِهِ عَلَى الْحَقِّ دُونَ الْبَاطِلِ ؟ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الْبَاطِلِ فِي كَوْنِهَا غَيْرَ مُعْتَدٍّ بِهَا كَلَا تَسْمِيَةٍ ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .