(
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=66ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=67أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=68فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=69ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=70ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=66ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=67أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=68فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=69ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=70ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا ) .
[ ص: 206 ] اعلم أنه تعالى لما أمر بالعبادة والمصابرة عليها فكأن سائلا سأل وقال هذه العبادات لا منفعة فيها في الدنيا ، وأما في الآخرة فقد أنكرها قوم فلا بد من ذكر الدلالة على القول بالحشر حتى يظهر أن الاشتغال بالعبادة مفيد فلهذا حكى الله تعالى قول
nindex.php?page=treesubj&link=28760_32408منكري الحشر فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=66ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا ) وإنما قالوا ذلك على وجه الإنكار والاستبعاد ، وذكروا في الإنسان وجهين :
أحدهما : أن يكون المراد الجنس بأسره ، فإن قيل كلهم غير قائلين بذلك فكيف يصح هذا القول ؟ قلنا الجواب من وجهين :
الأول : أن هذه المقالة لما كانت موجودة فيما هو من جنسهم صح إسنادها إلى جميعهم ، كما يقال : بنو فلان قتلوا فلانا وإنما القاتل رجل منهم .
والثاني : أن هذا الاستبعاد موجود ابتداء في طبع كل أحد إلا أن بعضهم ترك ذلك الاستبعاد المبني على محض الطبع بالدلالة القاطعة التي قامت على صحة القول به .
الثاني : أن المراد بالإنسان شخص معين فقيل : هو
أبو جهل ، وقيل : هو
أبي بن خلف ، وقيل : المراد جنس الكفار القائلين بعدم البعث ، ثم إن الله تعالى أقام
nindex.php?page=treesubj&link=30340_30336الدلالة على صحة البعث بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=67أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ) والقراء كلهم على يذكر بالتشديد إلا
نافعا وابن عامر وعاصما قد خففوا ، أي أولا يتذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ، وإذا قرئ أولا يذكر فهو أقرب إلى المراد إذ الغرض التفكر والنظر في أنه إذا خلق من قبل لا من شيء فجائز أن يعاد ثانيا ، قال بعض العلماء : لو اجتمع كل الخلائق على إيراد حجة في البعث على هذا الاختصار لما قدروا عليها ، إذ لا شك أن الإعادة ثانيا أهون من الإيجاد أولا ، ونظيره قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=79قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ) [ يس : 79 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) [ الروم : 27 ] واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن المعدوم ليس بشيء وهو ضعيف ؛ لأن الإنسان عبارة عن مجموع جواهر متألفة قامت بها أعراض وهذا المجموع ما كان شيئا ، ولكن لم قلت إن كل واحد من تلك الأجزاء ما كان شيئا قبل كونه موجودا ؟ فإن قيل : كيف أمر تعالى الإنسان بالذكر مع أن الذكر هو العلم بما قد علمه من قبل ثم تخللهما سهو ؟ قلنا : المراد أولا يتفكر فيعلم ؟ خصوصا إذا قرئ أولا يذكر الإنسان بالتشديد أما إذا قرئ أولا يذكر بالتخفيف فالمراد أولا يعلم ذلك من حال نفسه ؛ لأن كل أحد يعلم أنه لم يكن حيا في الدنيا ثم صار حيا ، ثم إنه سبحانه لما قرر المطلوب بالدليل أردفه بالتهديد من وجوه :
أحدها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=68فوربك لنحشرنهم والشياطين ) وفائدة القسم أمران :
أحدهما : أن العادة جارية بتأكيد الخبر باليمين .
والثاني : أن في
nindex.php?page=treesubj&link=31033_31042_28904إقسام الله تعالى باسمه مضافا إلى اسم رسوله - صلى الله عليه وسلم - تفخيما لشأنه - صلى الله عليه وسلم - ورفعا منه كما رفع من شأن السماء والأرض في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=23فورب السماء والأرض إنه لحق ) [ الذاريات : 23 ] والواو في (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=68والشياطين ) يجوز أن تكون للعطف ، وأن تكون بمعنى مع وهي بمعنى مع أوقع ، والمعنى أنهم يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم
nindex.php?page=treesubj&link=28766_30539يقرن كل كافر مع شيطان في سلسلة .
وثانيها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=68ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ) وهذا الإحضار يكون قبل إدخالهم جهنم ثم إنه تعالى يحضرهم على أذل صورة لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=68جثيا ) لأن البارك على ركبتيه صورته صورة الذليل أو صورته صورة العاجز ، فإن قيل هذا المعنى حاصل للكل بدليل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=28وترى كل أمة جاثية ) [ الجاثية : 28 ] والسبب فيه جريان العادة أن الناس في مواقف المطالبات من الملوك يتجاثون على ركبهم لما في ذلك من الاستنظار والقلق ، أو لما يدهمهم من شدة الأمر الذي لا يطيقون معه القيام على أرجلهم ، وإذا كان هذا عاما للكل فكيف يدل على مزيد ذل للكفار ؟ قلنا : لعل المراد أنهم يكونون من وقت الحشر إلى وقت الحضور في الموقف على هذه الحالة وذلك
[ ص: 207 ] يوجب مزيد الذل في حقهم .
وثالثها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=69ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ) والمراد بالشيعة وهي فعلة كفرقة وفئة الطائفة التي شاعت ، أي تبعت غاويا من الغواة قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ) [ الأنعام : 159 ] والمراد أنه تعالى يحضرهم أولا حول جهنم جثيا ثم يميز البعض من البعض ، فمن كان أشدهم تمردا في كفره خص بعذاب أعظم ؛ لأن عذاب الضال المضل يجب أن يكون فوق عذاب من يضل تبعا لغيره ، وليس عذاب من يتمرد ويتجبر كعذاب المقلد وليس عذاب من يورد الشبه في الباطل كعذاب من يقتدي به مع الغفلة قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=88الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ) [ النحل : 88 ] . وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=13وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ) [ العنكبوت : 13 ]
nindex.php?page=treesubj&link=29494_30525فبين تعالى أنه ينزع من كل فرقة من كان أشد عتوا وأشد تمردا ليعلم أن عذابه أشد ، ففائدة هذا التمييز التخصيص بشدة العذاب ، لا التخصيص بأصل العذاب ، فلذلك قال في جميعهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=70ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا ) ولا يقال أولى إلا مع اشتراك القوم في العذاب ، واختلفوا في إعراب أيهم فعن الخليل أنه مرتفع على الحكاية تقديره لننزعن الذين يقال فيهم أيهم أشد
nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه على أنه مبني على الضم لسقوط صدر الجملة التي هي صلة حتى لو جيء به لأعرب وقيل أيهم هو أشد .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=66وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=67أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=68فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=69ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=70ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=66وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=67أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=68فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=69ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=70ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا ) .
[ ص: 206 ] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِالْعِبَادَةِ وَالْمُصَابَرَةِ عَلَيْهَا فَكَأَنَّ سَائِلًا سَأَلَ وَقَالَ هَذِهِ الْعِبَادَاتُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا فِي الدُّنْيَا ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَقَدْ أَنْكَرَهَا قَوْمٌ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْحَشْرِ حَتَّى يَظْهَرَ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِبَادَةِ مُفِيدٌ فَلِهَذَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَ
nindex.php?page=treesubj&link=28760_32408مُنْكِرِي الْحَشْرِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=66وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا ) وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ وَالِاسْتِبْعَادِ ، وَذَكَرُوا فِي الْإِنْسَانِ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ يَكُونَ الْمُرَادُ الْجِنْسَ بِأَسْرِهِ ، فَإِنْ قِيلَ كُلُّهُمْ غَيْرُ قَائِلِينَ بِذَلِكَ فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْقَوْلُ ؟ قُلْنَا الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ لَمَّا كَانَتْ مَوْجُودَةً فِيمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِمْ صَحَّ إِسْنَادُهَا إِلَى جَمِيعِهِمْ ، كَمَا يُقَالُ : بَنُو فُلَانٍ قَتَلُوا فُلَانًا وَإِنَّمَا الْقَاتِلُ رَجُلٌ مِنْهُمْ .
وَالثَّانِي : أَنَّ هَذَا الِاسْتِبْعَادَ مَوْجُودٌ ابْتِدَاءً فِي طَبْعِ كُلِّ أَحَدٍ إِلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ تَرَكَ ذَلِكَ الِاسْتِبْعَادَ الْمَبْنِيَّ عَلَى مَحْضِ الطَّبْعِ بِالدَّلَالَةِ الْقَاطِعَةِ الَّتِي قَامَتْ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِهِ .
الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْسَانِ شَخْصٌ مُعَيَّنٌ فَقِيلَ : هُوَ
أَبُو جَهْلٍ ، وَقِيلَ : هُوَ
أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ جِنْسُ الْكُفَّارِ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ الْبَعْثِ ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقَامَ
nindex.php?page=treesubj&link=30340_30336الدَّلَالَةَ عَلَى صِحَّةِ الْبَعْثِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=67أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا ) وَالْقُرَّاءُ كُلُّهُمْ عَلَى يَذَّكَّرُ بِالتَّشْدِيدِ إِلَّا
نَافِعًا وَابْنَ عَامِرٍ وَعَاصِمًا قَدْ خَفَّفُوا ، أَيْ أَوَلَا يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ ، وَإِذَا قُرِئَ أَوَلَا يَذَّكَّرُ فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى الْمُرَادِ إِذِ الْغَرَضُ التَّفَكُّرُ وَالنَّظَرُ فِي أَنَّهُ إِذَا خُلِقَ مِنْ قَبْلُ لَا مِنْ شَيْءٍ فَجَائِزٌ أَنْ يُعَادَ ثَانِيًا ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : لَوِ اجْتَمَعَ كُلُّ الْخَلَائِقِ عَلَى إِيرَادِ حُجَّةٍ فِي الْبَعْثِ عَلَى هَذَا الِاخْتِصَارِ لَمَا قَدَرُوا عَلَيْهَا ، إِذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْإِعَادَةَ ثَانِيًا أَهْوَنُ مِنَ الْإِيجَادِ أَوَّلًا ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=79قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ) [ يس : 79 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) [ الرُّومِ : 27 ] وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ جَوَاهِرَ مُتَأَلِّفَةٍ قَامَتْ بِهَا أَعْرَاضٌ وَهَذَا الْمَجْمُوعُ مَا كَانَ شَيْئًا ، وَلَكِنْ لِمَ قُلْتَ إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ مَا كَانَ شَيْئًا قَبْلَ كَوْنِهِ مَوْجُودًا ؟ فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ أَمَرَ تَعَالَى الْإِنْسَانَ بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ الذِّكْرَ هُوَ الْعِلْمُ بِمَا قَدْ عَلِمَهُ مِنْ قَبْلُ ثُمَّ تَخَلَّلَهُمَا سَهْوٌ ؟ قُلْنَا : الْمُرَادُ أَوَلَا يَتَفَكَّرُ فَيَعْلَمَ ؟ خُصُوصًا إِذَا قُرِئَ أَوَلَا يَذَّكَّرُ الْإِنْسَانُ بِالتَّشْدِيدِ أَمَّا إِذَا قُرِئَ أَوَلَا يَذْكُرُ بِالتَّخْفِيفِ فَالْمُرَادُ أَوَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ حَالِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَيًّا فِي الدُّنْيَا ثُمَّ صَارَ حَيًّا ، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا قَرَّرَ الْمَطْلُوبَ بِالدَّلِيلِ أَرْدَفَهُ بِالتَّهْدِيدِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=68فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ) وَفَائِدَةُ الْقَسَمِ أَمْرَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِتَأْكِيدِ الْخَبَرِ بِالْيَمِينِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=31033_31042_28904إِقْسَامِ اللَّهِ تَعَالَى بِاسْمِهِ مُضَافًا إِلَى اسْمِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَفْخِيمًا لِشَأْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَفْعًا مِنْهُ كَمَا رَفَعَ مِنْ شَأْنِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=23فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ ) [ الذَّارِيَاتِ : 23 ] وَالْوَاوُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=68وَالشَّيَاطِينَ ) يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْعَطْفِ ، وَأَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى مَعَ وَهِيَ بِمَعْنَى مَعَ أَوْقَعُ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ مَعَ قُرَنَائِهِمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ الَّذِينَ أَغْوَوْهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=28766_30539يُقْرَنُ كُلُّ كَافِرٍ مَعَ شَيْطَانٍ فِي سِلْسِلَةٍ .
وَثَانِيهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=68ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ) وَهَذَا الْإِحْضَارُ يَكُونُ قَبْلَ إِدْخَالِهِمْ جَهَنَّمَ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى يُحْضِرُهُمْ عَلَى أَذَلِّ صُورَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=68جِثِيًّا ) لِأَنَّ الْبَارِكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ صُورَتُهُ صُورَةُ الذَّلِيلِ أَوْ صُورَتُهُ صُورَةُ الْعَاجِزِ ، فَإِنَّ قِيلَ هَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ لِلْكُلِّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=28وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ) [ الْجَاثِيَةِ : 28 ] وَالسَّبَبُ فِيهِ جَرَيَانُ الْعَادَةِ أَنَّ النَّاسَ فِي مَوَاقِفِ الْمُطَالَبَاتِ مِنَ الْمُلُوكِ يَتَجَاثَوْنَ عَلَى رُكَبِهِمْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الِاسْتِنْظَارِ وَالْقَلَقِ ، أَوْ لِمَا يَدْهَمُهُمْ مِنْ شِدَّةِ الْأَمْرِ الَّذِي لَا يُطِيقُونَ مَعَهُ الْقِيَامَ عَلَى أَرْجُلِهِمْ ، وَإِذَا كَانَ هَذَا عَامًّا لِلْكُلِّ فَكَيْفَ يَدُلُّ عَلَى مَزِيدِ ذُلٍّ لِلْكُفَّارِ ؟ قُلْنَا : لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ مِنْ وَقْتِ الْحَشْرِ إِلَى وَقْتِ الْحُضُورِ فِي الْمَوْقِفِ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَذَلِكَ
[ ص: 207 ] يُوجِبُ مَزِيدَ الذُّلِّ فِي حَقِّهِمْ .
وَثَالِثُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=69ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ) وَالْمُرَادُ بِالشِّيعَةِ وَهِيَ فِعْلَةٌ كَفِرْقَةٍ وَفِئَةٍ الطَّائِفَةُ الَّتِي شَاعَتْ ، أَيْ تَبِعَتْ غَاوِيًا مِنَ الْغُوَاةِ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ) [ الْأَنْعَامِ : 159 ] وَالْمُرَادُ أَنَّهُ تَعَالَى يُحْضِرُهُمْ أَوَّلًا حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ثُمَّ يُمَيِّزُ الْبَعْضَ مِنَ الْبَعْضِ ، فَمَنْ كَانَ أَشَدَّهُمْ تَمَرُّدًا فِي كُفْرِهِ خُصَّ بِعَذَابٍ أَعْظَمَ ؛ لِأَنَّ عَذَابَ الضَّالِّ الْمُضِلِّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ عَذَابِ مَنْ يَضِلُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ ، وَلَيْسَ عَذَابُ مَنْ يَتَمَرَّدُ وَيَتَجَبَّرُ كَعَذَابِ الْمُقَلِّدِ وَلَيْسَ عَذَابُ مَنْ يُورِدُ الشُّبَهَ فِي الْبَاطِلِ كَعَذَابِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ مَعَ الْغَفْلَةِ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=88الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ ) [ النَّحْلِ : 88 ] . وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=13وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ ) [ الْعَنْكَبُوتِ : 13 ]
nindex.php?page=treesubj&link=29494_30525فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ يَنْزِعُ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مَنْ كَانَ أَشَدَّ عُتُوًّا وَأَشَدَّ تَمَرُّدًا لِيَعْلَمَ أَنَّ عَذَابَهُ أَشَدُّ ، فَفَائِدَةُ هَذَا التَّمْيِيزِ التَّخْصِيصُ بِشِدَّةِ الْعَذَابِ ، لَا التَّخْصِيصُ بِأَصْلِ الْعَذَابِ ، فَلِذَلِكَ قَالَ فِي جَمِيعِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=70ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا ) وَلَا يُقَالُ أَوْلَى إِلَّا مَعَ اشْتِرَاكِ الْقَوْمِ فِي الْعَذَابِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي إِعْرَابِ أَيُّهُمْ فَعَنِ الْخَلِيلِ أَنَّهُ مُرْتَفِعٌ عَلَى الْحِكَايَةِ تَقْدِيرُهُ لَنَنْزِعَنَّ الَّذِينَ يُقَالُ فِيهِمْ أَيُّهُمْ أَشَدُّ
nindex.php?page=showalam&ids=16076وَسِيبَوَيْهِ عَلَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لِسُقُوطِ صَدْرِ الْجُمْلَةِ الَّتِي هِيَ صِلَةٌ حَتَّى لَوْ جِيءَ بِهِ لَأُعْرِبَ وَقِيلَ أَيُّهُمْ هُوَ أَشَدُّ .