(
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=33جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير )
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=33nindex.php?page=treesubj&link=29006_29680_30384_30395_30414_30394جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ) .
وفي الداخلين وجوه :
أحدها : الأقسام الثلاثة ، وهي على قولنا : إن الظالم والمقتصد والسابق أقسام المؤمنين .
والثاني : الذين يتلون كتاب الله .
والثالث : هم السابقون وهو أقوى لقرب ذكرهم ؛ ولأنه ذكر إكرامهم بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=33يحلون ) فالمكرم هو السابق ، وعلى هذا فيه أبحاث :
الأول : تقديم الفاعل على الفعل ، وتأخير المفعول عنه موافق لترتيب المعنى إذا كان المفعول حقيقيا ، كقولنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=19الله خلق السماوات ) ( إبراهيم : 19 ) وقول القائل : زيد بنى الجدار ، فإن الله موجود قبل كل شيء ، ثم له فعل هو الخلق ، ثم حصل به المفعول وهو السماوات ، وكذلك زيد قبل البناء ثم الجدار من بنائه ، وإذا لم يكن المفعول حقيقيا ، كقولنا : زيد دخل الدار وضرب عمرا فإن الدار في الحقيقة ليس مفعولا للداخل وإنما فعل من أفعاله تحقق بالنسبة إلى الدار ، وكذلك عمرو فعل من أفعال زيد تعلق به فسمي مفعولا لا يحصل هذا الترتيب ، ولكن الأصل تقديم الفاعل على المفعول ، ولهذا يعاد المفعول المقدم بالضمير ، تقول : عمرا ضربه زيد ، فتوقعه بعد الفعل بالهاء العائدة إليه ، وحينئذ يطول الكلام فلا يختاره الحكيم إلا لفائدة ، فما الفائدة في تقديم الجنات على الفعل الذي هو الدخول ، وإعادة ذكرها بالهاء في يدخلونها ، وما الفرق بين هذا وبين قول القائل يدخلون جنات عدن ؟ نقول : السامع إذا علم أن له مدخلا من المداخل وله دخول ولم يعلم عين المدخل ، فإذا قيل له : أنت تدخل ، فإلى أن يسمع الدار أو السوق يبقى متعلق القلب بأنه في أي المداخل يكون ، فإذا قيل له : دار زيد تدخلها ، فبذكر الدار يعلم مدخله وبما عنده من العلم السابق بأن له دخولا يعلم الدخول ، فلا يبقى له توقف ولا سيما الجنة والنار ، فإن بين المدخلين بونا بعيدا .
الثاني : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=33يحلون فيها ) إشارة إلى سرعة الدخول فإن التحلية لو وقعت خارجا لكان فيه تأخير الدخول ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=33يدخلونها ) وفيها تقع تحليتهم .
الثالث : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=33من أساور ) بجمع الجمع فإنه جمع أسورة وهي جمع سوار ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=33ولباسهم فيها حرير ) ليس كذلك ؛ لأن الإكثار من اللباس يدل على حاجة من دفع برد أو غيره ، والإكثار من الزينة لا يدل إلا على الغنى .
الرابع : ذكر الأساور من بين سائر الحلي في كثير من المواضع منها قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=21وحلوا أساور من فضة ) ( الإنسان : 21 ) وذلك لأن التحلي بمعنيين :
أحدهما : إظهار كون المتحلي غير مبتذل في الأشغال ؛ لأن التحلي لا يكون حالة الطبخ والغسل .
وثانيهما : إظهار الاستغناء عن الأشياء وإظهار القدرة على الأشياء ؛ وذلك لأن التحلي إما باللآلئ والجواهر ، وإما بالذهب والفضة ، والتحلي بالجواهر واللآلئ يدل على أن المتحلي لا يعجز عن الوصول إلى الأشياء الكبيرة عند الحاجة حيث يعجز عن الوصول إلى الأشياء القليلة الوجود لا لحاجة ، والتحلي بالذهب والفضة يدل على أنه غير محتاج حاجة أصلية ، وإلا لصرف الذهب والفضة إلى دفع الحاجة ، إذا عرفت هذا فنقول : الأساور محلها الأيدي وأكثر الأعمال باليد فإنها للبطش ، فإذا حليت بالأساور علم الفراغ ، والذهب واللؤلؤ إشارة إلى النوعين اللذين منهما الحلي .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=33جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ )
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=33nindex.php?page=treesubj&link=29006_29680_30384_30395_30414_30394جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ) .
وَفِي الدَّاخِلِينَ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ ، وَهِيَ عَلَى قَوْلِنَا : إِنَّ الظَّالِمَ وَالْمُقْتَصِدَ وَالسَّابِقَ أَقْسَامُ الْمُؤْمِنِينَ .
وَالثَّانِي : الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ .
وَالثَّالِثُ : هُمُ السَّابِقُونَ وَهُوَ أَقْوَى لِقُرْبِ ذِكْرِهِمْ ؛ وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ إِكْرَامَهُمْ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=33يُحَلَّوْنَ ) فَالْمُكَرَّمُ هُوَ السَّابِقُ ، وَعَلَى هَذَا فِيهِ أَبْحَاثٌ :
الْأَوَّلُ : تَقْدِيمُ الْفَاعِلِ عَلَى الْفِعْلِ ، وَتَأْخِيرُ الْمَفْعُولِ عَنْهُ مُوَافِقٌ لِتَرْتِيبِ الْمَعْنَى إِذَا كَانَ الْمَفْعُولُ حَقِيقِيًّا ، كَقَوْلِنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=19اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ ) ( إِبْرَاهِيمَ : 19 ) وَقَوْلِ الْقَائِلِ : زَيْدٌ بَنَى الْجِدَارَ ، فَإِنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، ثُمَّ لَهُ فِعْلٌ هُوَ الْخَلْقُ ، ثُمَّ حَصَلَ بِهِ الْمَفْعُولُ وَهُوَ السَّمَاوَاتُ ، وَكَذَلِكَ زَيْدٌ قَبْلَ الْبِنَاءِ ثُمَّ الْجِدَارُ مِنْ بِنَائِهِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَفْعُولُ حَقِيقِيًّا ، كَقَوْلِنَا : زَيْدٌ دَخَلَ الدَّارَ وَضَرَبَ عَمْرًا فَإِنَّ الدَّارَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ مَفْعُولًا لِلدَّاخِلِ وَإِنَّمَا فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِهِ تَحَقَّقَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الدَّارِ ، وَكَذَلِكَ عَمْرٌو فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ زَيْدٍ تَعَلَّقَ بِهِ فَسُمِّيَ مَفْعُولًا لَا يَحْصُلُ هَذَا التَّرْتِيبُ ، وَلَكِنَّ الْأَصْلَ تَقْدِيمُ الْفَاعِلِ عَلَى الْمَفْعُولِ ، وَلِهَذَا يُعَادُ الْمَفْعُولُ الْمُقَدَّمُ بِالضَّمِيرِ ، تَقُولُ : عَمْرًا ضَرَبَهُ زَيْدٌ ، فَتُوقِعُهُ بَعْدَ الْفِعْلِ بِالْهَاءِ الْعَائِدَةِ إِلَيْهِ ، وَحِينَئِذٍ يَطُولُ الْكَلَامُ فَلَا يَخْتَارُهُ الْحَكِيمُ إِلَّا لِفَائِدَةٍ ، فَمَا الْفَائِدَةُ فِي تَقْدِيمِ الْجَنَّاتِ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الدُّخُولُ ، وَإِعَادَةُ ذِكْرُهَا بِالْهَاءِ فِي يَدْخُلُونَهَا ، وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ يَدْخُلُونَ جَنَّاتِ عَدْنٍ ؟ نَقُولُ : السَّامِعُ إِذَا عَلِمَ أَنَّ لَهُ مَدْخَلًا مِنَ الْمَدَاخِلِ وَلَهُ دُخُولٌ وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَ الْمَدْخَلِ ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ : أَنْتَ تَدْخُلُ ، فَإِلَى أَنْ يَسْمَعَ الدَّارَ أَوِ السُّوقَ يَبْقَى مُتَعَلِّقَ الْقَلْبِ بِأَنَّهُ فِي أَيِّ الْمَدَاخِلِ يَكُونُ ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ : دَارَ زَيْدٍ تَدْخُلُهَا ، فَبِذِكْرِ الدَّارِ يَعْلَمُ مَدْخَلَهُ وَبِمَا عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ السَّابِقِ بِأَنَّ لَهُ دُخُولًا يَعْلَمُ الدُّخُولَ ، فَلَا يَبْقَى لَهُ تَوَقُّفٌ وَلَا سِيَّمَا الْجَنَّةُ وَالنَّارُ ، فَإِنَّ بَيْنَ الْمَدْخَلَيْنِ بَوْنًا بَعِيدًا .
الثَّانِي : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=33يُحَلَّوْنَ فِيهَا ) إِشَارَةٌ إِلَى سُرْعَةِ الدُّخُولِ فَإِنَّ التَّحْلِيَةَ لَوْ وَقَعَتْ خَارِجًا لَكَانَ فِيهِ تَأْخِيرُ الدُّخُولِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=33يَدْخُلُونَهَا ) وَفِيهَا تَقَعُ تَحْلِيَتُهُمْ .
الثَّالِثُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=33مِنْ أَسَاوِرَ ) بِجَمْعِ الْجَمْعِ فَإِنَّهُ جَمَعَ أَسْوِرَةً وَهِيَ جَمْعُ سِوَارٍ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=33وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ) لَيْسَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِكْثَارَ مِنَ اللِّبَاسِ يَدُلُّ عَلَى حَاجَةٍ مِنْ دَفْعِ بَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَالْإِكْثَارُ مِنَ الزِّينَةِ لَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى الْغِنَى .
الرَّابِعُ : ذَكَرَ الْأَسَاوِرَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحُلِيِّ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=21وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ ) ( الْإِنْسَانِ : 21 ) وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّحَلِّيَ بِمَعْنَيَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : إِظْهَارُ كَوْنِ الْمُتَحَلِّي غَيْرَ مُبْتَذَلٍ فِي الْأَشْغَالِ ؛ لِأَنَّ التَّحَلِّيَ لَا يَكُونُ حَالَةَ الطَّبْخِ وَالْغَسْلِ .
وَثَانِيهِمَا : إِظْهَارُ الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الْأَشْيَاءِ وَإِظْهَارُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَشْيَاءِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّحَلِّيَ إِمَّا بِاللَّآلِئِ وَالْجَوَاهِرِ ، وَإِمَّا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَالتَّحَلِّي بِالْجَوَاهِرِ وَاللَّآلِئِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُتَحَلِّيَ لَا يَعْجِزُ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْأَشْيَاءِ الْكَبِيرَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ حَيْثُ يَعْجِزُ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْأَشْيَاءِ الْقَلِيلَةِ الْوُجُودِ لَا لِحَاجَةٍ ، وَالتَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ حَاجَةً أَصْلِيَّةً ، وَإِلَّا لَصَرَفَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ إِلَى دَفْعِ الْحَاجَةِ ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : الْأَسَاوِرُ مَحَلُّهَا الْأَيْدِي وَأَكْثَرُ الْأَعْمَالِ بِالْيَدِ فَإِنَّهَا لِلْبَطْشِ ، فَإِذَا حُلِّيَتْ بِالْأَسَاوِرِ عُلِمَ الْفَرَاغُ ، وَالذَّهَبُ وَاللُّؤْلُؤُ إِشَارَةٌ إِلَى النَّوْعَيْنِ اللَّذَيْنِ مِنْهُمَا الْحُلِيُّ .