(
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37nindex.php?page=treesubj&link=30437_30440_30539_29006وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=38إن الله عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور )
(
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37وهم يصطرخون فيها ) أي لا يخفف ، وإن اصطرخوا واضطربوا لا يخفف الله من عنده إنعاما إلى أن يطلبوه ، بل يطلبون ولا يجدون ، والاصطراخ من الصراخ ، والصراخ صوت المعذب .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37ربنا أخرجنا ) أي صراخهم بهذا ، أي يقولون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37ربنا أخرجنا ) لأن صراخهم كلام ، وفيه إشارة إلى أن إيلامهم تعذيب لا تأديب ، وذلك لأن المؤدب إذا قال لمؤدبه : لا أرجع إلى ما فعلت وبئسما
[ ص: 27 ] فعلت يتركه ، وأما المعذب فلا ، وترتيبه حسن ؛ وذلك لأنه لما بين أنه لا يخفف عنهم بالكلية ، ولا يعفو عنهم ، بين أنه لا يقبل منهم وعدا ؛ وهذا لأن المحبوس يصبر لعله يخرج من غير سؤال ، فإذا طال لبثه تطلب الإخراج من غير قطيعة على نفسه ، فإن لم يفده يقطع على نفسه قطيعة ويقول : أخرجني أفعل كذا وكذا .
واعلم أن الله تعالى قد بين أن من يكون في الدنيا ضالا ، فهو في الآخرة ضال ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=72ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى ) ( الإسراء : 72 ) ثم إنهم لم يعلموا أن العود إلى الدنيا بعيد محال بحكم الإخبار .
وعلى هذا قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37نعمل صالحا ) جازمين من غير استعانة بالله ولا مثنوية فيه ، ولم يقولوا : إن الأمر بيد الله ، فقال الله لهم : إذا كان اعتمادكم على أنفسكم ، فقد عمرناكم مقدارا يمكن التذكر فيه والإتيان بالإيمان والإقبال على الأعمال .
وقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37غير الذي كنا نعمل ) إشارة إلى ظهور فساد عملهم لهم ، وكأن الله تعالى كما لم يهدهم في الدنيا لم يهدهم في الآخرة ، فما قالوا : ربنا زدت للمحسنين حسنات بفضلك لا بعملهم ، ونحن أحوج إلى تخفيف العذاب منهم إلى تضعيف الثواب ، فافعل بنا ما أنت أهله نظرا إلى فضلك ، ولا تفعل بنا ما نحن أهله نظرا إلى عدلك ، وانظر إلى مغفرتك الهاطلة ، ولا تنظر إلى معذرتنا الباطلة ، وكما هدى الله المؤمن في الدنيا هداه في العقبى حتى دعاه بأقرب دعاء إلى الإجابة ، وأثنى عليه بأطيب ثناء عند الإنابة ، فقالوا : الحمد لله ، وقالوا : ربنا غفور اعترافا بتقصيرهم ، شكور إقرارا بوصول ما لم يخطر ببالهم إليهم ، وقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=35أحلنا دار المقامة من فضله ) أي لا عمل لنا بالنسبة إلى نعم الله ، وهم قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37أخرجنا نعمل صالحا ) إغماضا في حق تعظيمه ، وإعراضا عن الاعتراف بعجزهم عن الإتيان بما يناسب عظمته ، ثم إنه تعالى بين أنه
nindex.php?page=treesubj&link=32026_31037آتاهم ما يتعلق بقبول المحل من العمر الطويل وما يتعلق بالفاعل في المحل ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كفاعل الخير فيهم ومظهر السعادات .
فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير ) .
فإن المانع إما أن يكون فيهم حيث لم يتمكنوا من النظر فيما أنزل الله ، وإما أن يكون في مرشدهم حيث لم يتل عليهم ما يرشدهم .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37فذوقوا فما للظالمين من نصير ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37فذوقوا ) إشارة إلى الدوام وهو أمر إهانة ، فما للظالمين الذين وضعوا أعمالهم وأقوالهم في غير موضعها وأتوا بالمعذرة في غير وقتها من نصير في وقت الحاجة ينصرهم ، قال بعض الحكماء : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37فما للظالمين من نصير ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=270وما للظالمين من أنصار ) ( البقرة : 270 ) يحتمل أن يكون المراد من الظالم الجاهل جهلا مركبا ، وهو
nindex.php?page=treesubj&link=30539_30437الذي يعتقد الباطل حقا في الدنيا ، ( وما له من نصير ) أي من علم ينفعه في الآخرة ، والذي يدل عليه هو أن الله تعالى سمى البرهان سلطانا ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10فأتونا بسلطان ) ( إبراهيم : 10 ) والسلطان أقوى ناصر إذ هو القوة أو الولاية ، وكلاهما ينصر والحق التعميم ، لأن الله لا ينصره وليس غيره نصيرا ، فما لهم من نصير أصلا ، ويمكن أن يقال : إن الله تعالى قال في آل عمران : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=192وما للظالمين من أنصار ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=29فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين )
[ ص: 28 ] [الروم : 29] وقال ههنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37فما للظالمين من نصير ) أي هذا وقت كونهم واقعين في النار ، فقد أيس كل منهم من كثير ممن كانوا يتوقعون منهم النصرة ، ولم يبق إلا توقعهم من الله ، فقال : ( ما لكم من نصير ) أصلا ، وهناك كان الأمر محكيا في الدنيا أو في أوائل الحشر ، فنفى ما كانوا يتوقعون منهم النصرة وهم آلهتهم .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=38إن الله عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور ) .
تقريرا لدوامهم في العذاب ، وذلك من حيث إن الله تعالى لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وجزاء سيئة سيئة مثلها ) [الشورى : 40] ولا يزاد عليها ، فلو قال قائل : الكافر ما كفر بالله إلا أياما معدودة ، فكان ينبغي أن لا يعذب إلى مثل تلك الأيام ، فقال تعالى : إن
nindex.php?page=treesubj&link=28781الله لا يخفى عليه غيب السماوات فلا يخفى عليه ما في الصدور ، وكان يعلم من الكافر أن في قلبه تمكن الكفر بحيث لو دام إلى الأبد لما أطاع الله ولا عبده .
وفي قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=38بذات الصدور ) مسألة قد ذكرناها مرة ونعيدها أخرى ، وهي أن لقائل أن يقول : الصدور هي ذات اعتقادات وظنون ، فكيف سمى الله الاعتقادات بذات الصدور ؟ ويقرر السؤال قولهم : أرض ذات أشجار وذات جنى إذا كان فيها ذلك ، فكذلك الصدر فيه اعتقاد فهو ذو اعتقاد ، فيقال له : لما كان اعتبار الصدر بما فيه صار ما فيه كالساكن المالك حيث لا يقال : الدار ذات زيد ، ويصح أن يقال : زيد ذو دار ومال ، وإن كان هو فيها .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37nindex.php?page=treesubj&link=30437_30440_30539_29006وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=38إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ )
(
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا ) أَيْ لَا يُخَفَّفُ ، وَإِنِ اصْطَرَخُوا وَاضْطَرَبُوا لَا يُخَفِّفُ اللَّهُ مِنْ عِنْدِهِ إِنْعَامًا إِلَى أَنْ يَطْلُبُوهُ ، بَلْ يَطْلُبُونَ وَلَا يَجِدُونَ ، وَالِاصْطِرَاخُ مِنَ الصُّرَاخِ ، وَالصُّرَاخُ صَوْتُ الْمُعَذَّبِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37رَبَّنَا أَخْرِجْنَا ) أَيْ صُرَاخُهُمْ بِهَذَا ، أَيْ يَقُولُونَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37رَبَّنَا أَخْرِجْنَا ) لِأَنَّ صُرَاخَهُمْ كَلَامٌ ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ إِيلَامَهُمْ تَعْذِيبٌ لَا تَأْدِيبٌ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤَدَّبَ إِذَا قَالَ لِمُؤَدِّبِهِ : لَا أَرْجِعُ إِلَى مَا فَعَلْتُ وَبِئْسَمَا
[ ص: 27 ] فَعَلْتُ يَتْرُكُهُ ، وَأَمَّا الْمُعَذَّبُ فَلَا ، وَتَرْتِيبُهُ حَسَنٌ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُخَفِّفُ عَنْهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَلَا يَعْفُو عَنْهُمْ ، بَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ وَعْدًا ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَحْبُوسَ يَصْبِرُ لَعَلَّهُ يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ ، فَإِذَا طَالَ لُبْثُهُ تَطَلَّبَ الْإِخْرَاجَ مِنْ غَيْرِ قَطِيعَةٍ عَلَى نَفْسِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَفْدِهِ يَقْطَعُ عَلَى نَفْسِهِ قَطِيعَةً وَيَقُولُ : أَخْرِجْنِي أَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا .
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ أَنَّ مَنْ يَكُونُ فِي الدُّنْيَا ضَالًّا ، فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ ضَالٌّ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=72وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى ) ( الْإِسْرَاءِ : 72 ) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الْعَوْدَ إِلَى الدُّنْيَا بَعِيدٌ مُحَالٌ بِحُكْمِ الْإِخْبَارِ .
وَعَلَى هَذَا قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37نَعْمَلْ صَالِحًا ) جَازِمِينَ مِنْ غَيْرِ اسْتِعَانَةٍ بِاللَّهِ وَلَا مَثْنَوِيَّةٍ فِيهِ ، وَلَمْ يَقُولُوا : إِنَّ الْأَمْرَ بِيَدِ اللَّهِ ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ : إِذَا كَانَ اعْتِمَادُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، فَقَدْ عَمَّرْنَاكُمْ مِقْدَارًا يُمْكِنُ التَّذَكُّرُ فِيهِ وَالْإِتْيَانُ بِالْإِيمَانِ وَالْإِقْبَالُ عَلَى الْأَعْمَالِ .
وَقَوْلُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ) إِشَارَةٌ إِلَى ظُهُورِ فَسَادِ عَمَلِهِمْ لَهُمْ ، وَكَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَمَا لَمْ يَهْدِهِمْ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَهْدِهِمْ فِي الْآخِرَةِ ، فَمَا قَالُوا : رَبُّنَا زِدْتَ لِلْمُحْسِنِينَ حَسَنَاتٍ بِفَضْلِكَ لَا بِعَمَلِهِمْ ، وَنَحْنُ أَحْوَجُ إِلَى تَخْفِيفِ الْعَذَابِ مِنْهُمْ إِلَى تَضْعِيفِ الثَّوَابِ ، فَافْعَلْ بِنَا مَا أَنْتَ أَهْلُهُ نَظَرًا إِلَى فَضْلِكَ ، وَلَا تَفْعَلْ بِنَا مَا نَحْنُ أَهْلُهُ نَظَرًا إِلَى عَدْلِكَ ، وَانْظُرْ إِلَى مَغْفِرَتِكَ الْهَاطِلَةِ ، وَلَا تَنْظُرْ إِلَى مَعْذِرَتِنَا الْبَاطِلَةِ ، وَكَمَا هَدَى اللَّهُ الْمُؤْمِنَ فِي الدُّنْيَا هَدَاهُ فِي الْعُقْبَى حَتَّى دَعَاهُ بِأَقْرَبِ دُعَاءٍ إِلَى الْإِجَابَةِ ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِأَطْيَبِ ثَنَاءٍ عِنْدَ الْإِنَابَةِ ، فَقَالُوا : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَقَالُوا : رَبُّنَا غَفُورٌ اعْتِرَافًا بِتَقْصِيرِهِمْ ، شَكُورٌ إِقْرَارًا بِوُصُولِ مَا لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِمْ إِلَيْهِمْ ، وَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=35أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ ) أَيْ لَا عَمَلَ لَنَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى نِعَمِ اللَّهِ ، وَهُمْ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا ) إِغْمَاضًا فِي حَقِّ تَعْظِيمِهِ ، وَإِعْرَاضًا عَنِ الِاعْتِرَافِ بِعَجْزِهِمْ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمَا يُنَاسِبُ عَظَمَتَهُ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=32026_31037آتَاهُمْ مَا يَتَعَلَّقُ بِقَبُولِ الْمَحَلِّ مِنَ الْعُمْرِ الطَّوِيلِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَاعِلِ فِي الْمَحَلِّ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَاعِلِ الْخَيْرِ فِيهِمْ وَمُظْهِرِ السَّعَادَاتِ .
فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ) .
فَإِنَّ الْمَانِعَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ حَيْثُ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنَ النَّظَرِ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي مُرْشِدِهِمْ حَيْثُ لَمْ يَتْلُ عَلَيْهِمْ مَا يُرْشِدُهُمْ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37فَذُوقُوا ) إِشَارَةٌ إِلَى الدَّوَامِ وَهُوَ أَمَرُّ إِهَانَةً ، فَمَا لِلظَّالِمِينَ الَّذِينَ وَضَعُوا أَعْمَالَهُمْ وَأَقْوَالَهُمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَأَتَوْا بِالْمَعْذِرَةِ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا مِنْ نَصِيرٍ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ يَنْصُرُهُمْ ، قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=270وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ) ( الْبَقَرَةِ : 270 ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الظَّالِمِ الْجَاهِلَ جَهْلًا مُرَكَّبًا ، وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=30539_30437الَّذِي يَعْتَقِدُ الْبَاطِلَ حَقًّا فِي الدُّنْيَا ، ( وَمَا لَهُ مِنْ نَصِيرٍ ) أَيْ مِنْ عِلْمٍ يَنْفَعُهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْبُرْهَانَ سُلْطَانًا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ ) ( إِبْرَاهِيمَ : 10 ) وَالسُّلْطَانُ أَقْوَى نَاصِرٍ إِذْ هُوَ الْقُوَّةُ أَوِ الْوِلَايَةُ ، وَكِلَاهُمَا يَنْصُرُ وَالْحَقُّ التَّعْمِيمُ ، لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَنْصُرُهُ وَلَيْسَ غَيْرُهُ نَصِيرًا ، فَمَا لَهُمْ مِنْ نَصِيرٍ أَصْلًا ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي آلِ عِمْرَانَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=192وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=29فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ )
[ ص: 28 ] [الرُّومِ : 29] وَقَالَ هَهُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ) أَيْ هَذَا وَقْتُ كَوْنِهِمْ وَاقِعِينَ فِي النَّارِ ، فَقَدْ أَيِسَ كُلٌّ مِنْهُمْ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّنْ كَانُوا يَتَوَقَّعُونَ مِنْهُمُ النُّصْرَةَ ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا تَوَقُّعُهُمْ مِنَ اللَّهِ ، فَقَالَ : ( مَا لَكُمْ مِنْ نَصِيرٍ ) أَصْلًا ، وَهُنَاكَ كَانَ الْأَمْرُ مَحْكِيًّا فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي أَوَائِلِ الْحَشْرِ ، فَنَفَى مَا كَانُوا يَتَوَقَّعُونَ مِنْهُمُ النُّصْرَةَ وَهُمْ آلِهَتُهُمْ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=38إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) .
تَقْرِيرًا لِدَوَامِهِمْ فِي الْعَذَابِ ، وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ) [الشُّورَى : 40] وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا ، فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ : الْكَافِرُ مَا كَفَرَ بِاللَّهِ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَذَّبَ إِلَى مِثْلِ تِلْكَ الْأَيَّامِ ، فَقَالَ تَعَالَى : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28781اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا فِي الصُّدُورِ ، وَكَانَ يَعْلَمُ مِنَ الْكَافِرِ أَنَّ فِي قَلْبِهِ تَمَكُّنُ الْكُفْرِ بِحَيْثُ لَوْ دَامَ إِلَى الْأَبَدِ لَمَا أَطَاعَ اللَّهَ وَلَا عَبَدَهُ .
وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=38بِذَاتِ الصُّدُورِ ) مَسْأَلَةٌ قَدْ ذَكَرْنَاهَا مَرَّةً وَنُعِيدُهَا أُخْرَى ، وَهِيَ أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : الصُّدُورُ هِيَ ذَاتُ اعْتِقَادَاتٍ وَظُنُونٍ ، فَكَيْفَ سَمَّى اللَّهُ الِاعْتِقَادَاتِ بِذَاتِ الصُّدُورِ ؟ وَيُقَرِّرُ السُّؤَالَ قَوْلُهُمْ : أَرْضٌ ذَاتُ أَشْجَارٍ وَذَاتُ جَنًى إِذَا كَانَ فِيهَا ذَلِكَ ، فَكَذَلِكَ الصَّدْرُ فِيهِ اعْتِقَادٌ فَهُوَ ذُو اعْتِقَادٍ ، فَيُقَالُ لَهُ : لَمَّا كَانَ اعْتِبَارُ الصَّدْرِ بِمَا فِيهِ صَارَ مَا فِيهِ كَالسَّاكِنِ الْمَالِكِ حَيْثُ لَا يُقَالُ : الدَّارُ ذَاتُ زَيْدٍ ، وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : زَيْدٌ ذُو دَارٍ وَمَالٍ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ فِيهَا .