(
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=39هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=41إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=39هو الذي جعلكم خلائف في الأرض ) .
تقريرا لقطع حجتهم ، فإنهم لما قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37ربنا أخرجنا نعمل صالحا ) وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37أولم نعمركم ما يتذكر ) إشارة إلى أن التمكين والإمهال مدة يمكن فيها المعرفة قد حصل وما آمنتم وزاد عليه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37وجاءكم النذير ) أي آتيناكم عقولا ، وأرسلنا إليكم من يؤيد المعقول بالدليل المنقول زاد على ذلك بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=39هو الذي جعلكم خلائف في الأرض ) أي نبهكم بمن مضى وحال من انقضى ، فإنكم لو لم يحصل لكم علم بأن
nindex.php?page=treesubj&link=30539_30530_30532من كذب الرسل أهلك لكان عنادكم أخفى وفسادكم أخف ، لكن أمهلتم وعمرتم وأمرتم على لسان الرسل بما أمرتم وجعلتم خلائف في الأرض ، أي خليفة بعد خليفة تعلمون حال الماضين ، وتصبحون بحالهم راضين (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=39فمن كفر ) بعد هذا كله (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=39فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ) لأن الكافر السابق كان ممقوتا كالعبد الذي لا يخدم سيده ، واللاحق الذي أنذره الرسول ولم ينتبه أمقت كالعبد الذي ينصحه الناصح ويأمره بخدمة سيده ويعده ويوعده ولا ينفعه النصح ولا يسعده ، والتالي لهم الذي رأى عذاب من تقدم ولم يخش
[ ص: 29 ] عذابه أمقت الكل .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=39ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا ) أي
nindex.php?page=treesubj&link=30539_30525الكفر لا ينفع عند الله حيث لا يزيد إلا المقت ، ولا ينفعهم في أنفسهم حيث لا يفيدهم إلا الخسارة ، فإن العمر كرأس مال من اشترى به رضا الله ربح ، ومن اشترى به سخطه خسر .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا )
nindex.php?page=treesubj&link=29705_29706تقريرا للتوحيد وإبطالا للإشراك ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40أرأيتم ) المراد منه أخبروني ، لأن الاستفهام يستدعي جوابا ، يقول القائل : أرأيت ماذا فعل زيد ؟ فيقول السامع : باع أو اشترى ، ولولا تضمنه معنى أخبرني ، وإلا لما كان الجواب إلا قوله : لا أو نعم ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40شركاءكم ) إنما أضاف الشركاء إليهم من حيث إن الأصنام في الحقيقة لم تكن شركاء لله ، وإنما هم جعلوها شركاء ، فقال : شركاءكم ، أي الشركاء بجعلكم ، ويحتمل أن يقال : شركاءكم أي شركاءكم في النار لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=98إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ) [الأنبياء : 98] وهو قريب ، ويحتمل أن يقال : هو بعيد لاتفاق المفسرين على الأول ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40أروني ) بدل عن (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40أرأيتم ) لأن كليهما يفيد معنى أخبروني ، ويحتمل أن يقال : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40أرأيتم ) استفهام حقيقي ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40أروني ) أمر تعجيز للتبيين ، فلما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40أرأيتم ) يعني أعلمتم هذه التي تدعونها كما هي وعلى ما هي عليه من العجز أو تتوهمون فيها قدرة ، فإن كنتم تعلمونها عاجزة ، فكيف تعبدونها ؟ وإن كان وقع لكم أن لها قدرة ، فأروني قدرتها في أي شيء هي ، أهي في الأرض ، كما قال بعضهم : إن الله إله السماء وهؤلاء آلهة الأرض ، وهم الذين قالوا : أمور الأرض من الكواكب والأصنام صورها ؟ أم هي في السماوات ؟ كما قال بعضهم : إن السماء خلقت باستعانة الملائكة ، والملائكة شركاء في خلق السماوات ، وهذه الأصنام صورها ؟ أم قدرتها في الشفاعة لكم ، كما قال بعضهم : إن الملائكة ما خلقوا شيئا ، ولكنهم مقربون عند الله فنعبدها ليشفعوا لنا ، فهل معهم كتاب من الله فيه إذنه لهم بالشفاعة ؟ وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40أم آتيناهم كتابا ) في العائد إليه الضمير وجهان :
أحدهما : أنه عائد إلى الشركاء ، أي هل آتينا الشركاء كتابا .
وثانيهما : أنه عائد إلى المشركين ، أي هل آتينا المشركين كتابا وعلى الأول فمعناه ما ذكرنا ، أي هل مع ما جعل شريكا كتاب من الله فيه أن له شفاعة عند الله ، فإن أحدا لا يشفع عنده إلا بإذنه ، وعلى الثاني معناه أن عبادة هؤلاء إما بالعقل ، ولا عقل لمن يعبد من لم يخلق من الأرض جزءا من الأجزاء ، ولا في السماء شيئا من الأشياء ، وإما بالنقل ونحن ما آتينا المشركين كتابا فيه أمرنا بالسجود لهؤلاء ، ولو أمرنا لجاز كما أمرنا بالسجود
لآدم وإلى جهة الكعبة ، فهذه العبادة لا عقلية ولا نقلية ، فوعد بعضهم بعضا ليس إلا غرورا غرهم الشيطان ، وزين لهم عبادة الأصنام .
ثم لما بين أنه لا خلق للأصنام ولا قدرة لها ، ولا على جزء من الأجزاء بين أن
nindex.php?page=treesubj&link=33677_33679_28659الله قدير بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=41إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا ) ويحتمل أن يقال : لما بين شركهم ، قال مقتضى شركهم زوال السماوات والأرض ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=90تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=91أن دعوا للرحمن ولدا ) ( مريم : 90 ) ويدل على هذا قوله تعالى في آخر الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=41إنه كان حليما غفورا ) كان حليما ما ترك تعذيبهم إلا حلما منه ، وإلا كانوا يستحقون إسقاط السماء وانطباق الأرض عليهم ، وإنما أخر إزالة السماوات إلى قيام الساعة حلما ، وتحتمل الآية وجها ثالثا : وهو أن يكون
[ ص: 30 ] ذلك من باب التسليم ، وإثبات المطلوب على تقدير التسليم أيضا ، كأنه تعالى قال : شركاؤكم ما خلقوا من الأرض شيئا ، ولا في السماء جزءا ، ولا قدروا على الشفاعة ، فلا عبادة لهم . وهب أنهم فعلوا شيئا من الأشياء ، فهل يقدرون على إمساك السماوات والأرض ؟ ولا يمكنهم القول بأنهم يقدرون ؛ لأنهم ما كانوا يقولون به ، كما قال تعالى عنهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=25ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) ( لقمان : 25 ) ويؤيد هذا قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=41ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ) فإذا تبين أن لا معبود إلا الله من حيث إن غيره لم يخلق من الأشياء ، وإن قال الكافر بأن غيره خلق ، فما خلق مثل ما خلق ، فلا شريك له (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=41إنه كان حليما غفورا ) حليما حيث لم يعجل في إهلاكهم بعد إصرارهم على إشراكهم ، وغفورا
nindex.php?page=treesubj&link=29694_29693_19705يغفر لمن تاب ويرحمه وإن استحق العقاب .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=39هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=41إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=39هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ) .
تَقْرِيرًا لِقَطْعِ حُجَّتِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا ) وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ التَّمْكِينَ وَالْإِمْهَالَ مُدَّةٌ يُمْكِنُ فِيهَا الْمَعْرِفَةُ قَدْ حَصَلَ وَمَا آمَنْتُمْ وَزَادَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ) أَيْ آتَيْنَاكُمْ عُقُولًا ، وَأَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ مَنْ يُؤَيِّدُ الْمَعْقُولَ بِالدَّلِيلِ الْمَنْقُولِ زَادَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=39هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ) أَيْ نَبَّهَكُمْ بِمَنْ مَضَى وَحَالِ مَنِ انْقَضَى ، فَإِنَّكُمْ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ لَكُمْ عِلْمٌ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30539_30530_30532مَنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ أُهْلِكَ لَكَانَ عِنَادُكُمْ أَخْفَى وَفَسَادُكُمْ أَخَفَّ ، لَكِنْ أُمْهِلْتُمْ وَعُمِّرْتُمْ وَأُمِرْتُمْ عَلَى لِسَانِ الرُّسُلِ بِمَا أُمِرْتُمْ وَجُعِلْتُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ، أَيْ خَلِيفَةً بَعْدَ خَلِيفَةٍ تَعْلَمُونَ حَالَ الْمَاضِينَ ، وَتُصْبِحُونَ بِحَالِهِمْ رَاضِينَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=39فَمَنْ كَفَرَ ) بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=39فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا ) لِأَنَّ الْكَافِرَ السَّابِقَ كَانَ مَمْقُوتًا كَالْعَبْدِ الَّذِي لَا يَخْدِمُ سَيِّدَهُ ، وَاللَّاحِقُ الَّذِي أَنْذَرَهُ الرَّسُولُ وَلَمْ يَنْتَبِهْ أَمْقَتُ كَالْعَبْدِ الَّذِي يَنْصَحُهُ النَّاصِحُ وَيَأْمُرُهُ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ وَيَعِدُهُ وَيُوعِدُهُ وَلَا يَنْفَعُهُ النُّصْحُ وَلَا يُسْعِدُهُ ، وَالتَّالِي لَهُمُ الَّذِي رَأَى عَذَابَ مَنْ تَقَدَّمَ وَلَمْ يَخْشَ
[ ص: 29 ] عَذَابُهُ أَمْقَتُ الْكُلِّ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=39وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا ) أَيِ
nindex.php?page=treesubj&link=30539_30525الْكُفْرُ لَا يَنْفَعُ عِنْدَ اللَّهِ حَيْثُ لَا يَزِيدُ إِلَّا الْمَقْتَ ، وَلَا يَنْفَعُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ حَيْثُ لَا يُفِيدُهُمْ إِلَّا الْخَسَارَةَ ، فَإِنَّ الْعُمْرَ كَرَأْسِ مَالٍ مَنِ اشْتَرَى بِهِ رِضَا اللَّهِ رَبِحَ ، وَمَنِ اشْتَرَى بِهِ سُخْطَهُ خَسِرَ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا )
nindex.php?page=treesubj&link=29705_29706تَقْرِيرًا لِلتَّوْحِيدِ وَإِبْطَالًا لِلْإِشْرَاكِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40أَرَأَيْتُمْ ) الْمُرَادُ مِنْهُ أَخْبِرُونِي ، لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ يَسْتَدْعِي جَوَابًا ، يَقُولُ الْقَائِلُ : أَرَأَيْتَ مَاذَا فَعَلَ زَيْدٌ ؟ فَيَقُولُ السَّامِعُ : بَاعَ أَوِ اشْتَرَى ، وَلَوْلَا تَضَمُّنُهُ مَعْنَى أَخْبِرْنِي ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ الْجَوَابُ إِلَّا قَوْلَهُ : لَا أَوْ نَعَمْ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40شُرَكَاءَكُمُ ) إِنَّمَا أَضَافَ الشُّرَكَاءَ إِلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْأَصْنَامَ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ تَكُنْ شُرَكَاءَ لِلَّهِ ، وَإِنَّمَا هُمْ جَعَلُوهَا شُرَكَاءَ ، فَقَالَ : شُرَكَاءَكُمْ ، أَيِ الشُّرَكَاءَ بِجَعْلِكُمْ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : شُرَكَاءَكُمْ أَيْ شُرَكَاءَكُمْ فِي النَّارِ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=98إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ) [الْأَنْبِيَاءِ : 98] وَهُوَ قَرِيبٌ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : هُوَ بَعِيدٌ لِاتِّفَاقِ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40أَرُونِي ) بَدَلٌ عَنْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40أَرَأَيْتُمْ ) لِأَنَّ كِلَيْهِمَا يُفِيدُ مَعْنَى أَخْبِرُونِي ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40أَرَأَيْتُمْ ) اسْتِفْهَامٌ حَقِيقِيٌّ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40أَرُونِي ) أَمْرُ تَعْجِيزٍ لِلتَّبْيِينِ ، فَلَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40أَرَأَيْتُمْ ) يَعْنِي أَعَلِمْتُمْ هَذِهِ الَّتِي تَدْعُونَهَا كَمَا هِيَ وَعَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْعَجْزِ أَوْ تَتَوَهَّمُونَ فِيهَا قُدْرَةً ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَهَا عَاجِزَةً ، فَكَيْفَ تَعْبُدُونَهَا ؟ وَإِنْ كَانَ وَقَعَ لَكُمْ أَنَّ لَهَا قُدْرَةً ، فَأَرُونِي قُدْرَتَهَا فِي أَيِّ شَيْءٍ هِيَ ، أَهِيَ فِي الْأَرْضِ ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ اللَّهَ إِلَهُ السَّمَاءِ وَهَؤُلَاءِ آلِهَةُ الْأَرْضِ ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا : أُمُورُ الْأَرْضِ مِنَ الْكَوَاكِبِ وَالْأَصْنَامِ صُوَرُهَا ؟ أَمْ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ ؟ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ السَّمَاءَ خُلِقَتْ بِاسْتِعَانَةِ الْمَلَائِكَةِ ، وَالْمَلَائِكَةَ شُرَكَاءُ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ ، وَهَذِهِ الْأَصْنَامَ صُوَرُهَا ؟ أَمْ قُدْرَتُهَا فِي الشَّفَاعَةِ لَكُمْ ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ الْمَلَائِكَةَ مَا خَلَقُوا شَيْئًا ، وَلَكِنَّهُمْ مُقَرَّبُونَ عِنْدَ اللَّهِ فَنَعْبُدُهَا لِيَشْفَعُوا لَنَا ، فَهَلْ مَعَهُمْ كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ فِيهِ إِذْنُهُ لَهُمْ بِالشَّفَاعَةِ ؟ وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا ) فِي الْعَائِدِ إِلَيْهِ الضَّمِيرُ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الشُّرَكَاءِ ، أَيْ هَلْ آتَيْنَا الشُّرَكَاءَ كِتَابًا .
وَثَانِيهِمَا : أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ ، أَيْ هَلْ آتَيْنَا الْمُشْرِكِينَ كِتَابًا وَعَلَى الْأَوَّلِ فَمَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَا ، أَيْ هَلْ مَعَ مَا جُعِلَ شَرِيكًا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ فِيهِ أَنَّ لَهُ شَفَاعَةً عِنْدَ اللَّهِ ، فَإِنَّ أَحَدًا لَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ، وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَاهُ أَنَّ عِبَادَةَ هَؤُلَاءِ إِمَّا بِالْعَقْلِ ، وَلَا عَقْلَ لِمَنْ يَعْبُدُ مَنْ لَمْ يَخْلُقْ مِنَ الْأَرْضِ جُزْءًا مِنَ الْأَجْزَاءِ ، وَلَا فِي السَّمَاءِ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ ، وَإِمَّا بِالنَّقْلِ وَنَحْنُ مَا آتَيْنَا الْمُشْرِكِينَ كِتَابًا فِيهِ أَمْرُنَا بِالسُّجُودِ لِهَؤُلَاءِ ، وَلَوْ أَمَرْنَا لَجَازَ كَمَا أَمَرْنَا بِالسُّجُودِ
لِآدَمَ وَإِلَى جِهَةِ الْكَعْبَةِ ، فَهَذِهِ الْعِبَادَةُ لَا عَقْلِيَّةٌ وَلَا نَقْلِيَّةٌ ، فَوَعْدُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا لَيْسَ إِلَّا غُرُورًا غَرَّهُمُ الشَّيْطَانُ ، وَزَيَّنَ لَهُمْ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ .
ثُمَّ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ لَا خَلْقَ لِلْأَصْنَامِ وَلَا قُدْرَةَ لَهَا ، وَلَا عَلَى جُزْءٍ مِنَ الْأَجْزَاءِ بَيَّنَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33677_33679_28659اللَّهَ قَدِيرٌ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=41إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : لَمَّا بَيَّنَ شِرْكَهُمْ ، قَالَ مُقْتَضَى شِرْكِهِمْ زَوَالُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=90تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=91أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ) ( مَرْيَمَ : 90 ) وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=41إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) كَانَ حَلِيمًا مَا تَرَكَ تَعْذِيبَهُمْ إِلَّا حِلْمًا مِنْهُ ، وَإِلَّا كَانُوا يَسْتَحِقُّونَ إِسْقَاطَ السَّمَاءِ وَانْطِبَاقَ الْأَرْضِ عَلَيْهِمْ ، وَإِنَّمَا أَخَّرَ إِزَالَةَ السَّمَاوَاتِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ حِلْمًا ، وَتَحْتَمِلُ الْآيَةُ وَجْهًا ثَالِثًا : وَهُوَ أَنْ يَكُونَ
[ ص: 30 ] ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّسْلِيمِ ، وَإِثْبَاتِ الْمَطْلُوبِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ أَيْضًا ، كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : شُرَكَاؤُكُمْ مَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ شَيْئًا ، وَلَا فِي السَّمَاءِ جُزْءًا ، وَلَا قَدَرُوا عَلَى الشَّفَاعَةِ ، فَلَا عِبَادَةَ لَهُمْ . وَهَبْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ ، فَهَلْ يَقْدِرُونَ عَلَى إِمْسَاكِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ؟ وَلَا يُمْكِنُهُمُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ ؛ لِأَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَقُولُونَ بِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=25وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) ( لُقْمَانَ : 25 ) وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=41وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ) فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنْ لَا مَعْبُودَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَخْلُقْ مِنَ الْأَشْيَاءِ ، وَإِنْ قَالَ الْكَافِرُ بِأَنَّ غَيْرَهُ خَلَقَ ، فَمَا خَلَقَ مِثْلَ مَا خَلَقَ ، فَلَا شَرِيكَ لَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=41إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) حَلِيمًا حَيْثُ لَمْ يُعَجِّلْ فِي إِهْلَاكِهِمْ بَعْدَ إِصْرَارِهِمْ عَلَى إِشْرَاكِهِمْ ، وَغَفُورًا
nindex.php?page=treesubj&link=29694_29693_19705يَغْفِرُ لِمَنْ تَابَ وَيَرْحَمُهُ وَإِنِ اسْتَحَقَّ الْعِقَابَ .