(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=14إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=15قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=16قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون )
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=14إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما )
[ ص: 46 ] في بعثة الاثنين حكمة بالغة وهي أنهما كانا مبعوثين من جهة
عيسى بإذن الله ، فكان عليهما إنهاء الأمر إلى
عيسى والإتيان بما أمر الله ، والله عالم بكل شيء لا يحتاج إلى شاهد يشهد عنده ، وأما
عيسى فهو بشر فأمره الله بإرسال اثنين ليكون قولهما على قومهما عند
عيسى حجة تامة .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=14فعززنا بثالث ) أي قوينا وقرئ : فعززنا بثالث مخففا ، من عز إذا غلب ، فكأنه قال : فغلبنا نحن وقهرنا بثالث ، والأول أظهر وأشهر ، وترك المفعول حيث لم يقل : فعززناهما لمعنى لطيف ، وهو أن المقصود من بعثهما نصرة الحق لا نصرتهما ، والكل مقوون للدين المتين بالبرهان المبين ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : النبي صلى الله عليه وسلم بعث رسله إلى الأطراف واكتفى بواحد ،
وعيسى عليه السلام بعث اثنين ، نقول : النبي بعث لتقرير الفروع وهو دون الأصل ، فاكتفى بواحد ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=29595خبر الواحد في الفروع مقبول ، وأما هما فبعثا بالأصول ، وجعل لهما معجزة تفيد اليقين ، وإلا لما كفى إرسال اثنين أيضا ، ولا ثلاثة .
المسألة الثانية : قال الله تعالى
لموسى عليه السلام (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=35سنشد عضدك ) ( القصص : 35 ) فذكر المفعول هناك ، ولم يذكره ههنا مع أن المقصود هناك أيضا نصرة الحق ، نقول :
nindex.php?page=treesubj&link=31954_31908موسى عليه السلام كان أفضل من هارون ،
وهارون بعث معه بطلبه حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=34فأرسله معي ) ( القصص : 34 ) فكان
هارون مبعوثا ليصدق
موسى فيما يقول ويقوم بما يأمره ، وأما هما فكل واحد مستقل ناطق بالحق ، فكان هناك المقصود تقوية
موسى وإرسال من يؤنس معه وهو
هارون ، وأما ههنا فالمقصود تقوية الحق فظهر الفرق .
ثم بين الله ما جرى منهم وعليهم مثل ما جرى من
محمد صلى الله عليه وسلم ، وعليه فقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=14إنا إليكم مرسلون ) كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=3إنك لمن المرسلين ) ( البقرة : 252 ) وبين ما قال القوم بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=15قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء ) جعلوا كونهم بشرا مثلهم دليلا على عدم الإرسال ، وهذا عام من المشركين قالوا في حق
محمد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=8أؤنزل عليه الذكر ) ( ص : 8 ) وإنما ظنوه دليلا بناء على أنهم
nindex.php?page=treesubj&link=28783لم يعتقدوا في الله الاختيار ، وإنما قالوا فيه : إنه موجب بالذات ، وقد استوينا في البشرية فلا يمكن الرجحان ، والله تعالى رد عليهم قولهم بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124الله أعلم حيث يجعل رسالته ) ( الأنعام : 124 ) وبقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13الله يجتبي إليه من يشاء ) ( الشورى : 13 ) إلى غير ذلك ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=15وما أنزل الرحمن من شيء ) يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون متمما لما ذكروه ، فيكون الكل شبهة واحدة ، ووجهه هو أنهم قالوا : أنتم بشر فما نزلتم من عند الله ، وما أنزل الله إليكم أحدا ، فكيف صرتم رسلا لله ؟
وثانيهما : أن يكون هذا شبهة أخرى مستقلة ، ووجهه هو أنهم لما قالوا : أنتم بشر مثلنا فلا يجوز رجحانكم علينا ذكروا الشبهة من جهة النظر إلى المرسلين ، ثم قالوا : شبهة أخرى من جهة المرسل ، وهو أنه تعالى ليس بمنزل شيئا في هذا العالم ، فإن تصرفه في العالم العلوي وللعلويات التصرف في السفليات على مذهبهم ، فالله تعالى لم ينزل شيئا من الأشياء في الدنيا فكيف أنزل إليكم ؟ وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=15الرحمن ) إشارة إلى الرد عليهم ، لأن الله لما كان رحمن الدنيا ، والإرسال رحمة ، فكيف لا ينزل رحمته وهو رحمن ؟ فقال : إنهم قالوا : ما أنزل الرحمن شيئا ، وكيف لا ينزل الرحمن مع كونه رحمانا شيئا ، هو الرحمة الكاملة .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=15إن أنتم إلا تكذبون ) أي ما أنتم إلا كاذبين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=16قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ) إشارة إلى أنه بمجرد التكذيب لم يسأموا ولم يتركوا ، بل أعادوا
[ ص: 47 ] ذلك لهم ، وكرروا القول عليهم ، وأكدوه باليمين ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=16قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ) وأكدوه باللام ، لأن ( يعلم الله ) يجري مجرى القسم ، لأن من يقول : يعلم الله فيما لا يكون فقد نسب الله إلى الجهل وهو سبب العقاب ، كما أن الحنث سببه ، وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=16ربنا يعلم ) إشارة إلى الرد عليهم حيث قالوا : أنتم بشر ، وذلك لأن الله إذا كان يعلم أنهم لمرسلون ، يكون كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124الله أعلم حيث يجعل رسالته ) ( الأنعام : 124 ) يعني هو عالم بالأمور وقادر ، فاختارنا بعلمه لرسالته .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=14إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=15قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=16قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ )
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=14إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا )
[ ص: 46 ] فِي بَعْثَةِ الِاثْنَيْنِ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ وَهِيَ أَنَّهُمَا كَانَا مَبْعُوثَيْنِ مِنْ جِهَةِ
عِيسَى بِإِذْنِ اللَّهِ ، فَكَانَ عَلَيْهِمَا إِنْهَاءُ الْأَمْرِ إِلَى
عِيسَى وَالْإِتْيَانُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ ، وَاللَّهُ عَالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَاهِدٍ يَشْهَدُ عِنْدَهُ ، وَأَمَّا
عِيسَى فَهُوَ بَشَرٌ فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِإِرْسَالِ اثْنَيْنِ لِيَكُونَ قَوْلُهُمَا عَلَى قَوْمِهِمَا عِنْدَ
عِيسَى حُجَّةً تَامَّةً .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=14فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ ) أَيْ قَوَّيْنَا وَقُرِئَ : فَعَزَزْنَا بِثَالِثٍ مُخَفَّفًا ، مِنْ عَزَّ إِذَا غَلَبَ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : فَغَلَبْنَا نَحْنُ وَقَهَرْنَا بِثَالِثٍ ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ ، وَتُرِكَ الْمَفْعُولُ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ : فَعَزَّزْنَاهُمَا لِمَعْنًى لَطِيفٍ ، وَهُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ بَعْثِهِمَا نُصْرَةُ الْحَقِّ لَا نُصْرَتُهُمَا ، وَالْكُلُّ مُقَوُّونَ لِلدِّينِ الْمَتِينِ بِالْبُرْهَانِ الْمُبِينِ ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رُسُلَهُ إِلَى الْأَطْرَافِ وَاكْتَفَى بِوَاحِدٍ ،
وَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعَثَ اثْنَيْنِ ، نَقُولُ : النَّبِيُّ بَعَثَ لِتَقْرِيرِ الْفُرُوعِ وَهُوَ دُونَ الْأَصْلِ ، فَاكْتَفَى بِوَاحِدٍ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29595خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي الْفُرُوعِ مَقْبُولٌ ، وَأَمَّا هُمَا فَبُعِثَا بِالْأُصُولِ ، وَجَعَلَ لَهُمَا مُعْجِزَةً تُفِيدُ الْيَقِينَ ، وَإِلَّا لَمَا كَفَى إِرْسَالُ اثْنَيْنِ أَيْضًا ، وَلَا ثَلَاثَةٍ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=35سَنَشُدُّ عَضُدَكَ ) ( الْقَصَصِ : 35 ) فَذَكَرَ الْمَفْعُولَ هُنَاكَ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ هَهُنَا مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ أَيْضًا نُصْرَةُ الْحَقِّ ، نَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=31954_31908مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ هَارُونَ ،
وَهَارُونُ بُعِثَ مَعَهُ بِطَلَبِهِ حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=34فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ ) ( الْقَصَصِ : 34 ) فَكَانَ
هَارُونُ مَبْعُوثًا لِيُصَدِّقَ
مُوسَى فِيمَا يَقُولُ وَيَقُومُ بِمَا يَأْمُرُهُ ، وَأَمَّا هُمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مُسْتَقِلٌّ نَاطِقٌ بِالْحَقِّ ، فَكَانَ هُنَاكَ الْمَقْصُودُ تَقْوِيَةَ
مُوسَى وَإِرْسَالَ مَنْ يُؤْنِسُ مَعَهُ وَهُوَ
هَارُونُ ، وَأَمَّا هَهُنَا فَالْمَقْصُودُ تَقْوِيَةُ الْحَقِّ فَظَهَرَ الْفَرْقُ .
ثُمَّ بَيَّنَ اللَّهُ مَا جَرَى مِنْهُمْ وَعَلَيْهِمْ مِثْلُ مَا جَرَى مِنْ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَلَيْهِ فَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=14إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ) كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=3إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) ( الْبَقَرَةِ : 252 ) وَبَيَّنَ مَا قَالَ الْقَوْمُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=15قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ ) جَعَلُوا كَوْنَهُمْ بَشَرًا مِثْلَهُمْ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْإِرْسَالِ ، وَهَذَا عَامٌّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا فِي حَقِّ
مُحَمَّدٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=8أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ ) ( ص : 8 ) وَإِنَّمَا ظَنُّوهُ دَلِيلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=28783لَمْ يَعْتَقِدُوا فِي اللَّهِ الِاخْتِيَارَ ، وَإِنَّمَا قَالُوا فِيهِ : إِنَّهُ مُوجِبٌ بِالذَّاتِ ، وَقَدِ اسْتَوَيْنَا فِي الْبَشَرِيَّةِ فَلَا يُمْكِنُ الرُّجْحَانُ ، وَاللَّهُ تَعَالَى رَدَّ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) ( الْأَنْعَامِ : 124 ) وَبِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ ) ( الشُّورَى : 13 ) إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=15وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مُتَمِّمًا لِمَا ذَكَرُوهُ ، فَيَكُونُ الْكُلُّ شُبْهَةً وَاحِدَةً ، وَوَجْهُهُ هُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا : أَنْتُمْ بَشَرٌ فَمَا نَزَلْتُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ أَحَدًا ، فَكَيْفَ صِرْتُمْ رُسُلًا لِلَّهِ ؟
وَثَانِيهِمَا : أَنْ يَكُونَ هَذَا شُبْهَةً أُخْرَى مُسْتَقِلَّةً ، وَوَجْهُهُ هُوَ أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا : أَنْتُمْ بَشَرٌ مِثْلُنَا فَلَا يَجُوزُ رُجْحَانُكُمْ عَلَيْنَا ذَكَرُوا الشُّبْهَةَ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ إِلَى الْمُرْسَلِينَ ، ثُمَّ قَالُوا : شُبْهَةٌ أُخْرَى مِنْ جِهَةِ الْمُرْسِلِ ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى لَيْسَ بِمُنَزِّلٍ شَيْئًا فِي هَذَا الْعَالَمِ ، فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَلِلْعُلْوِيَّاتِ التَّصَرُّفُ فِي السُّفْلِيَّاتِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ ، فَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يُنَزِّلْ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ فِي الدُّنْيَا فَكَيْفَ أَنْزَلَ إِلَيْكُمْ ؟ وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=15الرَّحْمَنُ ) إِشَارَةٌ إِلَى الرَّدِّ عَلَيْهِمْ ، لِأَنَّ اللَّهَ لَمَّا كَانَ رَحْمَنَ الدُّنْيَا ، وَالْإِرْسَالُ رَحْمَةٌ ، فَكَيْفَ لَا يُنْزِلُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ رَحْمَنٌ ؟ فَقَالَ : إِنَّهُمْ قَالُوا : مَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ شَيْئًا ، وَكَيْفَ لَا يُنْزِلُ الرَّحْمَنُ مَعَ كَوْنِهِ رَحْمَانًا شَيْئًا ، هُوَ الرَّحْمَةُ الْكَامِلَةُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=15إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ ) أَيْ مَا أَنْتُمْ إِلَّا كَاذِبِينَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=16قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ التَّكْذِيبِ لَمْ يَسْأَمُوا وَلَمْ يَتْرُكُوا ، بَلْ أَعَادُوا
[ ص: 47 ] ذَلِكَ لَهُمْ ، وَكَرَّرُوا الْقَوْلَ عَلَيْهِمْ ، وَأَكَّدُوهُ بِالْيَمِينِ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=16قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ) وَأَكَّدُوهُ بِاللَّامِ ، لِأَنَّ ( يَعْلَمُ اللَّهُ ) يَجْرِي مَجْرَى الْقَسَمِ ، لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ : يَعْلَمُ اللَّهُ فِيمَا لَا يَكُونُ فَقَدْ نَسَبَ اللَّهَ إِلَى الْجَهْلِ وَهُوَ سَبَبُ الْعِقَابِ ، كَمَا أَنَّ الْحِنْثَ سَبَبُهُ ، وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=16رَبُّنَا يَعْلَمُ ) إِشَارَةٌ إِلَى الرَّدِّ عَلَيْهِمْ حَيْثُ قَالُوا : أَنْتُمْ بَشَرٌ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ إِذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَمُرْسَلُونَ ، يَكُونُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) ( الْأَنْعَامِ : 124 ) يَعْنِي هُوَ عَالِمٌ بِالْأُمُورِ وَقَادِرٌ ، فَاخْتَارَنَا بِعِلْمِهِ لِرِسَالَتِهِ .