(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23أأتخذ من دونه آلهة )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23أأتخذ من دونه آلهة ) ليتم التوحيد ، فإن التوحيد بين التعطيل والإشراك ، فقال : وما لي لا أعبد إشارة إلى وجود الإله ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23أأتخذ من دونه ) إشارة إلى نفي غيره ، فيتحقق معنى لا إله إلا الله ، وفي الآية أيضا لطائف :
الأولى : ذكره على طريق الاستفهام ، فيه معنى وضوح الأمر ، وذلك أن من أخبر عن شيء ، فقال مثلا : لا أتخذ يصح من السامع أن يقول له : لم لا تتخذ ؟ فيسأله عن السبب ، فإذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23أأتخذ ) يكون كلامه أنه مستغن عن بيان السبب الذي يطالب به عند الإخبار ، كأنه يقول : استشرتك فدلني والمستشار يتفكر ، فكأنه يقول : تفكر في الأمر تفهم من غير إخبار مني .
الثاني : قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23من دونه ) وهي لطيفة عجيبة ، وبيانها هو أنه لما بين أنه يعبد الله بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=22الذي فطرني ) بين أن من دونه لا تجوز عبادته ، فإن غير الله وجب عبادة كل شيء
[ ص: 51 ] مشارك للمعبود الذي اتخذ غير الله ، لأن الكل محتاج مفتقر حادث ، فلو قال : لا أتخذ آلهة ، لقيل له : ذلك يختلف إن اتخذت إلها غير الذي فطرك ، ويلزمك عقلا أن تتخذ آلهة لا حصر لها ، وإن كان إلهك ربك وخالقك فلا يجوز أن تتخذ آلهة .
الثالثة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23أأتخذ ) إشارة إلى أن غيره ليس بإله ؛ لأن المتخذ لا يكون إله ، ولهذا قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ) ( الجن : 3 ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=111الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ) ( الإسراء : 111 ) لأنه تعالى لا يكون له ولد حقيقة ولا يجوز ، وإنما
nindex.php?page=treesubj&link=32430_31994النصارى قالوا : تبنى الله عيسى ، وسماه ولدا فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2ولم يتخذ ولدا ) ( الفرقان : 2 ) ولا يقال : قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=9فاتخذه وكيلا ) ( المزمل : 9 ) في حق الله تعالى حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=9رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) ( المزمل : 9 ) نقول : ذلك أمر متجدد ، وذلك لأن الإنسان في أول الأمر يكون قليل الصبر ضعيف القوة ، فلا يجوز أن
nindex.php?page=treesubj&link=19648يترك أسباب الدنيا ويقول : إني أتوكل ، فلا يحسن من الواحد منا أن لا يشتغل بأمر أصلا ويترك أطفاله في ورطة الحاجة ولا يوصل إلى أهله نفقتهم ، ويجلس في مسجد وقلبه متعلق بعطاء زيد وعمرو ، فإذا قوي بالعبادة قلبه ونسي نفسه فضلا عن غيره ، وأقبل على عبادة ربه بجميع قلبه وترك الدنيا وأسبابها ، وفوض أمره إلى الله حينئذ يكون من الأبرار الأخيار ، فقال الله لرسوله : أنت علمت أن
nindex.php?page=treesubj&link=28783_29687الأمور كلها بيد الله وعرفت الله حق المعرفة ، وتيقنت أن المشرق والمغرب وما فيهما وما يقع بينهما بأمر الله ، ولا إله يطلب لقضاء الحوائج إلا هو فاتخذه وكيلا ، وفوض جميع أمورك إليه فقد ارتقيت عن درجة من يؤمر بالكسب الحلال وكنت من قبل تتجر في الحلال ، ومعنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=9فاتخذه وكيلا ) ( المزمل : 9 ) أي في جميع أمورك وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23لا تغن عني ) يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون كالوصف كأنه قال : أأتخذ آلهة غير مغنية عند إرادة الرحمن بي ضرا .
وثانيهما : أن يكون كلاما مستأنفا ، كأنه قال : لا أتخذ من دونه آلهة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ) لِيُتِمَّ التَّوْحِيدَ ، فَإِنَّ التَّوْحِيدَ بَيْنَ التَّعْطِيلِ وَالْإِشْرَاكِ ، فَقَالَ : وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ إِشَارَةً إِلَى وُجُودِ الْإِلَهِ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ ) إِشَارَةً إِلَى نَفْيِ غَيْرِهِ ، فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَفِي الْآيَةِ أَيْضًا لِطَائِفُ :
الْأُولَى : ذِكْرُهُ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِفْهَامِ ، فِيهِ مَعْنَى وُضُوحِ الْأَمْرِ ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ شَيْءٍ ، فَقَالَ مَثَلًا : لَا أَتَّخِذُ يَصِحُّ مِنَ السَّامِعِ أَنْ يَقُولَ لَهُ : لِمَ لَا تَتَّخِذُ ؟ فَيَسْأَلُهُ عَنِ السَّبَبِ ، فَإِذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23أَأَتَّخِذُ ) يَكُونُ كَلَامُهُ أَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ بَيَانِ السَّبَبِ الَّذِي يُطَالِبُ بِهِ عِنْدَ الْإِخْبَارِ ، كَأَنَّهُ يَقُولُ : اسْتَشَرْتُكَ فَدُلَّنِي وَالْمُسْتَشَارُ يَتَفَكَّرُ ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ : تَفَكَّرْ فِي الْأَمْرِ تَفْهَمْ مِنْ غَيْرِ إِخْبَارٍ مِنِّي .
الثَّانِي : قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23مِنْ دُونِهِ ) وَهِيَ لَطِيفَةٌ عَجِيبَةٌ ، وَبَيَانُهَا هُوَ أَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ يَعْبُدُ اللَّهَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=22الَّذِي فَطَرَنِي ) بَيَّنَ أَنَّ مَنْ دُونَهُ لَا تَجُوزُ عِبَادَتُهُ ، فَإِنْ غَيَّرَ اللَّهَ وَجَبَ عِبَادَةُ كُلِّ شَيْءٍ
[ ص: 51 ] مُشَارِكٍ لِلْمَعْبُودِ الَّذِي اتُّخِذَ غَيْرَ اللَّهِ ، لِأَنَّ الْكُلَّ مُحْتَاجٌ مُفْتَقِرٌ حَادِثٌ ، فَلَوْ قَالَ : لَا أَتَّخِذُ آلِهَةً ، لَقِيلَ لَهُ : ذَلِكَ يَخْتَلِفُ إِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرَ الَّذِي فَطَرَكَ ، وَيَلْزَمُكَ عَقْلًا أَنْ تَتَّخِذَ آلِهَةً لَا حَصْرَ لَهَا ، وَإِنْ كَانَ إِلَهُكَ رَبَّكَ وَخَالِقَكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَتَّخِذَ آلِهَةً .
الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23أَأَتَّخِذُ ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ بِإِلَهٍ ؛ لِأَنَّ الْمُتَّخَذَ لَا يَكُونُ إِلَهً ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ) ( الْجِنِّ : 3 ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=111الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ) ( الْإِسْرَاءِ : 111 ) لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ حَقِيقَةً وَلَا يَجُوزُ ، وَإِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=32430_31994النَّصَارَى قَالُوا : تَبَنَّى اللَّهُ عِيسَى ، وَسَمَّاهُ وَلَدًا فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ) ( الْفُرْقَانِ : 2 ) وَلَا يُقَالُ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=9فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ) ( الْمُزَّمِّلِ : 9 ) فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=9رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ) ( الْمُزَّمِّلِ : 9 ) نَقُولُ : ذَلِكَ أَمْرٌ مُتَجَدِّدٌ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يَكُونُ قَلِيلَ الصَّبْرِ ضَعِيفَ الْقُوَّةِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=19648يَتْرُكَ أَسْبَابَ الدُّنْيَا وَيَقُولَ : إِنِّي أَتَوَكَّلُ ، فَلَا يَحْسُنُ مِنَ الْوَاحِدِ مِنَّا أَنْ لَا يَشْتَغِلَ بِأَمْرٍ أَصْلًا وَيَتْرُكَ أَطْفَالَهُ فِي وَرْطَةِ الْحَاجَةِ وَلَا يُوصِلَ إِلَى أَهْلِهِ نَفَقَتَهُمْ ، وَيَجْلِسَ فِي مَسْجِدٍ وَقَلْبُهُ مُتَعَلِّقٌ بِعَطَاءِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو ، فَإِذَا قَوِيَ بِالْعِبَادَةِ قَلْبُهُ وَنَسِيَ نَفْسَهُ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ ، وَأَقْبَلَ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ بِجَمِيعِ قَلْبِهِ وَتَرَكَ الدُّنْيَا وَأَسْبَابَهَا ، وَفَوَّضَ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ حِينَئِذٍ يَكُونُ مِنَ الْأَبْرَارِ الْأَخْيَارِ ، فَقَالَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ : أَنْتَ عَلِمْتَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28783_29687الْأُمُورَ كُلَّهَا بِيَدِ اللَّهِ وَعَرَفْتَ اللَّهَ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ ، وَتَيَقَّنْتَ أَنَّ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ وَمَا فِيهِمَا وَمَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا بِأَمْرِ اللَّهِ ، وَلَا إِلَهَ يُطْلَبُ لِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ، وَفَوِّضْ جَمِيعَ أُمُورِكَ إِلَيْهِ فَقَدِ ارْتَقَيْتَ عَنْ دَرَجَةِ مَنْ يُؤْمَرُ بِالْكَسْبِ الْحَلَالِ وَكُنْتَ مِنْ قَبْلُ تَتَّجِرُ فِي الْحَلَالِ ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=9فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ) ( الْمُزَّمِّلِ : 9 ) أَيْ فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23لَا تُغْنِ عَنِّي ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ كَالْوَصْفِ كَأَنَّهُ قَالَ : أَأَتَّخِذُ آلِهَةً غَيْرَ مُغْنِيَةٍ عِنْدَ إِرَادَةِ الرَّحْمَنِ بِي ضُرًّا .
وَثَانِيهِمَا : أَنْ يَكُونَ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا ، كَأَنَّهُ قَالَ : لَا أَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً .