(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=27بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=28وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=29إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26قيل ادخل الجنة ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه قتل ، ثم قيل له : ادخل الجنة بعد القتل .
وثانيهما : قيل ادخل الجنة عقيب قوله : ( آمنت ) .
وعلى الأول ، فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26قال ياليت قومي يعلمون ) يكون بعد موته والله أخبر بقوله ، وعلى الثاني قال ذلك في حياته ، وكأنه سمع الرسل أنه من الداخلين الجنة وصدقهم وقطع به وعلمه ، فقال : يا ليت قومي يعلمون كما علمت فيؤمنون كما آمنت ، وفي معنى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26قيل ) وجهان كما أن في وقت ذلك وجهين :
أحدهما : قيل من القول .
والثاني : ادخل الجنة ، وهذا كما في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=82إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن ) ( يس : 82 ) ليس المراد القول في وجه ، بل هو الفعل أي يفعله في حينه من غير تأخير وتراخ ، وكذلك في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=44وقيل ياأرض ابلعي ) في وجه جعل الأرض بالعة ماءها .
وفي قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=27بما غفر لي ربي ) وجوه :
أحدها : أن ما استفهامية ، كأنه قال : يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي حتى يشتغلوا به وهو ضعيف ، وإلا لكان الأحسن أن تكون ما محذوفة الألف ، يقال : بم ، وفيم ، وعم
[ ص: 54 ] ولم .
وثانيها : خبرية كأنه قال : يا ليت قومي يعلمون بالذي غفر لي ربي .
وثالثها : مصدرية ، كأنه قال : يا ليت قومي يعلمون بمغفرة ربي لي ، والوجهان الآخران هما المختاران .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=27وجعلني من المكرمين ) قد ذكرنا أن
nindex.php?page=treesubj&link=29680_30503_30507الإيمان والعمل الصالح يوجبان أمرين : هما الغفران والإكرام كما في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=4الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم ) ( سبأ : 4 ) والرجل كان من المؤمنين الصلحاء ، والمكرم على ضد المهان ، والإهانة بالحاجة والإكرام بالاستغناء ، فيغني الله الصالح عن كل أحد ، ويدفع جميع حاجاته بنفسه .
ثم إنه تعالى لما بين حاله بين حال المتخلفين المخالفين له من قومه بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=28وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ) إشارة إلى هلاكهم بعده سريعا على أسهل وجه ، فإنه لم يحتج إلى إرسال جند يهلكهم ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال ههنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=28وما أنزلنا ) بإسناد الفعل إلى النفس ، وقال في بيان حال المؤمن : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26قيل ادخل الجنة ) بإسناد القول إلى غير مذكور ، وذلك لأن العذاب من باب الهيبة فقال بلفظ التعظيم ، وأما في : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26ادخل الجنة ) فقال : قيل : ليكون هو كالمهنأ بقول الملائكة حيث يقول له كل ملك وكل صالح يراه : ادخل الجنة خالدا فيها ، وكثيرا ما ورد في القرآن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=72قيل ادخلوا ) ( الزمر : 72 ) إشارة إلى أن الدخول يكون دخولا بإكرام ، كما يدخل العريس البيت المزين على رؤوس الأشهاد يهنئه كل أحد .
المسألة الثانية : لم أضاف القوم إليه مع أن الرسل أولى بكون الجمع قوما لهم ، فإن الواحد يكون له قوم هم آله وأصحابه ، والرسول لكونه مرسلا يكون جميع الخلق وجميع من أرسل إليهم قوما له ؟ نقول لوجهين :
أحدهما : ليبين الفرق بين اثنين هما من قبيلة واحدة أكرم أحدهما غاية الإكرام بسبب الإيمان وأهين الآخر غاية الإهانة بسبب الكفر ، وهذا من قوم أولئك في النسب .
وثانيهما : أن العذاب كان مختصا بأقارب ذلك ، لأن غيرهم من قوم الرسل آمنوا بهم فلم يصبهم العذاب .
المسألة الثالثة : خصص عدم الإنزال بما بعده ، والله تعالى لم ينزل عليهم جندا قبله أيضا ، فما فائدة التخصيص ؟ نقول : استحقاقهم العذاب كان بعده حيث أصروا واستكبروا ، فبين حال الهلاك أنه لم يكن بجند .
المسألة الرابعة : قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=28من السماء ) وهو تعالى لم ينزل عليهم ، ولا أرسل إليهم جندا من الأرض ، فما فائدة التقييد ؟ نقول : الجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أن يكون المراد : وما أنزلنا عليهم جندا بأمر من السماء ، فيكون للعموم .
وثانيهما : إن
nindex.php?page=treesubj&link=31978العذاب نزل عليهم من السماء فبين أن النازل لم يكن جندا لهم عظمة ، وإنما كان ذلك بصيحة أخمدت نارهم وخربت ديارهم .
المسألة الخامسة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=28وما كنا منزلين ) أية فائدة فيه مع أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=28وما أنزلنا ) يستلزم أنه لا يكون من المنزلين ؟ نقول قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=28وما كنا ) أي ما كان ينبغي لنا أن ننزل لأن الأمر كان يتم بدون ذلك ، فما أنزلنا وما كنا محتاجين إلى إنزال ، أو نقول : ( وما أنزلنا ، وما كنا منزلين ) في مثل تلك الواقعة جندا في غير تلك الواقعة ، فإن قيل : فكيف أنزل الله جنودا في يوم بدر ، وفي غير ذلك ، حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=26وأنزل جنودا لم تروها ) ( التوبة : 26 ) ؟ نقول ذلك تعظيما
لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وإلا كان تحريك ريشة من جناح ملك كافيا في استئصالهم ، وما كان رسل
عيسى عليه السلام في درجة
محمد صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 55 ] ثم بين الله تعالى ما كان بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=29إن كانت ) الواقعة (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=29إلا صيحة ) وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : أصله إن كان شيء إلا صيحة ، فكان الأصل أن يذكر ، لكنه تعالى أنث لما بعده من المفسر وهو الصيحة .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=29واحدة ) تأكيد لكون الأمر هينا عند الله .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=29فإذا هم خامدون ) فيه إشارة إلى
nindex.php?page=treesubj&link=30539سرعة الهلاك ، فإن خمودهم كان من الصيحة وفي وقتها لم يتأخر ، ووصفهم بالخمود في غاية الحسن ، وذلك لأن الحي فيه الحرارة الغريزية وكلما كانت الحرارة أوفر كانت القوة الغضبية والشهوانية أتم وهم كانوا كذلك ، أما الغضب فإنهم قتلوا مؤمنا كان ينصحهم ، وأما الشهوة فلأنهم احتملوا العذاب الدائم بسبب استيفاء اللذات الحالية ، فإذن كانوا كالنار الموقدة ، ولأنهم كانوا جبارين مستكبرين كالنار ومن خلق منها فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=29فإذا هم خامدون ) وفيه وجه آخر : وهو أن العناصر الأربعة يخرج بعضها عن طبيعته التي خلقه الله عليها ، ويصير العنصر الآخر بإرادة الله ، فالأحجار تصير مياها ، والمياه تصير أحجارا وكذلك الماء يصير هواء عند الغليان والسخونة والهواء يصير ماء للبرد ، ولكن ذلك في العادة بزمان ، وأما الهواء فيصير نارا والنار تصير هواء بالاشتعال والخمود في أسرع زمان ، فقال : خامدين بسببها ، فخمود النار في السرعة كإطفاء سراج أو شعلة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=27بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=28وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=29إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ) فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ قُتِلَ ، ثُمَّ قِيلَ لَهُ : ادْخُلِ الْجَنَّةَ بَعْدَ الْقَتْلِ .
وَثَانِيهِمَا : قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ عَقِيبَ قَوْلِهِ : ( آمَنْتُ ) .
وَعَلَى الْأَوَّلِ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ) يَكُونُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَاللَّهُ أَخْبَرَ بِقَوْلِهِ ، وَعَلَى الثَّانِي قَالَ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ ، وَكَأَنَّهُ سَمِعَ الرُّسُلَ أَنَّهُ مِنَ الدَّاخِلِينَ الْجَنَّةَ وَصَدَّقَهُمْ وَقَطَعَ بِهِ وَعَلِمَهُ ، فَقَالَ : يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ كَمَا عَلِمْتُ فَيُؤْمِنُونَ كَمَا آمَنْتُ ، وَفِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26قِيلَ ) وَجْهَانِ كَمَا أَنَّ فِي وَقْتِ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : قِيلَ مِنَ الْقَوْلِ .
وَالثَّانِي : ادْخُلِ الْجَنَّةَ ، وَهَذَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=82إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ ) ( يس : 82 ) لَيْسَ الْمُرَادُ الْقَوْلَ فِي وَجْهٍ ، بَلْ هُوَ الْفِعْلُ أَيْ يَفْعَلُهُ فِي حِينِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ وَتَرَاخٍ ، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=44وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي ) فِي وَجْهِ جَعْلِ الْأَرْضِ بَالِعَةً مَاءَهَا .
وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=27بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي ) وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّ مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ ، كَأَنَّهُ قَالَ : يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي حَتَّى يَشْتَغِلُوا بِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَإِلَّا لَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ تَكُونَ مَا مَحْذُوفَةَ الْأَلِفِ ، يُقَالُ : بِمَ ، وَفِيمَ ، وَعَمَّ
[ ص: 54 ] وَلِمَ .
وَثَانِيهَا : خَبَرِيَّةٌ كَأَنَّهُ قَالَ : يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِالَّذِي غَفَرَ لِي رَبِّي .
وَثَالِثُهَا : مَصْدَرِيَّةٌ ، كَأَنَّهُ قَالَ : يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَغْفِرَةِ رَبِّي لِي ، وَالْوَجْهَانِ الْآخَرَانِ هُمَا الْمُخْتَارَانِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=27وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29680_30503_30507الْإِيمَانَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ يُوجِبَانِ أَمْرَيْنِ : هُمَا الْغُفْرَانُ وَالْإِكْرَامُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=4الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) ( سَبَأٍ : 4 ) وَالرَّجُلُ كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الصُّلَحَاءِ ، وَالْمُكْرَمُ عَلَى ضِدِّ الْمُهَانِ ، وَالْإِهَانَةُ بِالْحَاجَةِ وَالْإِكْرَامُ بِالِاسْتِغْنَاءِ ، فَيُغْنِي اللَّهُ الصَّالِحَ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ ، وَيَدْفَعُ جَمِيعَ حَاجَاتِهِ بِنَفْسِهِ .
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ حَالَهُ بَيَّنَ حَالَ الْمُتَخَلِّفِينَ الْمُخَالِفِينَ لَهُ مِنْ قَوْمِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=28وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ ) إِشَارَةً إِلَى هَلَاكِهِمْ بَعْدَهُ سَرِيعًا عَلَى أَسْهَلِ وَجْهٍ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى إِرْسَالِ جُنْدٍ يُهْلِكُهُمْ ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ هَهُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=28وَمَا أَنْزَلْنَا ) بِإِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَى النَّفْسِ ، وَقَالَ فِي بَيَانِ حَالِ الْمُؤْمِنِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ) بِإِسْنَادِ الْقَوْلِ إِلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَذَابَ مِنْ بَابِ الْهَيْبَةِ فَقَالَ بِلَفْظِ التَّعْظِيمِ ، وَأَمَّا فِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26ادْخُلِ الْجَنَّةَ ) فَقَالَ : قِيلَ : لِيَكُونَ هُوَ كَالْمُهَنَّأِ بِقَوْلِ الْمَلَائِكَةِ حَيْثُ يَقُولُ لَهُ كُلُّ مَلَكٍ وَكُلُّ صَالِحٍ يَرَاهُ : ادْخُلِ الْجَنَّةَ خَالِدًا فِيهَا ، وَكَثِيرًا مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=72قِيلَ ادْخُلُوا ) ( الزُّمَرِ : 72 ) إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الدُّخُولَ يَكُونُ دُخُولًا بِإِكْرَامٍ ، كَمَا يَدْخُلُ الْعَرِيسُ الْبَيْتَ الْمُزَيَّنَ عَلَى رُؤُوسِ الْأَشْهَادِ يُهَنِّئُهُ كُلُّ أَحَدٍ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : لِمَ أَضَافَ الْقَوْمَ إِلَيْهِ مَعَ أَنَّ الرُّسُلَ أَوْلَى بِكَوْنِ الْجَمْعِ قَوْمًا لَهُمْ ، فَإِنَّ الْوَاحِدَ يَكُونُ لَهُ قَوْمٌ هُمْ آلُهُ وَأَصْحَابُهُ ، وَالرَّسُولُ لِكَوْنِهِ مُرْسَلًا يَكُونُ جَمِيعُ الْخَلْقِ وَجَمِيعُ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ قَوْمًا لَهُ ؟ نَقُولُ لِوَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : لِيُبَيِّنَ الْفَرْقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ هُمَا مِنْ قَبِيلَةٍ وَاحِدَةٍ أُكْرِمَ أَحَدُهُمَا غَايَةَ الْإِكْرَامِ بِسَبَبِ الْإِيمَانِ وَأُهِينَ الْآخَرُ غَايَةَ الْإِهَانَةِ بِسَبَبِ الْكُفْرِ ، وَهَذَا مِنْ قَوْمِ أُولَئِكَ فِي النَّسَبِ .
وَثَانِيهِمَا : أَنَّ الْعَذَابَ كَانَ مُخْتَصًّا بِأَقَارِبِ ذَلِكَ ، لِأَنَّ غَيْرَهُمْ مِنْ قَوْمِ الرُّسُلِ آمَنُوا بِهِمْ فَلَمْ يُصِبْهُمُ الْعَذَابُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : خَصَّصَ عَدَمَ الْإِنْزَالِ بِمَا بَعْدَهُ ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يُنْزِلْ عَلَيْهِمْ جُنْدًا قَبْلَهُ أَيْضًا ، فَمَا فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ ؟ نَقُولُ : اسْتِحْقَاقُهُمُ الْعَذَابَ كَانَ بَعْدَهُ حَيْثُ أَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا ، فَبَيَّنَ حَالَ الْهَلَاكِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِجُنْدٍ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=28مِنَ السَّمَاءِ ) وَهُوَ تَعَالَى لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِمْ ، وَلَا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ جُنْدًا مِنَ الْأَرْضِ ، فَمَا فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ ؟ نَقُولُ : الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ : وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ جُنْدًا بِأَمْرٍ مِنَ السَّمَاءِ ، فَيَكُونُ لِلْعُمُومِ .
وَثَانِيهِمَا : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31978الْعَذَابَ نَزَلَ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ فَبَيَّنَ أَنَّ النَّازِلَ لَمْ يَكُنْ جُنْدًا لَهُمْ عَظَمَةٌ ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِصَيْحَةٍ أَخْمَدَتْ نَارَهُمْ وَخَرَّبَتْ دِيَارَهُمْ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=28وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ ) أَيَّةُ فَائِدَةٍ فِيهِ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=28وَمَا أَنْزَلْنَا ) يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مِنَ الْمُنْزِلِينَ ؟ نَقُولُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=28وَمَا كُنَّا ) أَيْ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُنْزِلَ لِأَنَّ الْأَمْرَ كَانَ يَتِمُّ بِدُونِ ذَلِكَ ، فَمَا أَنْزَلْنَا وَمَا كُنَّا مُحْتَاجِينَ إِلَى إِنْزَالٍ ، أَوْ نَقُولُ : ( وَمَا أَنْزَلْنَا ، وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ ) فِي مِثْلِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ جُنْدًا فِي غَيْرِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ ، فَإِنْ قِيلَ : فَكَيْفَ أَنْزَلَ اللَّهُ جُنُودًا فِي يَوْمِ بَدْرٍ ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ ، حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=26وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ) ( التَّوْبَةِ : 26 ) ؟ نَقُولُ ذَلِكَ تَعْظِيمًا
لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِلَّا كَانَ تَحْرِيكُ رِيشَةٍ مِنْ جَنَاحِ مَلَكٍ كَافِيًا فِي اسْتِئْصَالِهِمْ ، وَمَا كَانَ رُسُلُ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي دَرَجَةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
[ ص: 55 ] ثُمَّ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى مَا كَانَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=29إِنْ كَانَتْ ) الْوَاقِعَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=29إِلَّا صَيْحَةً ) وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : أَصْلُهُ إِنْ كَانَ شَيْءٌ إِلَّا صَيْحَةً ، فَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ يُذْكَرَ ، لَكِنَّهُ تَعَالَى أَنَّثَ لِمَا بَعْدَهُ مِنَ الْمُفَسِّرِ وَهُوَ الصَّيْحَةُ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=29وَاحِدَةً ) تَأْكِيدٌ لِكَوْنِ الْأَمْرِ هَيِّنًا عِنْدَ اللَّهِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=29فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30539سُرْعَةِ الْهَلَاكِ ، فَإِنَّ خُمُودَهُمْ كَانَ مِنَ الصَّيْحَةِ وَفِي وَقْتِهَا لَمْ يَتَأَخَّرْ ، وَوَصْفُهُمْ بِالْخُمُودِ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَيَّ فِيهِ الْحَرَارَةُ الْغَرِيزِيَّةُ وَكُلَّمَا كَانَتِ الْحَرَارَةُ أَوْفَرَ كَانَتِ الْقُوَّةُ الْغَضَبِيَّةُ وَالشَّهْوَانِيَّةُ أَتَمَّ وَهُمْ كَانُوا كَذَلِكَ ، أَمَّا الْغَضَبُ فَإِنَّهُمْ قَتَلُوا مُؤْمِنًا كَانَ يَنْصَحُهُمْ ، وَأَمَّا الشَّهْوَةُ فَلِأَنَّهُمُ احْتَمَلُوا الْعَذَابَ الدَّائِمَ بِسَبَبِ اسْتِيفَاءِ اللَّذَّاتِ الْحَالِيَّةِ ، فَإِذَنْ كَانُوا كَالنَّارِ الْمُوقَدَةِ ، وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا جَبَّارِينَ مُسْتَكْبِرِينَ كَالنَّارِ وَمَنْ خُلِقَ مِنْهَا فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=29فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ) وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ الْعَنَاصِرَ الْأَرْبَعَةَ يَخْرُجُ بَعْضُهَا عَنْ طَبِيعَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا ، وَيَصِيرُ الْعُنْصُرُ الْآخَرُ بِإِرَادَةِ اللَّهِ ، فَالْأَحْجَارُ تَصِيرُ مِيَاهًا ، وَالْمِيَاهُ تَصِيرُ أَحْجَارًا وَكَذَلِكَ الْمَاءُ يَصِيرُ هَوَاءً عِنْدَ الْغَلَيَانِ وَالسُّخُونَةِ وَالْهَوَاءُ يَصِيرُ مَاءً لِلْبَرْدِ ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ فِي الْعَادَةِ بِزَمَانٍ ، وَأَمَّا الْهَوَاءُ فَيَصِيرُ نَارًا وَالنَّارُ تَصِيرُ هَوَاءً بِالِاشْتِعَالِ وَالْخُمُودِ فِي أَسْرَعِ زَمَانٍ ، فَقَالَ : خَامِدِينَ بِسَبَبِهَا ، فَخُمُودُ النَّارِ فِي السُّرْعَةِ كَإِطْفَاءِ سِرَاجٍ أَوْ شُعْلَةٍ .