(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=36سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=36سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون ) قد ذكرنا أن
nindex.php?page=treesubj&link=33143_28905لفظة سبحان علم دال على التسبيح ، وتقديره : سبح تسبيح الذي خلق الأزواج كلها ، ومعنى سبح نزه ، ووجه تعلق الآية بما قبلها هو أنه تعالى لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=35أفلا يشكرون )
nindex.php?page=treesubj&link=19611وشكر الله بالعبادة ، وهم تركوها ولم يقتنعوا بالترك ، بل عبدوا غيره وأتوا بالشرك ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=36سبحان الذي خلق الأزواج ) وغيره لم يخلق شيئا ، فقال أو نقول : لما بين أنهم أنكروا الآيات ولم يشكروا بين ما ينبغي أن يكون عليه العاقل ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=36سبحان الذي خلق الأزواج كلها ) أو نقول : لما بين الآيات قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=36سبحان الذي خلق ) ما ذكره عن أن يكون له شريك أو يكون عاجزا
[ ص: 61 ] عن إحياء الموتى وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=36كلها ) يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28785أفعال العباد مخلوقة لله ؛ لأن الزوج هو الصنف ، وأفعال العباد أصناف ولها أشباه واقعة تحت أجناس الأعراض ، فتكون من الكل الذي قال الله فيها : إنه خلق الأزواج كلها ، لا يقال : مما تنبت الأرض ، يخرج الكلام عن العموم ؛ لأن من قال : أعطيت زيدا كل ما كان لي يكون للعموم إن اقتصر عليه ، فإذا قال بعده : من الثياب لا يبقى الكلام على عمومه ؛ لأنا نقول ذلك إذا كانت من لبيان التخصيص ، أما إذا كانت لتأكيد العموم فلا ، بدليل أن من قال : أعطيته كل شيء من الدواب والثياب والعبيد والجواري يفهم منه أنه يعدد الأصناف لتأكيد العموم ، ويؤيد هذا قوله تعالى في حم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=12والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون ) ( الزخرف : 12 ) من غير تقييد .
المسألة الثانية : ذكر الله تعالى أمورا ثلاثة ينحصر فيها المخلوقات فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=36مما تنبت الأرض ) يدخل فيها ما في الأرض من الأمور الظاهرة كالنبات والثمار ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=36ومن أنفسهم ) يدخل فيها الدلائل النفسية ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=36ومما لا يعلمون ) يدخل ما في أقطار السماوات وتخوم الأرضين ، وهذا دليل على أنه لم يذكر ذلك للتخصيص بدليل أن الأنعام مما خلقها الله والمعادن لم يذكرها ، وإنما ذكر الأشياء لتأكيد معنى العموم كما ذكرنا في المثال .
المسألة الثالثة : قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=36ومما لا يعلمون ) فيه معنى لطيف وهو أنه تعالى إنما
nindex.php?page=treesubj&link=29687_28678ذكر كون الكل مخلوقا لينزه الله عن الشريك فإن المخلوق لا يصلح شريكا للخلق ، لكن التوحيد الحقيقي لا يحصل إلا بالاعتراف بأن لا إله إلا الله ، فقال تعالى : اعلموا أن المانع من التشريك فيما تعلمون وما لا تعلمون ؛ لأن الخلق عام والمانع من الشركة الخلق ، فلا تشركوا بالله شيئا مما تعلمون فإنكم تعلمون أنه مخلوق ومما لا تعلمون ، فإنه عند الله كله مخلوق لكون كله ممكنا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=36سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=36سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33143_28905لَفْظَةَ سُبْحَانَ عَلَمٌ دَالٌّ عَلَى التَّسْبِيحِ ، وَتَقْدِيرُهُ : سَبِّحْ تَسْبِيحَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا ، وَمَعْنَى سَبِّحْ نَزِّهْ ، وَوَجْهُ تَعَلُّقِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=35أَفَلَا يَشْكُرُونَ )
nindex.php?page=treesubj&link=19611وَشُكْرُ اللَّهِ بِالْعِبَادَةِ ، وَهُمْ تَرَكُوهَا وَلَمْ يَقْتَنِعُوا بِالتَّرْكِ ، بَلْ عَبَدُوا غَيْرَهُ وَأَتَوْا بِالشِّرْكِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=36سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ ) وَغَيْرُهُ لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا ، فَقَالَ أَوْ نَقُولُ : لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا الْآيَاتِ وَلَمْ يَشْكُرُوا بَيَّنَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الْعَاقِلُ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=36سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا ) أَوْ نَقُولُ : لَمَّا بَيَّنَ الْآيَاتِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=36سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ ) مَا ذَكَرَهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ أَوْ يَكُونَ عَاجِزًا
[ ص: 61 ] عَنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=36كُلَّهَا ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28785أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الصِّنْفُ ، وَأَفْعَالُ الْعِبَادِ أَصْنَافٌ وَلَهَا أَشْبَاهٌ وَاقِعَةٌ تَحْتَ أَجْنَاسِ الْأَعْرَاضِ ، فَتَكُونُ مِنَ الْكُلُّ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا : إِنَّهُ خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا ، لَا يُقَالُ : مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ ، يُخْرِجُ الْكَلَامَ عَنِ الْعُمُومِ ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ : أَعْطَيْتُ زَيْدًا كُلَّ مَا كَانَ لِي يَكُونُ لِلْعُمُومِ إِنِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ، فَإِذَا قَالَ بَعْدَهُ : مِنَ الثِّيَابِ لَا يَبْقَى الْكَلَامُ عَلَى عُمُومِهِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ مِنْ لِبَيَانِ التَّخْصِيصِ ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ لِتَأْكِيدِ الْعُمُومِ فَلَا ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ قَالَ : أَعْطَيْتُهُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يُعَدِّدُ الْأَصْنَافَ لِتَأْكِيدِ الْعُمُومِ ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي حم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=12وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ ) ( الزُّخْرُفِ : 12 ) مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أُمُورًا ثَلَاثَةً يَنْحَصِرُ فِيهَا الْمَخْلُوقَاتُ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=36مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ ) يَدْخُلُ فِيهَا مَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ كَالنَّبَاتِ وَالثِّمَارِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=36وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ ) يَدْخُلُ فِيهَا الدَّلَائِلُ النَّفْسِيَّةُ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=36وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ) يَدْخُلُ مَا فِي أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَتُخُومِ الْأَرَضِينَ ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ لِلتَّخْصِيصِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَنْعَامَ مِمَّا خَلَقَهَا اللَّهُ وَالْمَعَادِنَ لَمْ يَذْكُرْهَا ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْأَشْيَاءَ لِتَأْكِيدِ مَعْنَى الْعُمُومِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمِثَالِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=36وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ) فِيهِ مَعْنًى لَطِيفٌ وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=29687_28678ذَكَرَ كَوْنَ الْكُلِّ مَخْلُوقًا لِيُنَزِّهَ اللَّهَ عَنِ الشَّرِيكِ فَإِنَّ الْمَخْلُوقَ لَا يَصْلُحُ شَرِيكًا لِلْخَلْقِ ، لَكِنَّ التَّوْحِيدَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالِاعْتِرَافِ بِأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَقَالَ تَعَالَى : اعْلَمُوا أَنَّ الْمَانِعَ مِنَ التَّشْرِيكِ فِيمَا تَعْلَمُونَ وَمَا لَا تَعْلَمُونَ ؛ لِأَنَّ الْخَلْقَ عَامٌّ وَالْمَانِعَ مِنَ الشَّرِكَةِ الْخَلْقُ ، فَلَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا مِمَّا تَعْلَمُونَ فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ وَمِمَّا لَا تَعْلَمُونَ ، فَإِنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ كُلُّهُ مَخْلُوقٌ لِكَوْنِ كُلِّهِ مُمْكِنًا .