(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون )
إشارة إلى أن كل شيء من الأشياء المذكورة خلق على وفق الحكمة ،
nindex.php?page=treesubj&link=32441فالشمس لم تكن تصلح لها سرعة الحركة بحيث تدرك القمر ، وإلا لكان في شهر واحد صيف وشتاء ، فلا تدرك الثمار .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40ولا الليل سابق النهار ) قيل في تفسيره : إن سلطان الليل وهو القمر ليس يسبق الشمس وهي سلطان النهار .
وقيل : معناه ولا الليل سابق النهار أي الليل لا يدخل وقت النهار .
والثاني بعيد ؛ لأن ذلك يقع إيضاحا للواضح ، والأول صحيح إن أريد به ما بينته ، وهو أن معنى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40ولا الليل سابق النهار ) أن القمر إذا كان على أفق المشرق أيام الاستقبال تكون الشمس في مقابلته على أفق المغرب ، ثم إن عند غروب الشمس يطلع القمر وعند طلوعها يغرب القمر ، كأن لها حركة واحدة مع أن الشمس تتأخر عن القمر في ليلة مقدارا ظاهرا في الحس ، فلو كان للقمر حركة واحدة بها يسبق الشمس ولا تدركه الشمس ، وللشمس حركة واحدة بها تتأخر عن القمر ولا تدرك القمر ؛ لبقي القمر والشمس مدة مديدة في مكان واحد ، لأن حركة الشمس كل يوم درجة ، فخلق الله تعالى في جميع الكواكب حركة أخرى غير حركة الشهر والسنة ، وهي الدورة اليومية وبهذه الدورة لا يسبق كوكب كوكبا أصلا ، لأن كل كوكب من الكواكب إذا طلع غرب مقابله وكلما تقدم كوكب إلى الموضع الذي فيه الكوكب الآخر بالنسبة إلينا تقدم ذلك الكوكب ، فبهذه الحركة لا يسبق الشمس ، فتبين أن سلطان الليل لا يسبق سلطان النهار ، فالمراد من الليل القمر ومن النهار الشمس ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ) إشارة إلى حركتها البطيئة التي تتم الدورة في سنة ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40ولا الليل سابق النهار ) إشارة إلى حركتها اليومية التي بها تعود من المشرق إلى المشرق مرة أخرى في يوم وليلة ، وعلى هذا ففيه مسائل :
[ ص: 65 ] المسألة الأولى : ما
nindex.php?page=treesubj&link=32440_32441الحكمة في إطلاق الليل وإرادة سلطانه وهو القمر ، وماذا يكون لو قال ولا القمر سابق الشمس ؟ نقول : لو قال : ولا القمر سابق الشمس ما كان يفهم أن الإشارة إلى الحركة اليومية ، فكان يتوهم التناقض ، فإن الشمس إذا كانت لا تدرك القمر أسرع ظاهرا ، وإذا قال : ولا القمر سابق يظن أن القمر لا يسبق فليس بأسرع ، فقال : الليل والنهار ليعلم أن الإشارة إلى الحركة التي بها تتم الدورة في مدة يوم وليلة ، ويكون لجميع الكواكب أو عليها طلوع وغروب في الليل والنهار .
المسألة الثانية : ما الفائدة في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40لا الشمس ينبغي لها أن تدرك ) بصيغة الفعل ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40ولا الليل سابق النهار ) بصيغة اسم الفاعل ، ولم يقل : ولا الليل يسبق ، ولا قال : مدركة القمر ؟ نقول : الحركة الأولية التي للشمس ، ولا يدرك بها القمر مختصة بالشمس ، فجعلها كالصادرة منها ، وذكر بصيغة الفعل لأن صيغة الفعل لا تطلق على من لا يصدر منه الفعل ، فلا يقال : هو يخيط ، ولا يكون يصدر منه الخياطة .
والحركة الثانية ليست مختصة بكوكب من الكواكب ، بل الكل فيها مشتركة بسبب حركة فلك فليس ذلك فلكا لكوكب من الكواكب ، فالحركة ليست كالصادرة منه ، فأطلق اسم الفاعل ؛ لأنه لا يستلزم صدور الفعل ، يقال : فلان خياط وإن لم يكن خياطا ، فإن قيل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا ) ( الأعراف : 54 ) يدل على خلاف ما ذكرتم ، لأن النهار إذا كان يطلب الليل فالليل سابقه ، وقلتم إن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40ولا الليل سابق النهار ) معناه ما ذكرتم فيكون الليل سابقا ولا يكون سابقا .
نقول : قد ذكرنا أن المراد بالليل ههنا سلطان الليل وهو القمر ، وهو لا يسبق الشمس بالحركة اليومية السريعة ، والمراد من الليل هناك نفس الليل وكل واحد لما كان في عقيب الآخر فكأنه طالبه ، فإن قيل : فلم ذكر ههنا (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40سابق النهار ) وقد ذكر هناك يطلبه ، ولم يقل : طالبه ؟ نقول : ذلك لما بينا من أن المراد في هذه السورة من الليل كوكب الليل ، وهي في هذه الحركة كأنها لا حركة لها ولا تسبق ، ولا من شأنها أنها سابقة ، والمراد هناك نفس الليل والنهار ، وهما زمانان ، والزمان لا قرار له ، فهو يطلب حثيثا لصدور التقصي منه ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40وكل في فلك يسبحون ) يحقق ما ذكرنا أي للكل طلوع وغروب في يوم وليلة لا يسبق بعضها بعضا ، بالنسبة إلى هذه الحركة ، وكل حركة في فلك تخصه ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : التنوين في قوله ( وكل ) عوض عن الإضافة معناه كل واحد ، وإسقاط التنوين للإضافة حتى لا يجتمع التعريف والتنكير في شيء واحد ، فلما سقط المضاف إليه لفظا رد التنوين عليه لفظا ، وفي المعنى معرف بالإضافة ، فإن قيل : فهل يختلف الأمر عند الإضافة لفظا وتركها ؟ فنقول : نعم ، وذلك لأن قول القائل : كل واحد من الناس كذا لا يذهب الفهم إلى غيرهم ، فيفيد اقتصار الفهم عليه ، فإذا قال : كل كذا يدخل في الفهم عموم أكثر من العموم عند الإضافة ، وهذا كما في قبل وبعد إذا قلت : افعل قبل كذا ، فإذا حذفت المضاف ، وقلت : افعل قبل أفاد فهم الفعل قبل كل شيء ، فإن قيل : فهل بين قولنا : كل منهم ، وبين قولنا : كلهم ، وبين : كل فرق ؟ نقول : نعم عند قولك : كلهم تثبت الأمر للاقتصار عليهم ، وعند قولك : كل منهم تثبت الأمر أولا للعموم ، ثم استدركت بالتخصيص ، فقلت : منهم ، وعند قولك : كل ، ثبت الأمر على العموم وتتركه عليه .
المسألة الثانية : إذا كان كل بمعنى كل واحد منهم والمذكور الشمس والقمر ، فكيف قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40يسبحون ) ؟ نقول : الجواب عنه من وجوه :
أحدها : ما بينا أن قوله كل للعموم ، فكأنه أخبر عن كل كوكب في السماء سيار .
[ ص: 66 ] ثانيها : إن لفظ كل يجوز أن يوحد نظرا إلى كونه لفظا موحدا غير مثنى ولا مجموع ، ويجوز أن يجمع لكون معناه جمعا ، وأما التثنية فلا يدل عليها اللفظ ولا المعنى ، فعلى هذا يحسن أن يقول القائل : زيد وعمرو كل جاء أو كل جاءوا ، ولا يقول : كل جاءا بالتثنية .
وثالثها : لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40ولا الليل سابق النهار ) والمراد ما في الليل من الكواكب قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40يسبحون ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )
إِشَارَةً إِلَى أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ خُلِقَ عَلَى وَفْقِ الْحِكْمَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=32441فَالشَّمْسُ لَمْ تَكُنْ تَصْلُحُ لَهَا سُرْعَةُ الْحَرَكَةِ بِحَيْثُ تُدْرِكُ الْقَمَرَ ، وَإِلَّا لَكَانَ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ صَيْفٌ وَشِتَاءٌ ، فَلَا تُدْرَكُ الثِّمَارُ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ) قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ : إِنَّ سُلْطَانَ اللَّيْلِ وَهُوَ الْقَمَرُ لَيْسَ يَسْبِقُ الشَّمْسَ وَهِيَ سُلْطَانُ النَّهَارِ .
وَقِيلَ : مَعْنَاهُ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارَ أَيِ اللَّيْلُ لَا يَدْخُلُ وَقْتَ النَّهَارِ .
وَالثَّانِي بَعِيدٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ إِيضَاحًا لِلْوَاضِحِ ، وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ إِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا بَيَّنْتُهُ ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ) أَنَّ الْقَمَرَ إِذَا كَانَ عَلَى أُفُقِ الْمَشْرِقِ أَيَّامَ الِاسْتِقْبَالِ تَكُونُ الشَّمْسُ فِي مُقَابَلَتِهِ عَلَى أُفُقِ الْمَغْرِبِ ، ثُمَّ إِنَّ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ يَطْلُعُ الْقَمَرُ وَعِنْدَ طُلُوعِهَا يَغْرُبُ الْقَمَرُ ، كَأَنَّ لَهَا حَرَكَةً وَاحِدَةً مَعَ أَنَّ الشَّمْسَ تَتَأَخَّرُ عَنِ الْقَمَرِ فِي لَيْلَةٍ مِقْدَارًا ظَاهِرًا فِي الْحِسِّ ، فَلَوْ كَانَ لِلْقَمَرِ حَرَكَةٌ وَاحِدَةٌ بِهَا يَسْبِقُ الشَّمْسَ وَلَا تُدْرِكُهُ الشَّمْسُ ، وَلِلشَّمْسِ حَرَكَةٌ وَاحِدَةٌ بِهَا تَتَأَخَّرُ عَنِ الْقَمَرِ وَلَا تُدْرِكُ الْقَمَرَ ؛ لَبَقِيَ الْقَمَرُ وَالشَّمْسُ مُدَّةً مَدِيدَةً فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ ، لِأَنَّ حَرَكَةَ الشَّمْسِ كُلَّ يَوْمٍ دَرَجَةٌ ، فَخَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي جَمِيعِ الْكَوَاكِبِ حَرَكَةً أُخْرَى غَيْرَ حَرَكَةِ الشَّهْرِ وَالسَّنَةِ ، وَهِيَ الدَّوْرَةُ الْيَوْمِيَّةُ وَبِهَذِهِ الدَّوْرَةِ لَا يَسْبِقُ كَوْكَبٌ كَوْكَبًا أَصْلًا ، لِأَنَّ كُلَّ كَوْكَبٍ مِنَ الْكَوَاكِبِ إِذَا طَلَعَ غَرُبَ مُقَابِلُهُ وَكُلَّمَا تَقَدَّمَ كَوْكَبٌ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الْكَوْكَبُ الْآخَرُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ الْكَوْكَبُ ، فَبِهَذِهِ الْحَرَكَةِ لَا يَسْبِقُ الشَّمْسَ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ سُلْطَانَ اللَّيْلِ لَا يَسْبِقُ سُلْطَانَ النَّهَارِ ، فَالْمُرَادُ مِنَ اللَّيْلِ الْقَمَرُ وَمِنَ النَّهَارِ الشَّمْسُ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ) إِشَارَةٌ إِلَى حَرَكَتِهَا الْبَطِيئَةِ الَّتِي تُتِمُّ الدَّوْرَةَ فِي سَنَةٍ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ) إِشَارَةٌ إِلَى حَرَكَتِهَا الْيَوْمِيَّةِ الَّتِي بِهَا تَعُودُ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَشْرِقِ مَرَّةً أُخْرَى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، وَعَلَى هَذَا فَفِيهِ مَسَائِلُ :
[ ص: 65 ] الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : مَا
nindex.php?page=treesubj&link=32440_32441الْحِكْمَةُ فِي إِطْلَاقِ اللَّيْلِ وَإِرَادَةِ سُلْطَانِهِ وَهُوَ الْقَمَرُ ، وَمَاذَا يَكُونُ لَوْ قَالَ وَلَا الْقَمَرُ سَابِقُ الشَّمْسِ ؟ نَقُولُ : لَوْ قَالَ : وَلَا الْقَمَرُ سَابِقُ الشَّمْسِ مَا كَانَ يُفْهَمُ أَنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى الْحَرَكَةِ الْيَوْمِيَّةِ ، فَكَانَ يُتَوَهَّمُ التَّنَاقُضُ ، فَإِنَّ الشَّمْسَ إِذَا كَانَتْ لَا تُدْرِكُ الْقَمَرَ أَسْرَعَ ظَاهِرًا ، وَإِذَا قَالَ : وَلَا الْقَمَرُ سَابِقٌ يُظَنُّ أَنَّ الْقَمَرَ لَا يَسْبِقُ فَلَيْسَ بِأَسْرَعَ ، فَقَالَ : اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى الْحَرَكَةِ الَّتِي بِهَا تَتِمُّ الدَّوْرَةُ فِي مُدَّةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، وَيَكُونُ لِجَمِيعِ الْكَوَاكِبِ أَوْ عَلَيْهَا طُلُوعٌ وَغُرُوبٌ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : مَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ ) بِصِيغَةِ الْفِعْلِ ، وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ ، وَلَمْ يَقُلْ : وَلَا اللَّيْلُ يَسْبِقُ ، وَلَا قَالَ : مُدْرِكَةُ الْقَمَرِ ؟ نَقُولُ : الْحَرَكَةُ الْأَوَّلِيَّةُ الَّتِي لِلشَّمْسِ ، وَلَا يُدْرَكُ بِهَا الْقَمَرُ مُخْتَصَّةٌ بِالشَّمْسِ ، فَجَعَلَهَا كَالصَّادِرَةِ مِنْهَا ، وَذُكِرَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ لِأَنَّ صِيغَةَ الْفِعْلِ لَا تُطْلَقُ عَلَى مَنْ لَا يَصْدُرُ مِنْهُ الْفِعْلُ ، فَلَا يُقَالُ : هُوَ يَخِيطُ ، وَلَا يَكُونُ يَصْدُرُ مِنْهُ الْخِيَاطَةُ .
وَالْحَرَكَةُ الثَّانِيَةُ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِكَوْكَبٍ مِنَ الْكَوَاكِبِ ، بَلِ الْكُلُّ فِيهَا مُشْتَرِكَةٌ بِسَبَبِ حَرَكَةِ فَلَكٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ فَلَكًا لِكَوْكَبٍ مِنَ الْكَوَاكِبِ ، فَالْحَرَكَةُ لَيْسَتْ كَالصَّادِرَةِ مِنْهُ ، فَأَطْلَقَ اسْمَ الْفَاعِلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ صُدُورَ الْفِعْلِ ، يُقَالُ : فُلَانٌ خَيَّاطٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَيَّاطًا ، فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا ) ( الْأَعْرَافِ : 54 ) يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرْتُمْ ، لِأَنَّ النَّهَارَ إِذَا كَانَ يَطْلُبُ اللَّيْلَ فَاللَّيْلُ سَابِقُهُ ، وَقُلْتُمْ إِنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ) مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْتُمْ فَيَكُونُ اللَّيْلُ سَابِقًا وَلَا يَكُونُ سَابِقًا .
نَقُولُ : قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّيْلِ هَهُنَا سُلْطَانُ اللَّيْلِ وَهُوَ الْقَمَرُ ، وَهُوَ لَا يَسْبِقُ الشَّمْسَ بِالْحَرَكَةِ الْيَوْمِيَّةِ السَّرِيعَةِ ، وَالْمُرَادُ مِنَ اللَّيْلِ هُنَاكَ نَفْسُ اللَّيْلِ وَكُلُّ وَاحِدٍ لَمَّا كَانَ فِي عَقِيبِ الْآخَرِ فَكَأَنَّهُ طَالِبُهُ ، فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ ذَكَرَ هَهُنَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40سَابِقُ النَّهَارِ ) وَقَدْ ذَكَرَ هُنَاكَ يَطْلُبُهُ ، وَلَمْ يَقُلْ : طَالِبُهُ ؟ نَقُولُ : ذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ اللَّيْلِ كَوْكَبُ اللَّيْلِ ، وَهِيَ فِي هَذِهِ الْحَرَكَةِ كَأَنَّهَا لَا حَرَكَةَ لَهَا وَلَا تَسْبِقُ ، وَلَا مِنْ شَأْنِهَا أَنَّهَا سَابِقَةٌ ، وَالْمُرَادُ هُنَاكَ نَفْسُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَهُمَا زَمَانَانِ ، وَالزَّمَانُ لَا قَرَارَ لَهُ ، فَهُوَ يُطْلَبُ حَثِيثًا لِصُدُورِ التَّقَصِّي مِنْهُ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) يُحَقِّقُ مَا ذَكَرْنَا أَيْ لِلْكُلِّ طُلُوعٌ وَغُرُوبٌ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَسْبِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذِهِ الْحَرَكَةِ ، وَكُلُّ حَرَكَةٍ فِي فَلَكٍ تَخُصُّهُ ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : التَّنْوِينُ فِي قَوْلِهِ ( وَكَلٌّ ) عِوَضٌ عَنِ الْإِضَافَةِ مَعْنَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ ، وَإِسْقَاطُ التَّنْوِينِ لِلْإِضَافَةِ حَتَّى لَا يَجْتَمِعَ التَّعْرِيفُ وَالتَّنْكِيرُ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ ، فَلَمَّا سَقَطَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ لَفْظًا رُدَّ التَّنْوِينُ عَلَيْهِ لَفْظًا ، وَفِي الْمَعْنَى مُعَرَّفٌ بِالْإِضَافَةِ ، فَإِنْ قِيلَ : فَهَلْ يَخْتَلِفُ الْأَمْرُ عِنْدَ الْإِضَافَةِ لَفْظًا وَتَرْكِهَا ؟ فَنَقُولُ : نَعَمْ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ : كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ كَذَا لَا يَذْهَبُ الْفَهْمُ إِلَى غَيْرِهِمْ ، فَيُفِيدُ اقْتِصَارَ الْفَهْمِ عَلَيْهِ ، فَإِذَا قَالَ : كُلُّ كَذَا يَدْخُلُ فِي الْفَهْمِ عُمُومٌ أَكْثَرُ مِنَ الْعُمُومِ عِنْدَ الْإِضَافَةِ ، وَهَذَا كَمَا فِي قَبْلُ وَبَعْدُ إِذَا قُلْتَ : افْعَلْ قَبْلَ كَذَا ، فَإِذَا حَذَفْتَ الْمُضَافَ ، وَقُلْتَ : افْعَلْ قَبْلُ أَفَادَ فَهْمُ الْفِعْلِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، فَإِنْ قِيلَ : فَهَلْ بَيْنَ قَوْلِنَا : كُلٌّ مِنْهُمْ ، وَبَيْنَ قَوْلِنَا : كُلُّهُمْ ، وَبَيْنَ : كُلٌّ فَرْقٌ ؟ نَقُولُ : نَعَمْ عِنْدَ قَوْلِكَ : كُلُّهُمْ تُثْبِتُ الْأَمْرَ لِلِاقْتِصَارِ عَلَيْهِمْ ، وَعِنْدَ قَوْلِكَ : كُلٌّ مِنْهُمْ تُثْبِتُ الْأَمْرَ أَوَّلًا لِلْعُمُومِ ، ثُمَّ اسْتَدْرَكْتَ بِالتَّخْصِيصِ ، فَقُلْتَ : مِنْهُمْ ، وَعِنْدَ قَوْلِكَ : كُلٌّ ، ثَبَّتَّ الْأَمْرَ عَلَى الْعُمُومِ وَتَتْرُكُهُ عَلَيْهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : إِذَا كَانَ كُلٌّ بِمَعْنَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَالْمَذْكُورُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ، فَكَيْفَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40يَسْبَحُونَ ) ؟ نَقُولُ : الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : مَا بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَهُ كُلٌّ لِلْعُمُومِ ، فَكَأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ كُلِّ كَوْكَبٍ فِي السَّمَاءِ سَيَّارٍ .
[ ص: 66 ] ثَانِيهَا : إِنَّ لَفْظَ كُلٍّ يَجُوزُ أَنْ يُوَحَّدَ نَظَرًا إِلَى كَوْنِهِ لَفْظًا مُوَحَّدًا غَيْرَ مُثَنًّى وَلَا مَجْمُوعٍ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ لِكَوْنِ مَعْنَاهُ جَمْعًا ، وَأَمَّا التَّثْنِيَةُ فَلَا يَدُلُّ عَلَيْهَا اللَّفْظُ وَلَا الْمَعْنَى ، فَعَلَى هَذَا يَحْسُنُ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ : زَيْدٌ وَعَمْرٌو كُلٌّ جَاءَ أَوْ كُلٌّ جَاءُوا ، وَلَا يَقُولُ : كُلٌّ جَاءَا بِالتَّثْنِيَةِ .
وَثَالِثُهَا : لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ) وَالْمُرَادُ مَا فِي اللَّيْلِ مِنَ الْكَوَاكِبِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40يَسْبَحُونَ ) .