(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ) .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52قالوا ياويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ) .
يعني لما بعثوا قالوا ذلك ، لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=51ونفخ في الصور ) يدل على أنهم بعثوا وفيه مسائل :
المسألة الأولى : لو قال قائل : لو قال الله تعالى فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون يقولون : يا ويلنا كان أليق ، نقول : معاذ الله ، وذلك لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=51فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ) على ما ذكرنا إشارة إلى أنه تعالى في أسرع زمان يجمع أجزاءهم ويؤلفها ويحييها ويحركها ، بحيث يقع نسلانهم في وقت النفخ ، مع أن ذلك لا بد له من الجمع والتأليف ، فلو قال : يقولون ، لكان ذلك مثل الحال لينسلون ، أي ينسلون قائلين : يا ويلنا وليس كذلك ، فإن قولهم : يا ويلنا قبل أن ينسلوا ، وإنما ذكر النسلان لما ذكرنا من الفوائد .
المسألة الثانية : لو قال قائل : قد عرفنا معنى النداء في مثل يا حسرة ويا حسرتا ويا ويلنا ، ولكن ما الفرق بين قولهم وقول الله حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30ياحسرة على العباد ) [ يس : 30 ] من غير إضافة ، وقالوا : يا حسرتا ويا حسرتنا ويا ويلنا ؟ نقول : حيث كان القائل هو المكلف لم يكن لأحد علم إلا بحالة أو بحال من قرب منه ، فكان كل واحد مشغولا بنفسه ، فكان كل واحد يقول : يا حسرتنا ويا ويلنا ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52قالوا ياويلنا ) أي كل واحد قال : يا ويلي ، وأما حيث قال الله قال على سبيل العموم لشمول علمه بحالهم .
المسألة الثالثة : ما وجه تعلق : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52من بعثنا من مرقدنا ) بقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52ياويلنا ) نقول : لما بعثوا تذكروا ما كانوا يسمعون من الرسل ، فقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52ياويلنا من بعثنا ) أبعثنا الله
nindex.php?page=treesubj&link=30336البعث الموعود به أم كنا نياما فنبهنا ؟ وهذا كما إذا
[ ص: 79 ] كان إنسان موعودا بأن يأتيه عدو لا يطيقه ، ثم يرى رجلا هائلا يقبل عليه فيرتجف في نفسه ويقول : هذا ذلك أم لا ؟ ويدل على ما ذكرنا قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52من مرقدنا ) حيث جعلوا القبور موضع الرقاد إشارة إلى أنهم شكوا في أنهم كانوا نياما فنبهوا أو كانوا موتى وكان الغالب على ظنهم هو البعث فجمعوا بين الأمرين ، فقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52من بعثنا ) إشارة إلى ظنهم أنه بعثهم الموعود به ، وقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52من مرقدنا ) إشارة إلى توهمهم احتمال الانتباه .
المسألة الرابعة : ( هذا ) إشارة إلى ماذا ؟ نقول : فيه وجهان :
أحدهما : أنه إشارة إلى المرقد كأنهم قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52من بعثنا من مرقدنا ) هذا فيكون صفة للمرقد ، يقال : كلامي هذا صدق .
وثانيهما : ( هذا ) إشارة إلى البعث ، أي هذا البعث ما وعد به الرحمن وصدق فيه المرسلون .
المسألة الخامسة :
nindex.php?page=treesubj&link=30336_29007_34077إذا كان " هذا " صفة للمرقد فكيف يصح قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ) ؟ نقول : يكون ما وعد الرحمن مبتدأ خبره محذوف ، تقديره ما وعد الرحمن حق ، والمرسلون صدقوا ، أو يقال ما وعد به الرحمن وصدق فيه المرسلون حق ، والأول أظهر لقلة الإضمار ، أو يقال : ما وعد الرحمن خبر مبتدأ محذوف تقديره هو ما وعد الرحمن من البعث ليس تنبيها من النوم ، وصدق المرسلون فيما أخبروكم به .
المسألة السادسة :
nindex.php?page=treesubj&link=34077_29007إن قلنا : ( هذا ) إشارة إلى المرقد أو إلى البعث ، فجواب الاستفهام بقولهم ( nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52من بعثنا ) أين يكون ؟ نقول : لما كان غرضهم من قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52من بعثنا ) حصول العلم بأنه بعث أو تنبيه حصل الجواب بقوله : هذا بعث وعد الرحمن به ، ليس تنبيها ، كما أن الخائف إذا قال لغيره : ماذا تقول أيقتلني فلان ؟ فله أن يقول : لا تخف ، ويسكت لعلمه أن غرضه إزالة الرعب عنه وبه يحصل الجواب .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) .
يَعْنِي لَمَّا بُعِثُوا قَالُوا ذَلِكَ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=51وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ بُعِثُوا وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : لَوْ قَالَ قَائِلٌ : لَوْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ يَقُولُونَ : يَا وَيْلَنَا كَانَ أَلْيَقَ ، نَقُولُ : مَعَاذَ اللَّهِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=51فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ) عَلَى مَا ذَكَرْنَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ تَعَالَى فِي أَسْرَعِ زَمَانٍ يَجْمَعُ أَجَزَاءَهُمْ وَيُؤَلِّفُهَا وَيُحْيِيهَا وَيُحَرِّكُهَا ، بِحَيْثُ يَقَعُ نَسَلَانُهُمْ فِي وَقْتِ النَّفْخِ ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْجَمْعِ وَالتَّأْلِيفِ ، فَلَوْ قَالَ : يَقُولُونَ ، لَكَانَ ذَلِكَ مِثْلَ الْحَالِ لِيَنْسِلُونَ ، أَيْ يَنْسِلُونَ قَائِلِينَ : يَا وَيْلَنَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، فَإِنَّ قَوْلَهُمْ : يَا وَيْلَنَا قَبْلَ أَنْ يَنْسِلُوا ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ النَّسَلَانَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْفَوَائِدِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : لَوْ قَالَ قَائِلٌ : قَدْ عَرَفْنَا مَعْنَى النِّدَاءِ فِي مِثْلِ يَا حَسْرَةً وَيَا حَسْرَتَا وَيَا وَيْلَنَا ، وَلَكِنْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِمْ وَقَوْلِ اللَّهِ حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ) [ يس : 30 ] مِنْ غَيْرِ إِضَافَةٍ ، وَقَالُوا : يَا حَسْرَتَا وَيَا حَسْرَتَنَا وَيَا وَيْلَنَا ؟ نَقُولُ : حَيْثُ كَانَ الْقَائِلُ هُوَ الْمُكَلَّفَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ عِلْمٌ إِلَّا بِحَالَةٍ أَوْ بِحَالٍ مِنْ قُرْبٍ مِنْهُ ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مَشْغُولًا بِنَفْسِهِ ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَقُولُ : يَا حَسْرَتَنَا وَيَا وَيْلَنَا ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52قَالُوا يَاوَيْلَنَا ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ قَالَ : يَا وَيْلِي ، وَأَمَّا حَيْثُ قَالَ اللَّهُ قَالَ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ لِشُمُولِ عِلْمِهِ بِحَالِهِمْ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : مَا وَجْهُ تَعَلُّقِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ) بِقَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52يَاوَيْلَنَا ) نَقُولُ : لَمَّا بُعِثُوا تَذَكَّرُوا مَا كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنَ الرُّسُلِ ، فَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا ) أَبَعَثَنَا اللَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=30336الْبَعْثَ الْمَوْعُودَ بِهِ أَمْ كُنَّا نِيَامًا فَنَبَّهَنَا ؟ وَهَذَا كَمَا إِذَا
[ ص: 79 ] كَانَ إِنْسَانٌ مَوْعُودًا بِأَنْ يَأْتِيَهُ عَدُوٌّ لَا يُطِيقُهُ ، ثُمَّ يَرَى رَجُلًا هَائِلًا يُقْبِلُ عَلَيْهِ فَيَرْتَجِفُ فِي نَفْسِهِ وَيَقُولُ : هَذَا ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52مِنْ مَرْقَدِنَا ) حَيْثُ جَعَلُوا الْقُبُورَ مَوْضِعَ الرُّقَادِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُمْ شَكُّوا فِي أَنَّهُمْ كَانُوا نِيَامًا فَنُبِّهُوا أَوْ كَانُوا مَوْتَى وَكَانَ الْغَالِبُ عَلَى ظَنِّهِمْ هُوَ الْبَعْثَ فَجَمَعُوا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ، فَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52مَنْ بَعَثَنَا ) إِشَارَةً إِلَى ظَنِّهِمْ أَنَّهُ بَعْثُهُمُ الْمَوْعُودُ بِهِ ، وَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52مِنْ مَرْقَدِنَا ) إِشَارَةً إِلَى تَوَهُّمِهِمُ احْتِمَالَ الِانْتِبَاهِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : ( هَذَا ) إِشَارَةٌ إِلَى مَاذَا ؟ نَقُولُ : فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَرْقَدِ كَأَنَّهُمْ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ) هَذَا فَيَكُونُ صِفَةً لِلْمَرْقَدِ ، يُقَالُ : كَلَامِي هَذَا صِدْقٌ .
وَثَانِيهِمَا : ( هَذَا ) إِشَارَةٌ إِلَى الْبَعْثِ ، أَيْ هَذَا الْبَعْثُ مَا وَعَدَ بِهِ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ فِيهِ الْمُرْسَلُونَ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=30336_29007_34077إِذَا كَانَ " هَذَا " صِفَةً لِلْمَرْقَدِ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) ؟ نَقُولُ : يَكُونُ مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ ، تَقْدِيرُهُ مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ حَقٌّ ، وَالْمُرْسَلُونَ صَدَقُوا ، أَوْ يُقَالُ مَا وَعَدَ بِهِ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ فِيهِ الْمُرْسَلُونَ حَقٌّ ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِقِلَّةِ الْإِضْمَارِ ، أَوْ يُقَالُ : مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هُوَ مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ مِنَ الْبَعْثِ لَيْسَ تَنْبِيهًا مِنَ النَّوْمِ ، وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ فِيمَا أَخْبَرُوكُمْ بِهِ .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=34077_29007إِنْ قُلْنَا : ( هَذَا ) إِشَارَةً إِلَى الْمَرْقَدِ أَوْ إِلَى الْبَعْثِ ، فَجَوَابُ الِاسْتِفْهَامِ بِقَوْلِهِمْ ( nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52مَنْ بَعَثَنَا ) أَيْنَ يَكُونُ ؟ نَقُولُ : لَمَّا كَانَ غَرَضُهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52مَنْ بَعَثَنَا ) حُصُولَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ بَعْثٌ أَوْ تَنْبِيهٌ حَصَلَ الْجَوَابُ بِقَوْلِهِ : هَذَا بَعْثٌ وَعَدَ الرَّحْمَنُ بِهِ ، لَيْسَ تَنْبِيهًا ، كَمَا أَنَّ الْخَائِفَ إِذَا قَالَ لِغَيْرِهِ : مَاذَا تَقُولُ أَيَقْتُلُنِي فُلَانٌ ؟ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ : لَا تَخَفْ ، وَيَسْكُتُ لِعِلْمِهِ أَنَّ غَرَضَهُ إِزَالَةُ الرُّعْبِ عَنْهُ وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَوَابُ .