(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=66ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=67ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون ) .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=66ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=67ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون ) .
قد ذكرنا مرارا أن الصراط المستقيم هو بين الجبر والقدر وهو الطريقة الوسطى ، والله تعالى في كل موضع ذكر ما يتمسك به المجبرة ذكر عقيبه ما يتمسك به القدرية وبالعكس ، وههنا كذلك لما قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=65وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=64اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون ) وكان ذلك متمسك
القدرية حيث أسند الله الكفر والكسب إليهم وأحال الخير والشر عليهم ، ذكر عقيبه ما يدل على أن كفرهم وكسبهم بمشيئة الله ، وذلك لأن الكفر يعمي البصيرة ويضعف القوة العقلية ، وعمى البصيرة بإرادة الله ومشيئته ، إذا شاء أعمى البصائر ، كما أنه لو شاء لطمس على أعينهم المبصرة ، وسلب القوة العقلية باختياره ومشيئته ، كما أن سلب القوة الجسمية بمشيئته ، حتى لو شاء لمسخ المكلف على مكانته وأقامه بحيث لا يتحرك يمنة ولا يسرة ، ولا يقدر على المضي والرجوع ، فإعماء البصائر عنده كإعماء الأبصار ، وسلب القوة العقلية كسلب القوة الجسمية ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=66ولو نشاء لطمسنا على أعينهم ) إشارة إلى أنه لو شاء وأراد إعماء بصائرهم فضلوا ، وأنه لو شاء طمس أعينهم لما اهتدوا إلى طريقتهم الظاهرة ، وشاء واختار سلب قوة عقولهم فزلوا ، وأنه لو شاء سلب قوة أجسامهم ومسخهم لما قدروا على تقدم ولا تأخر . وفي الآيتين أبحاث لفظية :
البحث الأول : في
nindex.php?page=treesubj&link=29007_34077_30370قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=66فاستبقوا الصراط ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فيه وجوه :
الأول : أنه يكون فيه حذف حرف إلى واتصال الفعل من غير حرف ، وأصله فاستبقوا إلى الصراط .
الثاني : أن يكون المراد من الاستباق الابتدار فأعمله إعمال الابتدار .
الثالث : يقال : أن يجعل الصراط مستبقا لا مستبقا إليه ، يقال استبقنا فسبقتهم وحينئذ يكون مبالغة في الاهتداء إلى الطريق ، كأنه يقول : الصراط الذي هو معهم ليسوا طالبين له قاصدين إياه ، وإنما هم عليه إذا طمس الله على أعينهم لا يبصرونه ، فكيف إن لم يكونوا على الصراط .
البحث الثاني : قدم الطمس والإعمار على المسخ والإعجاز ليكون الكلام مدرجا ، كأنه قال : إن أعماهم لم يروا الطريق الذي هم عليه وحينئذ لا يهتدون إليه ، فإن قال قائل : الأعمى قد يهتدي إلى الطريق
[ ص: 91 ] بأمارات عقلية أو حسية غير حس البصر كالأصوات والمشي بحس اللمس ، فارتقى وقال : فلو مسخهم وسلب قوتهم بالكلية لا يهتدون إلى الصراط بوجه من الوجوه .
البحث الثالث : قدم المضي على الرجوع ؛ لأن الرجوع أهون من المضي ؛ لأن المضي لا ينبئ عن سلوك الطريق من قبل ، وأما الرجوع فينبئ عنه ، ولا شك أن سلوك طريق قد رؤي مرة أهون من سلوك طريق لم ير ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=67فما استطاعوا مضيا ) [ يس : 67 ] ولا أقل من ذلك وهو الرجوع الذي هو أهون من المضي .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=66وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=67وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=66وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=67وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ ) .
قَدْ ذَكَرْنَا مِرَارًا أَنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ هُوَ بَيْنَ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ وَهُوَ الطَّرِيقَةُ الْوُسْطَى ، وَاللَّهُ تَعَالَى فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ذَكَرَ مَا يَتَمَسَّكُ بِهِ الْمُجَبِّرَةُ ذَكَرَ عَقِيبَهُ مَا يَتَمَسَّكُ بِهِ الْقَدَرِيَّةُ وَبِالْعَكْسِ ، وَهَهُنَا كَذَلِكَ لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=65وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=64اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) وَكَانَ ذَلِكَ مُتَمَسَّكَ
الْقَدَرِيَّةِ حَيْثُ أَسْنَدَ اللَّهُ الْكُفْرَ وَالْكَسْبَ إِلَيْهِمْ وَأَحَالَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ عَلَيْهِمْ ، ذَكَرَ عَقِيبَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُفْرَهُمْ وَكَسْبَهُمْ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُعْمِي الْبَصِيرَةَ وَيُضْعِفُ الْقُوَّةَ الْعَقْلِيَّةَ ، وَعَمَى الْبَصِيرَةِ بِإِرَادَةِ اللَّهِ وَمَشِيئَتِهِ ، إِذَا شَاءَ أَعْمَى الْبَصَائِرَ ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَطَمَسَ عَلَى أَعْيُنِهِمُ الْمُبْصِرَةِ ، وَسَلَبَ الْقُوَّةَ الْعَقْلِيَّةَ بِاخْتِيَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ ، كَمَا أَنَّ سَلْبَ الْقُوَّةِ الْجِسْمِيَّةِ بِمَشِيئَتِهِ ، حَتَّى لَوْ شَاءَ لَمَسَخَ الْمُكَلَّفَ عَلَى مَكَانَتِهِ وَأَقَامَهُ بِحَيْثُ لَا يَتَحَرَّكُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُضِيِّ وَالرُّجُوعِ ، فَإِعْمَاءُ الْبَصَائِرِ عِنْدَهُ كَإِعْمَاءِ الْأَبْصَارِ ، وَسَلْبُ الْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ كَسَلْبِ الْقُوَّةِ الْجِسْمِيَّةِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=66وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ ) إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَوْ شَاءَ وَأَرَادَ إِعْمَاءَ بَصَائِرِهِمْ فَضَلُّوا ، وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ طَمْسَ أَعْيُنِهِمْ لَمَا اهْتَدَوْا إِلَى طَرِيقَتِهِمُ الظَّاهِرَةِ ، وَشَاءَ وَاخْتَارَ سَلْبَ قُوَّةِ عُقُولِهِمْ فَزَلُّوا ، وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ سَلْبَ قُوَّةِ أَجْسَامِهِمْ وَمَسَخَهُمْ لَمَا قَدَرُوا عَلَى تَقَدُّمٍ وَلَا تَأَخُّرٍ . وَفِي الْآيَتَيْنِ أَبْحَاثٌ لَفْظِيَّةٌ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29007_34077_30370قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=66فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ يَكُونُ فِيهِ حَذْفُ حَرْفِ إِلَى وَاتِّصَالُ الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ حَرْفٍ ، وَأَصْلُهُ فَاسْتَبَقُوا إِلَى الصِّرَاطِ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الِاسْتِبَاقِ الِابْتِدَارَ فَأَعْمَلَهُ إِعْمَالَ الِابْتِدَارِ .
الثَّالِثُ : يُقَالُ : أَنْ يَجْعَلَ الصِّرَاطَ مُسْتَبِقًا لَا مُسْتَبَقًا إِلَيْهِ ، يُقَالُ اسْتَبَقْنَا فَسَبَقْتُهُمْ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُبَالَغَةً فِي الِاهْتِدَاءِ إِلَى الطَّرِيقِ ، كَأَنَّهُ يَقُولُ : الصِّرَاطُ الَّذِي هُوَ مَعَهُمْ لَيْسُوا طَالِبِينَ لَهُ قَاصِدِينَ إِيَّاهُ ، وَإِنَّمَا هُمْ عَلَيْهِ إِذَا طَمَسَ اللَّهُ عَلَى أَعْيُنِهِمْ لَا يُبْصِرُونَهُ ، فَكَيْفَ إِنْ لَمْ يَكُونُوا عَلَى الصِّرَاطِ .
الْبَحْثُ الثَّانِي : قَدَّمَ الطَّمْسَ وَالْإِعْمَارَ عَلَى الْمَسْخِ وَالْإِعْجَازِ لِيَكُونَ الْكَلَامُ مُدَرَّجًا ، كَأَنَّهُ قَالَ : إِنْ أَعْمَاهُمْ لَمْ يَرَوُا الطَّرِيقَ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ لَا يَهْتَدُونَ إِلَيْهِ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : الْأَعْمَى قَدْ يَهْتَدِي إِلَى الطَّرِيقِ
[ ص: 91 ] بِأَمَارَاتٍ عَقْلِيَّةٍ أَوْ حِسِّيَّةٍ غَيْرِ حِسِّ الْبَصَرِ كَالْأَصْوَاتِ وَالْمَشْيِ بِحِسِّ اللَّمْسِ ، فَارْتَقَى وَقَالَ : فَلَوْ مَسَخَهُمْ وَسَلَبَ قُوَّتَهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى الصِّرَاطِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ .
الْبَحْثُ الثَّالِثُ : قَدَّمَ الْمُضِيَّ عَلَى الرُّجُوعِ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ أَهْوَنُ مِنَ الْمُضِيِّ ؛ لِأَنَّ الْمُضِيَّ لَا يُنْبِئُ عَنْ سُلُوكِ الطَّرِيقِ مِنْ قَبْلُ ، وَأَمَّا الرُّجُوعُ فَيُنْبِئُ عَنْهُ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ سُلُوكَ طَرِيقٍ قَدْ رُؤِيَ مَرَّةً أَهْوَنُ مِنْ سُلُوكِ طَرِيقٍ لَمْ يُرَ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=67فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا ) [ يس : 67 ] وَلَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الرُّجُوعُ الَّذِي هُوَ أَهْوَنُ مِنَ الْمُضِيِّ .