(
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=13وإذا ذكروا لا يذكرون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=14وإذا رأوا آية يستسخرون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=15وقالوا إن هذا إلا سحر مبين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=16أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=17أوآباؤنا الأولون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=18قل نعم وأنتم داخرون ) .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=13وإذا ذكروا لا يذكرون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=14وإذا رأوا آية يستسخرون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=15وقالوا إن هذا إلا سحر مبين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=16أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=17أوآباؤنا الأولون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=18قل نعم وأنتم داخرون ) .
اعلم أنه تعالى لما قرر الدليل القاطع في إثبات إمكان البعث والقيامة حكى عن المنكرين أشياء :
أولها : النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعجب من إصرارهم على الإنكار وهم يسخرون منه في إصراره على الإثبات ، وهذا يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - مع أولئك الأقوام كانوا في غاية التباعد وفي طرفي النقيض .
وثانيها قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=13وإذا ذكروا لا يذكرون ) .
وثالثها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=14وإذا رأوا آية يستسخرون ) ويجب أن يكون المراد من هذا الثاني والثالث غير الأول ؛ لأن العطف يوجب التغاير ولأن التكرير خلاف الأصل ، والذي عندي في هذا الباب أن يقال : القوم كانوا يستبعدون الحشر والقيامة ، ويقولون : من مات وصار ترابا وتفرقت أجزاؤه في العالم كيف يعقل عوده بعينه ؟ وبلغوا في هذا الاستبعاد إلى حيث كانوا يسخرون ممن يذهب إلى هذا المذهب ، وإذا كان كذلك فلا طريق إلى إزالة هذا
[ ص: 112 ] الاستبعاد عنهم إلا من وجهين :
أحدهما : أن يذكر لهم الدليل الدال على
nindex.php?page=treesubj&link=30347صحة الحشر والنشر مثل أن يقال لهم : هل تعلمون أن
nindex.php?page=treesubj&link=30336_31756خلق السماوات والأرض أشد وأصعب من إعادة إنسان بعد موته ؟ وهل تعلمون أن القادر على الأصعب الأشق ، يجب أن يكون قادرا على الأسهل الأيسر ؟ فهذا الدليل وإن كان جليا قويا إلا أن أولئك المنكرين إذا عرض على عقولهم هذه المقدمات لا يفهمونها ولا يقفون عليها ، وإذا ذكروا لم يذكروها لشدة بلادتهم وجهلهم ، فلا جرم لم ينتفعوا بهذا النوع من البيان .
الطريق الثاني : أن يثبت الرسول - صلى الله عليه وسلم - جهة رسالته بالمعجزات ثم يقول : لما ثبت بالمعجز كوني رسولا صادقا من عند الله فأنا أخبركم بأن البعث والقيامة حق ، ثم إن أولئك المنكرين لا ينتفعون بهذا الطريق أيضا ؛ لأنهم إذا رأوا معجزة قاهرة وآية باهرة حملوها على كونها سحرا وسخروا بها واستهزءوا منها وهذا هو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=14وإذا رأوا آية يستسخرون ) فظهر بالبيان الذي ذكرناه أن هذه الألفاظ الثلاثة منبهة على هذه الفوائد الجلية .
واعلم أن أكثر الناس لم يقفوا على هذه الدقائق ، فقالوا : إنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=12بل عجبت ويسخرون ) .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=14وإذا رأوا آية يستسخرون ) فوجب أن يكون المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=14يستسخرون ) غير ما تقدم ذكره من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=12ويسخرون ) فقال هذا القائل : المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=12ويسخرون ) إقدامهم على السخرية ، والمراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=14يستسخرون ) طلب كل واحد منهم من صاحبه أن يقدم على السخرية ، وهذا التكليف إنما لزمهم لعدم وقوفهم على الفوائد التي ذكرناها والله أعلم .
والرابع : من الأمور التي حكاها الله تعالى عنهم أنهم قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=15إن هذا إلا سحر مبين ) يعني أنهم إذا رأوا آية ومعجزة سخروا منها ، والسبب في تلك السخرية اعتقادهم أنها من باب السحر . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=15مبين ) معناه أن كونه سحرا أمر بين لا شبهة لأحد فيه ، ثم بين تعالى أن السبب الذي يحملهم على الاستهزاء بالقول بالبعث وعلى عدم الالتفات إلى الدلائل الدالة على صحة القول وعلى الاستهزاء بجميع المعجزات هو قولهم : إن الذي مات وتفرقت أجزاؤه في جملة العالم فما فيه من الأرضية اختلط بتراب الأرض ، وما فيه من المائية والهوائية اختلط ببخارات العالم ، فهذا الإنسان كيف يعقل عوده بعينه حيا فاهما ؟ فهذا الكلام هو الذي يحملهم على تلك الأحوال الثلاثة المتقدمة ، ثم إنه تعالى لما حكى عنهم هذه الشبهة قال : قل يا
محمد نعم وأنتم داخرون ، وإنما اكتفى تعالى بهذا القدر من الجواب ؛ لأنه ذكر في الآية المتقدمة بالبرهان اليقيني القطعي أنه أمر ممكن ، وإذا ثبت الجواز القطعي فلا سبيل إلى القطع بالوقوع إلا بإخبار المخبر الصادق ، فلما قامت المعجزات على صدق
محمد - صلى الله عليه وسلم - كان واجب الصدق فكان مجرد قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=18قل نعم ) دليلا قاطعا على الوقوع .
ومن تأمل في هذه الآيات علم أنها وردت على أحسن وجوه الترتيب ، وذلك لأنه بين الإمكان بالدليل العقلي وبين وقوع ذلك الممكن بالدليل السمعي ، ومن المعلوم أن الزيادة على هذا البيان كالأمر الممتنع .
أما
nindex.php?page=treesubj&link=28760_29008قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=17أوآباؤنا ) فالمعنى أو تبعث آباؤنا وهذه ألف الاستفهام دخلت على حرف العطف وقرأ
نافع وابن عامر ههنا ، وفي سورة الواقعة ساكنة الواو وذكرنا الكلام في هذا في سورة الأعراف عن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=98أوأمن أهل القرى ) [ الأعراف : 98 ] .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=18قل نعم ) فنقول قرأ
الكسائي وحده : " نعم " بكسر العين .
[ ص: 113 ] أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=18وأنتم داخرون ) أي صاغرون ، قال
أبو عبيد : الدخور أشد الصغار ، وذكرنا تفسير هذه اللفظة عند قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=48سجدا لله وهم داخرون ) [ النحل : 48 ] .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=13وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=14وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=15وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=16أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=17أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=18قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=13وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=14وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=15وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=16أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=17أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=18قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَرَّرَ الدَّلِيلَ الْقَاطِعَ فِي إِثْبَاتِ إِمْكَانِ الْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ حَكَى عَنِ الْمُنْكِرِينَ أَشْيَاءَ :
أَوَّلُهَا : النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَعَجَّبُ مِنْ إِصْرَارِهِمْ عَلَى الْإِنْكَارِ وَهُمْ يَسْخَرُونَ مِنْهُ فِي إِصْرَارِهِ عَلَى الْإِثْبَاتِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ كَانُوا فِي غَايَةِ التَّبَاعُدِ وَفِي طَرَفَيِ النَّقِيضِ .
وَثَانِيهَا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=13وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ ) .
وَثَالِثُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=14وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ ) وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الثَّانِي وَالثَّالِثِ غَيْرَ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يُوجِبُ التَّغَايُرَ وَلِأَنَّ التَّكْرِيرَ خِلَافُ الْأَصْلِ ، وَالَّذِي عِنْدِي فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ يُقَالَ : الْقَوْمُ كَانُوا يَسْتَبْعِدُونَ الْحَشْرَ وَالْقِيَامَةَ ، وَيَقُولُونَ : مَنْ مَاتَ وَصَارَ تُرَابًا وَتَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ فِي الْعَالَمِ كَيْفَ يُعْقَلُ عَوْدُهُ بِعَيْنِهِ ؟ وَبَلَغُوا فِي هَذَا الِاسْتِبْعَادِ إِلَى حَيْثُ كَانُوا يَسْخَرُونَ مِمَّنْ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْمَذْهَبِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا طَرِيقَ إِلَى إِزَالَةِ هَذَا
[ ص: 112 ] الِاسْتِبْعَادِ عَنْهُمْ إِلَّا مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَذْكُرَ لَهُمُ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30347صِحَّةِ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ : هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30336_31756خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَشَدُّ وَأَصْعَبُ مِنْ إِعَادَةِ إِنْسَانٍ بَعْدَ مَوْتِهِ ؟ وَهَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْأَصْعَبِ الْأَشَقِّ ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْأَسْهَلِ الْأَيْسَرِ ؟ فَهَذَا الدَّلِيلُ وَإِنْ كَانَ جَلِيًّا قَوِيًّا إِلَّا أَنَّ أُولَئِكَ الْمُنْكِرِينَ إِذَا عُرِضَ عَلَى عُقُولِهِمْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتُ لَا يَفْهَمُونَهَا وَلَا يَقِفُونَ عَلَيْهَا ، وَإِذَا ذُكِّرُوا لَمْ يَذْكُرُوهَا لِشِدَّةِ بَلَادَتِهِمْ وَجَهْلِهِمْ ، فَلَا جَرَمَ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْبَيَانِ .
الطَّرِيقُ الثَّانِي : أَنْ يُثْبِتَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِهَةَ رِسَالَتِهِ بِالْمُعْجِزَاتِ ثُمَّ يَقُولُ : لَمَّا ثَبَتَ بِالْمُعْجِزِ كَوْنِي رَسُولًا صَادِقًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَأَنَا أُخْبِرُكُمْ بِأَنَّ الْبَعْثَ وَالْقِيَامَةَ حَقٌّ ، ثُمَّ إِنَّ أُولَئِكَ الْمُنْكِرِينَ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهَذَا الطَّرِيقِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا رَأَوْا مُعْجِزَةً قَاهِرَةً وَآيَةً بَاهِرَةً حَمَلُوهَا عَلَى كَوْنِهَا سِحْرًا وَسَخِرُوا بِهَا وَاسْتَهْزَءُوا مِنْهَا وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=14وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ ) فَظَهَرَ بِالْبَيَانِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الثَّلَاثَةَ مُنَبِّهَةٌ عَلَى هَذِهِ الْفَوَائِدِ الْجَلِيَّةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَمْ يَقِفُوا عَلَى هَذِهِ الدَّقَائِقِ ، فَقَالُوا : إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=12بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=14وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ ) فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=14يَسْتَسْخِرُونَ ) غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=12وَيَسْخَرُونَ ) فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ : الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=12وَيَسْخَرُونَ ) إِقْدَامُهُمْ عَلَى السُّخْرِيَةِ ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=14يَسْتَسْخِرُونَ ) طَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ صَاحَبِهِ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى السُّخْرِيَةِ ، وَهَذَا التَّكْلِيفُ إِنَّمَا لَزِمَهُمْ لِعَدَمِ وُقُوفِهِمْ عَلَى الْفَوَائِدِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالرَّابِعُ : مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي حَكَاهَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=15إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ) يَعْنِي أَنَّهُمْ إِذَا رَأَوْا آيَةً وَمُعْجِزَةً سَخِرُوا مِنْهَا ، وَالسَّبَبُ فِي تِلْكَ السُّخْرِيَةِ اعْتِقَادُهُمْ أَنَّهَا مِنْ بَابِ السِّحْرِ . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=15مُبِينٌ ) مَعْنَاهُ أَنَّ كَوْنَهُ سِحْرًا أَمْرٌ بَيِّنٌ لَا شُبْهَةَ لِأَحَدٍ فِيهِ ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ السَّبَبَ الَّذِي يَحْمِلُهُمْ عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ بِالْقَوْلِ بِالْبَعْثِ وَعَلَى عَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَى الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ وَعَلَى الِاسْتِهْزَاءِ بِجَمِيعِ الْمُعْجِزَاتِ هُوَ قَوْلُهُمْ : إِنَّ الَّذِي مَاتَ وَتَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ فِي جُمْلَةِ الْعَالَمِ فَمَا فِيهِ مِنَ الْأَرْضِيَّةِ اخْتَلَطَ بِتُرَابِ الْأَرْضِ ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْمَائِيَّةِ وَالْهَوَائِيَّةِ اخْتَلَطَ بِبُخَارَاتِ الْعَالَمِ ، فَهَذَا الْإِنْسَانُ كَيْفَ يُعْقَلُ عَوْدُهُ بِعَيْنِهِ حَيًّا فَاهِمًا ؟ فَهَذَا الْكَلَامُ هُوَ الَّذِي يَحْمِلُهُمْ عَلَى تِلْكَ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنْهُمْ هَذِهِ الشُّبْهَةَ قَالَ : قُلْ يَا
مُحَمَّدُ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ ، وَإِنَّمَا اكْتَفَى تَعَالَى بِهَذَا الْقَدْرِ مِنَ الْجَوَابِ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِالْبُرْهَانِ الْيَقِينِيِّ الْقَطْعِيِّ أَنَّهُ أَمْرٌ مُمْكِنٌ ، وَإِذَا ثَبَتَ الْجَوَازُ الْقَطْعِيُّ فَلَا سَبِيلَ إِلَى الْقَطْعِ بِالْوُقُوعِ إِلَّا بِإِخْبَارِ الْمُخْبِرِ الصَّادِقِ ، فَلَمَّا قَامَتِ الْمُعْجِزَاتُ عَلَى صِدْقِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ وَاجِبَ الصِّدْقِ فَكَانَ مُجَرَّدُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=18قُلْ نَعَمْ ) دَلِيلًا قَاطِعًا عَلَى الْوُقُوعِ .
وَمَنْ تَأَمَّلَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ عَلِمَ أَنَّهَا وَرَدَتْ عَلَى أَحْسَنِ وُجُوهِ التَّرْتِيبِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بَيَّنَ الْإِمْكَانَ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ وَبَيَّنَ وُقُوعَ ذَلِكَ الْمُمْكِنِ بِالدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى هَذَا الْبَيَانِ كَالْأَمْرِ الْمُمْتَنِعِ .
أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28760_29008قَوْلُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=17أَوَآبَاؤُنَا ) فَالْمَعْنَى أَوَ تُبْعَثُ آبَاؤُنَا وَهَذِهِ أَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ دَخَلَتْ عَلَى حَرْفِ الْعَطْفِ وَقَرَأَ
نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ هَهُنَا ، وَفِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ سَاكِنَةَ الْوَاوِ وَذَكَرْنَا الْكَلَامَ فِي هَذَا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ عَنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=98أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى ) [ الْأَعْرَافِ : 98 ] .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=18قُلْ نَعَمْ ) فَنَقُولُ قَرَأَ
الْكِسَائِيُّ وَحْدَهُ : " نَعِمْ " بِكَسْرِ الْعَيْنِ .
[ ص: 113 ] أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=18وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ ) أَيْ صَاغِرُونَ ، قَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ : الدُّخُورُ أَشَدُّ الصَّغَارِ ، وَذَكَرْنَا تَفْسِيرَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=48سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ ) [ النَّحْلِ : 48 ] .