(
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=62أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=63إنا جعلناها فتنة للظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=64إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=65طلعها كأنه رءوس الشياطين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=66فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=67ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=68ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=69إنهم ألفوا آباءهم ضالين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=70فهم على آثارهم يهرعون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=71ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=72ولقد أرسلنا فيهم منذرين )
[ ص: 123 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=73فانظر كيف كان عاقبة المنذرين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=74إلا عباد الله المخلصين ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=62أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=63إنا جعلناها فتنة للظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=64إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=65طلعها كأنه رءوس الشياطين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=66فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=67ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=68ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=69إنهم ألفوا آباءهم ضالين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=70فهم على آثارهم يهرعون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=71ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=72ولقد أرسلنا فيهم منذرين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=73فانظر كيف كان عاقبة المنذرين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=74إلا عباد الله المخلصين ) .
اعلم أنه تعالى لما قال بعد ذكر أهل الجنة ووصفها (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=61لمثل هذا فليعمل العاملون ) أتبعه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=62أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم ) فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يورد ذلك على كفار قومه ليصير ذلك زاجرا لهم عن الكفر ، وكما وصف من قبل مآكل أهل الجنة ومشاربهم ، وصف أيضا في هذه الآية
nindex.php?page=treesubj&link=30442مآكل أهل النار ومشاربهم .
أما
nindex.php?page=treesubj&link=29008قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=62أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم ) فالمعنى أن الرزق المعلوم المذكور لأهل الجنة (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=62أذلك خير نزلا ) أي خير حاصلا (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=62أم شجرة الزقوم ) وأصل النزل الفضل الواسع في الطعام يقال : طعام كثير النزل ، فاستعير للحاصل من الشيء ، ويقال : أرسل الأمير إلى فلان نزلا وهو الشيء الذي يصلح حال من ينزل بسببه ، إذا عرفت هذا فنقول : حاصل الرزق المعلوم لأهل الجنة اللذة والسرور ، وحاصل شجرة الزقوم الألم والغم ، ومعلوم أنه لا نسبة لأحدهما إلى الآخر في الخيرية إلا أنه جاء هذا الكلام إما على سبيل السخرية بهم أو لأجل أن المؤمنين لما اختاروا ما أوصلهم إلى الرزق الكريم ، والكافرين اختاروا ما أوصلهم إلى العذاب الأليم فقيل لهم ذلك توبيخا لهم على سوء اختيارهم ، وأما (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=62الزقوم ) فقال
الواحدي رحمه الله : لم يذكر المفسرون للزقوم تفسيرا إلا
الكلبي فإنه روى أنه لما نزلت هذه الآية قال
ابن الزبعرى : أكثر الله في بيوتكم الزقوم ، فإن
أهل اليمن يسمون التمر والزبد بالزقوم ، فقال
أبو جهل لجاريته زقمينا فأتته بزبد وتمر ، وقال : تزقموا . ثم قال
الواحدي : ومعلوم أن الله تعالى لم يرد بالزقوم ههنا الزبد والتمر ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13147ابن دريد : لم يكن للزقوم اشتقاق من التزقم وهو الإفراط من أكل الشيء حتى يكره ذلك ، يقال : بات فلان يتزقم ، وظاهر لفظ القرآن يدل على أنها شجرة كريهة الطعام منتنة الرائحة شديدة الخشونة ، موصوفة بصفات كل من تناولها عظم من تناولها ، ثم إنه تعالى يكره أهل النار على تناول بعض أجزائها .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=63إنا جعلناها فتنة للظالمين ) ففيه أقوال :
الأول : أنها إنما صارت فتنة للظالمين ، من حيث إن الكفار لما سمعوا هذه الآية ، قالوا : كيف يعقل أن تنبت الشجرة في جهنم ، مع أن النار تحرق الشجرة ؟ .
والجواب عنه أن خالق النار قادر على أن يمنع النار من إحراق الشجر ، ولأنه إذا جاز أن يكون في النار زبانية والله تعالى يمنع النار عن إحراقهم فلم لا يجوز مثله في هذه الشجرة ؟ إذا عرفت هذا السؤال ، والجواب بمعنى
nindex.php?page=treesubj&link=30442كون شجرة الزقوم فتنة للظالمين هو أنهم لما سمعوا هذه الآية وقعت تلك الشبهة في قلوبهم ، وصارت تلك الشبهة سببا لتماديهم في الكفر ، فهذا هو المراد من كونها فتنة لهم .
والوجه الثاني : في التفسير أن يكون المراد صيرورة هذه الشجرة فتنة لهم في النار ؛ لأنهم إذا كلفوا تناولها وشق ذلك عليهم ، فحينئذ يصير ذلك فتنة في حقهم .
الوجه الثالث : أن يكون المراد من الفتنة الامتحان والاختبار ، فإن هذا شيء بعيد عن العرف
[ ص: 124 ] والعادة مخالف للمألوف والمعروف ، فإذا ورد على سمع المؤمن فوض علمه إلى الله وإذا ورد على الزنديق توسل به إلى الطعن في القرآن والنبوة .
ثم إنه تعالى لما ذكر هذه الشجرة وصفها بصفات :
الصفة الأولى : قوله إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ، قيل : منبتها في قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها .
الصفة الثانية : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=65طلعها كأنه رءوس الشياطين ) قال صاحب الكشاف : الطلع للنخلة فاستعير لما طلع من شجرة الزقوم من حملها ، إما استعارة لفظية أو معنوية ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : سمي " طلعا " لطلوعه كل سنة ، ولذلك قيل : طلع النخل لأول ما يخرج من ثمره ، وأما تشبيه هذا الطلع برءوس الشياطين ففيه سؤال ؛ لأنه قيل : إنا ما رأينا رءوس الشياطين فكيف يمكن تشبيه شيء بها ؟ وأجابوا عنه من وجوه :
الأول وهو الصحيح : أن الناس لما اعتقدوا في الملائكة كمال الفضل في الصورة والسيرة ، اعتقدوا في الشياطين نهاية القبح والتشويه في الصورة والسيرة ، فكما حسن التشبيه بالملك عند إرادة تقرير الكمال والفضيلة في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=31إن هذا إلا ملك كريم ) [ يوسف : 31 ] فكذلك وجب أن يحسن التشبيه برءوس الشياطين في القبح وتشويه الخلقة ، والحاصل أن هذا من باب التشبيه لا بالمحسوس بل بالمتخيل ، كأنه قيل : إن أقبح الأشياء في الوهم والخيار هو رءوس الشياطين ، فهذه الشجرة تشبهها في قبح النظر وتشويه الصورة ، والذي يؤكد هذا أن العقلاء إذا رأوا شيئا شديد الاضطراب منكر الصورة قبيح الخلقة ، قالوا : إنه شيطان ، وإذا رأوا شيئا حسن الصورة والسيرة ، قالوا : إنه ملك ، وقال
امرؤ القيس :
أتقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال
والقول الثاني : أن الشياطين حيات لها رءوس وأعراف ، وهي من أقبح الحيات ، وبها يضرب المثل في القبح ، والعرب إذا رأت منظرا قبيحا قالت : كأنه شيطان الحماطة ، والحماطة شجرة معينة .
والقول الثالث : أن رءوس الشياطين ، نبت معروف قبيح الرأس ، والوجه الأول هو الجواب الحق ، واعلم أنه تعالى لما ذكر هذه الشجرة وذكر صفتها بين أن الكفار (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=66لآكلون منها فمالئون منها البطون ) واعلم أن إقدامهم على ذلك الأكل يحتمل وجهين :
الأول : أنهم أكلوا منها لشدة الجوع ، فإن قيل : وكيف يأكلونها مع نهاية خشونتها ونتنها ومرارة طعمها ؟ قلنا : إن الوقاع في الضرر العظيم ربما استروح منه إلى ما يقاربه في الضرر ، فإذا جوعهم الله الجوع الشديد فزعوا في إزالة ذلك الجوع إلى تناول هذا الشيء ، وإن كان بالصفة التي ذكرتموها .
الوجه الثاني : أن يقال الزبانية يكرهونهم على الأكل من تلك الشجرة تكميلا لعذابهم .
واعلم أنهم إذا شبعوا فحينئذ يشتد عطشهم ويحتاجون إلى الشراب ، فعند هذا وصف الله شرابهم ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=67ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم ) قال
الزجاج : الشوب اسم عام في كل ما خلط بغيره ، والحميم الماء الحار المتناهي في الحرارة ، والمعنى أنه إذا غلبهم ذلك العطش الشديد سقوا من ذلك الحميم ، فحينئذ يشوب الزقوم بالحميم نعوذ بالله منهما .
واعلم أن الله وصف شرابهم في القرآن بأشياء منها كونه غساقا ، ومنها قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ) [ محمد : 15 ] ومنها ما ذكره في هذه الآية ، فإن قيل ما
nindex.php?page=treesubj&link=29008_34077الفائدة في كلمة " ثم " في قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=67ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم ) ؟ قلنا : فيه وجهان :
الأول : أنهم يملئون بطونهم من شجرة الزقوم وهو حار يحرق
[ ص: 125 ] بطونهم فيعظم عطشهم ، ثم إنهم لا يسقون إلا بعد مدة مديدة والغرض تكميل التعذيب .
والثاني : أنه تعالى ذكر الطعام بتلك البشاعة والكراهة ، ثم وصف الشراب بما هو أبشع منه ، فكان المقصود من كلمة ثم بيان أن حال المشروب في البشاعة أعظم من حال المأكول ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=68ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم ) قال
مقاتل : أي بعد أكل الزقوم وشرب الحميم ، وهذا يدل على أنهم عند شرب الحميم لم يكونوا في الجحيم ، وذلك بأن يكون الحميم من موضع خارج عن الجحيم ، فهم يوردون الحميم لأجل الشرب كما تورد الإبل إلى الماء ، ثم يوردون إلى الجحيم ، فهذا قول
مقاتل ، واحتج على صحته بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=43هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=44يطوفون بينها وبين حميم آن ) [ الرحمن : 44 ] وذلك يدل على صحة ما ذكرناه ، ثم إنه تعالى لما وصف عذابهم في أكلهم وشربهم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=69إنهم ألفوا آباءهم ضالين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=70فهم على آثارهم يهرعون ) قال
الفراء : الإهراع الإسراع يقال : هرع وأهرع إذا استحث ، والمعنى أنهم يتبعون آباءهم اتباعا في سرعة كأنهم يزعجون إلى اتباع آبائهم ، والمقصود من الآية أنه تعالى علل استحقاقهم للوقوع في تلك الشدائد كلها ، بتقليد الآباء في الدين وترك اتباع الدليل ، ولو لم يوجد في القرآن آية غير هذه الآية في
nindex.php?page=treesubj&link=22311ذم التقليد لكفى .
ثم إنه تعالى ذكر لرسوله ما يوجب التسلية له في كفرهم وتكذيبهم ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=71nindex.php?page=treesubj&link=29008ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=72ولقد أرسلنا فيهم منذرين ) فبين تعالى أن إرساله للرسل قد تقدم والتكذيب لهم قد سلف ، ويجب أن يكون له - صلى الله عليه وسلم - أسوة بهم حتى يصبر كما صبروا ، ويستمر على الدعاء إلى الله وإن تمردوا ، فليس عليه إلا البلاغ .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=73فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ) وهذا وإن كان في الظاهر خطابا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا أن المقصود منه خطاب الكفار ؛ لأنهم سمعوا بالأخبار جميع ما جرى من أنواع العذاب على
قوم نوح وعلى
عاد وثمود وغيرهم ، فإن لم يعلموا ذلك فلا أقل من ظن وخوف يصلح أن يكون زاجرا لهم عن كفرهم .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=74إلا عباد الله المخلصين ) فيه قولان :
أحدهما : أنه استثناء من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=71ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين ) .
والثاني : أنه استثناء من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=73كيف كان عاقبة المنذرين ) فإنها كانت أقبح العواقب وأفظعها إلا عاقبة عباد الله المخلصين ، فإنها كانت مقرونة بالخير والراحة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=62أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=63إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=64إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=65طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=66فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=67ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=68ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=69إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=70فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=71وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=72وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ )
[ ص: 123 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=73فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=74إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=62أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=63إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=64إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=65طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=66فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=67ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=68ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=69إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=70فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=71وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=72وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=73فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=74إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَوَصْفِهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=61لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ) أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=62أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ) فَأَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُورِدَ ذَلِكَ عَلَى كُفَّارِ قَوْمِهِ لِيَصِيرَ ذَلِكَ زَاجِرًا لَهُمْ عَنِ الْكُفْرِ ، وَكَمَا وَصَفَ مِنْ قَبْلُ مَآكِلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَشَارِبَهُمْ ، وَصَفَ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=30442مَآكِلَ أَهْلِ النَّارِ وَمَشَارِبَهُمْ .
أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29008قَوْلُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=62أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ) فَالْمَعْنَى أَنَّ الرِّزْقَ الْمَعْلُومَ الْمَذْكُورَ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=62أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا ) أَيْ خَيْرٌ حَاصِلًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=62أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ) وَأَصْلُ النُّزُلِ الْفَضْلُ الْوَاسِعُ فِي الطَّعَامِ يُقَالُ : طَعَامٌ كَثِيرُ النُّزُلِ ، فَاسْتُعِيرَ لِلْحَاصِلِ مِنَ الشَّيْءِ ، وَيُقَالُ : أَرْسَلَ الْأَمِيرُ إِلَى فُلَانٍ نُزُلًا وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يَصْلُحُ حَالُ مَنْ يَنْزِلُ بِسَبَبِهِ ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : حَاصِلُ الرِّزْقِ الْمَعْلُومِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ اللَّذَّةُ وَالسُّرُورُ ، وَحَاصِلُ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ الْأَلَمُ وَالْغَمُّ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا نِسْبَةَ لِأَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ فِي الْخَيْرِيَّةِ إِلَّا أَنَّهُ جَاءَ هَذَا الْكَلَامُ إِمَّا عَلَى سَبِيلِ السُّخْرِيَةِ بِهِمْ أَوْ لِأَجْلِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا اخْتَارُوا مَا أَوْصَلَهُمْ إِلَى الرِّزْقِ الْكَرِيمِ ، وَالْكَافِرِينَ اخْتَارُوا مَا أَوْصَلَهُمْ إِلَى الْعَذَابِ الْأَلِيمِ فَقِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ تَوْبِيخًا لَهُمْ عَلَى سُوءِ اخْتِيَارِهِمْ ، وَأَمَّا (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=62الزَّقُّومِ ) فَقَالَ
الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَمْ يَذْكُرِ الْمُفَسِّرُونَ لِلزَّقُّومِ تَفْسِيرًا إِلَّا
الْكَلْبِيَّ فَإِنَّهُ رَوَى أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ
ابْنُ الزِّبَعْرَى : أَكْثَرَ اللَّهُ فِي بُيُوتِكُمُ الزَّقُّومَ ، فَإِنَّ
أَهْلَ الْيَمَنِ يُسَمُّونَ التَّمْرَ وَالزُّبْدَ بِالزَّقُّومِ ، فَقَالَ
أَبُو جَهْلٍ لِجَارِيَتِهِ زَقِّمِينَا فَأَتَتْهُ بِزُبْدٍ وَتَمْرٍ ، وَقَالَ : تَزَقَّمُوا . ثُمَّ قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ بِالزَّقُّومِ هَهُنَا الزُّبْدَ وَالتَّمْرَ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13147ابْنُ دُرَيْدٍ : لَمْ يَكُنْ لِلزَّقُّومِ اشْتِقَاقٌ مِنَ التَّزَقُّمِ وَهُوَ الْإِفْرَاطُ مِنْ أَكْلِ الشَّيْءِ حَتَّى يُكْرَهَ ذَلِكَ ، يُقَالُ : بَاتَ فُلَانٌ يَتَزَقَّمُ ، وَظَاهِرُ لَفْظِ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا شَجَرَةٌ كَرِيهَةُ الطَّعَامِ مُنْتِنَةُ الرَّائِحَةِ شَدِيدَةُ الْخُشُونَةِ ، مَوْصُوفَةٌ بِصِفَاتٍ كُلُّ مَنْ تَنَاوَلَهَا عَظُمَ مِنْ تَنَاوُلِهَا ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى يُكْرِهُ أَهْلَ النَّارِ عَلَى تَنَاوُلِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=63إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ ) فَفِيهِ أَقْوَالٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهَا إِنَّمَا صَارَتْ فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا سَمِعُوا هَذِهِ الْآيَةَ ، قَالُوا : كَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ تَنْبُتَ الشَّجَرَةُ فِي جَهَنَّمَ ، مَعَ أَنَّ النَّارَ تُحْرِقُ الشَّجَرَةَ ؟ .
وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ خَالِقَ النَّارِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَمْنَعَ النَّارَ مِنْ إِحْرَاقِ الشَّجَرِ ، وَلِأَنَّهُ إِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ فِي النَّارِ زَبَانِيَةٌ وَاللَّهُ تَعَالَى يَمْنَعُ النَّارَ عَنْ إِحْرَاقِهِمْ فَلِمَ لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي هَذِهِ الشَّجَرَةِ ؟ إِذَا عَرَفْتَ هَذَا السُّؤَالَ ، وَالْجَوَابُ بِمَعْنَى
nindex.php?page=treesubj&link=30442كَوْنِ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ هُوَ أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا هَذِهِ الْآيَةَ وَقَعَتْ تِلْكَ الشُّبْهَةُ فِي قُلُوبِهِمْ ، وَصَارَتْ تِلْكَ الشُّبْهَةُ سَبَبًا لِتَمَادِيهِمْ فِي الْكُفْرِ ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهَا فِتْنَةً لَهُمْ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : فِي التَّفْسِيرِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ صَيْرُورَةَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فِي النَّارِ ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا كُلِّفُوا تَنَاوُلَهَا وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ ذَلِكَ فِتْنَةً فِي حَقِّهِمْ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْفِتْنَةِ الِامْتِحَانَ وَالِاخْتِبَارَ ، فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ بَعِيدٌ عَنِ الْعُرْفِ
[ ص: 124 ] وَالْعَادَةِ مُخَالِفٌ لِلْمَأْلُوفِ وَالْمَعْرُوفِ ، فَإِذَا وَرَدَ عَلَى سَمْعِ الْمُؤْمِنِ فَوَّضَ عِلْمَهُ إِلَى اللَّهِ وَإِذَا وَرَدَ عَلَى الزِّنْدِيقِ تَوَسَّلَ بِهِ إِلَى الطَّعْنِ فِي الْقُرْآنِ وَالنُّبُوَّةِ .
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ وَصَفَهَا بِصِفَاتٍ :
الصِّفَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ، قِيلَ : مَنْبَتُهَا فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ وَأَغْصَانُهَا تَرْتَفِعُ إِلَى دَرَكَاتِهَا .
الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=65طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ) قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ : الطَّلْعُ لِلنَّخْلَةِ فَاسْتُعِيرَ لِمَا طَلَعَ مِنْ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ مِنْ حَمْلِهَا ، إِمَّا اسْتِعَارَةً لَفْظِيَّةً أَوْ مَعْنَوِيَّةً ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابْنُ قُتَيْبَةَ : سُمِّيَ " طَلْعًا " لِطُلُوعِهِ كُلَّ سَنَةٍ ، وَلِذَلِكَ قِيلَ : طَلْعُ النَّخْلِ لِأَوَّلِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرِهِ ، وَأَمَّا تَشْبِيهُ هَذَا الطَّلْعِ بِرُءُوسِ الشَّيَاطِينِ فَفِيهِ سُؤَالٌ ؛ لِأَنَّهُ قِيلَ : إِنَّا مَا رَأَيْنَا رَءُوسَ الشَّيَاطِينِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ تَشْبِيهُ شَيْءٍ بِهَا ؟ وَأَجَابُوا عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ : أَنَّ النَّاسَ لَمَّا اعْتَقَدُوا فِي الْمَلَائِكَةِ كَمَالَ الْفَضْلِ فِي الصُّورَةِ وَالسِّيرَةِ ، اعْتَقَدُوا فِي الشَّيَاطِينِ نِهَايَةَ الْقُبْحِ وَالتَّشْوِيهِ فِي الصُّورَةِ وَالسِّيرَةِ ، فَكَمَا حَسُنَ التَّشْبِيهُ بِالْمَلَكِ عِنْدَ إِرَادَةِ تَقْرِيرِ الْكَمَالِ وَالْفَضِيلَةِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=31إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ) [ يُوسُفَ : 31 ] فَكَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَحْسُنَ التَّشْبِيهُ بِرُءُوسِ الشَّيَاطِينِ فِي الْقُبْحِ وَتَشْوِيهِ الْخِلْقَةِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ التَّشْبِيهِ لَا بِالْمَحْسُوسِ بَلْ بِالْمُتَخَيَّلِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : إِنَّ أَقْبَحَ الْأَشْيَاءِ فِي الْوَهْمِ وَالْخِيَارِ هُوَ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ، فَهَذِهِ الشَّجَرَةُ تُشْبِهُهَا فِي قُبْحِ النَّظَرِ وَتَشْوِيهِ الصُّورَةِ ، وَالَّذِي يُؤَكِّدُ هَذَا أَنَّ الْعُقَلَاءَ إِذَا رَأَوْا شَيْئًا شَدِيدَ الِاضْطِرَابِ مُنْكَرَ الصُّورَةِ قَبِيحَ الْخِلْقَةِ ، قَالُوا : إِنَّهُ شَيْطَانٌ ، وَإِذَا رَأَوْا شَيْئًا حَسَنَ الصُّورَةِ وَالسِّيرَةِ ، قَالُوا : إِنَّهُ مَلَكٌ ، وَقَالَ
امْرُؤُ الْقَيْسِ :
أَتَقْتُلُنِي وَالْمَشْرَفِيُّ مُضَاجِعِي وَمَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كَأَنْيَابِ أَغْوَالِ
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الشَّيَاطِينَ حَيَّاتٌ لَهَا رُءُوسٌ وَأَعْرَافٌ ، وَهِيَ مِنْ أَقْبَحِ الْحَيَّاتِ ، وَبِهَا يُضْرَبُ الْمَثَلُ فِي الْقُبْحِ ، وَالْعَرَبُ إِذَا رَأَتْ مَنْظَرًا قَبِيحًا قَالَتْ : كَأَنَّهُ شَيْطَانُ الْحَمَاطَةِ ، وَالْحَمَاطَةُ شَجَرَةٌ مُعَيَّنَةٌ .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّ رُءُوسَ الشَّيَاطِينِ ، نَبْتٌ مَعْرُوفٌ قَبِيحُ الرَّأْسِ ، وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ هُوَ الْجَوَابُ الْحَقُّ ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ وَذَكَرَ صِفَتَهَا بَيَّنَ أَنَّ الْكُفَّارَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=66لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ) وَاعْلَمْ أَنَّ إِقْدَامَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْأَكْلِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُمْ أَكَلُوا مِنْهَا لِشِدَّةِ الْجُوعِ ، فَإِنْ قِيلَ : وَكَيْفَ يَأْكُلُونَهَا مَعَ نِهَايَةِ خُشُونَتِهَا وَنَتْنِهَا وَمَرَارَةِ طَعْمِهَا ؟ قُلْنَا : إِنَّ الْوِقَاعَ فِي الضَّرَرِ الْعَظِيمِ رُبَّمَا اسْتُرْوِحَ مِنْهُ إِلَى مَا يُقَارِبُهُ فِي الضَّرَرِ ، فَإِذَا جَوَّعَهُمُ اللَّهُ الْجُوعَ الشَّدِيدَ فَزِعُوا فِي إِزَالَةِ ذَلِكَ الْجُوعِ إِلَى تَنَاوُلِ هَذَا الشَّيْءِ ، وَإِنْ كَانَ بِالصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْتُمُوهَا .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ يُقَالَ الزَّبَانِيَةُ يُكْرِهُونَهُمْ عَلَى الْأَكْلِ مِنْ تِلْكَ الشَّجَرَةِ تَكْمِيلًا لِعَذَابِهِمْ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ إِذَا شَبِعُوا فَحِينَئِذٍ يَشْتَدُّ عَطَشُهُمْ وَيَحْتَاجُونَ إِلَى الشَّرَابِ ، فَعِنْدَ هَذَا وَصَفَ اللَّهُ شَرَابَهُمْ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=67ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ ) قَالَ
الزَّجَّاجُ : الشَّوْبُ اسْمٌ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا خُلِطَ بِغَيْرِهِ ، وَالْحَمِيمُ الْمَاءُ الْحَارُّ الْمُتَنَاهِي فِي الْحَرَارَةِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا غَلَبَهُمْ ذَلِكَ الْعَطَشُ الشَّدِيدُ سُقُوا مِنْ ذَلِكَ الْحَمِيمِ ، فَحِينَئِذٍ يَشُوبُ الزَّقُّومُ بِالْحَمِيمِ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهُمَا .
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ وَصَفَ شَرَابَهُمْ فِي الْقُرْآنِ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا كَوْنُهُ غَسَّاقًا ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ) [ مُحَمَّدٍ : 15 ] وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، فَإِنْ قِيلَ مَا
nindex.php?page=treesubj&link=29008_34077الْفَائِدَةُ فِي كَلِمَةِ " ثُمَّ " فِي قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=67ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ ) ؟ قُلْنَا : فِيهِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُمْ يَمْلَئُونَ بُطُونَهُمْ مِنْ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ وَهُوَ حَارٌّ يَحْرُقُ
[ ص: 125 ] بُطُونَهُمْ فَيَعْظُمُ عَطَشُهُمْ ، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَا يُسْقَوْنَ إِلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ مَدِيدَةٍ وَالْغَرَضُ تَكْمِيلُ التَّعْذِيبِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الطَّعَامَ بِتِلْكَ الْبَشَاعَةِ وَالْكَرَاهَةِ ، ثُمَّ وَصَفَ الشَّرَابَ بِمَا هُوَ أَبْشَعُ مِنْهُ ، فَكَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ كَلِمَةِ ثُمَّ بَيَانَ أَنَّ حَالَ الْمَشْرُوبِ فِي الْبَشَاعَةِ أَعْظَمُ مِنْ حَالِ الْمَأْكُولِ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=68ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ ) قَالَ
مُقَاتِلٌ : أَيْ بَعْدِ أَكْلِ الزَّقُّومِ وَشُرْبِ الْحَمِيمِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ عِنْدَ شُرْبِ الْحَمِيمِ لَمْ يَكُونُوا فِي الْجَحِيمِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْحَمِيمُ مِنْ مَوْضِعٍ خَارِجٍ عَنِ الْجَحِيمِ ، فَهُمْ يُورَدُونَ الْحَمِيمَ لِأَجْلِ الشُّرْبِ كَمَا تُورَدُ الْإِبِلُ إِلَى الْمَاءِ ، ثُمَّ يُورَدُونَ إِلَى الْجَحِيمِ ، فَهَذَا قَوْلُ
مُقَاتِلٍ ، وَاحْتَجَّ عَلَى صِحَّتِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=43هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=44يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ) [ الرَّحْمَنِ : 44 ] وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَ عَذَابَهُمْ فِي أَكْلِهِمْ وَشُرْبِهِمْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=69إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=70فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ ) قَالَ
الْفَرَّاءُ : الْإِهْرَاعُ الْإِسْرَاعُ يُقَالُ : هَرَعَ وَأَهْرَعَ إِذَا اسْتُحِثَّ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ آبَاءَهُمُ اتِّبَاعًا فِي سُرْعَةٍ كَأَنَّهُمْ يُزْعَجُونَ إِلَى اتِّبَاعِ آبَائِهِمْ ، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّهُ تَعَالَى عَلَّلَ اسْتِحْقَاقَهُمْ لِلْوُقُوعِ فِي تِلْكَ الشَّدَائِدِ كُلِّهَا ، بِتَقْلِيدِ الْآبَاءِ فِي الدِّينِ وَتَرْكِ اتِّبَاعِ الدَّلِيلِ ، وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ غَيْرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=22311ذَمِّ التَّقْلِيدِ لَكَفَى .
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ لِرَسُولِهِ مَا يُوجِبُ التَّسْلِيَةَ لَهُ فِي كُفْرِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=71nindex.php?page=treesubj&link=29008وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=72وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ ) فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ إِرْسَالَهُ لِلرُّسُلِ قَدْ تَقَدَّمَ وَالتَّكْذِيبَ لَهُمْ قَدْ سَلَفَ ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسْوَةٌ بِهِمْ حَتَّى يَصْبِرَ كَمَا صَبَرُوا ، وَيَسْتَمِرَّ عَلَى الدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ وَإِنْ تَمَرَّدُوا ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْبَلَاغُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=73فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ ) وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ خِطَابًا مَعَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ خِطَابُ الْكُفَّارِ ؛ لِأَنَّهُمْ سَمِعُوا بِالْأَخْبَارِ جَمِيعَ مَا جَرَى مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ عَلَى
قَوْمِ نُوحٍ وَعَلَى
عَادٍ وَثَمُودَ وَغَيْرِهِمْ ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا ذَلِكَ فَلَا أَقَلَّ مِنْ ظَنٍّ وَخَوْفٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ زَاجِرًا لَهُمْ عَنْ كُفْرِهِمْ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=74إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ) فِيهِ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=71وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ ) .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=73كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ ) فَإِنَّهَا كَانَتْ أَقْبَحَ الْعَوَاقِبِ وَأَفْظَعَهَا إِلَّا عَاقِبَةَ عِبَادِ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ، فَإِنَّهَا كَانَتْ مَقْرُونَةً بِالْخَيْرِ وَالرَّاحَةِ .