ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=87فما ظنكم برب العالمين ) وفيه وجهان :
أحدهما : أتظنون برب العالمين أنه يجوز جعل هذه الجمادات مشاركة له في المعبودية .
وثانيها : أتظنون برب العالمين أنه من جنس هذه الأجسام حتى جعلتموها مساوية له في المعبودية فنبههم بذلك على أنه ليس كمثله شيء .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=88فنظر نظرة في النجوم nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89فقال إني سقيم ) عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنهم كانوا يتعاطون علم النجوم فعاملهم على مقتضى عادتهم ، وذلك أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم ليلزمهم الحجة في أنها غير معبودة ، وكان لهم من الغد يوم عيد يخرجون إليه فأراد أن يتخلف عنهم ليبقى خاليا في بيت الأصنام ، فيقدر على كسرها . وههنا سؤالان :
الأول : أن النظر في علم النجوم غير جائز فكيف أقدم عليه
إبراهيم ؟
والثاني : أنه عليه السلام ما كان سقيما فلما قال إني سقيم كان ذلك كذبا ؟ واعلم أن العلماء ذكروا في الجواب عنهما وجوها كثيرة :
الأول : أنه نظر نظرة في النجوم في أوقات الليل والنهار وكانت تأتيه سقامة كالحمى في بعض ساعات الليل والنهار ، فنظر ليعرف هل هي في تلك الساعة وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إني سقيم ) فجعله عذرا في تخلفه عن العيد الذي لهم وكان صادقا فيما قال ؛ لأن السقم كان يأتيه في ذلك الوقت ، وإنما تخلف لأجل تكسير أصنامهم .
الوجه الثاني في الجواب : أن
قوم إبراهيم عليه السلام كانوا أصحاب النجوم يعظمونها ويقضون بها على غائب الأمور ، فلذلك نظر
إبراهيم في النجوم أي : في علوم النجوم وفي معانيه لا أنه نظر بعينه إليها ، وهو كما يقال : فلان نظر في الفقه وفي النحو وإنما أراد أن يوهمهم أنه يعلم ما يعلمون ويتعرف من حيث يتعرفون حتى إذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إني سقيم ) سكنوا إلى قوله .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إني سقيم ) فمعناه سأسقم كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=30إنك ميت ) [ الزمر : 30 ] أي : ستموت .
الوجه الثالث : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=88فنظر نظرة في النجوم ) هو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76فلما جن عليه الليل رأى كوكبا ) [ الأنعام : 76 ] إلى آخر الآيات وكان ذلك النظر لأجل أن يتعرف أحوال هذه الكواكب هل هي قديمة أو محدثة ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إني سقيم ) يعني
[ ص: 129 ] سقيم القلب غير عارف بربي ، وكان ذلك قبل البلوغ .
الوجه الرابع : قال
ابن زيد كان له نجم مخصوص ، وكلما طلع على صفة مخصوصة مرض
إبراهيم ، ولأجل هذا الاستقراء لما رآه في ذلك الوقت طالعا على تلك الصفة المخصوصة قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إني سقيم ) أي هذا السقم واقع لا محالة .
الوجه الخامس : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إني سقيم ) أي : مريض القلب بسبب إطباق ذلك الجمع العظيم على الكفر والشرك ، قال تعالى
لمحمد - صلى الله عليه وسلم - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=3لعلك باخع نفسك ) [ الشعراء : 3 ] .
الوجه السادس : في الجواب أنا لا نسلم أن النظر في
nindex.php?page=treesubj&link=26372_31762علم النجوم والاستدلال بمقايستها حرام ؛ لأن من اعتقد أن الله تعالى خص كل واحد من هذه الكواكب بقوة وبخاصية لأجلها يظهر منه أثر مخصوص ، فهذا العلم على هذا الوجه ليس بباطل .
وأما الكذب فغير لازم ؛ لأنه ذكر قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إني سقيم ) على سبيل التعريض ، بمعنى أن الإنسان لا ينفك في أكثر أحواله عن حصول حالة مكروهة ، إما في بدنه وإما في قلبه وكل ذلك سقم .
الوجه السابع : قال بعضهم : ذلك القول عن
إبراهيم عليه السلام كذبة ورووا فيه حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013610nindex.php?page=treesubj&link=31861ما كذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات قلت لبعضهم : هذا الحديث لا ينبغي أن يقبل ؛ لأن نسبة الكذب إلى
إبراهيم لا تجوز ، فقال ذلك الرجل : فكيف يحكم بكذب الرواة العدول ؟ فقلت : لما وقع التعارض بين نسبة الكذب إلى الراوي وبين نسبته إلى الخليل عليه السلام كان من المعلوم بالضرورة أن نسبته إلى الراوي أولى ، ثم نقول : لم لا يجوز أن يكون المراد بكونه كذبا خبرا شبيها بالكذب ؟ .
والوجه الثامن : أن المراد من قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=88فنظر نظرة في النجوم ) أي نظر في نجوم كلامهم ومتفرقات أقوالهم ، فإن الأشياء التي تحدث قطعة قطعة ، يقال : إنها منجمة أي متفرقة ومنه نجوم الكتابة ، والمعنى أنه لما سمع كلماتهم المتفرقة نظر فيها كي يستخرج منها حيلة يقدر بها على إقامة عذر لنفسه في التخلف عنهم فلم يجد عذرا أحسن من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إني سقيم ) والمراد أنه لا بد من أن أصير سقيما كما تقول لمن رأيته على أوقات السفر : إنك مسافر .
واعلم أن
إبراهيم عليه السلام لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إني سقيم ) تولوا عنه معرضين فتركوه وعذروه في أن لا يخرج اليوم فكان ذلك مراده . (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=91فراغ إلى آلهتهم ) يقال : راغ إليه إذا مال إليه في السر على سبيل الخفية ، ومنه روغان الثعلب . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=91ألا تأكلون ) يعني الطعام الذي كان بين أيديهم ، وإنما قال ذلك استهزاء بها ، وكذا قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=92ما لكم لا تنطقون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=93فراغ عليهم ضربا ) فأقبل عليهم مستخفيا كأنه قال : فضربهم ضربا ؛ لأن : راغ عليهم في معنى ضربهم أو فراغ عليهم ضربا بمعنى ضاربا . وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=93باليمين ) قولان :
الأول : معناه بالقوة والشدة ؛ لأن اليمين أقوى الجارحتين .
والثاني : أنه أتى بذلك الفعل بسبب الحلف ، وهو قوله تعالى عنه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=57تالله لأكيدن أصنامكم ) [ الأنبياء : 57 ] ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=94فأقبلوا إليه يزفون ) قرأ
حمزة : " يزفون " بضم الياء والباقون بفتحها وهما لغتان ، قال
ابن عرفة : من قرأ بالنصب فهو من زف يزف ، ومن قرأ بالضم فهو من أزف يزف ، قال
الزجاج : يزفون يسرعون وأصله من زفيف النعامة وهو ابتداء عدوها ، وقرأ
حمزة : " يزفون " أي يحملون غيرهم على الزفيف ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : يقال : أزففت الإبل إذا حملتها على أن تزف ، قال : وهو سرعة الخطوة ومقاربة المشي ، والمفعول محذوف على قراءته كأنهم حملوا دوابهم على الإسراع في المشي ، فإن قيل : مقتضى هذه الآية أن
إبراهيم عليه السلام لما كسرها عدوا إليه وأخذوه ، وقال في سورة أخرى في عين هذه القصة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=59قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=60قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ) [ الأنبياء : 60 ] وهذا يقتضي أنهم في أول الأمر ما عرفوه فبين هاتين الآيتين تناقض ؟ قلنا : لا يبعد أن يقال : إن جماعة عرفوه فعمدوا إليه مسرعين والأكثرون ما عرفوه ، فتعرفوا أن ذلك الكاسر من هو ، والله أعلم .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=87فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) وَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَتَظُنُّونَ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ أَنَّهُ يَجُوزُ جَعْلُ هَذِهِ الْجَمَادَاتِ مُشَارِكَةً لَهُ فِي الْمَعْبُودِيَّةِ .
وَثَانِيهَا : أَتَظُنُّونَ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ هَذِهِ الْأَجْسَامِ حَتَّى جَعَلْتُمُوهَا مُسَاوِيَةً لَهُ فِي الْمَعْبُودِيَّةِ فَنَبَّهَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=88فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ) عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَعَاطَوْنَ عِلْمَ النُّجُومِ فَعَامَلَهُمْ عَلَى مُقْتَضَى عَادَتِهِمْ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُكَايِدَهُمْ فِي أَصْنَامِهِمْ لِيُلْزِمَهُمُ الْحُجَّةَ فِي أَنَّهَا غَيْرُ مَعْبُودَةٍ ، وَكَانَ لَهُمْ مِنَ الْغَدِ يَوْمُ عِيدٍ يَخْرُجُونَ إِلَيْهِ فَأَرَادَ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُمْ لِيَبْقَى خَالِيًا فِي بَيْتِ الْأَصْنَامِ ، فَيَقْدِرُ عَلَى كَسْرِهَا . وَهَهُنَا سُؤَالَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ النَّظَرَ فِي عِلْمِ النُّجُومِ غَيْرُ جَائِزٍ فَكَيْفَ أَقْدَمَ عَلَيْهِ
إِبْرَاهِيمُ ؟
وَالثَّانِي : أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا كَانَ سَقِيمًا فَلَمَّا قَالَ إِنِّي سَقِيمٌ كَانَ ذَلِكَ كَذِبًا ؟ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ ذَكَرُوا فِي الْجَوَابِ عَنْهُمَا وُجُوهًا كَثِيرَةً :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ نَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فِي أَوْقَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَكَانَتْ تَأْتِيهِ سَقَامَةٌ كَالْحُمَّى فِي بَعْضِ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، فَنَظَرَ لِيَعْرِفَ هَلْ هِيَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إِنِّي سَقِيمٌ ) فَجَعَلَهُ عُذْرًا فِي تَخَلُّفِهِ عَنِ الْعِيدِ الَّذِي لَهُمْ وَكَانَ صَادِقًا فِيمَا قَالَ ؛ لِأَنَّ السُّقْمَ كَانَ يَأْتِيهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَإِنَّمَا تَخَلَّفَ لِأَجْلِ تَكْسِيرِ أَصْنَامِهِمْ .
الْوَجْهُ الثَّانِي فِي الْجَوَابِ : أَنَّ
قَوْمَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانُوا أَصْحَابَ النُّجُومِ يُعَظِّمُونَهَا وَيَقْضُونَ بِهَا عَلَى غَائِبِ الْأُمُورِ ، فَلِذَلِكَ نَظَرَ
إِبْرَاهِيمُ فِي النُّجُومِ أَيْ : فِي عُلُومِ النُّجُومِ وَفِي مَعَانِيهِ لَا أَنَّهُ نَظَرَ بِعَيْنِهِ إِلَيْهَا ، وَهُوَ كَمَا يُقَالُ : فُلَانٌ نَظَرَ فِي الْفِقْهِ وَفِي النَّحْوِ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُوهِمَهُمْ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا يَعْلَمُونَ وَيَتَعَرَّفُ مِنْ حَيْثُ يَتَعَرَّفُونَ حَتَّى إِذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إِنِّي سَقِيمٌ ) سَكَنُوا إِلَى قَوْلِهِ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إِنِّي سَقِيمٌ ) فَمَعْنَاهُ سَأُسْقَمُ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=30إِنَّكَ مَيِّتٌ ) [ الزُّمَرِ : 30 ] أَيْ : سَتَمُوتُ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=88فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ) هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا ) [ الْأَنْعَامِ : 76 ] إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ وَكَانَ ذَلِكَ النَّظَرُ لِأَجْلِ أَنْ يَتَعَرَّفَ أَحْوَالَ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ هَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ أَوْ مُحْدَثَةٌ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إِنِّي سَقِيمٌ ) يَعْنِي
[ ص: 129 ] سَقِيمَ الْقَلْبِ غَيْرَ عَارِفٍ بِرَبِّي ، وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْبُلُوغِ .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ : قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ كَانَ لَهُ نَجْمٌ مَخْصُوصٌ ، وَكُلَّمَا طَلَعَ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ مَرِضَ
إِبْرَاهِيمُ ، وَلِأَجْلِ هَذَا الِاسْتِقْرَاءِ لَمَّا رَآهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ طَالِعًا عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ الْمَخْصُوصَةِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إِنِّي سَقِيمٌ ) أَيْ هَذَا السَّقَمُ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ .
الْوَجْهُ الْخَامِسُ : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إِنِّي سَقِيمٌ ) أَيْ : مَرِيضُ الْقَلْبِ بِسَبَبِ إِطْبَاقِ ذَلِكَ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ عَلَى الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ ، قَالَ تَعَالَى
لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=3لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ ) [ الشُّعَرَاءِ : 3 ] .
الْوَجْهُ السَّادِسُ : فِي الْجَوَابِ أَنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّظَرَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=26372_31762عِلْمِ النُّجُومِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِمُقَايَسَتِهَا حَرَامٌ ؛ لِأَنَّ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ بِقُوَّةٍ وَبِخَاصِّيَّةٍ لِأَجْلِهَا يَظْهَرُ مِنْهُ أَثَرٌ مَخْصُوصٌ ، فَهَذَا الْعِلْمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَ بِبَاطِلٍ .
وَأَمَّا الْكَذِبُ فَغَيْرُ لَازِمٍ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إِنِّي سَقِيمٌ ) عَلَى سَبِيلِ التَّعْرِيضِ ، بِمَعْنَى أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْفَكُّ فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ عَنْ حُصُولِ حَالَةٍ مَكْرُوهَةٍ ، إِمَّا فِي بَدَنِهِ وَإِمَّا فِي قَلْبِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ سَقَمٌ .
الْوَجْهُ السَّابِعُ : قَالَ بَعْضُهُمْ : ذَلِكَ الْقَوْلُ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كِذْبَةٌ وَرَوَوْا فِيهِ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013610nindex.php?page=treesubj&link=31861مَا كَذَبَ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ قُلْتُ لِبَعْضِهِمْ : هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْكَذِبِ إِلَى
إِبْرَاهِيمَ لَا تَجُوزُ ، فَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ : فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِكَذِبِ الرُّوَاةِ الْعُدُولِ ؟ فَقُلْتُ : لَمَّا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ نِسْبَةِ الْكَذِبِ إِلَى الرَّاوِي وَبَيْنَ نِسْبَتِهِ إِلَى الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ نِسْبَتَهُ إِلَى الرَّاوِي أَوْلَى ، ثُمَّ نَقُولُ : لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ كَذِبًا خَبَرًا شَبِيهًا بِالْكَذِبِ ؟ .
وَالْوَجْهُ الثَّامِنُ : أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=88فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ) أَيْ نَظَرَ فِي نُجُومِ كَلَامِهِمْ وَمُتَفَرِّقَاتِ أَقْوَالِهِمْ ، فَإِنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تَحْدُثُ قِطْعَةً قِطْعَةً ، يُقَالُ : إِنَّهَا مُنَجَّمَةٌ أَيْ مُتَفَرِّقَةٌ وَمِنْهُ نُجُومُ الْكِتَابَةِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ كَلِمَاتِهِمُ الْمُتَفَرِّقَةَ نَظَرَ فِيهَا كَيْ يَسْتَخْرِجَ مِنْهَا حِيلَةً يَقْدِرُ بِهَا عَلَى إِقَامَةِ عُذْرٍ لِنَفْسِهِ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهُمْ فَلَمْ يَجِدْ عُذْرًا أَحْسَنَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إِنِّي سَقِيمٌ ) وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ أَصِيرَ سَقِيمًا كَمَا تَقُولُ لِمَنْ رَأَيْتَهُ عَلَى أَوْقَاتِ السَّفَرِ : إِنَّكَ مُسَافِرٌ .
وَاعْلَمْ أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إِنِّي سَقِيمٌ ) تَوَلَّوْا عَنْهُ مُعْرِضِينَ فَتَرَكُوهُ وَعَذَرُوهُ فِي أَنْ لَا يَخْرُجَ الْيَوْمَ فَكَانَ ذَلِكَ مُرَادَهُ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=91فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ ) يُقَالُ : رَاغَ إِلَيْهِ إِذَا مَالَ إِلَيْهِ فِي السِّرِّ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ ، وَمِنْهُ رَوَغَانُ الثَّعْلَبِ . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=91أَلَا تَأْكُلُونَ ) يَعْنِي الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ اسْتِهْزَاءً بِهَا ، وَكَذَا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=92مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=93فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا ) فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ مُسْتَخْفِيًا كَأَنَّهُ قَالَ : فَضَرَبَهُمْ ضَرْبًا ؛ لِأَنَّ : رَاغَ عَلَيْهِمْ فِي مَعْنَى ضَرَبَهُمْ أَوْ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِمَعْنَى ضَارِبًا . وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=93بِالْيَمِينِ ) قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : مَعْنَاهُ بِالْقُوَّةِ وَالشِّدَّةِ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ أَقْوَى الْجَارِحَتَيْنِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ أَتَى بِذَلِكَ الْفِعْلِ بِسَبَبِ الْحَلِفِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=57تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 57 ] ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=94فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ) قَرَأَ
حَمْزَةُ : " يُزِفُّونَ " بِضَمِّ الْيَاءِ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا وَهُمَا لُغَتَانِ ، قَالَ
ابْنُ عَرَفَةَ : مَنْ قَرَأَ بِالنَّصْبِ فَهُوَ مِنْ زَفَّ يَزِفُّ ، وَمَنْ قَرَأَ بِالضَّمِّ فَهُوَ مِنْ أَزَفَّ يُزِفُّ ، قَالَ
الزَّجَّاجُ : يَزِفُّونَ يُسْرِعُونَ وَأَصْلُهُ مِنْ زَفِيفِ النَّعَامَةِ وَهُوَ ابْتِدَاءُ عَدْوِهَا ، وَقَرَأَ
حَمْزَةُ : " يُزِفُّونَ " أَيْ يَحْمِلُونَ غَيْرَهُمْ عَلَى الزَّفِيفِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13721الْأَصْمَعِيُّ : يُقَالُ : أَزْفَفْتُ الْإِبِلَ إِذَا حَمَلْتَهَا عَلَى أَنْ تَزِفَّ ، قَالَ : وَهُوَ سُرْعَةُ الْخُطْوَةِ وَمُقَارَبَةُ الْمَشْيِ ، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ عَلَى قِرَاءَتِهِ كَأَنَّهُمْ حَمَلُوا دَوَابَّهُمْ عَلَى الْإِسْرَاعِ فِي الْمَشْيِ ، فَإِنْ قِيلَ : مُقْتَضَى هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا كَسَرَهَا عَدَوْا إِلَيْهِ وَأَخَذُوهُ ، وَقَالَ فِي سُورَةٍ أُخْرَى فِي عَيْنِ هَذِهِ الْقِصَّةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=59قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=60قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 60 ] وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ مَا عَرَفُوهُ فَبَيْنَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ تَنَاقُضٌ ؟ قُلْنَا : لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ جَمَاعَةً عَرَفُوهُ فَعَمَدُوا إِلَيْهِ مُسْرِعِينَ وَالْأَكْثَرُونَ مَا عَرَفُوهُ ، فَتَعَرَّفُوا أَنَّ ذَلِكَ الْكَاسِرَ مَنْ هُوَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .