(
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=123وإن إلياس لمن المرسلين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=124إذ قال لقومه ألا تتقون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=125أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=126الله ربكم ورب آبائكم الأولين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=127فكذبوه فإنهم لمحضرون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=128إلا عباد الله المخلصين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=129وتركنا عليه في الآخرين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=130سلام على إل ياسين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=131إنا كذلك نجزي المحسنين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=132إنه من عبادنا المؤمنين )
قصة
إلياس عليه السلام
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=123nindex.php?page=treesubj&link=34025_29008وإن إلياس لمن المرسلين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=124إذ قال لقومه ألا تتقون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=125أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=126الله ربكم ورب آبائكم الأولين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=127فكذبوه فإنهم لمحضرون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=128إلا عباد الله المخلصين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=129وتركنا عليه في الآخرين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=130سلام على إل ياسين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=131إنا كذلك نجزي المحسنين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=132إنه من عبادنا المؤمنين )
اعلم أن هذه القصة الرابعة من القصص المذكورة في هذه السورة وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ
ابن عامر : "وإن الياس" بغير همزة على وصل الألف ، والباقون بالهمزة وقطع الألف ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13579أبو بكر بن مهران : من ذكر عند الوصل الألف فقد أخطأ ، وكان
أهل الشام ينكرونه ولا يعرفونه ، قال
الواحدي وله وجهان :
أحدهما : أنه حذف الهمزة من
إلياس حذفا ، كما حذفها
ابن كثير من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=35إنها لإحدى الكبر ) ( المدثر : 35 ) وكقول الشاعر :
ويلمها في هواء الجو طالبة
والآخر أنه جعل الهمزة التي تصحب اللام للتعريف كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=86واليسع ) [الأنعام : 86] .
المسألة الثانية : في
إلياس قولان : يروى عن
ابن مسعود أنه قرأ "وإن إدريس " ، وقال إن
إلياس هو
إدريس ، وهذا قول
عكرمة ، وأما أكثر المفسرين فهم متفقون على أنه نبي من أنبياء
بني إسرائيل وهو
إلياس بن ياسين ، من ولد
هارون أخي
موسى عليهم السلام ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=124إذ قال لقومه ألا تتقون ) والتقدير : اذكر يا
محمد لقومك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=124إذ قال لقومه ألا تتقون ) أي ألا تخافون الله ، وقال
الكلبي : ألا تخافون عبادة غير الله . واعلم أنه لما خوفهم أولا على سبيل الإجمال ذكر ما هو السبب لذلك الخوف فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=125أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين ) وفيه أبحاث :
الأول : في " بعل " قولان :
أحدهما : أنه اسم علم لصنم كان لهم كمناة وهبل ، وقيل كان من ذهب ، وكان طوله عشرين ذراعا وله أربعة أوجه ، وفتنوا به وعظموه ، حتى عينوا له أربعمائة سادن وجعلوهم أنبياء ، وكان الشيطان يدخل في جوف بعل ويتكلم بشريعة الضلالة ، والسدنة يحفظونها ويعلمونها الناس وهم
أهل بعلبك [ ص: 141 ] من بلاد
الشأم ، وبه سميت مدينتهم
بعلبك . واعلم أن قولهم بعل اسم لصنم من أصنامهم لا بأس به ، وأما قولهم إن الشيطان كان يدخل في جوف بعلبك ويتكلم بشريعة الضلالة . فهذا مشكل لأنا إن جوزنا هذا كان ذلك قادحا في كثير من المعجزات ، لأنه نقل في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم كلام الذئب معه وكلام الجمل معه وحنين الجذع ، ولو جوزنا أن يدخل الشيطان في جوف جسم ويتكلم . فحينئذ يكون هذا الاحتمال قائما في الذئب والجمل والجذع ، وذلك يقدح في كون هذه الأشياء معجزات .
القول الثاني : إن البعل هو الرب بلغة
اليمن ، يقال من بعل هذه الدار ، أي من ربها ، وسمي الزوج بعلا لهذا المعنى ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وبعولتهن أحق بردهن ) ( البقرة : 228 ) وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=72وهذا بعلي شيخا ) ( هود : 72 ) فعلى هذا التقدير المعنى : أتعبدون بعض البعول وتتركون عبادة الله .
البحث الثاني :
المعتزلة احتجوا بهذه الآية على
nindex.php?page=treesubj&link=28785_28834_29658كون العبد خالقا لأفعال نفسه ، فقالوا : لو لم يكن غير الله خالقا لما جاز وصف الله بأنه أحسن الخالقين ، والكلام فيه قد تقدم في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=14فتبارك الله أحسن الخالقين ) ( المؤمنون : 14 ) .
البحث الثالث : كان الملقب بالرشيد الكاتب يقول : لو قيل : أتدعون بعلا وتدعون أحسن الخالقين . أوهم أنه أحسن ، لأنه كان قد تحصل فيه رعاية معنى التحسين . وجوابه : أن فصاحة ، القرآن ليست لأجل رعاية هذه التكاليف ، بل لأجل قوة المعاني وجزالة الألفاظ . واعلم أنه لما عابهم على عبادة غير الله صرح بالتوحيد ونفي الشركاء ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=126الله ربكم ورب آبائكم الأولين ) وفيه مباحث :
الأول : أنا ذكرنا في هذا الكتاب أن حدوث الأشخاص البشرية كيف يدل على وجود الصانع المختار ، وكيف يدل على وحدته وبراءته عن الأضداد والأنداد ، فلا فائدة في الإعادة .
البحث الثاني : قرأ
حمزة والكسائي وحفص عن
عاصم (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=126الله ربكم ورب آبائكم ) كلها بالنصب على البدل من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=125أحسن الخالقين ) والباقون بالرفع على الاستئناف ، والأول اختيار
أبي حاتم وأبي عبيد ، ونقل صاحب "الكشاف" أن
حمزة إذا وصل نصب ، وإذا وقف رفع ، ولما حكى الله عنه أنه قرر مع قومه التوحيد قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=127فكذبوه فإنهم لمحضرون ) أي لمحضرون النار غدا ، وقد ذكرنا الكلام فيه عند قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=57لكنت من المحضرين ) ( الصافات : 57 ) ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=128إلا عباد الله المخلصين ) وذلك لأن قومه ما كذبوه بكليتهم ، بل كان فيهم من قبل ذلك التوحيد فلهذا قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=128إلا عباد الله المخلصين ) يعني الذين أتوا بالتوحيد الخالص فإنهم لا يحضرون ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=129وتركنا عليه في الآخرين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=130سلام على إل ياسين ) قرأ
نافع وابن عامر ويعقوب "آل ياسين" على إضافة لفظ آل إلى لفظ ياسين ، والباقون بكسر الألف وجزم اللام موصولة بياسين :
أما القراءة الأولى ففيها وجوه :
الأول : وهو الأقرب : أنا ذكرنا أنه
إلياس بن ياسين فكان
إلياس آل ياسين .
الثاني :
آل ياسين آل محمد صلى الله عليه وسلم .
والثالث : أن ياسين اسم القرآن ، كأنه قيل سلام الله على من آمن بكتاب الله الذي هو ياسين ، والوجه هو الأول لأنه أليق بسياق الكلام .
وأما القراءة الثانية ففيها وجوه :
الأول : قال
الزجاج : يقال :
ميكال وميكائيل وميكالين ، فكذا ههنا
إلياس وإلياسين .
والثاني : قال
الفراء هو جمع وأراد به
إلياس وأتباعه من المؤمنين ، كقولهم المهلبون والسعدون قال :
أنا ابن سعد أكرم السعدينا
[ ص: 142 ] ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=131إنا كذلك نجزي المحسنين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=132إنه من عبادنا المؤمنين ) وقد سبق تفسيره ، والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=123وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=124إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=125أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=126اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=127فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=128إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=129وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=130سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=131إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=132إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ )
قِصَّةُ
إِلْيَاسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=123nindex.php?page=treesubj&link=34025_29008وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=124إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=125أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=126اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=127فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=128إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=129وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=130سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=131إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=132إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ )
اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ الرَّابِعَةَ مِنَ الْقِصَصِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ : "وَإِنَّ الْيَاسَ" بِغَيْرِ هَمْزَةٍ عَلَى وَصْلِ الْأَلِفِ ، وَالْبَاقُونَ بِالْهَمْزَةِ وَقَطْعِ الْأَلِفِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13579أَبُو بَكْرِ بْنِ مِهْرَانَ : مَنْ ذَكَرَ عِنْدَ الْوَصْلِ الْأَلِفَ فَقَدْ أَخْطَأَ ، وَكَانَ
أَهْلُ الشَّامِ يُنْكِرُونَهُ وَلَا يَعْرِفُونَهُ ، قَالَ
الْوَاحِدِيُّ وَلَهُ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ حَذَفَ الْهَمْزَةَ مِنْ
إِلْيَاسَ حَذْفًا ، كَمَا حَذَفَهَا
ابْنُ كَثِيرٍ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=35إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ ) ( الْمُدَّثِّرِ : 35 ) وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ :
وَيْلُمِّهَا فِي هَوَاءِ الْجَوِّ طَالِبَةً
وَالْآخَرُ أَنَّهُ جَعَلَ الْهَمْزَةَ الَّتِي تَصْحَبُ اللَّامَ لِلتَّعْرِيفِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=86وَالْيَسَعَ ) [الْأَنْعَامِ : 86] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي
إِلْيَاسَ قَوْلَانِ : يُرْوَى عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ "وَإِنَّ إِدْرِيسَ " ، وَقَالَ إِنَّ
إِلْيَاسَ هُوَ
إِدْرِيسُ ، وَهَذَا قَوْلُ
عِكْرِمَةَ ، وَأَمَّا أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ فَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ نَبِيٌّ مِنْ أَنْبِيَاءِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُوَ
إِلْيَاسُ بْنُ يَاسِينَ ، مِنْ وَلَدِ
هَارُونَ أَخِي
مُوسَى عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=124إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ ) وَالتَّقْدِيرُ : اذْكُرْ يَا
مُحَمَّدُ لِقَوْمِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=124إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ ) أَيْ أَلَا تَخَافُونَ اللَّهَ ، وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ : أَلَا تَخَافُونَ عِبَادَةَ غَيْرِ اللَّهِ . وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا خَوَّفَهُمْ أَوَّلًا عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ ذَكَرَ مَا هُوَ السَّبَبُ لِذَلِكَ الْخَوْفِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=125أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ) وَفِيهِ أَبْحَاثُ :
الْأَوَّلُ : فِي " بَعْلٍ " قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ اسْمُ عَلَمٍ لِصَنَمٍ كَانَ لَهُمْ كَمَنَاةَ وَهُبَلَ ، وَقِيلَ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ ، وَكَانَ طُولُهُ عِشْرِينَ ذِرَاعًا وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ ، وَفُتِنُوا بِهِ وَعَظَّمُوهُ ، حَتَّى عَيَّنُوا لَهُ أَرْبَعَمِائَةِ سَادِنٍ وَجَعَلُوهُمْ أَنْبِيَاءَ ، وَكَانَ الشَّيْطَانُ يَدْخُلُ فِي جَوْفِ بَعْلٍ وَيَتَكَلَّمُ بِشَرِيعَةِ الضَّلَالَةِ ، وَالسَّدَنَةُ يَحْفَظُونَهَا وَيُعَلِّمُونَهَا النَّاسَ وَهُمْ
أَهْلُ بَعْلَبَكَّ [ ص: 141 ] مِنْ بِلَادِ
الشَّأْمِ ، وَبِهِ سُمِّيَتْ مَدِينَتُهُمْ
بَعْلَبَكَّ . وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ بَعْلٌ اسْمٌ لِصَنَمٍ مِنْ أَصْنَامِهِمْ لَا بَأْسَ بِهِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ يَدْخُلُ فِي جَوْفِ بَعْلَبَكَّ وَيَتَكَلَّمُ بِشَرِيعَةِ الضَّلَالَةِ . فَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّا إِنْ جَوَّزْنَا هَذَا كَانَ ذَلِكَ قَادِحًا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ ، لِأَنَّهُ نُقِلَ فِي مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَامُ الذِّئْبِ مَعَهُ وَكَلَامُ الْجَمَلِ مَعَهُ وَحَنِينُ الْجِذْعِ ، وَلَوْ جَوَّزْنَا أَنْ يَدْخُلَ الشَّيْطَانُ فِي جَوْفِ جِسْمٍ وَيَتَكَلَّمُ . فَحِينَئِذٍ يَكُونُ هَذَا الِاحْتِمَالُ قَائِمًا فِي الذِّئْبِ وَالْجَمَلِ وَالْجِذْعِ ، وَذَلِكَ يَقْدَحُ فِي كَوْنِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُعْجِزَاتٍ .
الْقَوْلُ الثَّانِي : إِنَّ الْبَعْلَ هُوَ الرَّبُّ بِلُغَةِ
الْيَمَنِ ، يُقَالُ مَنْ بَعْلُ هَذِهِ الدَّارِ ، أَيْ مَنْ رَبُّهَا ، وَسُمِّيَ الزَّوْجُ بَعْلًا لِهَذَا الْمَعْنَى ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ) ( الْبَقَرَةِ : 228 ) وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=72وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا ) ( هُودٍ : 72 ) فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الْمَعْنَى : أَتَعْبُدُونَ بَعْضَ الْبُعُولِ وَتَتْرُكُونَ عِبَادَةَ اللَّهِ .
الْبَحْثُ الثَّانِي :
الْمُعْتَزِلَةُ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28785_28834_29658كَوْنِ الْعَبْدِ خَالِقًا لِأَفْعَالِ نَفْسِهِ ، فَقَالُوا : لَوْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُ اللَّهِ خَالِقًا لَمَا جَازَ وَصْفُ اللَّهِ بِأَنَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ، وَالْكَلَامُ فِيهِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=14فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) ( الْمُؤْمِنُونَ : 14 ) .
الْبَحْثُ الثَّالِثُ : كَانَ الْمُلَقَّبُ بِالرَّشِيدِ الْكَاتِبِ يَقُولُ : لَوْ قِيلَ : أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَدَعُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ . أَوْهَمَ أَنَّهُ أَحْسَنُ ، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ تَحْصُلُ فِيهِ رِعَايَةُ مَعْنَى التَّحْسِينِ . وَجَوَابُهُ : أَنَّ فَصَاحَةَ ، الْقُرْآنِ لَيْسَتْ لِأَجْلِ رِعَايَةِ هَذِهِ التَّكَالِيفِ ، بَلْ لِأَجْلِ قُوَّةِ الْمَعَانِي وَجَزَالَةِ الْأَلْفَاظِ . وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا عَابَهُمْ عَلَى عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ صَرَّحَ بِالتَّوْحِيدِ وَنَفْيِ الشُّرَكَاءِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=126اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ) وَفِيهِ مَبَاحِثُ :
الْأَوَّلُ : أَنَّا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ حُدُوثَ الْأَشْخَاصِ الْبَشَرِيَّةِ كَيْفَ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ الْمُخْتَارِ ، وَكَيْفَ يَدُلُّ عَلَى وَحْدَتِهِ وَبَرَاءَتِهِ عَنِ الْأَضْدَادِ وَالْأَنْدَادِ ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ .
الْبَحْثُ الثَّانِي : قَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ
عَاصِمٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=126اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ ) كُلُّهَا بِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=125أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ) وَالْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ ، وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ
أَبِي حَاتِمٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ ، وَنَقَلَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" أَنَّ
حَمْزَةَ إِذَا وَصَلَ نَصَبَ ، وَإِذَا وَقَفَ رَفَعَ ، وَلَمَّا حَكَى اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَّرَ مَعَ قَوْمِهِ التَّوْحِيدَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=127فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ) أَيْ لَمُحْضَرُونَ النَّارَ غَدًا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْكَلَامَ فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=57لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) ( الصَّافَّاتِ : 57 ) ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=128إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ) وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْمَهُ مَا كَذَّبُوهُ بِكُلِّيَّتِهِمْ ، بَلْ كَانَ فِيهِمْ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ التَّوْحِيدِ فَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=128إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ) يَعْنِي الَّذِينَ أَتَوْا بِالتَّوْحِيدِ الْخَالِصِ فَإِنَّهُمْ لَا يَحْضُرُونَ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=129وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=130سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ) قَرَأَ
نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ "آلِ يَاسِينَ" عَلَى إِضَافَةِ لَفْظِ آلٍ إِلَى لَفْظِ يَاسِينَ ، وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِ الْأَلِفِ وَجَزْمِ اللَّامِ مَوْصُولَةً بِيَاسِينَ :
أَمَّا الْقِرَاءَةُ الْأُولَى فَفِيهَا وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : وَهُوَ الْأَقْرَبُ : أَنَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ
إِلْيَاسُ بْنُ يَاسِينَ فَكَانَ
إِلْيَاسُ آلَ يَاسِينَ .
الثَّانِي :
آلُ يَاسِينَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّ يَاسِينَ اسْمُ الْقُرْآنِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ سَلَامُ اللَّهِ عَلَى مَنْ آمَنَ بِكِتَابِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ يَاسِينُ ، وَالْوَجْهُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِسِيَاقِ الْكَلَامِ .
وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ فَفِيهَا وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : قَالَ
الزَّجَّاجُ : يُقَالُ :
مِيكَالُ وَمِيكَائِيلُ وَمِيكَالِينُ ، فَكَذَا هَهُنَا
إِلْيَاسُ وَإِلْيَاسِينُ .
وَالثَّانِي : قَالَ
الْفَرَّاءُ هُوَ جَمْعٌ وَأَرَادَ بِهِ
إِلْيَاسَ وَأَتْبَاعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، كَقَوْلِهِمُ الْمُهَلَّبُونَ وَالسَّعْدُونَ قَالَ :
أَنَا ابْنُ سَعْدٍ أَكْرَمُ السَّعْدِينَا
[ ص: 142 ] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=131إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=132إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ) وَقَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .