(
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=4وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=6وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=7ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=4وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=6وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=7ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق )
اعلم أنه تعالى لما حكى عن الكفار كونهم في عزة وشقاق أردفه بشرح كلماتهم الفاسدة فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=29009وعجبوا أن جاءهم منذر منهم ) . في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=4منهم ) وجهان .
الأول : أنهم قالوا : إن
محمدا مساو لنا في الخلقة الظاهرة والأخلاق الباطنة والنسب والشكل والصورة ، فكيف يعقل أن يختص من بيننا بهذا المنصب العالي والدرجات والرفيعة .
والثاني : أن الغرض من هذه الكلمة التنبيه على كمال جهالتهم ، وذلك لأنه جاءهم رجل يدعوهم إلى التوحيد وتعظيم الملائكة والترغيب في الآخرة ، والتنفير عن الدنيا ، ثم إن هذا الرجل من أقاربهم يعلمون أنه كان بعيدا من الكذب والتهمة ; وكل ذلك مما يوجب الاعتراف بتصديقه ، ثم إن هؤلاء الأقوام لحماقتهم يتعجبون من قوله ، ونظيره قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=69أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون ) [المؤمنون : 69] فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=4وعجبوا أن جاءهم منذر منهم ) ومعناه أن
محمدا كان من رهطهم وعشيرتهم وكان مساويا لهم في الأسباب الدنيوية فاستنكفوا من الدخول تحت طاعته ومن الانقياد لتكاليفه ، وعجبوا أن يختص هو من بينهم برسالة الله وأن يتميز عنهم بهذه الخاصية الشريفة ، وبالجملة فما كان لهذا التعجب سبب إلا الحسد .
[ ص: 155 ] ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=4وقال الكافرون هذا ساحر كذاب ) وإنما لم يقل وقالوا بل قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=4وقال الكافرون ) إظهارا للتعجب ودلالة على أن هذا القول لا يصدر إلا عن الكفر التام ، فإن الساحر هو الذي يمنع من طاعة الله ، ويدعو إلى طاعة الشيطان ، وهو عندكم بالعكس من ذلك ، والكذاب هو الذي يخبر عن الشيء لا على ما هو عليه ، وهو يخبر عن وجود الصانع القديم الحكيم العليم ، وعن الحشر والنشر وسائر الأشياء التي تثبت بدلائل العقول صحتها فكيف يكون كذابا ، ثم إنه تعالى حكى جميع ما عولوا عليه في إثبات كونه كاذبا وهي ثلاثة أشياء :
أحدها : ما يتعلق بالإلهيات .
وثانيها : ما يتعلق بالنبوات .
وثالثها : ما يتعلق بالمعاد ، أما الشبهة المتعلقة بالإلهيات فهي قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ) روي أنه
لما أسلم عمر فرح به المسلمون فرحا شديدا ، وشق ذلك على قريش ، فاجتمع خمسة وعشرون نفسا من صناديدهم ومشوا إلى أبي طالب وقالوا : أنت شيخنا وكبيرنا وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء يعنون المسلمين فجئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك ، فاستحضر أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا ابن أخي هؤلاء قومك يسألونك السؤال فلا تمل كل الميل على قومك ، فقال صلى الله عليه وسلم : ماذا يسألونني ، قالوا : ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك ، فقال صلى الله عليه وسلم : أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم أتعطوني أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم العجم ؟ قالوا : نعم ، قال تقولوا لا إله إلا الله ، فقاموا وقالوا : ( nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ) أي بليغ في التعجب . وأقول منشأ التعجب من وجهين :
الأول : هو أن القوم ما كانوا من أصحاب النظر والاستدلال ، بل كانت أوهامهم تابعة للمحسوسات ، فلما وجدوا في الشاهد أن الفاعل الواحد لا تفي قدرته وعلمه بحفظ الخلق العظيم قاسوا الغائب على الشاهد ، فقالوا : لا بد في حفظ هذا العالم الكثير من آلهة كثيرة يتكفل كل واحد منهم بحفظ نوع آخر .
الوجه الثاني : أن أسلافهم لكثرتهم وقوة عقولهم كانوا مطبقين على الشرك ، فقالوا من العجب العجيب أن يكون أولئك الأقوام على كثرتهم وقوة عقولهم كانوا جاهلين مبطلين ، وهذا الإنسان الواحد يكون محقا صادقا ، وأقول لعمري لو سلمنا إجراء حكم الشاهد على الغائب من غير دليل وحجة ، لكانت الشبهة الأولى لازمة ، ولما توافقنا على فسادها علمنا أن إجراء حكم الشاهد على الغائب فاسد قطعا ، وإذا بطلت هذه القاعدة فقد بطل أصل كلام المشبهة في الذات ، وكلام المشبهة في الأفعال ، أما المشبهة في الذات فهو أنهم يقولون لما كان كل موجود في الشاهد يجب أن يكون جسما ومختصا بحيز وجب في الغائب أن يكون كذلك ، أما المشبهة في الأفعال فهم
المعتزلة الذين يقولون إن الأمر الفلاني قبيح منا ، فوجب أن يكون قبيحا من الله ، فثبت بما ذكرنا أنه إن صح كلام هؤلاء المشبهة في الذات وفي الأفعال لزم القطع بصحة شبهة هؤلاء المشركين ، وحيث توافقنا على فسادها علمنا أن عمدة
المجسمة وكلام
المعتزلة باطل فاسد .
وأما الشبهة الثانية فلعمري لو كان التقليد حقا لكانت هذه الشبهة لازمة وحيث كانت فاسدة علمنا أن التقليد باطل بقي ههنا أبحاث :
البحث الأول : أن العجاب هو العجيب إلا أنه أبلغ من العجيب كقولهم طويل وطوال وعريض وعراض وكبير وكبار وقد يشدد للمبالغة كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=22ومكروا مكرا كبارا ) [نوح : 22] .
البحث الثاني : قال صاحب "الكشاف" قرئ عجاب بالتخفيف والتشديد ، فقال : والتشديد أبلغ من التخفيف كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=22مكرا كبارا ) .
[ ص: 156 ] ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=6وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم ) قد ذكرنا أن الملأ عبارة عن القوم الذين إذا حضروا في المجلس فإنه تمتلئ القلوب والعيون من مهابتهم وعظمتهم ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=4منهم ) أي من
قريش ; انطلقوا عن مجلس
أبي طالب بعدما بكتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجواب العتيد قائلين بعضهم لبعض (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=6nindex.php?page=treesubj&link=29009أن امشوا واصبروا على آلهتكم ) وفيه مباحث :
البحث الأول : القراءة المشهورة "أن امشوا" وقرأ
ابن أبي عبلة " امشوا " بحذف أن ، قال صاحب : "الكشاف" " أن " بمعنى أي لأن المنطلقين عن مجلس التقاول لا بد لهم من أن يتكلموا ويتفاوضوا فيما يجري في المجلس المتقدم ، فكان انطلاقهم مضمنا معنى القول ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : وانطلق الملأ منهم يمشون .
البحث الثاني : معنى أن امشوا أنه قال بعضهم لبعض امشوا واصبروا ، فلا حيلة لكم في دفع أمر
محمد ، إن هذا لشيء يراد ، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ظهور دين
محمد صلى الله عليه وسلم ليس له سبب ظاهر يثبت أن تزايد ظهوره ليس إلا لأن الله يريده ، وما أراد الله كونه فلا دافع له .
وثانيها : أن الأمر كشيء من نوائب الدهر فلا انفكاك لنا منه .
وثالثها : أن دينكم لشيء يراد أي يطلب ليؤخذ منكم ، قال
القفال : هذه كلمة تذكر للتهديد والتخويف وكأن معناها أنه ليس غرض
محمد من هذا القول تقرير الدين ، وإنما غرضه أن يستولي علينا فيحكم في أموالنا وأولادنا بما يريد .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=7nindex.php?page=treesubj&link=29009ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ) والملة الآخرة هي ملة
النصارى فقالوا إن هذا التوحيد الذي أتى به
محمد صلى الله عليه وسلم ما سمعناه في دين
النصارى ، أو يكون المراد بالملة الآخرة ملة
قريش التي أدركوا آباءهم عليهم ، ثم قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=7إن هذا إلا اختلاق ) افتعال وكذب ، وحاصل الكلام من هذا الوجه أنهم قالوا نحن ما سمعنا عن أسلافنا القول بالتوحيد ، فوجب أن يكون باطلا ، ولو كان
nindex.php?page=treesubj&link=22311القول بالتقليد حقا لكان كلام هؤلاء المشركين حقا ، وحيث كان باطلا علمنا أن القول بالتقليد باطل .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=4وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=6وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=7مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=4وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=6وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=7مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ )
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنِ الْكُفَّارِ كَوْنَهُمْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ أَرْدَفَهُ بِشَرْحِ كَلِمَاتِهِمُ الْفَاسِدَةِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=29009وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ) . فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=4مِنْهُمْ ) وَجْهَانِ .
الْأَوَّلُ : أَنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّ
مُحَمَّدًا مُسَاوٍ لَنَا فِي الْخِلْقَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْأَخْلَاقِ الْبَاطِنَةِ وَالنَّسَبِ وَالشَّكْلِ وَالصُّورَةِ ، فَكَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ يُخْتَصَّ مِنْ بَيْنِنَا بِهَذَا الْمَنْصِبِ الْعَالِي وَالدَّرَجَاتِ وَالرَّفِيعَةِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ التَّنْبِيهُ عَلَى كَمَالِ جَهَالَتِهِمْ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ جَاءَهُمْ رَجُلٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ وَتَعْظِيمِ الْمَلَائِكَةِ وَالتَّرْغِيبِ فِي الْآخِرَةِ ، وَالتَّنْفِيرِ عَنِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ مِنْ أَقَارِبِهِمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَانَ بَعِيدًا مِنَ الْكَذِبِ وَالتُّهْمَةِ ; وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الِاعْتِرَافَ بِتَصْدِيقِهِ ، ثُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْأَقْوَامَ لِحَمَاقَتِهِمْ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ قَوْلِهِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=69أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ) [الْمُؤْمِنُونَ : 69] فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=4وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ) وَمَعْنَاهُ أَنَّ
مُحَمَّدًا كَانَ مِنْ رَهْطِهِمْ وَعَشِيرَتِهِمْ وَكَانَ مُسَاوِيًا لَهُمْ فِي الْأَسْبَابِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَاسْتَنْكَفُوا مِنَ الدُّخُولِ تَحْتَ طَاعَتِهِ وَمِنَ الِانْقِيَادِ لِتَكَالِيفِهِ ، وَعَجِبُوا أَنْ يُخْتَصَّ هُوَ مِنْ بَيْنِهِمْ بِرِسَالَةِ اللَّهِ وَأَنْ يَتَمَيَّزَ عَنْهُمْ بِهَذِهِ الْخَاصِّيَّةِ الشَّرِيفَةِ ، وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا كَانَ لِهَذَا التَّعَجُّبِ سَبَبٌ إِلَّا الْحَسَدَ .
[ ص: 155 ] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=4وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ) وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَقَالُوا بَلْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=4وَقَالَ الْكَافِرُونَ ) إِظْهَارًا لِلتَّعَجُّبِ وَدَلَالَةً عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنِ الْكُفْرِ التَّامِّ ، فَإِنَّ السَّاحِرَ هُوَ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ ، وَيَدْعُو إِلَى طَاعَةِ الشَّيْطَانِ ، وَهُوَ عِنْدَكُمْ بِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ ، وَالْكَذَّابُ هُوَ الَّذِي يُخْبِرُ عَنِ الشَّيْءِ لَا عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ يُخْبِرُ عَنْ وُجُودِ الصَّانِعِ الْقَدِيمِ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ ، وَعَنِ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ وَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَثْبُتُ بِدَلَائِلِ الْعُقُولِ صِحَّتُهَا فَكَيْفَ يَكُونُ كَذَّابًا ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى حَكَى جَمِيعَ مَا عَوَّلُوا عَلَيْهِ فِي إِثْبَاتِ كَوْنِهِ كَاذِبًا وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ :
أَحَدُهَا : مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِلَهِيَّاتِ .
وَثَانِيهَا : مَا يَتَعَلَّقُ بِالنُّبُوَّاتِ .
وَثَالِثُهَا : مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَعَادِ ، أَمَّا الشُّبْهَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْإِلَهِيَّاتِ فَهِيَ قَوْلُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ) رُوِيَ أَنَّهُ
لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ فَرِحَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ فَرَحَا شَدِيدًا ، وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى قُرَيْشٍ ، فَاجْتَمَعَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ نَفْسًا مِنْ صَنَادِيدِهِمْ وَمَشَوْا إِلَى أَبِي طَالِبٍ وَقَالُوا : أَنْتَ شَيْخُنَا وَكَبِيرُنَا وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ السُّفَهَاءُ يَعْنُونَ الْمُسْلِمِينَ فَجِئْنَاكَ لِتَقْضِيَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ابْنِ أَخِيكَ ، فَاسْتَحْضَرَ أَبُو طَالِبٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي هَؤُلَاءِ قَوْمُكَ يَسْأَلُونَكَ السُّؤَالَ فَلَا تَمِلْ كُلَّ الْمَيْلِ عَلَى قَوْمِكَ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَاذَا يَسْأَلُونَنِي ، قَالُوا : ارْفُضْنَا وَارْفُضْ ذِكْرَ آلِهَتِنَا وَنَدَعُكَ وَإِلَهَكَ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَعْطَيْتُكُمْ مَا سَأَلْتُمْ أَتُعْطُونِي أَنْتُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً تَمْلِكُونَ بِهَا الْعَرَبَ وَتَدِينُ لَكُمُ الْعَجَمُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ تَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَقَامُوا وَقَالُوا : ( nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ) أَيْ بَلِيغٌ فِي التَّعَجُّبِ . وَأَقُولُ مَنْشَأُ التَّعَجُّبِ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : هُوَ أَنَّ الْقَوْمَ مَا كَانُوا مِنْ أَصْحَابِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ ، بَلْ كَانَتْ أَوْهَامُهُمْ تَابِعَةً لِلْمَحْسُوسَاتِ ، فَلَمَّا وَجَدُوا فِي الشَّاهِدِ أَنَّ الْفَاعِلَ الْوَاحِدَ لَا تَفِي قُدْرَتُهُ وَعِلْمُهُ بِحِفْظِ الْخَلْقِ الْعَظِيمِ قَاسُوا الْغَائِبَ عَلَى الشَّاهِدِ ، فَقَالُوا : لَا بُدَّ فِي حِفْظِ هَذَا الْعَالَمِ الْكَثِيرِ مِنْ آلِهَةٍ كَثِيرَةٍ يَتَكَفَّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحِفْظِ نَوْعٍ آخَرَ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ أَسْلَافَهُمْ لِكَثْرَتِهِمْ وَقُوَّةِ عُقُولِهِمْ كَانُوا مُطْبِقِينَ عَلَى الشِّرْكِ ، فَقَالُوا مِنَ الْعَجَبِ الْعَجِيبِ أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ الْأَقْوَامُ عَلَى كَثْرَتِهِمْ وَقُوَّةِ عُقُولِهِمْ كَانُوا جَاهِلِينَ مُبْطِلِينَ ، وَهَذَا الْإِنْسَانُ الْوَاحِدُ يَكُونُ مُحِقًّا صَادِقًا ، وَأَقُولُ لَعَمْرِي لَوْ سَلَّمْنَا إِجْرَاءَ حُكْمِ الشَّاهِدِ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَحُجَّةٍ ، لَكَانَتِ الشُّبْهَةُ الْأُولَى لَازِمَةً ، وَلَمَّا تَوَافَقْنَا عَلَى فَسَادِهَا عَلِمْنَا أَنَّ إِجْرَاءَ حُكْمِ الشَّاهِدِ عَلَى الْغَائِبِ فَاسِدٌ قَطْعًا ، وَإِذَا بَطَلَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَقَدْ بَطَلَ أَصْلُ كَلَامِ الْمُشَبِّهَةِ فِي الذَّاتِ ، وَكَلَامُ الْمُشَبِّهَةِ فِي الْأَفْعَالِ ، أَمَّا الْمُشَبِّهَةُ فِي الذَّاتِ فَهُوَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لَمَّا كَانَ كُلُّ مَوْجُودٍ فِي الشَّاهِدِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ جِسْمًا وَمُخْتَصًّا بِحَيِّزٍ وَجَبَ فِي الْغَائِبِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ ، أَمَّا الْمُشَبِّهَةُ فِي الْأَفْعَالِ فَهُمُ
الْمُعْتَزِلَةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ الْأَمْرَ الْفُلَانِيَّ قَبِيحٌ مِنَّا ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَبِيحًا مِنَ اللَّهِ ، فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ إِنْ صَحَّ كَلَامُ هَؤُلَاءِ الْمُشَبِّهَةِ فِي الذَّاتِ وَفِي الْأَفْعَالِ لَزِمَ الْقَطْعُ بِصِحَّةِ شُبْهَةِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ ، وَحَيْثُ تَوَافَقْنَا عَلَى فَسَادِهَا عَلِمْنَا أَنَّ عُمْدَةَ
الْمُجَسِّمَةِ وَكَلَامَ
الْمُعْتَزِلَةِ بَاطِلٌ فَاسِدٌ .
وَأَمَّا الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ فَلَعَمْرِي لَوْ كَانَ التَّقْلِيدُ حَقًّا لَكَانَتْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ لَازِمَةً وَحَيْثُ كَانَتْ فَاسِدَةً عَلِمْنَا أَنَّ التَّقْلِيدَ بَاطِلٌ بَقِيَ هَهُنَا أَبْحَاثٌ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : أَنَّ الْعُجَابَ هُوَ الْعَجِيبُ إِلَّا أَنَّهُ أَبْلَغُ مِنَ الْعَجِيبِ كَقَوْلِهِمْ طَوِيلٌ وَطُوَالٌ وَعَرِيضٌ وَعُرَاضٌ وَكَبِيرٌ وَكُبَارٌ وَقَدْ يُشَدَّدُ لِلْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=22وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا ) [نُوحٍ : 22] .
الْبَحْثُ الثَّانِي : قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" قُرِئَ عُجَابٌ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ ، فَقَالَ : وَالتَّشْدِيدُ أَبْلَغُ مِنَ التَّخْفِيفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=22مَكْرًا كُبَّارًا ) .
[ ص: 156 ] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=6وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَلَأَ عِبَارَةٌ عَنِ الْقَوْمِ الَّذِينَ إِذَا حَضَرُوا فِي الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ تَمْتَلِئُ الْقُلُوبُ وَالْعُيُونُ مِنْ مَهَابَتِهِمْ وَعَظَمَتِهِمْ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=4مِنْهُمْ ) أَيْ مِنْ
قُرَيْشٍ ; انْطَلَقُوا عَنْ مَجْلِسِ
أَبِي طَالِبٍ بَعْدَمَا بَكَتَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَوَابِ الْعَتِيدِ قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=6nindex.php?page=treesubj&link=29009أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ ) وَفِيهِ مَبَاحِثُ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ "أَنِ امْشُوا" وَقَرَأَ
ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ " امْشُوا " بِحَذْفِ أَنْ ، قَالَ صَاحِبُ : "الْكَشَّافِ" " أَنْ " بِمَعْنَى أَيْ لِأَنَّ الْمُنْطَلِقِينَ عَنْ مَجْلِسِ التَّقَاوُلِ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمُوا وَيَتَفَاوَضُوا فِيمَا يَجْرِي فِي الْمَجْلِسِ الْمُتَقَدِّمِ ، فَكَانَ انْطِلَاقُهُمْ مُضَمَّنًا مَعْنَى الْقَوْلِ ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ يَمْشُونَ .
الْبَحْثُ الثَّانِي : مَعْنَى أَنِ امْشُوا أَنَّهُ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ امْشُوا وَاصْبِرُوا ، فَلَا حِيلَةَ لَكُمْ فِي دَفْعِ أَمْرِ
مُحَمَّدٍ ، إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : ظُهُورُ دِينِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لَهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ يُثْبِتُ أَنَّ تَزَايُدَ ظُهُورِهِ لَيْسَ إِلَّا لِأَنَّ اللَّهَ يُرِيدُهُ ، وَمَا أَرَادَ اللَّهُ كَوْنَهُ فَلَا دَافِعَ لَهُ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الْأَمْرَ كَشَيْءٍ مِنْ نَوَائِبِ الدَّهْرِ فَلَا انْفِكَاكَ لَنَا مِنْهُ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ دِينَكُمْ لَشَيْءٌ يُرَادُ أَيْ يُطْلَبُ لِيُؤْخَذَ مِنْكُمْ ، قَالَ
الْقَفَّالُ : هَذِهِ كَلِمَةٌ تُذْكَرُ لِلتَّهْدِيدِ وَالتَّخْوِيفِ وَكَأَنَّ مَعْنَاهَا أَنَّهُ لَيْسَ غَرَضُ
مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ تَقْرِيرَ الدِّينِ ، وَإِنَّمَا غَرَضُهُ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَيْنَا فَيَحْكُمَ فِي أَمْوَالِنَا وَأَوْلَادِنَا بِمَا يُرِيدُ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=7nindex.php?page=treesubj&link=29009مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ ) وَالْمِلَّةُ الْآخِرَةُ هِيَ مِلَّةُ
النَّصَارَى فَقَالُوا إِنَّ هَذَا التَّوْحِيدَ الَّذِي أَتَى بِهِ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا سَمِعْنَاهُ فِي دِينِ
النَّصَارَى ، أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمِلَّةِ الْآخِرَةِ مِلَّةَ
قُرَيْشٍ الَّتِي أَدْرَكُوا آبَاءَهُمْ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=7إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ ) افْتِعَالٌ وَكَذِبٌ ، وَحَاصِلُ الْكَلَامِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُمْ قَالُوا نَحْنُ مَا سَمِعْنَا عَنْ أَسْلَافِنَا الْقَوْلَ بِالتَّوْحِيدِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا ، وَلَوْ كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=22311الْقَوْلُ بِالتَّقْلِيدِ حَقًّا لَكَانَ كَلَامُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ حَقًّا ، وَحَيْثُ كَانَ بَاطِلًا عَلِمْنَا أَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّقْلِيدِ بَاطِلٌ .