(
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=16وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=18إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=19والطير محشورة كل له أواب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=20وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=16وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب ) .
اعلم أنا ذكرنا في تفسير قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=4وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب ) أن القوم إنما تعجبوا لشبهات ثلاث :
أولها : تتعلق بالإلهيات ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أجعل الآلهة إلها واحدا )
والثانية : تتعلق بالنبوات ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=8أؤنزل عليه الذكر من بيننا ) .
والثالثة : تتعلق بالمعاد ، وهو
nindex.php?page=treesubj&link=29009_30612_30614_19051قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=16وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب ) وذلك لأن القوم كانوا في نهاية الإنكار للقول بالحشر والنشر ، فكانوا يستدلون بفساد القول بالحشر والنشر على فساد نبوته ، والقط القطعة من الشيء لأنه قطع منه ، من قطه إذا قطعه ويقال لصحيفة الجائزة قط ، ولما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد المؤمنين بالجنة ، قالوا على سبيل الاستهزاء : عجل لنا نصيبنا من الجنة ، أو عجل لنا صحيفة أعمالنا حتى ننظر فيها .
واعلم أن الكفار لما بالغوا في السفاهة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=4هذا ساحر كذاب ) وقالوا له على سبيل الاستهزاء : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=16عجل لنا قطنا ) أمره الله بالصبر على سفاهتهم ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17اصبر على ما يقولون ) فإن قيل : أي تعلق بين قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17اصبر على ما يقولون ) وبين قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17واذكر عبدنا داود ) ؟ قلنا بيان هذا التعلق من وجوه :
الأول : كأنه قيل إن كنت قد شاهدت من هؤلاء الجهال جراءتهم على الله وإنكارهم الحشر والنشر ، فاذكر قصة
داود حتى تعرف شدة خوفه من الله تعالى ومن يوم الحشر ، فإن بقدر ما يزداد أحد الضدين شرفا يزداد الضد الآخر نقصانا .
والثاني : كأنه قيل
لمحمد صلى الله عليه وسلم لا يضيق صدرك بسبب إنكارهم لقولك ودينك ، فإنهم إذا خالفوك فالأكابر من الأنبياء وافقوك .
والثالث : أن للناس في قصة
داود قولين : منهم من قال إنها تدل
[ ص: 161 ] على ذنبه ، ومنهم من قال : إنها لا تدل عليه . ( فمن قال بالأول ) كان وجه المناسبة فيه كأنه قيل
لمحمد صلى الله عليه وسلم إن حزنك ليس إلا ، لأن الكفار يكذبونك ، وأما حزن
داود فكان بسبب وقوعه في ذلك الذنب ، ولا شك أن حزنه أشد ، فتأمل في قصة
داود وما كان فيه من الحزن العظيم حتى يخف عليك ما أنت فيه من الحزن ( ومن قال بالثاني ) قال : الخصمان اللذان دخلا على
داود كانا من البشر ، وإنما دخلا عليه لقصد قتله فخاف منهما
داود ، ومع ذلك لم يتعرض لإيذائهما ولا دعا عليهما بسوء ، بل استغفر لهما على ما سيجيء تقرير هذه الطريقة ، فلا جرم أمر الله تعالى
محمدا عليه السلام بأن يقتدي به في حسن الخلق .
والخامس : أن
قريشا إنما كذبوا
محمدا عليه السلام واستخفوا به لقولهم في أكثر الأمر إنه يتيم فقير ، ثم إنه تعالى قص على
محمد كمال مملكة
داود ، ثم بين أنه مع ذلك ما سلم من الأحزان والغموم ، ليعلم أن الخلاص عن الحزن لا سبيل إليه في الدنيا .
والسادس : أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ) غير مقتصر على
داود فقط بل ذكر عقيب قصة
داود قصص سائر الأنبياء فكأنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17اصبر على ما يقولون ) واعتبر بحال سائر الأنبياء ليعلمه أن كل واحد منهم كان مشغولا بهم خاص وحزن خاص ، فحينئذ يعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=29497الدنيا لا تنفك عن الهموم والأحزان ، وأن استحقاق الدرجات العالية عند الله لا يحصل إلا بتحمل المشاق والمتاعب في الدنيا ، وهذه وجوه ذكرناها في هذا المقام ، وههنا وجه آخر أقوى وأحسن من كل ما تقدم ، وسيجيء ذكره إن شاء الله تعالى عند الانتهاء إلى تفسير قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=29كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته ) [ص : 29] واعلم أنه تعالى ذكر بعد ذلك حال تسعة من الأنبياء ، فذكر حال ثلاثة منهم على التفصيل وحال ستة آخرين على الإجمال .
فالقصة الأولى : قصة
داود ، واعلم أن مجامع ما ذكره الله تعالى في هذه القصة ثلاثة أنواع من الكلام .
فالأول : تفصيل ما آتى الله
داود من الصفات التي توجب سعادة الآخرة والدنيا .
والثاني : شرح تلك الواقعة التي وقعت له من أمر الخصمين .
والثالث : استخلاف الله تعالى إياه بعد وقوع تلك الواقعة .
أما النوع الأول : وهو شرح
nindex.php?page=treesubj&link=31956الصفات التي آتاها الله داود من الصفات الموجبة لكمال السعادة فهي عشر .
الأول : قوله
لمحمد صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ) فأمر
محمدا صلى الله عليه وسلم على جلالة قدره بأن
nindex.php?page=treesubj&link=31957يقتدي في الصبر على طاعة الله بداود وذلك تشريف عظيم وإكرام
لداود حيث أمر الله أفضل الخلق
محمدا صلى الله عليه وسلم بأن يقتدي به في مكارم الأخلاق .
والثاني : أنه قال في حقه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17عبدنا داود ) فوصفه بكونه عبدا له وعبر عن نفسه بصيغة الجمع الدالة على نهاية التعظيم ، وذلك غاية التشريف ، ألا ترى أنه سبحانه وتعالى لما أراد أن يشرف
محمدا عليه السلام ليلة المعراج قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سبحان الذي أسرى بعبده ) [الإسراء : 1] فههنا يدل على ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=31956التشريف لداود فكان ذلك دليلا على علو درجته أيضا ، فإن وصف الله تعالى الأنبياء بعبوديته مشعر بأنهم قد حققوا معنى العبودية بسبب الاجتهاد في الطاعة .
والثالث : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17ذا الأيد ) أي ذا القوة على أداء الطاعة والاحتراز عن المعاصي ، وذلك لأنه تعالى لما مدحه بالقوة وجب أن تكون تلك القوة موجبة للمدح ، والقوة التي توجب المدح العظيم ليست إلا القوة على فعل ما أمر به وترك ما نهي عنه و (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17الأيد ) المذكور ههنا كالقوة المذكورة في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12يايحيى خذ الكتاب بقوة ) [مريم : 12] وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=145وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة ) [الأعراف : 145] أي : باجتهاد في أداء الأمانة وتشدد في القيام بالدعوة ، وترك إظهار الوهن والضعف ، و" الأيد " والقوة سواء ، ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=62هو الذي أيدك بنصره ) [الأنفال : 62] وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=87وأيدناه بروح القدس ) [البقرة : 87] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47والسماء بنيناها بأيد ) [الذاريات : 47] وعن
[ ص: 162 ] قتادة أعطي قوة في العبادة وفقها في الدين ، وكان يقوم الليل ويصوم نصف الدهر .
الرابع :
nindex.php?page=treesubj&link=31956_29009قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17إنه أواب ) أي أن
داود كان رجاعا في أموره كلها إلى طاعتي ، والأواب فعال من آب إذا رجع كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=25إن إلينا إيابهم ) [الغاشية : 25] وفعال بناء المبالغة كما يقال قتال وضراب فإنه أبلغ من قاتل وضارب .
الخامس : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=18nindex.php?page=treesubj&link=29009_33133إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق ) ونظير هذه الآية قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10ياجبال أوبي معه والطير ) [سبأ : 10] وفيه مباحث :
البحث الأول : وفيه وجوه :
الأول : أن الله سبحانه خلق في جسم الجبل حياة وعقلا وقدرة ومنطقا ، وحينئذ صار الجبل مسبحا لله تعالى ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143فلما تجلى ربه للجبل ) [الأعراف : 143] فإن معناه أنه تعالى خلق في الجبل عقلا وفهما ، ثم خلق فيه رؤية الله تعالى ، فكذا ههنا .
الثاني : في التأويل ما رواه
القفال في تفسيره أنه يجوز أن يقال :
nindex.php?page=treesubj&link=31956إن داود عليه السلام قد أوتي من شدة الصوت وحسنه ما كان له في الجبال دوي حسن ، وما يصغي الطير إليه لحسنه فيكون دوي الجبال وتصويت الطير معه وإصغاؤه إليه تسبيحا ، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13114محمد بن إسحاق أن الله تعالى لم يعط أحدا من خلقه مثل صوت
داود حتى إنه كان إذا قرأ الزبور دنت منه الوحوش حتى يأخذ بأعناقها .
الثالث : أن الله سبحانه سخر الجبال حتى إنها كانت تسير إلى حيث يريده
داود ، وجعل ذلك السير تسبيحا لأنه كان يدل على كمال قدرة الله تعالى وحكمته .
البحث الثاني : قال صاحب "الكشاف" (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=18يسبحن ) في معنى مسبحات ، فإن قالوا هل من فرق بين يسبحن ومسبحات ؟ قلنا : نعم ، فإن صيغة الفعل تدل على الحدوث والتجدد ، وصيغة الاسم على الدوام على ما بينه
nindex.php?page=showalam&ids=13990عبد القاهر النحوي في كتاب دلائل الإعجاز ، إذا ثبت هذا فنقول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=18يسبحن ) يدل على
nindex.php?page=treesubj&link=33133حدوث التسبيح من الجبال شيئا بعد شيء وحالا بعد حال ، وكان السامع حاضر تلك الجبال يسمعها تسبح .
البحث الثالث : قال
الزجاج : يقال شرقت الشمس إذا طلعت ، وأشرقت إذا أضاءت ، وقيل هما بمعنى ، والأول أكثر ، تقول العرب : شرقت الشمس والماء يشرق .
البحث الرابع : احتجوا على
nindex.php?page=treesubj&link=1223شرعية صلاة الضحى بهذه الآية ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013617عن nindex.php?page=showalam&ids=94أم هانئ قالت : "دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بوضوء فتوضأ ثم صلى صلاة الضحى ، وقال : يا nindex.php?page=showalam&ids=94أم هانئ هذه صلاة الإشراق " وعن
طاوس عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : "هل تجدون ذكر صلاة الضحى في القرآن ؟ قالوا : لا ، فقرأ (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=18إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق ) وقال كان يصليها
داود عليه السلام ، وقال لم يزل في نفسي شيء من صلاة الضحى حتى وجدتها في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=18يسبحن بالعشي والإشراق ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=16وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=18إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=19وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=20وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=16وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) .
اعْلَمْ أَنَّا ذَكَرْنَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=4وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ) أَنَّ الْقَوْمَ إِنَّمَا تَعَجَّبُوا لِشُبُهَاتٍ ثَلَاثٍ :
أَوَّلُهَا : تَتَعَلَّقُ بِالْإِلَهِيَّاتِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا )
وَالثَّانِيَةُ : تَتَعَلَّقُ بِالنُّبُوَّاتِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=8أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا ) .
وَالثَّالِثَةُ : تَتَعَلَّقُ بِالْمَعَادَ ، وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=29009_30612_30614_19051قَوْلُهُ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=16وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا فِي نِهَايَةِ الْإِنْكَارِ لِلْقَوْلِ بِالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ ، فَكَانُوا يَسْتَدِلُّونَ بِفَسَادِ الْقَوْلِ بِالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ عَلَى فَسَادِ نُبُوَّتِهِ ، وَالْقِطُّ الْقِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ لِأَنَّهُ قُطِعَ مِنْهُ ، مِنْ قِطِّهِ إِذَا قَطَعَهُ وَيُقَالُ لِصَحِيفَةِ الْجَائِزَةِ قِطُّ ، وَلَمَّا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعْدَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ ، قَالُوا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ : عَجِّلْ لَنَا نَصِيبَنَا مِنَ الْجَنَّةِ ، أَوْ عَجِّلْ لَنَا صَحِيفَةَ أَعْمَالِنَا حَتَّى نَنْظُرَ فِيهَا .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا بَالَغُوا فِي السَّفَاهَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=4هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ) وَقَالُوا لَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=16عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا ) أَمَرَهُ اللَّهُ بِالصَّبْرِ عَلَى سَفَاهَتِهِمْ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ) فَإِنْ قِيلَ : أَيُّ تَعَلُّقٍ بَيْنَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ) وَبَيْنَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ) ؟ قُلْنَا بَيَانُ هَذَا التَّعَلُّقِ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : كَأَنَّهُ قِيلَ إِنْ كُنْتَ قَدْ شَاهَدْتَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالِ جَرَاءَتَهُمْ عَلَى اللَّهِ وَإِنْكَارَهُمُ الْحَشْرَ وَالنَّشْرَ ، فَاذْكُرْ قِصَّةَ
دَاوُدَ حَتَّى تَعْرِفَ شِدَّةَ خَوْفِهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ يَوْمِ الْحَشْرِ ، فَإِنَّ بِقَدْرِ مَا يَزْدَادُ أَحَدُ الضِّدَّيْنِ شَرَفًا يَزْدَادُ الضِّدُّ الْآخَرُ نُقْصَانًا .
وَالثَّانِي : كَأَنَّهُ قِيلَ
لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَضِيقُ صَدْرُكَ بِسَبَبِ إِنْكَارِهِمْ لِقَوْلِكَ وَدِينِكَ ، فَإِنَّهُمْ إِذَا خَالَفُوكَ فَالْأَكَابِرُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَافَقُوكَ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّ لِلنَّاسِ فِي قِصَّةِ
دَاوُدَ قَوْلَيْنِ : مِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهَا تَدُلُّ
[ ص: 161 ] عَلَى ذَنْبِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ . ( فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ ) كَانَ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِيهِ كَأَنَّهُ قِيلَ
لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ حُزْنَكَ لَيْسَ إِلَّا ، لِأَنَّ الْكُفَّارَ يُكَذِّبُونَكَ ، وَأَمَّا حُزْنُ
دَاوُدَ فَكَانَ بِسَبَبِ وُقُوعِهِ فِي ذَلِكَ الذَّنْبِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ حُزْنَهُ أَشَدُّ ، فَتَأَمَّلْ فِي قِصَّةِ
دَاوُدَ وَمَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْحُزْنِ الْعَظِيمِ حَتَّى يَخِفَّ عَلَيْكَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنَ الْحُزْنِ ( وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي ) قَالَ : الْخَصْمَانِ اللَّذَانِ دَخَلَا عَلَى
دَاوُدَ كَانَا مِنَ الْبَشَرِ ، وَإِنَّمَا دَخَلَا عَلَيْهِ لِقَصْدِ قَتْلِهِ فَخَافَ مِنْهُمَا
دَاوُدُ ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِيذَائِهِمَا وَلَا دَعَا عَلَيْهِمَا بِسُوءٍ ، بَلِ اسْتَغْفَرَ لَهُمَا عَلَى مَا سَيَجِيءُ تَقْرِيرُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ ، فَلَا جَرَمَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى
مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ .
وَالْخَامِسُ : أَنَّ
قُرَيْشًا إِنَّمَا كَذَّبُوا
مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاسْتَخَفُّوا بِهِ لِقَوْلِهِمْ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ إِنَّهُ يَتِيمٌ فَقِيرٌ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى قَصَّ عَلَى
مُحَمَّدٍ كَمَالَ مَمْلَكَةِ
دَاوُدَ ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ مَا سَلِمَ مِنَ الْأَحْزَانِ وَالْغُمُومِ ، لِيَعْلَمَ أَنَّ الْخَلَاصَ عَنِ الْحُزْنِ لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ فِي الدُّنْيَا .
وَالسَّادِسُ : أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ) غَيْرُ مُقْتَصِرٍ عَلَى
دَاوُدَ فَقَطْ بَلْ ذَكَرَ عَقِيبَ قِصَّةِ
دَاوُدَ قِصَصَ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ) وَاعْتَبِرْ بِحَالِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ لِيُعَلِّمَهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَانَ مَشْغُولًا بِهَمٍّ خَاصٍّ وَحُزْنٍ خَاصٍّ ، فَحِينَئِذٍ يَعْلَمُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29497الدُّنْيَا لَا تَنْفَكُّ عَنِ الْهُمُومِ وَالْأَحْزَانِ ، وَأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ عِنْدَ اللَّهِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِتَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ وَالْمَتَاعِبِ فِي الدُّنْيَا ، وَهَذِهِ وُجُوهٌ ذَكَرْنَاهَا فِي هَذَا الْمَقَامِ ، وَهَهُنَا وَجْهٌ آخَرُ أَقْوَى وَأَحْسَنُ مِنْ كُلِّ مَا تَقَدَّمَ ، وَسَيَجِيءُ ذِكْرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ الِانْتِهَاءِ إِلَى تَفْسِيرِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=29كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ) [ص : 29] وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ حَالَ تِسْعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، فَذَكَرَ حَالَ ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ عَلَى التَّفْصِيلِ وَحَالَ سِتَّةٍ آخَرِينَ عَلَى الْإِجْمَالِ .
فَالْقِصَّةُ الْأُولَى : قِصَّةُ
دَاوُدَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَجَامِعَ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مِنَ الْكَلَامِ .
فَالْأَوَّلُ : تَفْصِيلُ مَا آتَى اللَّهُ
دَاوُدَ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي تُوجِبُ سَعَادَةَ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا .
وَالثَّانِي : شَرْحُ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ الَّتِي وَقَعَتْ لَهُ مِنْ أَمْرِ الْخَصْمَيْنِ .
وَالثَّالِثُ : اسْتِخْلَافُ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ بَعْدَ وُقُوعِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ .
أَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ : وَهُوَ شَرْحُ
nindex.php?page=treesubj&link=31956الصِّفَاتِ الَّتِي آتَاهَا اللَّهُ دَاوُدَ مِنَ الصِّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِكَمَالِ السَّعَادَةِ فَهِيَ عَشْرٌ .
الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ
لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ) فَأَمَرَ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَلَالَةِ قَدْرِهِ بِأَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=31957يَقْتَدِيَ فِي الصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ بِدَاوُدَ وَذَلِكَ تَشْرِيفٌ عَظِيمٌ وَإِكْرَامٌ
لِدَاوُدَ حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ أَفْضَلَ الْخَلْقِ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ قَالَ فِي حَقِّهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17عَبْدَنَا دَاوُدَ ) فَوَصَفَهُ بِكَوْنِهِ عَبْدًا لَهُ وَعَبَّرَ عَنْ نَفْسِهِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ الدَّالَّةِ عَلَى نِهَايَةِ التَّعْظِيمِ ، وَذَلِكَ غَايَةُ التَّشْرِيفِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُشَرِّفَ
مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ) [الْإِسْرَاءِ : 1] فَهَهُنَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=31956التَّشْرِيفِ لِدَاوُدَ فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى عُلُوِّ دَرَجَتِهِ أَيْضًا ، فَإِنَّ وَصْفَ اللَّهِ تَعَالَى الْأَنْبِيَاءَ بِعُبُودِيَّتِهِ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُمْ قَدْ حَقَّقُوا مَعْنَى الْعُبُودِيَّةِ بِسَبَبِ الِاجْتِهَادِ فِي الطَّاعَةِ .
وَالثَّالِثُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17ذَا الْأَيْدِ ) أَيْ ذَا الْقُوَّةِ عَلَى أَدَاءِ الطَّاعَةِ وَالِاحْتِرَازِ عَنِ الْمَعَاصِي ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا مَدَحَهُ بِالْقُوَّةِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْقُوَّةُ مُوجِبَةً لِلْمَدْحِ ، وَالْقُوَّةُ الَّتِي تُوجِبُ الْمَدْحَ الْعَظِيمَ لَيْسَتْ إِلَّا الْقُوَّةَ عَلَى فِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ وَتَرْكِ مَا نُهِيَ عَنْهُ وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17الْأَيْدِ ) الْمَذْكُورُ هَهُنَا كَالْقُوَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ) [مَرْيَمَ : 12] وَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=145وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ ) [الْأَعْرَافِ : 145] أَيْ : بِاجْتِهَادٍ فِي أَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَتَشَدُّدٍ فِي الْقِيَامِ بِالدَّعْوَةِ ، وَتَرْكِ إِظْهَارِ الْوَهْنِ وَالضَّعْفِ ، وَ" الْأَيْدِ " وَالْقُوَّةُ سَوَاءٌ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=62هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ ) [الْأَنْفَالِ : 62] وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=87وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) [الْبَقَرَةِ : 87] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ) [الذَّارِيَاتِ : 47] وَعَنْ
[ ص: 162 ] قَتَادَةَ أُعْطِيَ قُوَّةً فِي الْعِبَادَةِ وَفِقْهًا فِي الدِّينِ ، وَكَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ وَيَصُومُ نِصْفَ الدَّهْرِ .
الرَّابِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=31956_29009قَوْلُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17إِنَّهُ أَوَّابٌ ) أَيْ أَنَّ
دَاوُدَ كَانَ رَجَّاعًا فِي أُمُورِهِ كُلِّهَا إِلَى طَاعَتِي ، وَالْأَوَّابُ فَعَّالٌ مِنْ آبَ إِذَا رَجَعَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=25إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ) [الْغَاشِيَةِ : 25] وَفَعَّالٌ بِنَاءُ الْمُبَالَغَةِ كَمَا يُقَالُ قَتَّالٌ وَضَرَّابٌ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ قَاتِلٍ وَضَارِبٍ .
الْخَامِسُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=18nindex.php?page=treesubj&link=29009_33133إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ ) وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ) [سَبَأٍ : 10] وَفِيهِ مَبَاحِثُ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : وَفِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ فِي جِسْمِ الْجَبَلِ حَيَاةً وَعَقْلًا وَقُدْرَةً وَمَنْطِقًا ، وَحِينَئِذٍ صَارَ الْجَبَلُ مُسَبِّحًا لِلَّهِ تَعَالَى ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ) [الْأَعْرَافِ : 143] فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ فِي الْجَبَلِ عَقْلًا وَفَهْمًا ، ثُمَّ خَلَقَ فِيهِ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى ، فَكَذَا هَهُنَا .
الثَّانِي : فِي التَّأْوِيلِ مَا رَوَاهُ
الْقَفَّالُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=31956إِنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ أُوتِيَ مِنْ شِدَّةِ الصَّوْتِ وَحُسْنِهِ مَا كَانَ لَهُ فِي الْجِبَالِ دَوِيٌّ حَسَنٌ ، وَمَا يُصْغِي الطَّيْرُ إِلَيْهِ لِحُسْنِهِ فَيَكُونُ دَوِيُّ الْجِبَالِ وَتَصْوِيتُ الطَّيْرِ مَعَهُ وَإِصْغَاؤُهُ إِلَيْهِ تَسْبِيحًا ، وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=13114مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ مِثْلَ صَوْتِ
دَاوُدَ حَتَّى إِنَّهُ كَانَ إِذَا قَرَأَ الزَّبُورَ دَنَتْ مِنْهُ الْوُحُوشُ حَتَّى يَأْخُذَ بِأَعْنَاقِهَا .
الثَّالِثُ : أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ سَخَّرَ الْجِبَالَ حَتَّى إِنَّهَا كَانَتْ تَسِيرُ إِلَى حَيْثُ يُرِيدُهُ
دَاوُدُ ، وَجُعِلَ ذَلِكَ السَّيْرُ تَسْبِيحًا لِأَنَّهُ كَانَ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِكْمَتِهِ .
الْبَحْثُ الثَّانِي : قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=18يُسَبِّحْنَ ) فِي مَعْنَى مُسَبِّحَاتٍ ، فَإِنْ قَالُوا هَلْ مِنْ فَرْقٍ بَيْنَ يُسَبِّحْنَ وَمُسَبِّحَاتٍ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ ، فَإِنَّ صِيغَةَ الْفِعْلِ تَدُلُّ عَلَى الْحُدُوثِ وَالتَّجَدُّدِ ، وَصِيغَةُ الِاسْمِ عَلَى الدَّوَامِ عَلَى مَا بَيَّنَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13990عَبْدُ الْقَاهِرِ النَّحْوِيُّ فِي كِتَابِ دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ ، إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=18يُسَبِّحْنَ ) يَدُلُّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=33133حُدُوثِ التَّسْبِيحِ مِنَ الْجِبَالِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ وَحَالًا بَعْدَ حَالٍ ، وَكَانَ السَّامِعُ حَاضِرُ تِلْكَ الْجِبَالِ يَسْمَعُهَا تُسَبِّحُ .
الْبَحْثُ الثَّالِثُ : قَالَ
الزَّجَّاجُ : يُقَالُ شَرَقَتِ الشَّمْسُ إِذَا طَلَعَتْ ، وَأَشْرَقَتْ إِذَا أَضَاءَتْ ، وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى ، وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ ، تَقُولُ الْعَرَبُ : شَرَقَتِ الشَّمْسُ وَالْمَاءُ يُشْرِقُ .
الْبَحْثُ الرَّابِعُ : احْتَجُّوا عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=1223شَرْعِيَّةِ صَلَاةِ الضُّحَى بِهَذِهِ الْآيَةِ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013617عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=94أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ : "دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى صَلَاةَ الضُّحَى ، وَقَالَ : يَا nindex.php?page=showalam&ids=94أُمَّ هَانِئٍ هَذِهِ صَلَاةُ الْإِشْرَاقِ " وَعَنْ
طَاوُسٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : "هَلْ تَجِدُونَ ذِكْرَ صَلَاةِ الضُّحَى فِي الْقُرْآنِ ؟ قَالُوا : لَا ، فَقَرَأَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=18إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ ) وَقَالَ كَانَ يُصَلِّيهَا
دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَقَالَ لَمْ يَزَلْ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ صَلَاةِ الضُّحَى حَتَّى وَجَدْتُهَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=18يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ ) .