[ ص: 181 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=35قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=36فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=37والشياطين كل بناء وغواص nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=38وآخرين مقرنين في الأصفاد nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=39هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=40وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34nindex.php?page=treesubj&link=31969_29009_28751_21377_29509ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=35قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=36فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=37والشياطين كل بناء وغواص nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=38وآخرين مقرنين في الأصفاد nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=39هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=40وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب )
اعلم أن هذه الآية شرح واقعة ثانية
لسليمان عليه السلام ، واختلفوا في المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34ولقد فتنا سليمان ) ولأهل الحشو والرواية فيه قول ، ولأهل العلم والتحقيق قول آخر ، أما
nindex.php?page=treesubj&link=31969قول أهل الحشو فذكروا فيه حكايات :
الرواية الأولى : قالوا إن
سليمان بلغه خبر مدينة في البحر فخرج إليها بجنوده تحمله الريح فأخذها وقتل ملكها ، وأخذ بنتا له اسمها
جرادة من أحسن الناس وجها ، فاصطفاها لنفسه ، وأسلمت فأحبها ، وكانت تبكي أبدا على أبيها ، فأمر
سليمان الشيطان فمثل لها صورة أبيها فكستها مثل كسوته ، وكانت تذهب إلى تلك الصورة بكرة وعشيا مع جواريها يسجدن لها ، فأخبر آصف
سليمان بذلك فكسر الصورة وعاقب المرأة ، ثم خرج وحده إلى فلاة ، وفرش الرماد فجلس عليه تائبا إلى الله تعالى ، وكانت له أم ولد يقال لها
أمينة إذا دخل للطهارة أو لإصابة امرأة وضع خاتمه عندها ، وكان ملكه في خاتمه فوضعه عندها يوما ، فأتاها الشيطان صاحب البحر على صورة
سليمان . وقال : يا
أمينة خاتمي فتختم به وجلس على كرسي
سليمان فأتى عليه الطير والجن والإنس ، وتغيرت هيئة
سليمان فأتى
أمينة لطلب الخاتم فأنكرته وطردته . فعرف أن الخطيئة قد أدركته فكان يدور على البيوت يتكفف ، وإذا قال : أنا
سليمان حثوا عليه التراب وسبوه ، ثم أخذ يخدم السماكين ينقل لهم السمك فيعطونه كل يوم سمكتين فمكث على هذه الحالة أربعين يوما عدد ما عبد الوثن في بيته ، فأنكر آصف وعظماء
بني إسرائيل حكم الشيطان وسأل آصف نساء
سليمان ، فقلن ما يدع امرأة منا في دمها ولا يغتسل من جنابة ، وقيل بل نفذ حكمه في كل شيء إلا فيهن ، ثم طار الشيطان وقذف الخاتم في البحر فابتلعته سمكة ووقعت السمكة في يد
سليمان فبقر بطنها فإذا هو بالخاتم فتختم به ووقع ساجدا لله ، ورجع إليه ملكه وأخذ ذلك الشيطان وأدخله في صخرة وألقاها في البحر .
والرواية الثانية للحشوية : أن تلك المرأة لما أقدمت على عبادة تلك الصورة افتتن
سليمان وكان يسقط الخاتم من يده ولا يتماسك فيها ، فقال له آصف إنك لمفتون بذنبك فتب إلى الله .
والرواية الثالثة لهم : قالوا إن
سليمان قال لبعض الشياطين كيف تفتنون الناس ؟ فقال أرني خاتمك أخبرك فلما أعطاه إياه نبذه في البحر فذهب ملكه وقعد هذا الشيطان على كرسيه ، ثم ذكر الحكاية إلى آخرها .
[ ص: 182 ] إذا عرفت هذه الروايات فهؤلاء قالوا : المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34ولقد فتنا سليمان ) أن الله تعالى ابتلاه وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34وألقينا على كرسيه جسدا ) هو جلوس ذلك الشيطان على كرسيه .
والرواية الرابعة : أنه كان سبب فتنته احتجابه عن الناس ثلاثة أيام فسلب ملكه وألقي على سريره شيطان عقوبة له .
واعلم أن أهل التحقيق استبعدوا هذا الكلام من وجوه :
الأول : أن
nindex.php?page=treesubj&link=29856الشيطان لو قدر على أن يتشبه بالصورة والخلقة بالأنبياء ، فحينئذ لا يبقى اعتماد على شيء من الشرائع ، فلعل هؤلاء الذين رآهم الناس في صورة
محمد وعيسى وموسى عليهم السلام ما كانوا أولئك بل كانوا شياطين تشبهوا بهم في الصورة لأجل الإغواء والإضلال ، ومعلوم أن ذلك يبطل الدين بالكلية .
الثاني : أن الشيطان لو قدر على أن يعامل نبي الله
سليمان بمثل هذه المعاملة لوجب أن يقدر على مثلها مع جميع العلماء والزهاد ، وحينئذ وجب أن يقتلهم وأن يمزق تصانيفهم وأن يخرب ديارهم ، ولما بطل ذلك في حق آحاد العلماء فلأن يبطل مثله في حق أكابر الأنبياء أولى .
والثالث : كيف يليق بحكمة الله وإحسانه أن يسلط الشيطان على أزواج
سليمان ؟ ولا شك أنه قبيح .
الرابع : لو قلنا : إن
سليمان أذن لتلك المرأة في عبادة تلك الصورة فهذا كفر منه ، وإن لم يأذن فيه البتة فالذنب على تلك المرأة ، فكيف يؤاخذ الله
سليمان بفعل لم يصدر عنه ؟
فأما الوجوه التي ذكرها أهل التحقيق في هذا الباب فأشياء :
الأول : أن
nindex.php?page=treesubj&link=31969_28751_21377فتنة سليمان أنه ولد له ابن فقالت الشياطين إن عاش صار مسلطا علينا مثل أبيه فسبيلنا أن نقتله فعلم
سليمان ذلك فكان يربيه في السحاب فبينما هو مشتغل بمهماته إذ ألقي ذلك الولد ميتا على كرسيه فتنبه على خطيئته في أنه لم يتوكل فيه على الله فاستغفر ربه وأناب .
الثاني : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013625قال سليمان لأطوفن الليلة على سبعين امرأة كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ولم يقل إن شاء الله ، فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل فجيء به على كرسيه فوضع في حجره ، فوالذي نفسي بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا كلهم في سبيل الله فرسانا أجمعون فذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34ولقد فتنا سليمان ) .
الثالث : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34ولقد فتنا سليمان ) بسبب مرض شديد ألقاه الله عليه ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34وألقينا على كرسيه ) منه (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34جسدا ) وذلك لشدة المرض . والعرب تقول في الضعيف إنه لحم على وضم وجسم بلا روح (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34ثم أناب ) أي رجع إلى حال الصحة ، فاللفظ محتمل لهذه الوجوه ولا حاجة البتة إلى حمله على تلك الوجوه الركيكة .
الرابع : أقول لا يبعد أيضا أن يقال إنه ابتلاه الله تعالى بتسليط خوف أو توقع بلاء من بعض الجهات عليه ، وصار بسبب قوة ذلك الخوف كالجسد الضعيف الملقى على ذلك الكرسي ، ثم إنه أزال الله عنه ذلك الخوف ، وأعاد إلى ما كان عليه من القوة وطيب القلب .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=35قال رب اغفر لي ) فاعلم أن الذين حملوا الكلام المتقدم على صدور الزلة منه تمسكوا بهذه الآية ، فإنه لولا تقدم الذنب لما طلب المغفرة ، ويمكن أن يجاب عنه بأن الإنسان لا ينفك البتة عن ترك الأفضل والأولى ، وحينئذ يحتاج إلى طلب المغفرة لأن
nindex.php?page=treesubj&link=28847حسنات الأبرار سيئات المقربين ، ولأنهم أبدا في مقام هضم النفس ، وإظهار الذلة والخضوع ، كما قال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013626إني لأستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة ولا يبعد أن يكون المراد من هذه الكلمة هذا المعنى والله أعلم .
[ ص: 181 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=35قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=36فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=37وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=38وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=39هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=40وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34nindex.php?page=treesubj&link=31969_29009_28751_21377_29509وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=35قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=36فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=37وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=38وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=39هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=40وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ )
اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ شَرْحُ وَاقِعَةٍ ثَانِيَةٍ
لِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ ) وَلِأَهْلِ الْحَشْوِ وَالرِّوَايَةِ فِيهِ قَوْلٌ ، وَلِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالتَّحْقِيقِ قَوْلٌ آخَرُ ، أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=31969قَوْلُ أَهْلِ الْحَشْوِ فَذَكَرُوا فِيهِ حِكَايَاتٍ :
الرِّوَايَةُ الْأُولَى : قَالُوا إِنْ
سُلَيْمَانَ بَلَغَهُ خَبَرُ مَدِينَةٍ فِي الْبَحْرِ فَخَرَجَ إِلَيْهَا بِجُنُودِهِ تَحْمِلُهُ الرِّيحُ فَأَخَذَهَا وَقَتَلَ مَلِكَهَا ، وَأَخَذَ بِنْتًا لَهُ اسْمُهَا
جَرَادَةُ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا ، فَاصْطَفَاهَا لِنَفَسِهِ ، وَأَسْلَمَتْ فَأَحَبَّهَا ، وَكَانَتْ تَبْكِي أَبَدًا عَلَى أَبِيهَا ، فَأَمَرَ
سُلَيْمَانَ الشَّيْطَانَ فَمَثَّلَ لَهَا صُورَةَ أَبِيهَا فَكَسَتْهَا مِثْلَ كُسْوَتِهِ ، وَكَانَتْ تَذْهَبُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا مَعَ جَوَارِيهَا يَسْجُدْنَ لَهَا ، فَأَخْبَرَ آصَفُ
سُلَيْمَانَ بِذَلِكَ فَكَسَرَ الصُّورَةَ وَعَاقَبَ الْمَرْأَةَ ، ثُمَّ خَرَجَ وَحْدَهُ إِلَى فَلَاةٍ ، وَفَرَشَ الرَّمَادَ فَجَلَسَ عَلَيْهِ تَائِبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَكَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا
أَمِينَةُ إِذَا دَخَلَ لِلطَّهَارَةِ أَوْ لِإِصَابَةِ امْرَأَةٍ وَضَعَ خَاتَمَهُ عِنْدَهَا ، وَكَانَ مُلْكُهُ فِي خَاتَمِهِ فَوَضَعَهُ عِنْدَهَا يَوْمًا ، فَأَتَاهَا الشَّيْطَانُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَلَى صُورَةِ
سُلَيْمَانَ . وَقَالَ : يَا
أَمِينَةُ خَاتَمِي فَتَخَتَّمَ بِهِ وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ
سُلَيْمَانَ فَأَتَى عَلَيْهِ الطَّيْرُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ ، وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَةُ
سُلَيْمَانَ فَأَتَى
أَمِينَةَ لِطَلَبِ الْخَاتَمِ فَأَنْكَرَتْهُ وَطَرَدَتْهُ . فَعَرَفَ أَنَّ الْخَطِيئَةَ قَدْ أَدْرَكَتْهُ فَكَانَ يَدُورُ عَلَى الْبُيُوتِ يَتَكَفَّفُ ، وَإِذَا قَالَ : أَنَا
سُلَيْمَانُ حَثُوا عَلَيْهِ التُّرَابَ وَسَبُّوهُ ، ثُمَّ أَخَذَ يَخْدِمُ السَّمَّاكِينَ يَنْقُلُ لَهُمُ السَّمَكَ فَيُعْطُونَهُ كُلَّ يَوْمٍ سَمَكَتَيْنِ فَمَكَثَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَدَدَ مَا عُبِدَ الْوَثَنُ فِي بَيْتِهِ ، فَأَنْكَرَ آصِفُ وَعُظَمَاءُ
بَنِي إِسْرَائِيلَ حُكْمَ الشَّيْطَانِ وَسَأَلَ آصِفُ نِسَاءَ
سُلَيْمَانَ ، فَقُلْنَ مَا يَدَعُ امْرَأَةً مِنَّا فِي دَمِهَا وَلَا يَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ ، وَقِيلَ بَلْ نَفَذَ حُكْمُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا فِيهِنَّ ، ثُمَّ طَارَ الشَّيْطَانُ وَقَذَفَ الْخَاتَمَ فِي الْبَحْرِ فَابْتَلَعَتْهُ سَمَكَةٌ وَوَقَعَتِ السَّمَكَةُ فِي يَدِ
سُلَيْمَانَ فَبَقَرَ بَطْنَهَا فَإِذَا هُوَ بِالْخَاتَمِ فَتَخَتَّمَ بِهِ وَوَقَعَ سَاجِدًا لِلَّهِ ، وَرَجَعَ إِلَيْهِ مُلْكُهُ وَأَخَذَ ذَلِكَ الشَّيْطَانَ وَأَدْخَلَهُ فِي صَخْرَةٍ وَأَلْقَاهَا فِي الْبَحْرِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لِلْحَشَوِيَّةِ : أَنَّ تِلْكَ الْمَرْأَةَ لَمَّا أَقْدَمَتْ عَلَى عِبَادَةِ تِلْكَ الصُّورَةِ افْتَتَنَ
سُلَيْمَانُ وَكَانَ يَسْقُطُ الْخَاتَمُ مِنْ يَدِهِ وَلَا يَتَمَاسَكُ فِيهَا ، فَقَالَ لَهُ آصِفُ إِنَّكَ لَمَفْتُونٌ بِذَنْبِكَ فَتُبْ إِلَى اللَّهِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ لَهُمْ : قَالُوا إِنَّ
سُلَيْمَانَ قَالَ لِبَعْضِ الشَّيَاطِينِ كَيْفَ تَفْتِنُونَ النَّاسَ ؟ فَقَالَ أَرِنِي خَاتَمَكَ أُخْبِرْكَ فَلَمَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ نَبَذَهُ فِي الْبَحْرِ فَذَهَبَ مُلْكُهُ وَقَعَدَ هَذَا الشَّيْطَانُ عَلَى كُرْسِيِّهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحِكَايَةَ إِلَى آخِرِهَا .
[ ص: 182 ] إِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فَهَؤُلَاءِ قَالُوا : الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ابْتَلَاهُ وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) هُوَ جُلُوسُ ذَلِكَ الشَّيْطَانِ عَلَى كُرْسِيِّهِ .
وَالرِّوَايَةُ الرَّابِعَةُ : أَنَّهُ كَانَ سَبَبُ فِتْنَتِهِ احْتِجَابَهُ عَنِ النَّاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَسُلِبَ مُلْكُهُ وَأُلْقِيَ عَلَى سَرِيرِهِ شَيْطَانٌ عُقُوبَةً لَهُ .
وَاعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ التَّحْقِيقِ اسْتَبْعَدُوا هَذَا الْكَلَامَ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29856الشَّيْطَانَ لَوْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَتَشَبَّهَ بِالصُّورَةِ وَالْخِلْقَةِ بِالْأَنْبِيَاءِ ، فَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى اعْتِمَادٌ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الشَّرَائِعِ ، فَلَعَلَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ رَآهُمُ النَّاسُ فِي صُورَةِ
مُحَمَّدٍ وَعِيسَى وَمُوسَى عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مَا كَانُوا أُولَئِكَ بَلْ كَانُوا شَيَاطِينَ تَشَبَّهُوا بِهِمْ فِي الصُّورَةِ لِأَجْلِ الْإِغْوَاءِ وَالْإِضْلَالِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ الدِّينَ بِالْكُلِّيَّةِ .
الثَّانِي : أَنَّ الشَّيْطَانَ لَوْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يُعَامِلَ نَبِيَّ اللَّهِ
سُلَيْمَانَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ لَوَجَبَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى مَثَلِهَا مَعَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ وَالزُّهَّادِ ، وَحِينَئِذٍ وَجَبَ أَنْ يَقْتُلَهُمْ وَأَنْ يُمَزِّقَ تَصَانِيفَهُمْ وَأَنْ يُخَرِّبَ دِيَارَهُمْ ، وَلَمَّا بَطَلَ ذَلِكَ فِي حَقِّ آحَادِ الْعُلَمَاءِ فَلِأَنْ يَبْطُلَ مِثْلُهُ فِي حَقِّ أَكَابِرِ الْأَنْبِيَاءِ أَوْلَى .
وَالثَّالِثُ : كَيْفَ يَلِيقُ بِحِكْمَةِ اللَّهِ وَإِحْسَانِهِ أَنْ يُسَلِّطَ الشَّيْطَانَ عَلَى أَزْوَاجِ
سُلَيْمَانَ ؟ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَبِيحٌ .
الرَّابِعُ : لَوْ قُلْنَا : إِنْ
سُلَيْمَانَ أَذِنَ لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فِي عِبَادَةِ تِلْكَ الصُّورَةِ فَهَذَا كُفْرٌ مِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْبَتَّةَ فَالذَّنْبُ عَلَى تِلْكَ الْمَرْأَةِ ، فَكَيْفَ يُؤَاخِذُ اللَّهُ
سُلَيْمَانَ بِفِعْلٍ لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ ؟
فَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي ذَكَرَهَا أَهْلُ التَّحْقِيقِ فِي هَذَا الْبَابِ فَأَشْيَاءُ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31969_28751_21377فِتْنَةَ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ فَقَالَتِ الشَّيَاطِينُ إِنْ عَاشَ صَارَ مُسَلَّطًا عَلَيْنَا مِثْلَ أَبِيهِ فَسَبِيلُنَا أَنْ نَقْتُلَهُ فَعَلِمَ
سُلَيْمَانُ ذَلِكَ فَكَانَ يُرَبِّيهِ فِي السَّحَابِ فَبَيْنَمَا هُوَ مُشْتَغِلٌ بِمُهِمَّاتِهِ إِذْ أُلْقِيَ ذَلِكَ الْوَلَدُ مَيِّتًا عَلَى كُرْسِيِّهِ فَتَنَبَّهَ عَلَى خَطِيئَتِهِ فِي أَنَّهُ لَمْ يَتَوَكَّلْ فِيهِ عَلَى اللَّهِ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَأَنَابَ .
الثَّانِي : رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013625قَالَ سُلَيْمَانُ لِأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَطَافَ عَلَيْهِنَّ فَلَمْ تَحْمَلْ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ فَجِيءَ بِهِ عَلَى كُرْسِيِّهِ فَوُضِعَ فِي حِجْرِهِ ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَجَاهَدُوا كُلُّهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ ) .
الثَّالِثُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ ) بِسَبَبِ مَرَضٍ شَدِيدٍ أَلْقَاهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ ) مِنْهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34جَسَدًا ) وَذَلِكَ لِشِدَّةِ الْمَرَضِ . وَالْعَرَبُ تَقُولُ فِي الضَّعِيفِ إِنَّهُ لَحْمٌ عَلَى وَضَمٍ وَجِسْمٌ بِلَا رُوحٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34ثُمَّ أَنَابَ ) أَيْ رَجَعَ إِلَى حَالِ الصِّحَّةِ ، فَاللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ لِهَذِهِ الْوُجُوهِ وَلَا حَاجَةَ الْبَتَّةَ إِلَى حَمْلِهِ عَلَى تِلْكَ الْوُجُوهِ الرَّكِيكَةِ .
الرَّابِعُ : أَقُولُ لَا يَبْعُدُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ ابْتَلَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِتَسْلِيطِ خَوْفٍ أَوْ تَوَقُّعِ بَلَاءٍ مِنْ بَعْضِ الْجِهَاتِ عَلَيْهِ ، وَصَارَ بِسَبَبِ قُوَّةِ ذَلِكَ الْخَوْفِ كَالْجَسَدِ الضَّعِيفِ الْمُلْقَى عَلَى ذَلِكَ الْكُرْسِيِّ ، ثُمَّ إِنَّهُ أَزَالَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ الْخَوْفَ ، وَأَعَادَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْقُوَّةِ وَطِيبِ الْقَلْبِ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=35قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي ) فَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِينَ حَمَلُوا الْكَلَامَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَى صُدُورِ الزَّلَّةِ مِنْهُ تَمَسَّكُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ ، فَإِنَّهُ لَوْلَا تَقَدُّمِ الذَّنْبِ لَمَا طَلَبَ الْمَغْفِرَةَ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْفِكُ الْبَتَّةَ عَنْ تَرْكِ الْأَفْضَلِ وَالْأَوْلَى ، وَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ إِلَى طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28847حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ ، وَلِأَنَّهُمْ أَبَدًا فِي مَقَامِ هَضْمِ النَّفْسِ ، وَإِظْهَارِ الذِّلَّةِ وَالْخُضُوعِ ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013626إِنِّي لِأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ سَبْعِينَ مَرَّةً وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ هَذَا الْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ .