المسألة الثالثة : لفظ الآية يدل على أن ذلك النصب والعذاب إنما حصل من الشيطان ثم ذلك العذاب على القول الأول عبارة عما حصل في بدنه من الأمراض ، وعلى القول الثاني عبارة عن الأحزان الحاصلة في قلبه بسبب إلقاء الوساوس ، وعلى التقديرين فيلزم إثبات الفعل للشيطان ، وأجاب أصحابنا رحمهم الله بأنا لا ننكر إثبات الفعل للشيطان ، لكنا نقول :
nindex.php?page=treesubj&link=28785فعل العبد مخلوق لله تعالى على التفصيل المعلوم .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=42اركض برجلك ) فالمعنى أنه لما شكى من الشيطان ، فكأنه سأل ربه أن يزيل عنه تلك البلية فأجابه الله إليه بأن قال له : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=42اركض برجلك ) والركض هو الدفع القوي بالرجل ، ومنه ركضك الفرس ، والتقدير : قلنا له اركض برجلك ، قيل إنه ضرب برجله تلك الأرض فنبعت عين فقيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=42nindex.php?page=treesubj&link=29009_31905هذا مغتسل بارد وشراب ) أي هذا ماء تغتسل به فيبرأ باطنك ، وظاهر اللفظ يدل على أنه نبعت له عين واحدة من الماء اغتسل فيه وشرب منه .
والمفسرون قالوا نبعت له عينان فاغتسل من إحداهما وشرب من الأخرى ، فذهب الداء من ظاهره ومن باطنه بإذن الله ، وقيل ضرب برجله اليمنى فنبعت عين حارة فاغتسل منها ثم باليسرى فنبعت عين باردة فشرب منها .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=43nindex.php?page=treesubj&link=31904_29009ووهبنا له أهله ) فقد قيل هم عين أهله وزيادة مثلهم ، وقيل غيرهم مثلهم ، والأول أولى لأنه هو الظاهر فلا يجوز العدول عنه من غير ضرورة ، ثم اختلفوا فقال بعضهم : معناه أزلنا عنهم السقم فعادوا أصحاء ، وقال بعضهم : بل حضروا عنده بعد أن غابوا عنه واجتمعوا بعد أن تفرقوا . وقال بعضهم : بل تمكن منهم وتمكنوا منه فيما يتصل بالعشرة وبالخدمة .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=43ومثلهم معهم ) فالأقرب أنه تعالى
nindex.php?page=treesubj&link=31904_29485_18273متعه بصحته وبماله وقواه حتى كثر نسله وصار أهله ضعف ما كان وأضعاف ذلك ، وقال
الحسن رحمه الله : المراد بهبة الأهل أنه تعالى أحياهم بعد أن هلكوا .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=43رحمة منا ) أي إنما فعلنا كل هذه الأفعال على سبيل الفضل والرحمة ، لا على سبيل اللزوم .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=43وذكرى لأولي الألباب ) يعني سلطنا البلاء عليه أولا فصبر ثم أزلنا عنه البلاء وأوصلناه إلى
[ ص: 188 ] الآلاء والنعماء ، تنبيها لأولي الألباب على أن من صبر ظفر ، والمقصود منه التنبيه على ما وقع ابتداء الكلام به وهو قوله
لمحمد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ) وقالت
المعتزلة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=43رحمة منا وذكرى لأولي الألباب ) يعني إنما فعلناها لهذه الأغراض والمقاصد ، وذلك يدل على أن أفعال الله وأحكامه معللة بالأغراض والمصالح والكلام في هذا الباب قد مر غير مرة .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44وخذ بيدك ضغثا ) فهو معطوف على " اركض " ، والضغث الحزمة الصغيرة من حشيش أو ريحان أو غير ذلك . واعلم أن هذا الكلام يدل على تقدم يمين منه ، وفي الخبر أنه حلف على أهله ، ثم اختلفوا في السبب الذي لأجله حلف عليها ، ويبعد ما قيل إنها رغبته في طاعة الشيطان ، ويبعد أيضا ما روي أنها قطعت الذوائب عن رأسها لأن المضطر إلى الطعام يباح له ذلك ، بل الأقرب أنها خالفته في بعض المهمات ، وذلك أنها ذهبت في بعض المهمات فأبطأت فحلف في مرضه ليضربنها مائة إذا برئ ، ولما كانت حسنة الخدمة له لا جرم حلل الله يمينه بأهون شيء عليه وعليها ، وهذه الرخصة باقية ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتي بمجذم خبث بأمة فقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013628خذوا عثكالا فيه مائة شمراخ فاضربوه به ضربة " .
ثم قال تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44إنا وجدناه صابرا ) فإن قيل كيف وجده صابرا وقد شكى إليه ، والجواب من وجوه :
الأول : أنه اشتكى من الشيطان إليه وما شكى منه إلى أحد .
الثاني : أن الألم حين كان على الجسد لم يذكر شيئا ، فلما عظمت الوساوس خاف على القلب والدين فتضرع .
الثالث : أن الشيطان عدو ، والشكاية من العدو إلى الحبيب لا تقدح في الصبر ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44nindex.php?page=treesubj&link=29009_29509_31904نعم العبد إنه أواب ) وهذا يدل على أن تشريف " نعم العبد " إنما حصل لكونه أوابا ، وسمعت بعضهم قال : لما نزل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44نعم العبد ) في حق
سليمان عليه السلام تارة ، وفي حق
أيوب عليه السلام أخرى عظم الغم في قلوب أمة
محمد صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : إن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44نعم العبد ) في حق
سليمان تشريف عظيم ، فإن احتجنا إلى اتفاق مملكة مثل مملكة
سليمان حتى نجد هذا التشريف لم نقدر عليه ، وإن احتجنا إلى تحمل بلاء مثل
أيوب لم نقدر عليه ، فكيف السبيل إلى تحصيله . فأنزل الله تعالى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=40نعم المولى ونعم النصير ) [الأنفال : 40] والمراد أنك إن لم تكن (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44نعم العبد ) فأنا (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=40نعم المولى ) [الأنفال : 40] وإن كان منك الفضول ، فمني الفضل ، وإن كان منك التقصير ، فمني الرحمة والتيسير .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : لَفْظُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ النُّصْبَ وَالْعَذَابَ إِنَّمَا حَصَلَ مِنَ الشَّيْطَانِ ثُمَّ ذَلِكَ الْعَذَابُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عِبَارَةٌ عَمَّا حَصَلَ فِي بَدَنِهِ مِنَ الْأَمْرَاضِ ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي عِبَارَةٌ عَنِ الْأَحْزَانِ الْحَاصِلَةِ فِي قَلْبِهِ بِسَبَبِ إِلْقَاءِ الْوَسَاوِسِ ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَيَلْزَمُ إِثْبَاتُ الْفِعْلِ لِلشَّيْطَانِ ، وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّا لَا نُنْكِرُ إِثْبَاتَ الْفِعْلِ لِلشَّيْطَانِ ، لَكِنَّا نَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28785فِعْلُ الْعَبْدِ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَعْلُومِ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=42ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ) فَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا شَكَى مِنَ الشَّيْطَانِ ، فَكَأَنَّهُ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُزِيلَ عَنْهُ تِلْكَ الْبَلِيَّةَ فَأَجَابَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=42ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ) وَالرَّكْضُ هُوَ الدَّفْعُ الْقَوِيُّ بِالرِّجْلِ ، وَمِنْهُ رَكْضُكَ الْفَرَسَ ، وَالتَّقْدِيرُ : قُلْنَا لَهُ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ، قِيلَ إِنَّهُ ضَرَبَ بِرِجْلِهِ تِلْكَ الْأَرْضَ فَنَبَعَتْ عَيْنٌ فَقِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=42nindex.php?page=treesubj&link=29009_31905هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ) أَيْ هَذَا مَاءٌ تَغْتَسِلُ بِهِ فَيَبْرَأُ بَاطِنُكَ ، وَظَاهِرُ اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ نَبَعَتْ لَهُ عَيْنٌ وَاحِدَةٌ مِنَ الْمَاءِ اغْتَسَلَ فِيهِ وَشَرِبَ مِنْهُ .
وَالْمُفَسِّرُونَ قَالُوا نَبَعَتْ لَهُ عَيْنَانِ فَاغْتَسَلَ مِنْ إِحْدَاهُمَا وَشَرِبَ مِنَ الْأُخْرَى ، فَذَهَبَ الدَّاءُ مِنْ ظَاهِرِهِ وَمِنْ بَاطِنِهِ بِإِذْنِ اللَّهِ ، وَقِيلَ ضَرَبَ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى فَنَبَعَتْ عَيْنٌ حَارَّةٌ فَاغْتَسَلَ مِنْهَا ثُمَّ بِالْيُسْرَى فَنَبَعَتْ عَيْنٌ بَارِدَةٌ فَشَرِبَ مِنْهَا .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=43nindex.php?page=treesubj&link=31904_29009وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ ) فَقَدْ قِيلَ هُمْ عَيْنُ أَهْلِهِ وَزِيَادَةُ مَثَلِهِمْ ، وَقِيلَ غَيْرُهُمْ مِثْلُهُمْ ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الظَّاهِرُ فَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَاهُ أَزَلْنَا عَنْهُمُ السَّقَمَ فَعَادُوا أَصِحَّاءَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ حَضَرُوا عِنْدَهُ بَعْدَ أَنْ غَابُوا عَنْهُ وَاجْتَمَعُوا بَعْدَ أَنْ تَفَرَّقُوا . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ تَمَكَّنَ مِنْهُمْ وَتَمَكَّنُوا مِنْهُ فِيمَا يَتَّصِلُ بِالْعِشْرَةِ وَبِالْخِدْمَةِ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=43وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ) فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=31904_29485_18273مَتَّعَهُ بِصِحَّتِهِ وَبِمَالِهِ وَقَوَّاهُ حَتَّى كَثُرَ نَسْلُهُ وَصَارَ أَهْلُهُ ضِعْفَ مَا كَانَ وَأَضْعَافَ ذَلِكَ ، وَقَالَ
الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ : الْمُرَادُ بِهِبَةِ الْأَهْلِ أَنَّهُ تَعَالَى أَحْيَاهُمْ بَعْدَ أَنْ هَلَكُوا .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=43رَحْمَةً مِنَّا ) أَيْ إِنَّمَا فَعَلْنَا كُلَّ هَذِهِ الْأَفْعَالِ عَلَى سَبِيلِ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ ، لَا عَلَى سَبِيلِ اللُّزُومِ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=43وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ) يَعْنِي سَلَّطْنَا الْبَلَاءَ عَلَيْهِ أَوَّلًا فَصَبَرَ ثُمَّ أَزَلْنَا عَنْهُ الْبَلَاءَ وَأَوْصَلْنَاهُ إِلَى
[ ص: 188 ] الْآلَاءِ وَالنَّعْمَاءِ ، تَنْبِيهًا لِأُولِي الْأَلْبَابِ عَلَى أَنَّ مَنْ صَبَرَ ظَفَرَ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا وَقَعَ ابْتِدَاءُ الْكَلَامِ بِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ
لِمُحَمَّدٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ) وَقَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=43رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ) يَعْنِي إِنَّمَا فَعَلْنَاهَا لِهَذِهِ الْأَغْرَاضِ وَالْمَقَاصِدِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ وَأَحْكَامَهُ مُعَلَّلَةٌ بِالْأَغْرَاضِ وَالْمَصَالِحِ وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَابِ قَدْ مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا ) فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى " ارْكُضْ " ، وَالضِّغْثُ الْحُزْمَةُ الصَّغِيرَةُ مِنْ حَشِيشٍ أَوْ رَيْحَانٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ . وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ يَمِينٍ مِنْهُ ، وَفِي الْخَبَرِ أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى أَهْلِهِ ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي السَّبَبِ الَّذِي لِأَجْلِهِ حَلَفَ عَلَيْهَا ، وَيَبْعُدُ مَا قِيلَ إِنَّهَا رَغَّبَتْهُ فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ ، وَيَبْعُدُ أَيْضًا مَا رُوِيَ أَنَّهَا قَطَعَتِ الذَّوَائِبَ عَنْ رَأْسِهَا لِأَنَّ الْمُضْطَرَّ إِلَى الطَّعَامِ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ ، بَلِ الْأَقْرَبُ أَنَّهَا خَالَفَتْهُ فِي بَعْضِ الْمُهِمَّاتِ ، وَذَلِكَ أَنَّهَا ذَهَبَتْ فِي بَعْضِ الْمُهِمَّاتِ فَأَبْطَأَتْ فَحَلَفَ فِي مَرَضِهِ لِيَضْرِبَنَّهَا مِائَةً إِذَا بَرِئَ ، وَلَمَّا كَانَتِ حَسَنَةَ الْخِدْمَةِ لَهُ لَا جَرَمَ حَلَّلَ اللَّهُ يَمِينَهُ بِأَهْوَنِ شَيْءٍ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا ، وَهَذِهِ الرُّخْصَةُ بَاقِيَةٌ ، وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أُتِيَ بِمُجَذَّمٍ خَبَثَ بِأَمَةٍ فَقَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013628خُذُوا عِثْكَالًا فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ فَاضْرِبُوهُ بِهِ ضَرْبَةً " .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ وَجَدَهُ صَابِرًا وَقَدْ شَكَى إِلَيْهِ ، وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ اشْتَكَى مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَيْهِ وَمَا شَكَى مِنْهُ إِلَى أَحَدٍ .
الثَّانِي : أَنَّ الْأَلَمَ حِينَ كَانَ عَلَى الْجَسَدِ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا ، فَلَمَّا عَظُمَتِ الْوَسَاوِسُ خَافَ عَلَى الْقَلْبِ وَالدِّينِ فَتَضَرَّعَ .
الثَّالِثُ : أَنَّ الشَّيْطَانَ عَدُوٌّ ، وَالشِّكَايَةُ مِنَ الْعَدُوِّ إِلَى الْحَبِيبِ لَا تَقْدَحُ فِي الصَّبْرِ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44nindex.php?page=treesubj&link=29009_29509_31904نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَشْرِيفَ " نِعْمَ الْعَبْدُ " إِنَّمَا حَصَلَ لِكَوْنِهِ أَوَّابًا ، وَسَمِعْتُ بَعْضَهُمْ قَالَ : لَمَا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44نِعْمَ الْعَبْدُ ) فِي حَقِّ
سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَارَةً ، وَفِي حَقِّ
أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُخْرَى عَظُمَ الْغَمُّ فِي قُلُوبِ أُمَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالُوا : إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44نِعْمَ الْعَبْدُ ) فِي حَقِّ
سُلَيْمَانَ تَشْرِيفٌ عَظِيمٌ ، فَإِنِ احْتَجْنَا إِلَى اتِّفَاقِ مَمْلَكَةٍ مِثْلِ مَمْلَكَةِ
سُلَيْمَانَ حَتَّى نَجِدَ هَذَا التَّشْرِيفَ لَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهِ ، وَإِنِ احْتَجْنَا إِلَى تَحَمُّلِ بَلَاءٍ مِثْلِ
أَيُّوبَ لَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهِ ، فَكَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى تَحْصِيلِهِ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=40نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) [الْأَنْفَالِ : 40] وَالْمُرَادُ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَكُنْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44نِعْمَ الْعَبْدُ ) فَأَنَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=40نِعْمَ الْمَوْلَى ) [الْأَنْفَالِ : 40] وَإِنْ كَانَ مِنْكَ الْفُضُولُ ، فَمِنِّي الْفَضْلُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْكَ التَّقْصِيرُ ، فَمِنِّي الرَّحْمَةُ وَالتَّيْسِيرُ .