(
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=65قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=66رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=67قل هو نبأ عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=68أنتم عنه معرضون nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=69ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=70إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=65قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=66رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=67قل هو نبأ عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=68أنتم عنه معرضون nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=69ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=70إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين )
اعلم أنه تعالى لما حكى في أول السورة أن
محمدا صلى الله عليه وسلم لما دعا الناس إلى أنه لا إله إلا إله واحد ، وإلى أنه رسول مبين من عند الله ، وإلى أن القول بالقيامة حق ، فأولئك الكفار أظهروا السفاهة وقالوا إنه ساحر كذاب ، واستهزءوا بقوله . ثم إنه تعالى ذكر قصص الأنبياء لوجهين :
الأول : ليصير ذلك حاملا
لمحمد صلى الله عليه وسلم على
nindex.php?page=treesubj&link=31788التأسي بالأنبياء عليهم السلام في الصبر على سفاهة القوم .
والثاني : ليصير ذلك رادعا للكفار على الإصرار على الكفر والسفاهة وداعيا إلى قبول الإيمان ، ولما تمم الله تعالى ذلك الطريق أردفه بطريق آخر وهو شرح نعيم أهل الثواب وشرح عقاب أهل العقاب . فلما تمم الله تعالى هذه البيانات عاد إلى تقرير المطالب المذكورة في أول السورة وهي
nindex.php?page=treesubj&link=28658_28724_28662_29629_28759_30336تقدير التوحيد والنبوة والبعث ، فقال : قل يا
محمد إنما أنا منذر ولا بد من الإقرار بأنه ما من إله إلا الله الواحد القهار ، فإن الترتيب الصحيح أن نذكر شبهات الخصوم أولا ويجاب عنها ، ثم نذكر عقيبها الدلائل الدالة على صحة المطلوب ، فكذا ههنا أجاب الله تعالى عن شبهتهم ونبه على فساد كلماتهم ، ثم ذكر عقيبه ما يدل على صحة هذه المطالب ، لأن إزالة ما لا ينبغي مقدمة على إثبات ما ينبغي ، وغسل اللوح من النقوش الفاسدة مقدم على كتب النقوش الصحيحة فيه ، ومن نظر في هذا الترتيب اعترف بأن الكلام من أول السورة إلى آخرها قد جاء على أحسن وجوه الترتيب والنظم .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=65قل إنما أنا منذر ) يعني أبلغ أحوال عقاب من أنكر التوحيد والنبوة والمعاد ، وأحوال ثواب من أقر بها ، وكما بدأ في أول السورة بأدلة التوحيد حيث حكى عنهم أنهم قالوا (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أجعل الآلهة إلها واحدا ) فكذلك بدأ ههنا بتقرير التوحيد فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=65وما من إله إلا الله الواحد القهار ) وفي هذه الكلمة إشارة إلى
nindex.php?page=treesubj&link=18267الدليل الدال على كونه منزها عن الشريك والنظير ، وبيانه أن الذي يجعل شريكا له في الإلهية ، إما أن يكون موجودا قادرا على الإطلاق على التصرف في العالم أو لا يكون كذلك ، بل يكون جمادا عاجزا .
والأول : باطل لأنه لو كان شريكه قادرا على الإطلاق لم يكن هو قادرا قاهرا ، لأن بتقدير أن يريد هو شيئا ويريد شريكه ضد ذلك الشيء لم يكن حصول أحد الأمرين أولى من الآخر ، فيفضي إلى اندفاع كل واحد منهما بالآخر ، وحينئذ لا يكون قادرا قاهرا بل كان عاجزا ضعيفا ، والعاجز لا يصلح للإلهية ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=65إلا الله الواحد القهار ) إشارة إلى أن كونه قهارا يدل على كونه واحدا .
وأما الثاني : وهو أن يقال إن الذي جعل
[ ص: 196 ] شريكا له لا يقدر على شيء البتة مثل هذه الأوثان ، فهذا أيضا فاسد لأن صريح العقل يحكم بأن عبادة الإله القادر القاهر أولى من عبادة الجماد الذي لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=65وما من إله إلا الله الواحد القهار ) يدل على هذه الدلائل ، واعلم أن كونه سبحانه قهارا مشعر بالترهيب والتخويف ، فلما ذكر ذلك أردفه بما يدل على الرجاء والترغيب فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=66رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار ) فكونه ربا مشعر بالتربية والإحسان والكرم والجود ، وكونه غفارا مشعر بالترغيب ، وهذا الموجود هو الذي تجب عبادته ، لأنه هو الذي يخشى عقابه ويرجى فضله وثوابه . ونذكر طريقة أخرى في تفسير هذه الآيات ، فنقول إنه تعالى ذكر من صفاته في هذا الموضع خمسا الواحد والقهار والرب والعزيز والغفار ، أما كونه واحدا فهو الذي وقع الخلاف فيه بين أهل الحق وبين المشركين ، واستدل تعالى على كونه واحدا بكونه قهارا ، وقد بينا وجه هذه الدلالة إلا أن كونه قهارا وإن دل على
nindex.php?page=treesubj&link=28657_28653_28662_28706إثبات الوحدانية إلا أنه يوجب الخوف الشديد فأردفه تعالى بذكر صفات ثلاث دالة على الرحمة والفضل والكرم .
أولها : كونه ربا للسماوات والأرض وما بينهما وهذا إنما تتم معرفته بالنظر في آثار حكمة الله تعالى في خلق السماوات والأرض ، والعناصر الأربعة والمواليد الثلاثة ، وذلك بحر لا ساحل له ، فإذا تأملت في آثار حكمته ورحمته في خلق هذه الأشياء عرفت حينئذ تربيته للكل ، وذلك يفيد الرجاء العظيم .
وثانيها : كونه عزيزا ، والفائدة في ذكره أن لقائل أن يقول : هب أنه رب ومرب وكريم إلا أنه غير قادر على كل المقدورات ، فأجاب عنه بأنه عزيز أي قادر على كل الممكنات ، فهو يغلب الكل ولا يغلبه شيء .
وثالثها : كونه غفارا والفائدة في ذكره أن لقائل أن يقول : هب أنه رب ومحسن ولكنه يكون كذلك في حق المطيعين المخلصين في العبادة ، فأجاب عنه بأن من بقي على الكفر سبعين سنة ثم تاب فإني أزيل اسمه عن ديوان المذنبين وأستر عليه بفضلي ورحمتي جميع ذنوبه وأوصله إلى درجات الأبرار ، واعلم أنه تعالى لما بين ذلك قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=67قل هو نبأ عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=68أنتم عنه معرضون ) وهذا النبأ العظيم يحتمل وجوها فيمكن أن يكون المراد أن القول بأن الإله واحد نبأ عظيم ، ويمكن أن يقال المراد أن القول بالنبوة نبأ عظيم ، ويمكن أن يقال المراد أن القول بإثبات الحشر والنشر والقيامة نبأ عظيم ، وذلك لأن هذه المطالب الثلاثة كانت مذكورة في أول السورة ، ولأجلها انجر الكلام إلى كل ما سبق ذكره ، ويمكن أيضا أن يكون المراد كون القرآن معجزا لأن هذا أيضا قد تقدم ذكره في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=29كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته ) [ص : 29] وهؤلاء الأقوام أعرضوا عنه على ما قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=67قل هو نبأ عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=68أنتم عنه معرضون ) واعلم أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=68أنتم عنه معرضون ) ترغيب في النظر والاستدلال ومنع من
nindex.php?page=treesubj&link=22311التقليد ، لأن هذه المطالب مطالب شريفة عالية ، فإن بتقدير أن يكون الإنسان فيها على الحق يفوز بأعظم أبواب السعادة ، وبتقدير أن يكون الإنسان فيها على الباطل وقع في أعظم أبواب الشقاوة ، فكانت هذه المباحث أنباء عظيمة ومطالب عالية بهية ، وصريح العقل يوجب على الإنسان أن يأتي فيها بالاحتياط التام ، وأن لا يكتفي بالمساهلة والمسامحة .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=69ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون ) فاعلم أنه تعالى رغب المكلفين في الاحتياط في هذه المسائل الأربع ، وبالغ في ذلك الترغيب من وجوه :
الأول : أن كل واحد منها نبأ عظيم ، والنبأ العظيم يجب الاحتياط فيه .
الثاني : أن الملأ الأعلى اختصموا . وأحسن ما قيل فيه أنه تعالى لما قال :
[ ص: 197 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون ) [ البقرة : 30 ] والمعنى أنهم قالوا أي فائدة في خلق البشر مع أنهم يشتغلون بقضاء الشهوة وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30من يفسد فيها ) وبإمضاء الغضب وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ) فقال الله سبحانه وتعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إني أعلم ما لا تعلمون ) وتقرير هذا الجواب والله أعلم ، أن يقال إن المخلوقات بحسب القسمة العقلية على أقسام أربعة :
أحدها : الذين حصل لهم العقل والحكمة ، ولم تحصل لهم النفس والشهوة وهم
nindex.php?page=treesubj&link=31750_28734الملائكة فقط .
ثانيها : الذين حصل لهم النفس والشهوة ، ولم يحصل لهم العلم والحكمة وهي
nindex.php?page=treesubj&link=31753البهائم .
وثالثها : الأشياء الخالية عن القسمين ، وهي الجمادات وبقي في التقسيم ( قسم رابع ) وهو الذي حصل فيه الأمران وهو الإنسان ، والمقصود من
nindex.php?page=treesubj&link=32405تخليق الإنسان ليس هو الجهل والتقليد والتكبر والتمرد ، فإن كل ذلك صفات البهائم والسباع ، بل المقصود من تخليقه ظهور العلم والحكمة والطاعة ، فقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إني أعلم ما لا تعلمون ) يعني أن هذا النوع من المخلوقات ، وإن حصلت فيه الشهوة الداعية إلى الفساد والغضب الحامل له على سفك الدماء ، لكن حصل فيه العقل الذي يدعوه إلى المعرفة والمحبة والطاعة والخدمة ، وإذا ثبت أنه تعالى إنما أجاب الملائكة بهذا الجواب وجب على الإنسان أن يسعى في تحصيل هذه الصفات ، وأن يجتهد في اكتسابها ، وأن يحترز عن طريقة الجهل والتقليد والإصرار والتكبر ، وإذا كان كذلك فكل من وقف على كيفية هذه الواقعة صار وقوفه عليها داعيا له إلى الجد والاجتهاد في اكتساب المعارف الحقة والأخلاق الفاضلة زاجرا له عن أضدادها ومقابلاتها ، فلهذا السبب ذكر الله تعالى هذا الكلام في هذا المقام . فإن قيل : الملائكة لا يجوز أن يقال إنهم اختصموا بسبب قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) [البقرة : 30] فإن المخاصمة مع الله كفر ، قلنا لا شك أنه جرى هناك سؤال وجواب ، وذلك يشابه المخاصمة والمناظرة والمشابهة علة لجواز المجاز ، فلهذا السبب حسن إطلاق لفظ المخاصمة عليه ، ولما أمر الله تعالى
محمدا صلى الله عليه وسلم أن يذكر هذا الكلام على سبيل الرمز أمره أن يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=70إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين ) يعني أنا ما عرفت هذه المخاصمة إلا بالوحي ، وإنما أوحى الله إلي هذه القصة لأنذركم بها ولتصير هذه القصة حاملة لكم على الإخلاص في الطاعة والاحتراز عن الجهل والتقليد .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=65قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=66رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=67قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=68أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=69مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=70إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=65قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=66رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=67قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=68أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=69مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=70إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ )
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى فِي أَوَّلِ السُّورَةِ أَنَّ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَعَا النَّاسَ إِلَى أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ ، وَإِلَى أَنَّهُ رَسُولٌ مُبِينٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَإِلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالْقِيَامَةِ حَقٌّ ، فَأُولَئِكَ الْكُفَّارُ أَظْهَرُوا السَّفَاهَةَ وَقَالُوا إِنَّهُ سَاحِرٌ كَذَّابٌ ، وَاسْتَهْزَءُوا بِقَوْلِهِ . ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ قِصَصَ الْأَنْبِيَاءِ لِوَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : لِيَصِيرَ ذَلِكَ حَامِلًا
لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=31788التَّأَسِّي بِالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فِي الصَّبْرِ عَلَى سَفَاهَةِ الْقَوْمِ .
وَالثَّانِي : لِيَصِيرَ ذَلِكَ رَادِعًا لِلْكُفَّارِ عَلَى الْإِصْرَارِ عَلَى الْكُفْرِ وَالسَّفَاهَةِ وَدَاعِيًا إِلَى قَبُولِ الْإِيمَانِ ، وَلَمَّا تَمَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ الطَّرِيقَ أَرْدَفَهُ بِطَرِيقٍ آخَرَ وَهُوَ شَرْحُ نَعِيمِ أَهْلِ الثَّوَابِ وَشَرْحُ عِقَابِ أَهْلِ الْعِقَابِ . فَلَمَّا تَمَّمَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْبَيَانَاتِ عَادَ إِلَى تَقْرِيرِ الْمَطَالِبِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ وَهِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=28658_28724_28662_29629_28759_30336تَقْدِيرُ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْبَعْثِ ، فَقَالَ : قُلْ يَا
مُحَمَّدُ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَلَا بُدَّ مِنَ الْإِقْرَارِ بِأَنَّهُ مَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ، فَإِنَّ التَّرْتِيبَ الصَّحِيحَ أَنْ نَذْكُرَ شُبَهَاتِ الْخُصُومِ أَوَّلًا وَيُجَابُ عَنْهَا ، ثُمَّ نَذْكُرُ عَقِيبَهَا الدَّلَائِلَ الدَّالَّةَ عَلَى صِحَّةِ الْمَطْلُوبِ ، فَكَذَا هَهُنَا أَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ شُبْهَتِهِمْ وَنَبَّهَ عَلَى فَسَادِ كَلِمَاتِهِمْ ، ثُمَّ ذَكَرَ عَقِيبَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ الْمَطَالِبِ ، لِأَنَّ إِزَالَةَ مَا لَا يَنْبَغِي مُقَدَّمَةٌ عَلَى إِثْبَاتِ مَا يَنْبَغِي ، وَغَسْلُ اللَّوْحِ مِنَ النُّقُوشِ الْفَاسِدَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى كَتْبِ النُّقُوشِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ ، وَمَنْ نَظَرَ فِي هَذَا التَّرْتِيبِ اعْتَرَفَ بِأَنَّ الْكَلَامَ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى آخِرِهَا قَدْ جَاءَ عَلَى أَحْسَنِ وُجُوهِ التَّرْتِيبِ وَالنَّظْمِ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=65قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ ) يَعْنِي أُبَّلِغُ أَحْوَالَ عِقَابِ مَنْ أَنْكَرَ التَّوْحِيدَ وَالنُّبُوَّةَ وَالْمَعَادَ ، وَأَحْوَالَ ثَوَابِ مَنْ أَقَرَّ بِهَا ، وَكَمَا بَدَأَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ بِأَدِلَّةِ التَّوْحِيدِ حَيْثُ حَكَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا ) فَكَذَلِكَ بَدَأَ هَهُنَا بِتَقْرِيرِ التَّوْحِيدِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=65وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) وَفِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ إِشَارَةٌ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=18267الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى كَوْنِهِ مُنَزَّهًا عَنِ الشَّرِيكِ وَالنَّظِيرِ ، وَبَيَانُهُ أَنِ الَّذِي يُجْعَلُ شَرِيكًا لَهُ فِي الْإِلَهِيَّةِ ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا قَادِرًا عَلَى الْإِطْلَاقِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْعَالَمِ أَوْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ ، بَلْ يَكُونُ جَمَادًا عَاجِزًا .
وَالْأَوَّلُ : بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَرِيكُهُ قَادِرًا عَلَى الْإِطْلَاقِ لَمْ يَكُنْ هُوَ قَادِرًا قَاهِرًا ، لَأَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يُرِيدَ هُوَ شَيْئًا وَيُرِيدَ شَرِيكُهُ ضِدَّ ذَلِكَ الشَّيْءِ لَمْ يَكُنْ حُصُولُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ ، فَيُفْضِي إِلَى انْدِفَاعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ ، وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ قَادِرًا قَاهِرًا بَلْ كَانَ عَاجِزًا ضَعِيفًا ، وَالْعَاجِزُ لَا يَصْلُحُ لِلْإِلَهِيَّةِ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=65إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ كَوْنَهُ قَهَّارًا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ وَاحِدًا .
وَأَمَّا الثَّانِي : وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الَّذِي جُعِلَ
[ ص: 196 ] شَرِيكًا لَهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ الْبَتَّةَ مِثْلَ هَذِهِ الْأَوْثَانِ ، فَهَذَا أَيْضًا فَاسِدٌ لِأَنَّ صَرِيحَ الْعَقْلِ يَحْكُمُ بِأَنَّ عِبَادَةَ الْإِلَهِ الْقَادِرِ الْقَاهِرِ أَوْلَى مِنْ عِبَادَةِ الْجَمَادِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=65وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) يَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الدَّلَائِلِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَهُ سُبْحَانَهُ قَهَّارًا مُشْعِرٌ بِالتَّرْهِيبِ وَالتَّخْوِيفِ ، فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ أَرْدَفَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرَّجَاءِ وَالتَّرْغِيبِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=66رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ) فَكَوْنُهُ رَبًّا مُشْعِرٌ بِالتَّرْبِيَةِ وَالْإِحْسَانِ وَالْكَرَمِ وَالْجُودِ ، وَكَوْنُهُ غَفَّارًا مُشْعِرٌ بِالتَّرْغِيبِ ، وَهَذَا الْمَوْجُودُ هُوَ الَّذِي تَجِبُ عِبَادَتُهُ ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُخْشَى عِقَابُهُ وَيُرْجَى فَضْلُهُ وَثَوَابُهُ . وَنَذْكُرُ طَرِيقَةً أُخْرَى فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ ، فَنَقُولُ إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ مِنْ صِفَاتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ خَمْسًا الْوَاحِدَ وَالْقَهَّارَ وَالرَّبَّ وَالْعَزِيزَ وَالْغَفَّارَ ، أَمَّا كَوْنُهُ وَاحِدًا فَهُوَ الَّذِي وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ ، وَاسْتَدَلَّ تَعَالَى عَلَى كَوْنِهِ وَاحِدًا بِكَوْنِهِ قَهَّارًا ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ هَذِهِ الدَّلَالَةِ إِلَّا أَنَّ كَوْنَهُ قَهَّارًا وَإِنْ دَلَّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28657_28653_28662_28706إِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ إِلَّا أَنَّهُ يُوجِبُ الْخَوْفَ الشَّدِيدَ فَأَرْدَفَهُ تَعَالَى بِذِكْرِ صِفَاتٍ ثَلَاثٍ دَالَّةٍ عَلَى الرَّحْمَةِ وَالْفَضْلِ وَالْكَرَمِ .
أَوَّلُهَا : كَوْنُهُ رَبًّا لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَهَذَا إِنَّمَا تَتِمُّ مَعْرِفَتُهُ بِالنَّظَرِ فِي آثَارِ حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَالْعَنَاصِرِ الْأَرْبَعَةِ وَالْمَوَالِيدِ الثَّلَاثَةِ ، وَذَلِكَ بَحْرٌ لَا سَاحِلَ لَهُ ، فَإِذَا تَأَمَّلْتَ فِي آثَارِ حِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ فِي خَلْقِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَرَفْتَ حِينَئِذٍ تَرْبِيَتَهُ لِلْكُلِّ ، وَذَلِكَ يُفِيدُ الرَّجَاءَ الْعَظِيمَ .
وَثَانِيهَا : كَوْنُهُ عَزِيزًا ، وَالْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِهِ أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : هَبْ أَنَّهُ رَبٌّ وَمُرَبٍّ وَكَرِيمٌ إِلَّا أَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى كُلِّ الْمَقْدُورَاتِ ، فَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ عَزِيزٌ أَيْ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ الْمُمْكِنَاتِ ، فَهُوَ يَغْلِبُ الْكُلَّ وَلَا يَغْلِبُهُ شَيْءٌ .
وَثَالِثُهَا : كَوْنُهُ غَفَّارًا وَالْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِهِ أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : هَبْ أَنَّهُ رَبٌّ وَمُحْسِنٌ وَلَكِنَّهُ يَكُونُ كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُطِيعِينَ الْمُخْلِصِينَ فِي الْعِبَادَةِ ، فَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ مَنْ بَقِيَ عَلَى الْكُفْرِ سَبْعِينَ سَنَةً ثُمَّ تَابَ فَإِنِّي أُزِيلُ اسْمَهُ عَنْ دِيوَانِ الْمُذْنِبِينَ وَأَسْتُرُ عَلَيْهِ بِفَضْلِي وَرَحْمَتِي جَمِيعَ ذُنُوبِهِ وَأُوصِلُهُ إِلَى دَرَجَاتِ الْأَبْرَارِ ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ ذَلِكَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=67قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=68أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ) وَهَذَا النَّبَأُ الْعَظِيمُ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْإِلَهَ وَاحِدٌ نَبَأٌ عَظِيمٌ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ الْقَوْلَ بِالنُّبُوَّةِ نَبَأٌ عَظِيمٌ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ الْقَوْلَ بِإِثْبَاتِ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ وَالْقِيَامَةِ نَبَأٌ عَظِيمٌ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَطَالِبَ الثَّلَاثَةَ كَانَتْ مَذْكُورَةً فِي أَوَّلِ السُّورَةِ ، وَلِأَجْلِهَا انْجَرَّ الْكَلَامُ إِلَى كُلِّ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ ، وَيُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ كَوْنَ الْقُرْآنِ مُعْجِزًا لِأَنَّ هَذَا أَيْضًا قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=29كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ) [ص : 29] وَهَؤُلَاءِ الْأَقْوَامُ أَعْرَضُوا عَنْهُ عَلَى مَا قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=67قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=68أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ) وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=68أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ) تَرْغِيبٌ فِي النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَمَنْعٌ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=22311التَّقْلِيدِ ، لِأَنَّ هَذِهِ الْمَطَالِبَ مَطَالِبٌ شَرِيفَةٌ عَالِيَةٌ ، فَإِنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ فِيهَا عَلَى الْحَقِّ يَفُوزُ بِأَعْظَمِ أَبْوَابِ السَّعَادَةِ ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ فِيهَا عَلَى الْبَاطِلِ وَقَعَ فِي أَعْظَمِ أَبْوَابِ الشَّقَاوَةِ ، فَكَانَتْ هَذِهِ الْمَبَاحِثُ أَنْبَاءً عَظِيمَةً وَمَطَالِبَ عَالِيَةً بَهِيَّةً ، وَصَرِيحُ الْعَقْلِ يُوجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَأْتِيَ فِيهَا بِالِاحْتِيَاطِ التَّامِّ ، وَأَنْ لَا يَكْتَفِيَ بِالْمُسَاهَلَةِ وَالْمُسَامَحَةِ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=69مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ ) فَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى رَغَّبَ الْمُكَلَّفِينَ فِي الِاحْتِيَاطِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ ، وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ التَّرْغِيبِ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا نَبَأٌ عَظِيمٌ ، وَالنَّبَأُ الْعَظِيمُ يَجِبُ الِاحْتِيَاطُ فِيهِ .
الثَّانِي : أَنَّ الْمَلَأَ الْأَعْلَى اخْتَصَمُوا . وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ :
[ ص: 197 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) [ الْبَقَرَةِ : 30 ] وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ قَالُوا أَيُّ فَائِدَةٍ فِي خَلْقِ الْبَشَرِ مَعَ أَنَّهُمْ يَشْتَغِلُونَ بِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا ) وَبِإِمْضَاءِ الْغَضَبِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ) فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) وَتَقْرِيرُ هَذَا الْجَوَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْمَخْلُوقَاتِ بِحَسَبِ الْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى أَقْسَامٍ أَرْبَعَةٍ :
أَحَدُهَا : الَّذِينَ حَصَلَ لَهُمُ الْعَقْلُ وَالْحِكْمَةُ ، وَلَمْ تَحْصُلْ لَهُمُ النَّفْسُ وَالشَّهْوَةُ وَهُمُ
nindex.php?page=treesubj&link=31750_28734الْمَلَائِكَةُ فَقَطْ .
ثَانِيهَا : الَّذِينَ حَصَلَ لَهُمُ النَّفْسُ وَالشَّهْوَةُ ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمُ الْعِلْمُ وَالْحِكْمَةُ وَهِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=31753الْبَهَائِمُ .
وَثَالِثُهَا : الْأَشْيَاءُ الْخَالِيَةُ عَنِ الْقِسْمَيْنِ ، وَهِيَ الْجَمَادَاتُ وَبَقِيَ فِي التَّقْسِيمِ ( قِسْمٌ رَابِعٌ ) وَهُوَ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ الْأَمْرَانِ وَهُوَ الْإِنْسَانُ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=32405تَخْلِيقِ الْإِنْسَانِ لَيْسَ هُوَ الْجَهْلَ وَالتَّقْلِيدَ وَالتَّكَبُّرَ وَالتَّمَرُّدَ ، فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ صِفَاتُ الْبَهَائِمِ وَالسِّبَاعِ ، بَلِ الْمَقْصُودُ مِنْ تَخْلِيقِهِ ظُهُورُ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَالطَّاعَةِ ، فَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) يَعْنِي أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ ، وَإِنْ حَصَلَتْ فِيهِ الشَّهْوَةُ الدَّاعِيَةُ إِلَى الْفَسَادِ وَالْغَضَبِ الْحَامِلِ لَهُ عَلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ ، لَكِنْ حَصَلَ فِيهِ الْعَقْلُ الَّذِي يَدْعُوهُ إِلَى الْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالطَّاعَةِ وَالْخِدْمَةِ ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا أَجَابَ الْمَلَائِكَةَ بِهَذَا الْجَوَابِ وَجَبَ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَسْعَى فِي تَحْصِيلِ هَذِهِ الصِّفَاتِ ، وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي اكْتِسَابِهَا ، وَأَنْ يَحْتَرِزَ عَنْ طَرِيقَةِ الْجَهْلِ وَالتَّقْلِيدِ وَالْإِصْرَارِ وَالتَّكَبُّرِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكُلُّ مَنْ وَقَفَ عَلَى كَيْفِيَّةِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ صَارَ وُقُوفُهُ عَلَيْهَا دَاعِيًا لَهُ إِلَى الْجِدِّ وَالِاجْتِهَادِ فِي اكْتِسَابِ الْمَعَارِفِ الْحَقَّةِ وَالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ زَاجِرًا لَهُ عَنْ أَضْدَادِهَا وَمُقَابَلَاتِهَا ، فَلِهَذَا السَّبَبِ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ . فَإِنْ قِيلَ : الْمَلَائِكَةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمُ اخْتَصَمُوا بِسَبَبِ قَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ) [الْبَقَرَةِ : 30] فَإِنَّ الْمُخَاصَمَةَ مَعَ اللَّهِ كُفْرٌ ، قُلْنَا لَا شَكَّ أَنَّهُ جَرَى هُنَاكَ سُؤَالٌ وَجَوَابٌ ، وَذَلِكَ يُشَابِهُ الْمُخَاصَمَةَ وَالْمُنَاظَرَةَ وَالْمُشَابَهَةُ عِلَّةٌ لِجَوَازِ الْمَجَازِ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ حَسُنَ إِطْلَاقُ لَفْظُ الْمُخَاصَمَةِ عَلَيْهِ ، وَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى سَبِيلِ الرَّمْزِ أَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=70إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) يَعْنِي أَنَا مَا عَرَفْتُ هَذِهِ الْمُخَاصَمَةَ إِلَّا بِالْوَحْيِ ، وَإِنَّمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ لِأُنْذِرَكُمْ بِهَا وَلِتَصِيرَ هَذِهِ الْقِصَّةُ حَامِلَةً لَكُمْ عَلَى الْإِخْلَاصِ فِي الطَّاعَةِ وَالِاحْتِرَازِ عَنِ الْجَهْلِ وَالتَّقْلِيدِ .