(
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=86قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=87إن هو إلا ذكر للعالمين nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=88ولتعلمن نبأه بعد حين )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=86قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=87إن هو إلا ذكر للعالمين nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=88ولتعلمن نبأه بعد حين )
اعلم أن الله تعالى ختم هذه السورة بهذه الخاتمة الشريفة ، وذلك لأنه تعالى ذكر طرقا كثيرة دالة على وجوب الاحتياط في طلب الدين ، ثم قال عند الختم : هذا الذي أدعو الناس إليه ، يجب أن ينظر في حال الداعي ، وفي حال الدعوة ليظهر أنه حق أو باطل . أما الداعي وهو أنا ، فأنا لا أسألكم على هذه الدعوة أجرا ومالا ، ومن الظاهر أن الكذاب لا ينقطع طمعه عن طلب المال ألبتة ، وكان من الظاهر أنه - صلى الله عليه وسلم - كان بعيدا عن الدنيا عديم الرغبة فيها ، وأما
nindex.php?page=treesubj&link=32022_20077كيفية الدعوة ، فقال : وما أنا من المتكلفين ، والمفسرون ذكروا فيه وجوها ، والذي يغلب على الظن أن المراد أن هذا الذي أدعوكم إليه دين ليس يحتاج في معرفة صحته إلى التكلفات
[ ص: 206 ] الكثيرة ، بل هو دين يشهد صريح العقل بصحته ، فإني أدعوكم إلى الإقرار بوجود الله أولا ، ثم أدعوكم ثانيا إلى تنزيهه وتقديسه عن كل ما لا يليق به ، يقوي ذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء ) [ الشورى : 11 ] وأمثاله ، ثم أدعوكم ثالثا إلى الإقرار بكونه موصوفا بكمال العلم والقدرة والحكمة والرحمة ، ثم أدعوكم رابعا إلى الإقرار بكونه منزها عن الشركاء والأضداد ، ثم أدعوكم خامسا إلى الامتناع عن عبادة هذه الأوثان التي هي جمادات خسيسة ولا منفعة في عبادتها ولا مضرة في الإعراض عنها ، ثم أدعوكم سادسا إلى تعظيم الأرواح الطاهرة المقدسة ، وهم الملائكة والأنبياء . ثم أدعوكم سابعا إلى الإقرار بالبعث والقيامة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=31ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ) [ النجم : 31 ] ثم أدعوكم ثامنا إلى الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة ، فهذه الأصول الثمانية هي الأصول القوية المعتبرة في دين الله تعالى ودين
محمد - صلى الله عليه وسلم - وبداءة العقول ، وأوائل الأفكار شاهدة بصحة هذه الأصول الثمانية ، فثبت أني لست من المتكلفين في الشريعة التي أدعو الخلق إليها ، بل كل عقل سليم وطبع مستقيم فإنه يشهد بصحتها وجلالتها وبعدها عن الباطل والفساد ، وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=87إن هو إلا ذكر للعالمين ) ولما بين هذه المقدمات قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=88ولتعلمن نبأه بعد حين ) والمعنى : أنكم إن أصررتم على الجهل والتقليد وأبيتم قبول هذه البيانات التي ذكرناها ، فستعلمون بعد حين أنكم كنتم مصيبين في هذا الإعراض أو مخطئين ، وذكر مثل هذه الكلمة بعد تلك البيانات المتقدمة مما لا مزيد عليه في التخويف والترهيب ، والله أعلم .
قال المصنف رحمة الله عليه : تم تفسير هذه السورة يوم الخميس في آخر الثلاثاء ، الثاني من شهر ذي القعدة ، سنة ثلاث وستمائة ، والحمد لله على نعمائه ، والصلاة على المطهرين من عباده في أرضه وسمائه ، والمدح والثناء كما يليق بصفاته وأسمائه ، والتعظيم التام لأنبيائه وأوليائه ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=86قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=87إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=88وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=86قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=87إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=88وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ )
اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَتَمَ هَذِهِ السُّورَةَ بِهَذِهِ الْخَاتِمَةِ الشَّرِيفَةِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ طُرُقًا كَثِيرَةً دَالَّةً عَلَى وُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ فِي طَلَبِ الدِّينِ ، ثُمَّ قَالَ عِنْدَ الْخَتْمِ : هَذَا الَّذِي أَدْعُو النَّاسَ إِلَيْهِ ، يَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ فِي حَالِ الدَّاعِي ، وَفِي حَالِ الدَّعْوَةِ لِيَظْهَرَ أَنَّهُ حَقٌّ أَوْ بَاطِلٌ . أَمَّا الدَّاعِي وَهُوَ أَنَا ، فَأَنَا لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَةِ أَجْرًا وَمَالًا ، وَمِنَ الظَّاهِرِ أَنَّ الْكَذَّابَ لَا يَنْقَطِعُ طَمَعُهُ عَنْ طَلَبِ الْمَالِ أَلْبَتَّةَ ، وَكَانَ مِنَ الظَّاهِرِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ بَعِيدًا عَنِ الدُّنْيَا عَدِيمَ الرَّغْبَةِ فِيهَا ، وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=32022_20077كَيْفِيَّةُ الدَّعْوَةِ ، فَقَالَ : وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ، وَالْمُفَسِّرُونَ ذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا ، وَالَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذَا الَّذِي أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ دِينٌ لَيْسَ يَحْتَاجُ فِي مَعْرِفَةِ صِحَّتِهِ إِلَى التَّكَلُّفَاتِ
[ ص: 206 ] الْكَثِيرَةِ ، بَلْ هُوَ دِينٌ يَشْهَدُ صَرِيحُ الْعَقْلِ بِصِحَّتِهِ ، فَإِنِّي أَدْعُوكُمْ إِلَى الْإِقْرَارِ بِوُجُودِ اللَّهِ أَوَّلًا ، ثُمَّ أَدْعُوكُمْ ثَانِيًا إِلَى تَنْزِيهِهِ وَتَقْدِيسِهِ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ ، يُقَوِّي ذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) [ الشُّورَى : 11 ] وَأَمْثَالُهُ ، ثُمَّ أَدْعُوكُمْ ثَالِثًا إِلَى الْإِقْرَارِ بِكَوْنِهِ مَوْصُوفًا بِكَمَالِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ ، ثُمَّ أَدْعُوكُمْ رَابِعًا إِلَى الْإِقْرَارِ بِكَوْنِهِ مُنَزَّهًا عَنِ الشُّرَكَاءِ وَالْأَضْدَادِ ، ثُمَّ أَدْعُوكُمْ خَامِسًا إِلَى الِامْتِنَاعِ عَنْ عِبَادَةِ هَذِهِ الْأَوْثَانِ الَّتِي هِيَ جَمَادَاتٌ خَسِيسَةٌ وَلَا مَنْفَعَةَ فِي عِبَادَتِهَا وَلَا مَضَرَّةَ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْهَا ، ثُمَّ أَدْعُوكُمْ سَادِسًا إِلَى تَعْظِيمِ الْأَرْوَاحِ الطَّاهِرَةِ الْمُقَدَّسَةِ ، وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَالْأَنْبِيَاءُ . ثُمَّ أَدْعُوكُمْ سَابِعًا إِلَى الْإِقْرَارِ بِالْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=31لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) [ النَّجْمِ : 31 ] ثُمَّ أَدْعُوكُمْ ثَامِنًا إِلَى الْإِعْرَاضِ عَنِ الدُّنْيَا وَالْإِقْبَالِ عَلَى الْآخِرَةِ ، فَهَذِهِ الْأُصُولُ الثَّمَانِيَةُ هِيَ الْأُصُولُ الْقَوِيَّةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَدِينِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِدَاءَةِ الْعُقُولِ ، وَأَوَائِلُ الْأَفْكَارِ شَاهِدَةٌ بِصِحَّةِ هَذِهِ الْأُصُولِ الثَّمَانِيَةِ ، فَثَبَتَ أَنِّي لَسْتُ مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ فِي الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَدْعُو الْخَلْقَ إِلَيْهَا ، بَلْ كُلُّ عَقْلٍ سَلِيمٍ وَطَبْعٍ مُسْتَقِيمٍ فَإِنَّهُ يَشْهَدُ بِصِحَّتِهَا وَجَلَالَتِهَا وَبُعْدِهَا عَنِ الْبَاطِلِ وَالْفَسَادِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=87إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ) وَلَمَّا بَيَّنَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=88وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ) وَالْمَعْنَى : أَنَّكُمْ إِنْ أَصْرَرْتُمْ عَلَى الْجَهْلِ وَالتَّقْلِيدِ وَأَبَيْتُمْ قَبُولَ هَذِهِ الْبَيَانَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ، فَسَتَعْلَمُونَ بَعْدَ حِينٍ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ مُصِيبِينَ فِي هَذَا الْإِعْرَاضِ أَوْ مُخْطِئِينَ ، وَذِكْرُ مِثْلِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ بَعْدَ تِلْكَ الْبَيَانَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِمَّا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فِي التَّخْوِيفِ وَالتَّرْهِيبِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ : تَمَّ تَفْسِيرُ هَذِهِ السُّورَةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ فِي آخِرِ الثُّلَاثَاءِ ، الثَّانِي مِنْ شَهْرِ ذِي الْقِعْدَةِ ، سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّمِائَةٍ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نَعْمَائِهِ ، وَالصَّلَاةُ عَلَى الْمُطَهَّرِينَ مِنْ عِبَادِهِ فِي أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ ، وَالْمَدْحُ وَالثَّنَاءُ كَمَا يَلِيقُ بِصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ ، وَالتَّعْظِيمُ التَّامُّ لِأَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .