[ ص: 207 ] nindex.php?page=treesubj&link=28889سورة الزمر
سبعون وخمس آيات ، مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=1تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=4لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار )
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=1تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=4لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار )
اعلم أن في الآية مسائل :
المسألة الأولى : ذكر
الفراء والزجاج في رفع " تنزيل " وجهين :
أحدهما : أن يكون
nindex.php?page=treesubj&link=28908_34077قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=1تنزيل ) مبتدأ ، وقوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=1من الله العزيز الحكيم ) خبر .
والثاني : أن يكون التقدير : هذا تنزيل الكتاب ، فيضمر المبتدأ كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=1سورة أنزلناها ) [ النور : 1 ] أي : هذه سورة ، قال بعضهم بالوجه الأول لوجوه :
الأول : أن الإضمار خلاف الأصل ، فلا يصار إليه إلا لضرورة ، ولا ضرورة ههنا .
الثاني : أنا إذا قلنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=1تنزيل الكتاب من الله ) جملة تامة من المبتدأ والخبر أفاد فائدة شريفة ، وهي أن
nindex.php?page=treesubj&link=32238تنزيل الكتاب يكون من الله ، لا من غيره ، وهذا
[ ص: 208 ] الحصر معنى معتبر ، أما إذا أضمرنا المبتدأ لم تحصل هذه الفائدة .
الثالث : أنا إذا أضمرنا المبتدأ صار التقدير : هذا تنزيل الكتاب من الله ، وحينئذ يلزمنا مجاز آخر ، لأن هذا إشارة إلى السورة ، والسورة ليست نفس التنزيل ، بل السورة منزلة ، فحينئذ يحتاج إلى أن نقول : المراد من المصدر المفعول ، وهو مجاز تحملناه لا لضرورة .
المسألة الثانية : القائلون
nindex.php?page=treesubj&link=28425_29453بخلق القرآن احتجوا بأن قالوا : إنه تعالى وصف القرآن بكونه تنزيلا ومنزلا ، وهذا الوصف لا يليق إلا بالمحدث المخلوق . والجواب : أنا نحمل هذه اللفظة على الصيغ والحروف .
المسألة الثالثة : الآيات الكثيرة تدل على
nindex.php?page=treesubj&link=28864وصف القرآن بكونه تنزيلا ، وآيات أخر تدل على كونه منزلا .
أما الأول : فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=192وإنه لتنزيل رب العالمين ) [ الشعراء : 192 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=42تنزيل من حكيم حميد ) [ فصلت : 42 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=2تنزيل من الرحمن الرحيم ) [ فصلت : 2 ] .
وأما الثاني : فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9إنا نحن نزلنا الذكر ) [ الحجر : 9 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=105وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ) [ الإسراء : 105 ] ، وأنت تعلم أن كونه منزلا أقرب إلى الحقيقة من كونه تنزيلا ، فكونه منزلا مجاز أيضا ، لأنه إن كان المراد من القرآن الصفة القائمة بذات الله فهو لا يقبل الانفصال والنزول ، وإن كان المراد منه الحروف والأصوات فهي أعراض لا تقبل الانتقال والنزول ، بل المراد من النزول نزول الملك الذي بلغها إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
المسألة الرابعة : قالت
المعتزلة : العزيز هو القادر الذي لا يغلب ، فهذا اللفظ يدل على كونه تعالى قادرا على ما لا نهاية له ، والحكيم هو الذي يفعل لداعية الحكمة لا لداعية الشهوة ، وهذا إنما يتم إذا ثبت أنه تعالى عالم بجميع المعلومات ، وأنه غني عن جميع الحاجات ، إذا ثبت هذا فنقول :
nindex.php?page=treesubj&link=29448_28723_29446كونه تعالى " عزيزا حكيما " يدل على هذه الصفات الثلاث : العلم بجميع المعلومات ، والقدرة على كل الممكنات ، والاستغناء عن كل الحاجات ، فمن كان كذلك امتنع أن يفعل القبيح وأن يحكم بالقبيح ، وإذا كان كذلك فكل ما يفعله يكون حكمة وصوابا ، إذا ثبت هذا فنقول :
nindex.php?page=treesubj&link=28742_28425_28424_29453الانتفاع بالقرآن يتوقف على أصلين :
أحدهما : أن يعلم أن القرآن كلام الله ، والدليل عليه أنه ثبت بالمعجز كون الرسول صادقا ، وثبت بالتواتر أنه كان يقول : القرآن كلام الله ، فيحصل من مجموع هاتين المقدمتين أن القرآن كلام الله .
والأصل الثاني : أن الله أراد بهذه الألفاظ المعاني التي هي موضوعة لها ، إما بحسب اللغة أو بحسب القرينة العرفية أو الشرعية ، لأنه لو لم يرد بها ذلك لكان تلبيسا ، وذلك لا يليق بالحكيم ، فثبت بما ذكرنا أن الانتفاع بالقرآن لا يحصل إلا بعد تسليم هذين الأصلين ، وثبت أنه لا سبيل إلى إثبات هذين الأصلين إلا بإثبات كونه تعالى حكيما ، وثبت أن
nindex.php?page=treesubj&link=29625_28723_29446_29448لا سبيل إلى إثبات كونه حكيما إلا بالبناء على كونه تعالى عزيزا ، فلهذا السبب قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=1تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ) .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق ) ففيه سؤالان :
السؤال الأول : لفظ التنزيل يشعر بأنه تعالى أنزله عليه نجما نجما على سبيل التدريج ، ولفظ الإنزال يشعر بأنه تعالى أنزله عليه دفعة واحدة ، فكيف الجمع بينهما ؟ والجواب : إن صح الفرق بين التنزيل وبين الإنزال من الوجه الذي ذكرتم ، فطريق الجمع أن يقال : المعنى إنا حكمنا حكما كليا جزما بأن يوصل إليك هذا الكتاب ، وهذا هو الإنزال ، ثم أوصلناه نجما إليك على وفق المصالح ، وهذا هو التنزيل .
[ ص: 209 ] السؤال الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=28910_28900_29010ما المراد من قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق ) ؟ والجواب : فيه وجهان :
الأول : المراد أنزلنا الكتاب إليك ملتبسا بالحق والصدق والصواب ، على معنى : كل ما أودعناه فيه من إثبات التوحيد والنبوة والمعاد وأنواع التكاليف فهو حق وصدق ، يجب العمل به والمصير إليه .
الثاني : أن يكون المراد " إنا أنزلنا إليك الكتاب " بناء على دليل حق دل على أن الكتاب نازل من عند الله ، وذلك الدليل هو أن الفصحاء عجزوا عن معارضته ، ولو لم يكن معجزا لما عجزوا عن معارضته .
[ ص: 207 ] nindex.php?page=treesubj&link=28889سُورَةُ الزُّمَرِ
سَبْعُونَ وَخَمْسُ آيَاتٍ ، مَكِّيَّةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=1تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=4لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ )
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=1تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=4لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ )
اعْلَمْ أَنَّ فِي الْآيَةِ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : ذَكَرَ
الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ فِي رَفْعِ " تَنْزِيلُ " وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=28908_34077قَوْلُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=1تَنْزِيلُ ) مُبْتَدَأً ، وَقَوْلُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=1مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) خَبَرٌ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ : هَذَا تَنْزِيلُ الْكِتَابِ ، فَيُضْمَرُ الْمُبْتَدَأُ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=1سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا ) [ النُّورِ : 1 ] أَيْ : هَذِهِ سُورَةٌ ، قَالَ بَعْضُهُمْ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِوُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْإِضْمَارَ خِلَافُ الْأَصْلِ ، فَلَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ ، وَلَا ضَرُورَةَ هَهُنَا .
الثَّانِي : أَنَّا إِذَا قُلْنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=1تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ ) جُمْلَةٌ تَامَّةٌ مِنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ أَفَادَ فَائِدَةً شَرِيفَةً ، وَهِيَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32238تَنْزِيلَ الْكِتَابِ يَكُونُ مِنَ اللَّهِ ، لَا مِنْ غَيْرِهِ ، وَهَذَا
[ ص: 208 ] الْحَصْرُ مَعْنًى مُعْتَبَرٌ ، أَمَّا إِذَا أَضْمَرْنَا الْمُبْتَدَأَ لَمْ تَحْصُلْ هَذِهِ الْفَائِدَةُ .
الثَّالِثُ : أَنَّا إِذَا أَضْمَرْنَا الْمُبْتَدَأَ صَارَ التَّقْدِيرُ : هَذَا تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُنَا مَجَازٌ آخَرُ ، لِأَنَّ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى السُّورَةِ ، وَالسُّورَةُ لَيْسَتْ نَفْسَ التَّنْزِيلِ ، بَلِ السُّورَةُ مُنَزَّلَةٌ ، فَحِينَئِذٍ يُحْتَاجُ إِلَى أَنْ نَقُولَ : الْمُرَادُ مِنَ الْمَصْدَرِ الْمَفْعُولُ ، وَهُوَ مُجَازٌ تَحَمَّلْنَاهُ لَا لِضَرُورَةٍ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الْقَائِلُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=28425_29453بِخَلْقِ الْقُرْآنِ احْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا : إِنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ الْقُرْآنَ بِكَوْنِهِ تَنْزِيلًا وَمُنَزَّلًا ، وَهَذَا الْوَصْفُ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِالْمُحْدَثِ الْمَخْلُوقِ . وَالْجَوَابُ : أَنَّا نَحْمِلُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ عَلَى الصِّيَغِ وَالْحُرُوفِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : الْآيَاتُ الْكَثِيرَةُ تَدُلُّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28864وَصْفِ الْقُرْآنِ بِكَوْنِهِ تَنْزِيلًا ، وَآيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مُنَزَّلًا .
أَمَّا الْأَوَّلُ : فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=192وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) [ الشُّعَرَاءِ : 192 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=42تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) [ فُصِّلَتْ : 42 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=2تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) [ فُصِّلَتْ : 2 ] .
وَأَمَّا الثَّانِي : فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ) [ الْحِجْرِ : 9 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=105وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ) [ الْإِسْرَاءِ : 105 ] ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ كَوْنَهُ مُنَزَّلًا أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ كَوْنِهِ تَنْزِيلًا ، فَكَوْنُهُ مُنَزَّلًا مَجَازٌ أَيْضًا ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْقُرْآنِ الصِّفَةَ الْقَائِمَةَ بِذَاتِ اللَّهِ فَهُوَ لَا يَقْبَلُ الِانْفِصَالَ وَالنُّزُولَ ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْحُرُوفَ وَالْأَصْوَاتَ فَهِيَ أَعْرَاضٌ لَا تَقْبَلُ الِانْتِقَالَ وَالنُّزُولَ ، بَلِ الْمُرَادُ مِنَ النُّزُولِ نُزُولُ الْمَلَكِ الَّذِي بَلَّغَهَا إِلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : الْعَزِيزُ هُوَ الْقَادِرُ الَّذِي لَا يُغْلَبُ ، فَهَذَا اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ تَعَالَى قَادِرًا عَلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ ، وَالْحَكِيمُ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ لِدَاعِيَةِ الْحِكْمَةِ لَا لِدَاعِيَةِ الشَّهْوَةِ ، وَهَذَا إِنَّمَا يَتِمُّ إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ ، وَأَنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ جَمِيعِ الْحَاجَاتِ ، إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29448_28723_29446كَوْنُهُ تَعَالَى " عَزِيزًا حَكِيمًا " يَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ : الْعِلْمِ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ ، وَالْقُدْرَةِ عَلَى كُلِّ الْمُمْكِنَاتِ ، وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ كُلِّ الْحَاجَاتِ ، فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ امْتَنَعَ أَنْ يَفْعَلَ الْقَبِيحَ وَأَنْ يَحْكُمَ بِالْقَبِيحِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكُلُّ مَا يَفْعَلُهُ يَكُونُ حِكْمَةً وَصَوَابًا ، إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28742_28425_28424_29453الِانْتِفَاعُ بِالْقُرْآنِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَصْلَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ ثَبَتَ بِالْمُعْجِزِ كَوْنُ الرَّسُولِ صَادِقًا ، وَثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ ، فَيَحْصُلُ مِنْ مَجْمُوعِ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ .
وَالْأَصْلُ الثَّانِي : أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْمَعَانِيَ الَّتِي هِيَ مَوْضُوعَةٌ لَهَا ، إِمَّا بِحَسَبِ اللُّغَةِ أَوْ بِحَسَبِ الْقَرِينَةِ الْعُرْفِيَّةِ أَوِ الشَّرْعِيَّةِ ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُرِدْ بِهَا ذَلِكَ لَكَانَ تَلْبِيسًا ، وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِالْحَكِيمِ ، فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْقُرْآنِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بَعْدَ تَسْلِيمِ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ ، وَثَبَتَ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى إِثْبَاتِ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ إِلَّا بِإِثْبَاتِ كَوْنِهِ تَعَالَى حَكِيمًا ، وَثَبَتَ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29625_28723_29446_29448لَا سَبِيلَ إِلَى إِثْبَاتِ كَوْنِهِ حَكِيمًا إِلَّا بِالْبِنَاءِ عَلَى كَوْنِهِ تَعَالَى عَزِيزًا ، فَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=1تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ) فَفِيهِ سُؤَالَانِ :
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : لَفْظُ التَّنْزِيلِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ نَجْمًا نَجْمًا عَلَى سَبِيلِ التَّدْرِيجِ ، وَلَفْظُ الْإِنْزَالِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ دُفْعَةً وَاحِدَةً ، فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ؟ وَالْجَوَابُ : إِنْ صَحَّ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّنْزِيلِ وَبَيْنَ الْإِنْزَالِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُمْ ، فَطَرِيقُ الْجَمْعِ أَنْ يُقَالَ : الْمَعْنَى إِنَّا حَكَمْنَا حُكْمًا كُلِّيًّا جَزْمًا بِأَنْ يُوصَلَ إِلَيْكَ هَذَا الْكِتَابُ ، وَهَذَا هُوَ الْإِنْزَالُ ، ثُمَّ أَوْصَلْنَاهُ نَجْمًا إِلَيْكَ عَلَى وَفْقِ الْمَصَالِحِ ، وَهَذَا هُوَ التَّنْزِيلُ .
[ ص: 209 ] السُّؤَالُ الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=28910_28900_29010مَا الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ) ؟ وَالْجَوَابُ : فِيهِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : الْمُرَادُ أَنْزَلْنَا الْكِتَابَ إِلَيْكَ مُلْتَبِسًا بِالْحَقِّ وَالصِّدْقِ وَالصَّوَابِ ، عَلَى مَعْنَى : كُلُّ مَا أَوْدَعْنَاهُ فِيهِ مِنْ إِثْبَاتِ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ وَأَنْوَاعِ التَّكَالِيفِ فَهُوَ حَقٌّ وَصِدْقٌ ، يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ وَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ " إِنَّا أَنْزَلَنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ " بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ حَقٍّ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ نَازِلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَذَلِكَ الدَّلِيلُ هُوَ أَنَّ الْفُصَحَاءَ عَجَزُوا عَنْ مُعَارَضَتِهِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُعْجِزًا لَمَا عَجَزُوا عَنْ مُعَارَضَتِهِ .