(
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=29ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=30إنك ميت وإنهم ميتون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=31ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=32فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين )
[ ص: 241 ] قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=29ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=30إنك ميت وإنهم ميتون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=31ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=32فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين )
اعلم
nindex.php?page=treesubj&link=29434أنه تعالى لما بالغ في شرح وعيد الكفار أردفه بذكر مثل ما يدل على فساد مذهبهم وقبح طريقتهم ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=29ضرب الله مثلا ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : المتشاكسون المختلفون العسرون ، يقال : شكس يشكس شكوسا وشكسا إذا عسر ، وهو رجل شكس ، أي عسر ، وتشاكس إذا تعاسر ، قال
الليث : التشاكس التنازع والاختلاف ، ويقال : الليل والنهار متشاكسان ، أي أنهما متضادان إذا جاء أحدهما ذهب الآخر ، وقوله : فيه صلة شركاء ؛ كما تقول اشتركوا فيه .
المسألة الثانية : قرأ
ابن كثير وأبو عمرو " سالما " بالألف وكسر اللام ، يقال : سلم فهو سالم ، والباقون " سلما " بفتح السين واللام بغير الألف ، ويقال أيضا : بفتح السين وكسرها مع سكون العين ، أما من قرأ " سالما " فهو اسم الفاعل ، تقدير مسلم ، فهو سالم ، وأما سائر القراءات فهي مصادر سلم ، والمعنى ذا سلامة ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=29لرجل ) أي ذا خلوص له من الشركة ، من قولهم : سلمت له الضيعة ، وقرئ بالرفع على الابتداء ، أي : وهناك رجل سالم لرجل .
المسألة الثالثة : تقدير الكلام : اضرب لقومك مثلا ، وقل لهم ما يقولون في رجل من المماليك قد اشترك فيه شركاء ، بينهم اختلاف وتنازع ، كل واحد منهم يدعي أنه عبده ، فهم يتجاذبونه في حوائجهم ، وهو متحير في أمره ، فكلما أرضى أحدهم غضب الباقون ، وإذا احتاج في مهم إليهم ، فكل واحد منهم يرده إلى الآخر ، فهو يبقى متحيرا لا يعرف أيهم أولى بأن يطلب رضاه ، وأيهم يعينه في حاجاته ، فهو بهذا السبب في عذاب دائم وتعب مقيم ، ورجل آخر له مخدوم واحد يخدمه على سبيل الإخلاص ، وذلك المخدوم يعينه على مهماته ، فأي هذين العبدين أحسن حالا وأحمد شأنا ، والمراد تمثيل حال من يثبت آلهة شتى ، فإن أولئك الآلهة تكون متنازعة متغالبة ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) [ الأنبياء : 22 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=91ولعلا بعضهم على بعض ) [ المؤمنون : 91 ] فيبقى ذلك المشرك متحيرا ضالا ، لا يدري أي هؤلاء الآلهة يعبد ، وعلى ربوبية أيهم يعتمد ، وممن يطلب رزقه ، وممن يلتمس رفقه ، فهمه شفاع ، وقلبه أوزاع .
أما من لم يثبت إلا إلها واحدا فهو قائم بما كلفه عارف بما أرضاه وما أسخطه ، فكان حال هذا أقرب إلى الصلاح من حال الأول ، وهذا مثل ضرب في غاية الحسن في تقبيح الشرك وتحسين التوحيد ، فإن قيل : هذا المثال لا ينطبق على عبادة الأصنام لأنها جمادات ، فليس بينها منازعة ولا مشاكسة ، قلنا : إن عبدة الأصنام مختلفون ، منهم من يقول : هذه الأصنام تماثيل الكواكب السبعة ، فهم في الحقيقة إنما يعبدون الكواكب السبعة ، ثم إن القوم يثبتون بين هذه الكواكب منازعة ومشاكسة ، ألا ترى أنهم يقولون : زحل هو النحس الأعظم ، والمشتري هو السعد الأعظم ، ومنهم من يقول : هذه الأصنام تماثيل الأرواح الفلكية ، والقائلون بهذا القول زعموا أن كل نوع من أنواع حوادث هذا العالم يتعلق بروح من الأرواح السماوية ، وحينئذ يحصل بين تلك الأرواح منازعة ومشاكسة ، وحينئذ يكون المثل مطابقا ، ومنهم من يقول : هذه الأصنام تماثيل الأشخاص من العلماء والزهاد الذين مضوا ، فهم يعبدون هذه التماثيل لتصير أولئك الأشخاص من العلماء والزهاد شفعاء لهم عند الله ، والقائلون بهذا القول تزعم كل طائفة منهم أن المحق هو
[ ص: 242 ] ذلك الرجل الذي هو على دينه ، وأن من سواه مبطل ، وعلى هذا التقدير أيضا ينطبق المثال ، فثبت أن هذا المثال مطابق للمقصود .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=29هل يستويان مثلا ) ، فالتقدير : هل يستويان صفة ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=29مثلا ) نصب على التمييز ، والمعنى : هل تستوي صفتاهما وحالتاهما ، وإنما اقتصر في التمييز على الواحد لبيان الجنس ، وقرئ : " مثلين " ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=29الحمد لله ) والمعنى : أنه لما بطل القول بإثبات الشركاء والأنداد ، وثبت أنه لا إله إلا هو الواحد الأحد الحق ، ثبت أن الحمد له لا لغيره ، ثم قال بعده : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=29بل أكثرهم لا يعلمون ) أي : لا يعلمون أن الحمد له لا لغيره ، وأن المستحق للعبادة هو الله لا غيره ، وقيل : المراد أنه لما سبقت هذه الدلائل الظاهرة والبينات الباهرة ، قال : الحمد لله على حصول هذه البيانات وظهور هذه البينات ، وإن كان أكثر الخلق لم يعرفوها ولم يقفوا عليها ، ولما تمم الله هذه البيانات قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=30إنك ميت وإنهم ميتون ) .
والمراد أن هؤلاء الأقوام وإن لم يلتفتوا إلى هذه الدلائل القاهرة بسبب استيلاء الحرص والحسد عليهم في الدنيا ، فلا تبال يا
محمد بهذا ، فإنك ستموت وهم أيضا سيموتون ، ثم تحشرون يوم القيامة وتختصمون عند الله تعالى ، والعادل الحق يحكم بينكم ، فيوصل إلى كل واحد ما هو حقه ، وحينئذ يتميز المحق من المبطل ، والصديق من الزنديق ، فهذا هو المقصود من الآية ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=30إنك ميت وإنهم ميتون ) أي : إنك وإياهم وإن كنتم أحياء ، فإنك وإياهم في أعداد الموتى ، لأن كل ما هو آت آت ، ثم بين تعالى نوعا آخر من قبائح أفعالهم ، وهو أنهم يكذبون ، ويضمون إليه أنهم يكذبون القائل المحق ، أما أنهم يكذبون فهو أنهم أثبتوا لله ولدا وشركاء .
وأما أنهم مصرون على تكذيب الصادقين ، فلأنهم يكذبون
محمدا - صلى الله عليه وسلم - بعد قيام الدلالة القاطعة على كونه صادقا في ادعاء النبوة ، ثم أردفه بالوعيد فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=32أليس في جهنم مثوى للكافرين ) ، ومن الناس من تمسك بهذه الآية في تكفير المخالف من أهل القبلة ، وذلك لأن المخالف في المسائل القطعية كلها يكون كاذبا في قوله ، ويكون مكذبا للمذهب الذي هو الحق ، فوجب دخوله تحت هذا الوعيد .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=29ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=30إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=31ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=32فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ )
[ ص: 241 ] قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=29ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=30إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=31ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=32فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ )
اعْلَمْ
nindex.php?page=treesubj&link=29434أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَالَغَ فِي شَرْحِ وَعِيدِ الْكُفَّارِ أَرْدَفَهُ بِذِكْرِ مَثَلِ مَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ مَذْهَبِهِمْ وَقُبْحِ طَرِيقَتِهِمْ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=29ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : الْمُتَشَاكِسُونَ الْمُخْتَلِفُونَ الْعَسِرُونَ ، يُقَالُ : شَكِسَ يَشْكَسُ شُكُوسًا وَشَكَسًا إِذَا عَسُرَ ، وَهُوَ رَجُلٌ شَكِسٌ ، أَيْ عَسِرٌ ، وَتَشَاكَسَ إِذَا تَعَاسَرَ ، قَالَ
اللَّيْثُ : التَّشَاكُسُ التَّنَازُعُ وَالِاخْتِلَافُ ، وَيُقَالُ : اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ مُتَشَاكِسَانِ ، أَيْ أَنَّهُمَا مُتَضَادَّانِ إِذَا جَاءَ أَحَدُهُمَا ذَهَبَ الْآخَرُ ، وَقَوْلُهُ : فِيهِ صِلَةُ شُرَكَاءَ ؛ كَمَا تَقُولُ اشْتَرَكُوا فِيهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو " سَالِمًا " بِالْأَلِفِ وَكَسْرِ اللَّامِ ، يُقَالُ : سَلِمَ فَهُوَ سَالِمٌ ، وَالْبَاقُونَ " سَلَمًا " بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ بِغَيْرِ الْأَلِفِ ، وَيُقَالُ أَيْضًا : بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا مَعَ سُكُونِ الْعَيْنِ ، أَمَّا مَنْ قَرَأَ " سَالِمًا " فَهُوَ اسْمُ الْفَاعِلِ ، تَقْدِيرُ مُسَلَّمٍ ، فَهُوَ سَالِمٌ ، وَأَمَّا سَائِرُ الْقِرَاءَاتِ فَهِيَ مَصَادِرُ سَلِمَ ، وَالْمَعْنَى ذَا سَلَامَةٍ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=29لِرَجُلٍ ) أَيْ ذَا خُلُوصٍ لَهُ مِنَ الشَّرِكَةِ ، مِنْ قَوْلِهِمْ : سَلِمَتْ لَهُ الضَّيْعَةُ ، وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ ، أَيْ : وَهُنَاكَ رَجُلٌ سَالِمٌ لِرَجُلٍ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : تَقْدِيرُ الْكَلَامِ : اضْرِبْ لِقَوْمِكَ مَثَلًا ، وَقُلْ لَهُمْ مَا يَقُولُونَ فِي رَجُلٍ مِنَ الْمَمَالِيكِ قَدِ اشْتَرَكَ فِيهِ شُرَكَاءُ ، بَيْنَهُمُ اخْتِلَافٌ وَتَنَازُعٌ ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَدَّعِي أَنَّهُ عَبْدُهُ ، فَهُمْ يَتَجَاذَبُونَهُ فِي حَوَائِجِهِمْ ، وَهُوَ مُتَحَيِّرٌ فِي أَمْرِهِ ، فَكُلَّمَا أَرْضَى أَحَدَهُمْ غَضِبَ الْبَاقُونَ ، وَإِذَا احْتَاجَ فِي مُهِمٍّ إِلَيْهِمْ ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَرُدُّهُ إِلَى الْآخَرِ ، فَهُوَ يَبْقَى مُتَحَيِّرًا لَا يَعْرِفُ أَيُّهُمْ أَوْلَى بِأَنْ يَطْلُبَ رِضَاهُ ، وَأَيَّهُمْ يُعِينُهُ فِي حَاجَاتِهِ ، فَهُوَ بِهَذَا السَّبَبِ فِي عَذَابٍ دَائِمٍ وَتَعَبٍ مُقِيمٍ ، وَرَجُلٍ آخَرَ لَهُ مَخْدُومٌ وَاحِدٌ يَخْدِمُهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِخْلَاصِ ، وَذَلِكَ الْمَخْدُومُ يُعِينُهُ عَلَى مُهِمَّاتِهِ ، فَأَيُّ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ أَحْسَنُ حَالًا وَأَحْمَدُ شَأْنًا ، وَالْمُرَادُ تَمْثِيلُ حَالِ مَنْ يُثْبِتُ آلِهَةً شَتَّى ، فَإِنَّ أُولَئِكَ الْآلِهَةَ تَكُونُ مُتَنَازِعَةً مُتَغَالِبَةً ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 22 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=91وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) [ الْمُؤْمِنُونَ : 91 ] فَيَبْقَى ذَلِكَ الْمُشْرِكُ مُتَحَيِّرًا ضَالًّا ، لَا يَدْرِي أَيَّ هَؤُلَاءِ الْآلِهَةِ يَعْبُدُ ، وَعَلَى رُبُوبِيَّةِ أَيِّهِمْ يَعْتَمِدُ ، وَمِمَّنْ يَطْلُبُ رِزْقَهُ ، وَمِمَّنْ يَلْتَمِسُ رِفْقَهُ ، فَهَمُّهُ شِفَاعٌ ، وَقَلْبُهُ أَوْزَاعٌ .
أَمَّا مَنْ لَمْ يُثْبِتْ إِلَّا إِلَهًا وَاحِدًا فَهُوَ قَائِمٌ بِمَا كَلَّفَهُ عَارِفٌ بِمَا أَرْضَاهُ وَمَا أَسْخَطَهُ ، فَكَانَ حَالُ هَذَا أَقْرَبَ إِلَى الصَّلَاحِ مِنْ حَالِ الْأَوَّلِ ، وَهَذَا مَثَلٌ ضُرِبَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ فِي تَقْبِيحِ الشِّرْكِ وَتَحْسِينِ التَّوْحِيدِ ، فَإِنْ قِيلَ : هَذَا الْمِثَالُ لَا يَنْطَبِقُ عَلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ لِأَنَّهَا جَمَادَاتٌ ، فَلَيْسَ بَيْنَهَا مُنَازَعَةٌ وَلَا مُشَاكَسَةٌ ، قُلْنَا : إِنَّ عَبَدَةَ الْأَصْنَامِ مُخْتَلِفُونَ ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : هَذِهِ الْأَصْنَامُ تَمَاثِيلُ الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ ، فَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ ، ثُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ يُثْبِتُونَ بَيْنَ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ مُنَازَعَةً وَمُشَاكَسَةً ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : زُحَلُ هُوَ النَّحْسُ الْأَعْظَمُ ، وَالْمُشْتَرِي هُوَ السَّعْدُ الْأَعْظَمُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : هَذِهِ الْأَصْنَامُ تَمَاثِيلُ الْأَرْوَاحِ الْفَلَكِيَّةِ ، وَالْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ زَعَمُوا أَنَّ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ حَوَادِثِ هَذَا الْعَالَمِ يَتَعَلَّقُ بِرُوحٍ مِنَ الْأَرْوَاحِ السَّمَاوِيَّةِ ، وَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ بَيْنَ تِلْكَ الْأَرْوَاحِ مُنَازَعَةٌ وَمُشَاكَسَةٌ ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَثَلُ مُطَابِقًا ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : هَذِهِ الْأَصْنَامُ تَمَاثِيلُ الْأَشْخَاصِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالزُّهَّادِ الَّذِينَ مَضَوْا ، فَهُمْ يَعْبُدُونَ هَذِهِ التَّمَاثِيلَ لِتَصِيرَ أُولَئِكَ الْأَشْخَاصُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالزُّهَّادِ شُفَعَاءَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ ، وَالْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ تَزْعُمُ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ أَنَّ الْمُحِقَّ هُوَ
[ ص: 242 ] ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي هُوَ عَلَى دِينِهِ ، وَأَنَّ مَنْ سِوَاهُ مُبْطِلٌ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَيْضًا يَنْطَبِقُ الْمِثَالُ ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْمِثَالَ مُطَابِقٌ لِلْمَقْصُودِ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=29هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ) ، فَالتَّقْدِيرُ : هَلْ يَسْتَوِيَانِ صِفَةً ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=29مَثَلًا ) نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ ، وَالْمَعْنَى : هَلْ تَسْتَوِي صِفَتَاهُمَا وَحَالَتَاهُمَا ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ فِي التَّمْيِيزِ عَلَى الْوَاحِدِ لِبَيَانِ الْجِنْسِ ، وَقُرِئَ : " مَثَلَيْنِ " ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=29الْحَمْدُ لِلَّهِ ) وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ الْقَوْلُ بِإِثْبَاتِ الشُّرَكَاءِ وَالْأَنْدَادِ ، وَثَبَتَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الْحَقُّ ، ثَبَتَ أَنَّ الْحَمْدَ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=29بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) أَيْ : لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْحَمْدَ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ ، وَأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْعِبَادَةِ هُوَ اللَّهُ لَا غَيْرُهُ ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمَّا سَبَقَتْ هَذِهِ الدَّلَائِلُ الظَّاهِرَةُ وَالْبَيِّنَاتُ الْبَاهِرَةُ ، قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى حُصُولِ هَذِهِ الْبَيَانَاتِ وَظُهُورِ هَذِهِ الْبَيِّنَاتِ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ الْخَلْقِ لَمْ يَعْرِفُوهَا وَلَمْ يَقِفُوا عَلَيْهَا ، وَلَمَّا تَمَّمَ اللَّهُ هَذِهِ الْبَيَانَاتِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=30إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) .
وَالْمُرَادُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَقْوَامَ وَإِنْ لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى هَذِهِ الدَّلَائِلِ الْقَاهِرَةِ بِسَبَبِ اسْتِيلَاءِ الْحِرْصِ وَالْحَسَدِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا ، فَلَا تُبَالِ يَا
مُحَمَّدُ بِهَذَا ، فَإِنَّكَ سَتَمُوتُ وَهُمْ أَيْضًا سَيَمُوتُونَ ، ثُمَّ تُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَخْتَصِمُونَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْعَادِلُ الْحَقُّ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ، فَيُوصِلُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ حَقُّهُ ، وَحِينَئِذٍ يَتَمَيَّزُ الْمُحِقُّ مِنَ الْمُبْطِلِ ، وَالصِّدِّيقُ مِنَ الزِّنْدِيقِ ، فَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=30إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) أَيْ : إِنَّكَ وَإِيَّاهُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ أَحْيَاءً ، فَإِنَّكَ وَإِيَّاهُمْ فِي أَعْدَادِ الْمَوْتَى ، لِأَنَّ كُلَّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى نَوْعًا آخَرَ مِنْ قَبَائِحِ أَفْعَالِهِمْ ، وَهُوَ أَنَّهُمْ يَكْذِبُونَ ، وَيَضُمُّونَ إِلَيْهِ أَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَ الْقَائِلَ الْمُحِقَّ ، أَمَّا أَنَّهُمْ يَكْذِبُونَ فَهُوَ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا لِلَّهِ وَلَدًا وَشُرَكَاءَ .
وَأَمَّا أَنَّهُمْ مُصِرُّونَ عَلَى تَكْذِيبِ الصَّادِقِينَ ، فَلِأَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ قِيَامِ الدَّلَالَةِ الْقَاطِعَةِ عَلَى كَوْنِهِ صَادِقًا فِي ادِّعَاءِ النُّبُوَّةِ ، ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِالْوَعِيدِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=32أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ ) ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ تَمَسَّكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي تَكْفِيرِ الْمُخَالِفِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُخَالِفَ فِي الْمَسَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ كُلِّهَا يَكُونُ كَاذِبًا فِي قَوْلِهِ ، وَيَكُونُ مُكَذِّبًا لِلْمَذْهَبِ الَّذِي هُوَ الْحَقُّ ، فَوَجَبَ دُخُولُهُ تَحْتَ هَذَا الْوَعِيدِ .