(
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=49فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=50قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=51فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=52أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ) .
[ ص: 250 ] قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=49فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=50قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=51فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=52أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ) .
اعلم أن هذا حكاية طريقة أخرى من طرائقهم الفاسدة ، وذلك لأنهم
nindex.php?page=treesubj&link=30549عند الوقوع في الضر الذي هو الفقر والمرض يفزعون إلى الله تعالى ، ويرون أن دفع ذلك لا يكون إلا منه ، ثم إنه تعالى إذا خولهم النعمة ، وهي إما السعة في المال أو العافية في النفس ، زعم أنه إنما حصل ذلك بكسبه وبسبب جهده وجده ، فإن كان مالا قال : إنما حصل بكسبي ، وإن كان صحة قال : إنما حصل ذلك بسبب العلاج الفلاني ، وهذا تناقض عظيم ، لأنه كان في حال العجز والحاجة أضاف الكل إلى الله ، وفي حال السلامة والصحة قطعه عن الله ، وأسنده إلى كسب نفسه ، وهذا تناقض قبيح ، فبين تعالى قبح طريقتهم فيما هم عليه عند الشدة والرخاء بلفظة وجيزة فصيحة ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=49بل هي فتنة ) يعني النعمة التي خولها هذا الكافر فتنة ، لأن عند حصولها يجب الشكر ، وعند فواتها يجب الصبر ، ومن هذا حاله يوصف بأنه فتنة من حيث يختبر عنده حال من أوتي النعمة ، كما يقال : فتنت الذهب بالنار ، إذا عرضته على النار لتعرف خلاصته .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=49ولكن أكثرهم لا يعلمون ) والمعنى ما قدمنا أن هذا التخويل إنما كان لأجل الاختبار ، وبقي في الآية أبحاث نذكرها في معرض السؤال والجواب .
السؤال الأول : ما السبب في عطف هذه الآية بالفاء ههنا ، وعطف مثلها في أول السورة بالواو ؟ والجواب : أنه تعالى حكى عنهم قبل هذه الآية أنهم يشمئزون من سماع التوحيد ويستبشرون بسماع ذكر الشركاء ، ثم ذكر بفاء التعقيب أنهم إذا وقعوا في الضر والبلاء والتجئوا إلى الله تعالى وحده ، كان الفعل الأول مناقضا للفعل الثاني ، فهذا هو الفائدة في ذكر فاء التعقيب ههنا . فأما الآية الأولى فليس المقصود منها بيان وقوعهم في التناقض في الحال ، فلا جرم " ذكر الله " بحرف الواو لا بحرف الفاء .
السؤال الثاني : ما معنى التخويل ؟ الجواب : التخويل هو التفضل ، يعني : نحن نتفضل عليه ، وهو يظن أنه إنما وجده بالاستحقاق .
السؤال الثالث : ما
nindex.php?page=treesubj&link=30549_29010المراد من قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=49إنما أوتيته على علم ) ؟ الجواب : يحتمل أن يكون المراد : إنما أوتيته على علم الله بكوني مستحقا لذلك ، ويحتمل أن يكون المراد : إنما أوتيته على علمي بكوني مستحقا له ، ويحتمل أن يكون المراد : إنما أوتيته على علم لأجل ذلك العلم قدرت على اكتسابه مثل أن يكون مريضا فيعالج نفسه ، فيقول : إنما وجدت الصحة لعلمي بكيفية العلاج ، وإنما وجدت المال لعلمي بكيفية الكسب .
السؤال الرابع : النعمة مؤنثة ، والضمير في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=49أوتيته ) عائد على النعمة ، فضمير التذكير كيف عاد إلى المؤنث ، بل قال بعده : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=49بل هي فتنة ) فجعل الضمير مؤنثا ، فما السبب فيه ؟ والجواب : أن التقدير : حتى إذا خولناه شيئا من النعمة ، فلفظ النعمة مؤنث ، ومعناه مذكر ، فلا جرم جاز الأمران .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=50قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ) الضمير في " قالها " راجع إلى قوله :
[ ص: 251 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=78إنما أوتيته على علم عندي ) لأنها كلمة أو جملة من المقول ( والذين من قبلهم ) هم قارون وقومه حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=78إنما أوتيته على علم عندي ) وقومه راضون به ، فكأنهم قالوها ، ويجوز أيضا أن يكون في الأمم الخالية قائلون مثلها .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=50nindex.php?page=treesubj&link=29010_30539_30532فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ) أي : ما أغنى عنهم ذلك الاعتقاد الباطل والقول الفاسد الذي اكتسبوه من عذاب الله شيئا ، بل أصابهم سيئات ما كسبوا ، ولما بين في أولئك المتقدمين أنهم أصابهم سيئات ما كسبوا ، أي : عذاب عقائدهم الباطلة وأقوالهم الفاسدة قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=51وما هم بمعجزين ) أي : لا يعجزونني في الدنيا والآخرة .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=52nindex.php?page=treesubj&link=29010_28791_19630أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) يعني : أولم يعلموا أن الله تعالى هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء تارة ، ويقبض تارة أخرى ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=52ويقدر ) أي ويقتر ويضيق ، والدليل عليه : أنا نرى الناس مختلفين في سعة الرزق وضيقه ، ولا بد له من سبب ، وذلك السبب ليس هو عقل الرجل وجهله ، لأنا نرى العاقل القادر في أشد الضيق ، ونرى الجاهل المريض الضعيف في أعظم السعة ، وليس ذلك أيضا لأجل الطبائع والأنجم والأفلاك ، لأن في الساعة التي ولد فيها ذلك الملك الكبير والسلطان القاهر ، قد ولد فيه أيضا عالم من الناس وعالم من الحيوانات غير الإنسان ، ويولد أيضا في تلك الساعة عالم من النبات ، فلما شاهدنا حدوث هذه الأشياء الكثيرة في تلك الساعة الواحدة مع كونها مختلفة في السعادة والشقاوة ، علمنا أنه ليس المؤثر في السعادة والشقاوة هو الطالع ، ولما بطلت هذه الأقسام ، علمنا أن المؤثر فيه هو الله سبحانه ، وصح بهذا البرهان العقلي القاطع على صحة قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=52أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) .
قال الشاعر :
فلا السعد يقضي به المشتري ولا النحس يقضي علينا زحل ولكنه حكم رب السما
ء وقاضي القضاة تعالى وجل
(
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=49فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=50قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=51فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بُمُعْجِزِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=52أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) .
[ ص: 250 ] قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=49فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=50قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=51فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=52أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) .
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا حِكَايَةُ طَرِيقَةٍ أُخْرَى مِنْ طَرَائِقِهِمُ الْفَاسِدَةِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=30549عِنْدَ الْوُقُوعِ فِي الضُّرِّ الَّذِي هُوَ الْفَقْرُ وَالْمَرَضُ يَفْزَعُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَيَرَوْنَ أَنَّ دَفْعَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْهُ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى إِذَا خَوَّلَهُمُ النِّعْمَةَ ، وَهِيَ إِمَّا السَّعَةُ فِي الْمَالِ أَوِ الْعَافِيَةُ فِي النَّفْسِ ، زَعَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا حَصَلَ ذَلِكَ بِكَسْبِهِ وَبِسَبَبِ جُهْدِهِ وَجِدِّهِ ، فَإِنْ كَانَ مَالًا قَالَ : إِنَّمَا حَصَلَ بِكَسْبِي ، وَإِنْ كَانَ صِحَّةً قَالَ : إِنَّمَا حَصَلَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْعِلَاجِ الْفُلَانِيِّ ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ عَظِيمٌ ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي حَالِ الْعَجْزِ وَالْحَاجَةِ أَضَافَ الْكُلَّ إِلَى اللَّهِ ، وَفِي حَالِ السَّلَامَةِ وَالصِّحَّةِ قَطَعَهُ عَنِ اللَّهِ ، وَأَسْنَدَهُ إِلَى كَسْبِ نَفْسِهِ ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ قَبِيحٌ ، فَبَيَّنَ تَعَالَى قُبْحَ طَرِيقَتِهِمْ فِيمَا هُمْ عَلَيْهِ عِنْدَ الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ بِلَفْظَةٍ وَجِيزَةٍ فَصِيحَةٍ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=49بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ ) يَعْنِي النِّعْمَةَ الَّتِي خَوَّلَهَا هَذَا الْكَافِرَ فِتْنَةً ، لِأَنَّ عِنْدَ حُصُولِهَا يَجِبُ الشُّكْرُ ، وَعِنْدَ فَوَاتِهَا يَجِبُ الصَّبْرُ ، وَمَنْ هَذَا حَالُهُ يُوصَفُ بِأَنَّهُ فِتْنَةٌ مِنْ حَيْثُ يُخْتَبَرُ عِنْدَهُ حَالُ مَنْ أُوتِيَ النِّعْمَةَ ، كَمَا يُقَالُ : فَتَنْتُ الذَّهَبَ بِالنَّارِ ، إِذَا عَرَضْتَهُ عَلَى النَّارِ لِتَعْرِفَ خُلَاصَتَهُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=49وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) وَالْمَعْنَى مَا قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا التَّخْوِيلَ إِنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ الِاخْتِبَارِ ، وَبَقِيَ فِي الْآيَةِ أَبْحَاثٌ نَذْكُرُهَا فِي مَعْرِضِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ .
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : مَا السَّبَبُ فِي عَطْفِ هَذِهِ الْآيَةِ بِالْفَاءِ هَهُنَا ، وَعَطْفِ مِثْلِهَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ بِالْوَاوِ ؟ وَالْجَوَابُ : أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْهُمْ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُمْ يَشْمَئِزُّونَ مِنْ سَمَاعِ التَّوْحِيدِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِسَمَاعِ ذِكْرِ الشُّرَكَاءِ ، ثُمَّ ذَكَرَ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ أَنَّهُمْ إِذَا وَقَعُوا فِي الضُّرِّ وَالْبَلَاءِ وَالْتَجَئُوا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ ، كَانَ الْفِعْلُ الْأَوَّلُ مُنَاقِضًا لِلْفِعْلِ الثَّانِي ، فَهَذَا هُوَ الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ فَاءِ التَّعْقِيبِ هَهُنَا . فَأَمَّا الْآيَةُ الْأُولَى فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا بَيَانَ وُقُوعِهِمْ فِي التَّنَاقُضِ فِي الْحَالِ ، فَلَا جَرَمَ " ذُكِرَ اللَّهُ " بِحَرْفِ الْوَاوِ لَا بِحَرْفِ الْفَاءِ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : مَا مَعْنَى التَّخْوِيلِ ؟ الْجَوَابُ : التَّخْوِيلُ هُوَ التَّفَضُّلُ ، يَعْنِي : نَحْنُ نَتَفَضَّلُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ إِنَّمَا وَجَدَهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ .
السُّؤَالُ الثَّالِثُ : مَا
nindex.php?page=treesubj&link=30549_29010الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=49إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ ) ؟ الْجَوَابُ : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ : إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ بِكَوْنِي مُسْتَحِقًّا لِذَلِكَ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ : إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمِي بِكَوْنِي مُسْتَحِقًّا لَهُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ : إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْعِلْمِ قَدِرْتُ عَلَى اكْتِسَابِهِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا فَيُعَالِجَ نَفْسَهُ ، فَيَقُولُ : إِنَّمَا وَجَدْتُ الصِّحَّةَ لِعِلْمِي بِكَيْفِيَّةِ الْعِلَاجِ ، وَإِنَّمَا وَجَدْتُ الْمَالَ لِعِلْمِي بِكَيْفِيَّةِ الْكَسْبِ .
السُّؤَالُ الرَّابِعُ : النِّعْمَةُ مُؤَنَّثَةٌ ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=49أُوتِيتُهُ ) عَائِدٌ عَلَى النِّعْمَةِ ، فَضَمِيرُ التَّذْكِيرِ كَيْفَ عَادَ إِلَى الْمُؤَنَّثِ ، بَلْ قَالَ بَعْدَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=49بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ ) فَجُعِلَ الضَّمِيرُ مُؤَنَّثًا ، فَمَا السَّبَبُ فِيهِ ؟ وَالْجَوَابُ : أَنَّ التَّقْدِيرَ : حَتَّى إِذَا خَوَّلْنَاهُ شَيْئًا مِنَ النِّعْمَةِ ، فَلَفْظُ النِّعْمَةِ مُؤَنَّثٌ ، وَمَعْنَاهُ مُذَكَّرٌ ، فَلَا جَرَمَ جَازَ الْأَمْرَانِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=50قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ ) الضَّمِيرُ فِي " قَالَهَا " رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ :
[ ص: 251 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=78إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ) لِأَنَّهَا كَلِمَةٌ أَوْ جُمْلَةٌ مِنَ الْمَقُولِ ( وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) هُمْ قَارُونُ وَقَوْمُهُ حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=78إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ) وَقَوْمُهُ رَاضُونَ بِهِ ، فَكَأَنَّهُمْ قَالُوهَا ، وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ فِي الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ قَائِلُونَ مِثْلَهَا .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=50nindex.php?page=treesubj&link=29010_30539_30532فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) أَيْ : مَا أَغْنَى عَنْهُمْ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ الْبَاطِلُ وَالْقَوْلُ الْفَاسِدُ الَّذِي اكْتَسَبُوهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ شَيْئًا ، بَلْ أَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا ، وَلَمَّا بَيَّنَ فِي أُولَئِكَ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُمْ أَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا ، أَيْ : عَذَابُ عَقَائِدِهِمُ الْبَاطِلَةِ وَأَقْوَالِهِمُ الْفَاسِدَةِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=51وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ ) أَيْ : لَا يُعْجِزُونَنِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=52nindex.php?page=treesubj&link=29010_28791_19630أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ) يَعْنِي : أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ تَارَةً ، وَيَقْبِضُ تَارَةً أُخْرَى ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=52وَيَقْدِرُ ) أَيْ وَيُقَتِّرُ وَيُضَيِّقُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ : أَنَّا نَرَى النَّاسَ مُخْتَلِفِينَ فِي سَعَةِ الرِّزْقِ وَضِيقِهِ ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ ، وَذَلِكَ السَّبَبُ لَيْسَ هُوَ عَقْلَ الرَّجُلِ وَجَهْلَهُ ، لِأَنَّا نَرَى الْعَاقِلَ الْقَادِرَ فِي أَشَدِّ الضِّيقِ ، وَنَرَى الْجَاهِلَ الْمَرِيضَ الضَّعِيفَ فِي أَعْظَمِ السَّعَةِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ أَيْضًا لِأَجْلِ الطَّبَائِعِ وَالْأَنْجُمِ وَالْأَفْلَاكِ ، لِأَنَّ فِي السَّاعَةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا ذَلِكَ الْمُلْكُ الْكَبِيرُ وَالسُّلْطَانُ الْقَاهِرُ ، قَدْ وُلِدَ فِيهِ أَيْضًا عَالَمٌ مِنَ النَّاسِ وَعَالَمٌ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ غَيْرَ الْإِنْسَانِ ، وَيُولَدُ أَيْضًا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ عَالَمٌ مِنَ النَّبَاتِ ، فَلَمَّا شَاهَدْنَا حُدُوثَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْكَثِيرَةِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ مَعَ كَوْنِهَا مُخْتَلِفَةً فِي السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ ، عَلِمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُؤَثِّرُ فِي السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ هُوَ الطَّالِعَ ، وَلَمَّا بَطُلَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ ، عَلِمْنَا أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِيهِ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ، وَصَحَّ بِهَذَا الْبُرْهَانُ الْعَقْلِيُّ الْقَاطِعُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=52أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ) .
قَالَ الشَّاعِرُ :
فَلَا السَّعْدُ يَقْضِي بِهِ الْمُشْتَرِي وَلَا النَّحْسُ يَقْضِي عَلَيْنَا زُحَلْ وَلَكِنَّهُ حُكْمُ رَبِّ السَّمَا
ءِ وَقَاضِي الْقُضَاةِ تَعَالَى وَجَلْ