[ ص: 67 ] [ سورة الفتح ]
وهي عشرون وتسع آيات مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إنا فتحنا لك فتحا مبينا nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=2ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=3وينصرك الله نصرا عزيزا ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
: (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إنا فتحنا لك فتحا مبينا nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=2ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=3وينصرك الله نصرا عزيزا ) . وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في الفتح وجوه :
أحدها : فتح
مكة وهو ظاهر .
وثانيها : فتح
الروم وغيرها .
وثالثها : المراد من الفتح صلح
الحديبية .
ورابعها : فتح الإسلام بالحجة والبرهان ، والسيف والسنان .
وخامسها : المراد منه الحكم كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ) [الأعراف : 89] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=26ثم يفتح بيننا بالحق ) [سبأ : 26] والمختار من الكل وجوه :
أحدها : فتح
مكة .
والثاني : فتح
الحديبية .
والثالث : فتح الإسلام بالآية والبيان والحجة والبرهان .
والأول مناسب لآخر ما قبلها من وجوه
أحدها : أنه تعالى لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله ) [محمد : 38] إلى أن قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه ) [محمد : 38] بين تعالى أنه فتح لهم
مكة وغنموا ديارهم وحصل لهم أضعاف ما أنفقوا ولو بخلوا لضاع عليهم ذلك فلا يكون بخلهم إلا على أنفسهم .
ثانيها : لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=35والله معكم ) [محمد : 35] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=35وأنتم الأعلون ) [محمد : 35] بين برهانه بفتح
مكة ، فإنهم كانوا هم الأعلون .
ثالثها : لما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=35فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم ) [محمد : 35] وكان معناه لا تسألوا الصلح من عندكم ، بل اصبروا فإنهم يسألون الصلح ويجتهدون فيه كما كان يوم
الحديبية وهو المراد بالفتح في أحد الوجوه ، وكما كان فتح
مكة حيث أتى صناديد
قريش مستأمنين ومؤمنين ومسلمين ، فإن قيل : إن كان المراد فتح
مكة ،
فمكة لم تكن قد فتحت ، فكيف قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1فتحنا لك فتحا مبينا ) بلفظ الماضي ؟ نقول : الجواب عنه من وجهين :
أحدهما : فتحنا في حكمنا وتقديرنا ثانيهما : ما
[ ص: 68 ] قدره الله تعالى فهو كائن ، فأخبر بصيغة الماضي إشارة إلى أنه أمر لا دافع له ، واقع لا رافع له .
المسألة الثانية : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=2ليغفر لك الله ) ينبئ عن كون الفتح سببا للمغفرة ، والفتح لا يصلح سببا للمغفرة ، فما الجواب عنه ؟ نقول : الجواب عنه من وجوه :
الأول : ما قيل إن الفتح لم يجعله سببا للمغفرة وحدها ، بل هو سبب لاجتماع الأمور المذكورة وهي : المغفرة ، وإتمام النعمة والهداية والنصرة ، كأنه تعالى قال : ليغفر لك الله ويتم نعمته ويهديك وينصرك ، ولا شك أن الاجتماع لم يثبت إلا بالفتح ، فإن النعمة به تمت ، والنصرة بعده قد عمت .
الثاني : هو أن
nindex.php?page=treesubj&link=30886_30890فتح مكة كان سببا لتطهير بيت الله تعالى من رجس الأوثان ، وتطهير بيته صار سببا لتطهير عبده .
الثالث : هو أن بالفتح يحصل الحج ، ثم بالحج تحصل المغفرة ، ألا ترى إلى دعاء النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال في الحج : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013716اللهم اجعله حجا مبرورا ، وسعيا مشكورا ، وذنبا مغفورا " .
الرابع : المراد منه التعريف تقديره : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إنا فتحنا لك ) ليعرف أنك مغفور معصوم ، فإن الناس كانوا علموا بعد عام الفيل أن
مكة لا يأخذها عدو الله المسخوط عليه ، وإنما يدخلها ويأخذها حبيب الله المغفور له .
المسألة الثالثة : لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم ذنب ، فماذا يغفر له ؟ قلنا : الجواب عنه قد تقدم مرارا من وجوه
أحدها : المراد ذنب المؤمنين .
ثانيها : المراد ترك الأفضل .
ثالثها :
nindex.php?page=treesubj&link=28751_21384_21377الصغائر فإنها جائزة على الأنبياء بالسهو والعمد ، وهو يصونهم عن العجب .
رابعها : المراد العصمة ، وقد بينا وجهه في سورة القتال .
المسألة الرابعة : ما معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=2وما تأخر ) ؟ نقول فيه وجوه
أحدها : أنه وعد النبي عليه السلام بأنه لا يذنب بعد النبوة .
ثانيها : ما تقدم على الفتح ، وما تأخر عن الفتح .
ثالثها : العموم يقال : اضرب من لقيت ومن لا تلقاه ، مع أن من لا يلقى لا يمكن ضربه إشارة إلى العموم .
رابعها : من قبل النبوة ومن بعدها ، وعلى هذا فما قبل النبوة بالعفو وما بعدها بالعصمة ، وفيه وجوه أخر ساقطة ، منها قول بعضهم : ما تقدم من أمر
مارية ، وما تأخر من أمر
زينب ، وهو أبعد الوجوه وأسقطها لعدم التئام الكلام .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=2ويتم نعمته عليك ) يحتمل وجوها :
أحدها : هو أن التكاليف عند الفتح تمت حيث وجب الحج ، وهو آخر التكاليف ، والتكاليف نعم .
ثانيها : يتم نعمته عليك بإخلاء الأرض لك عن معانديك ، فإن يوم الفتح لم يبق للنبي عليه الصلاة والسلام عدو ذو اعتبار ، فإن بعضهم كانوا أهلكوا يوم
بدر والباقون آمنوا واستأمنوا يوم الفتح .
ثالثها : ويتم نعمته عليك في الدنيا باستجابة دعائك في طلب الفتح ، وفي الآخرة بقول شفاعتك في الذنوب ولو كانت في غاية القبح ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=2ويهديك صراطا مستقيما ) يحتمل وجوها : ( أظهرها ) : يديمك على الصراط المستقيم حتى لا يبقى من يلتفت إلى قوله من المضلين ، أو ممن يقدر على الإكراه على الكفر ، وهذا يوافق قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3ورضيت لكم الإسلام دينا ) [المائدة : 3] حيث أهلكت المجادلين فيه ، وحملتهم على الإيمان .
وثانيها : أن يقال : جعل الفتح سببا للهداية إلى الصراط المستقيم ، لأنه سهل على المؤمنين الجهاد لعلمهم بالفوائد العاجلة بالفتح والآجلة بالوعد ، والجهاد سلوك سبيل الله ، ولهذا يقال للغازي في سبيل الله مجاهد .
وثالثها : ما ذكرنا أن المراد التعريف ، أي ليعرف أنك على صراط مستقيم ، من حيث إن
nindex.php?page=treesubj&link=29677الفتح لا يكون إلا على يد من يكون على صراط الله بدليل حكاية الفيل ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=3وينصرك الله نصرا عزيزا ) ظاهر ، لأن بالفتح ظهر النصر واشتهر الأمر ، وفيه مسألتان إحداهما لفظية والأخرى معنوية :
[ ص: 69 ] أما المسألة اللفظية : فهي أن الله وصف النصر بكونه عزيزا ، والعزيز من له النصر : ( والجواب ) : من وجهين :
أحدهما : ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، أنه يحتمل وجوها ثلاثة :
الأول : معناه : نصر إذ عز ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=21في عيشة راضية ) [الحاقة : 21] أي ذات رضى .
الثاني : وصف النصر بما يوصف به المنصور إسنادا مجازيا ، يقال : له كلام صادق ، كما يقال له : صادق .
الثالث : وصف النصر عزيزا صاحبه . الوجه الثاني من الجواب أن نقول : إنما يلزمنا ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري من التقديرات إذا قلنا : العزة من الغلبة ، والعزيز الغالب ، وأما إذا قلنا : العزيز هو النفيس القليل النظير ، أو المحتاج إليه القليل الوجود ، يقال : عز الشيء إذا قل وجوده مع أنه محتاج إليه ، فالنصر كان محتاجا إليه ومثله لم يوجد وهو أخذ بيت الله من الكفار المتمكنين فيه من غير عدد .
أما المسألة المعنوية : وهي أن الله تعالى لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=2ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك ) أبرز الفاعل وهو الله ، ثم عطف عليه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=2ويتم ) وبقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=2ويهديك ) ولم يذكر لفظ الله على الوجه الحسن في الكلام ، وهو أن الأفعال الكثيرة إذا صدرت من فاعل يظهر اسمه في الفعل الأول ، ولا يظهر فيما بعده تقول : جاء زيد وتكلم وقام وراح ، ولا تقول : جاء زيد وقعد زيد اختصارا للكلام بالاقتصار على الأول ، وههنا لم يقل وينصرك نصرا ، بل أعاد لفظ الله ، فنقول هذا إرشاد إلى طريق النصر ، ولهذا قلما ذكر الله النصر من غير إضافة ، فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=5بنصر الله ينصر ) [الروم : 5] ولم يقل بالنصر ينصر ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=62هو الذي أيدك بنصره ) [الأنفال : 62] ولم يقل بالنصر ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=1إذا جاء نصر الله والفتح ) [النصر : 1] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=13نصر من الله وفتح قريب ) ولم يقل نصر وفتح ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=126وما النصر إلا من عند الله ) [آل عمران : 126] وهذا أدل الآيات على مطلوبنا ، وتحقيقه هو أن النصر بالصبر ، والصبر بالله ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127واصبر وما صبرك إلا بالله ) [النحل : 127] وذلك لأن الصبر سكون القلب واطمئنانه ، وذلك بذكر الله ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=28ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) [الرعد : 28] فلما قال ههنا وينصرك الله ، أظهر لفظ الله ذكرا للتعليم أن بذكر الله يحصل اطمئنان القلوب ، وبه يحصل الصبر ، وبه يتحقق النصر ، وههنا مسألة أخرى وهو أن الله تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إنا فتحنا ) ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=2ليغفر لك الله ) ولم يقل إنا فتحنا لنغفر لك تعظيما لأمر الفتح ، وذلك لأن المغفرة وإن كانت عظيمة لكنها عامة لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53إن الله يغفر الذنوب جميعا ) [الزمر :53] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [النساء : 48] ولئن قلنا بأن المراد من
nindex.php?page=treesubj&link=31061المغفرة في حق النبي عليه السلام العصمة ، فذلك لم يختص بنبينا ، بل غيره من الرسل كان معصوما ، وإتمام النعمة كذلك ، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) [المائدة : 3] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ) [البقرة : 40] وكذلك الهداية قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=27ويهدي إليه من أناب ) [الرعد :27] فعمم ، وكذلك النصر قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=171ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=172إنهم لهم المنصورون ) [الصافات : 171 ، 172] وأما الفتح فلم يكن لأحد غير النبي صلى الله عليه وسلم ، فعظمه بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إنا فتحنا لك فتحا ) وفيه التعظيم من وجهين أحدهما : إنا .
وثانيهما : لك أي لأجلك على وجه المنة .
[ ص: 67 ] [ سُورَةُ الْفَتْحِ ]
وَهِيَ عِشْرُونَ وَتِسْعُ آيَاتٍ مَدَنِيَّةٍ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=2لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=3وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا ) .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
: (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=2لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=3وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا ) . وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي الْفَتْحِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : فَتْحُ
مَكَّةَ وَهُوَ ظَاهِرٌ .
وَثَانِيهَا : فَتْحُ
الرُّومِ وَغَيْرِهَا .
وَثَالِثُهَا : الْمُرَادُ مِنَ الْفَتْحِ صُلْحُ
الْحُدَيْبِيَةِ .
وَرَابِعُهَا : فَتْحُ الْإِسْلَامِ بِالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ ، وَالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ .
وَخَامِسُهَا : الْمُرَادُ مِنْهُ الْحُكْمُ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ ) [الْأَعْرَافِ : 89] وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=26ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ ) [سَبَأٍ : 26] وَالْمُخْتَارُ مِنَ الْكُلِّ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : فَتْحُ
مَكَّةَ .
وَالثَّانِي : فَتْحُ
الْحُدَيْبِيَةِ .
وَالثَّالِثُ : فَتْحُ الْإِسْلَامِ بِالْآيَةِ وَالْبَيَانِ وَالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ .
وَالْأَوَّلُ مُنَاسِبٌ لِآخِرِ مَا قَبْلَهَا مِنْ وُجُوهٍ
أَحَدُهَا : أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) [مُحَمَّدٍ : 38] إِلَى أَنْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ ) [مُحَمَّدٍ : 38] بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ فَتَحَ لَهُمْ
مَكَّةَ وَغَنِمُوا دِيَارَهُمْ وَحَصَلَ لَهُمْ أَضْعَافُ مَا أَنْفَقُوا وَلَوْ بَخِلُوا لَضَاعَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ بُخْلُهُمْ إِلَّا عَلَى أَنْفُسِهِمْ .
ثَانِيهَا : لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=35وَاللَّهُ مَعَكُمْ ) [مُحَمَّدٍ : 35] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=35وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ) [مُحَمَّدٍ : 35] بَيَّنَ بُرْهَانَهُ بِفَتْحِ
مَكَّةَ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا هُمُ الْأَعْلَوْنَ .
ثَالِثُهَا : لَمَّا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=35فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ ) [مُحَمَّدٍ : 35] وَكَانَ مَعْنَاهُ لَا تَسْأَلُوا الصُّلْحَ مِنْ عِنْدِكُمْ ، بَلِ اصْبِرُوا فَإِنَّهُمْ يَسْأَلُونَ الصُّلْحَ وَيَجْتَهِدُونَ فِيهِ كَمَا كَانَ يَوْمُ
الْحُدَيْبِيَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْفَتْحِ فِي أَحَدِ الْوُجُوهِ ، وَكَمَا كَانَ فَتْحُ
مَكَّةَ حَيْثُ أَتَى صَنَادِيدَ
قُرَيْشٍ مُسْتَأْمِنِينَ وَمُؤْمِنِينَ وَمُسْلِمِينَ ، فَإِنْ قِيلَ : إِنْ كَانَ الْمُرَادُ فَتْحَ
مَكَّةَ ،
فَمَكَّةُ لَمْ تَكُنْ قَدْ فُتِحَتْ ، فَكَيْفَ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ) بِلَفْظِ الْمَاضِي ؟ نَقُولُ : الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : فَتَحْنَا فِي حُكْمِنَا وَتَقْدِيرِنَا ثَانِيهِمَا : مَا
[ ص: 68 ] قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ كَائِنٌ ، فَأَخْبَرَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ أَمْرٌ لَا دَافِعَ لَهُ ، وَاقِعٌ لَا رَافِعَ لَهُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=2لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ) يُنْبِئُ عَنْ كَوْنِ الْفَتْحِ سَبَبًا لِلْمَغْفِرَةِ ، وَالْفَتْحُ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمَغْفِرَةِ ، فَمَا الْجَوَابُ عَنْهُ ؟ نَقُولُ : الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : مَا قِيلَ إِنَّ الْفَتْحَ لَمْ يَجْعَلْهُ سَبَبًا لِلْمَغْفِرَةِ وَحْدَهَا ، بَلْ هُوَ سَبَبٌ لِاجْتِمَاعِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ : الْمَغْفِرَةُ ، وَإِتْمَامُ النِّعْمَةِ وَالْهِدَايَةِ وَالنُّصْرَةِ ، كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ وَيَهْدِيَكَ وَيَنْصُرَكَ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاجْتِمَاعَ لَمْ يَثْبُتْ إِلَّا بِالْفَتْحِ ، فَإِنَّ النِّعْمَةَ بِهِ تَمَّتْ ، وَالنُّصْرَةَ بَعْدَهُ قَدْ عَمَّتْ .
الثَّانِي : هُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30886_30890فَتْحَ مَكَّةَ كَانَ سَبَبًا لِتَطْهِيرِ بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِجْسِ الْأَوْثَانِ ، وَتَطْهِيرُ بَيْتِهِ صَارَ سَبَبًا لِتَطْهِيرِ عَبْدِهِ .
الثَّالِثُ : هُوَ أَنَّ بِالْفَتْحِ يَحْصُلُ الْحَجُّ ، ثُمَّ بِالْحَجِّ تَحْصُلُ الْمَغْفِرَةُ ، أَلَا تَرَى إِلَى دُعَاءِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَيْثُ قَالَ فِي الْحَجِّ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013716اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا ، وَسَعْيًا مَشْكُورًا ، وَذَنْبًا مَغْفُورًا " .
الرَّابِعُ : الْمُرَادُ مِنْهُ التَّعْرِيفُ تَقْدِيرُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ ) لِيُعْرَفَ أَنَّكَ مَغْفُورٌ مَعْصُومٌ ، فَإِنَّ النَّاسَ كَانُوا عَلِمُوا بَعْدَ عَامِ الْفِيلِ أَنَّ
مَكَّةَ لَا يَأْخُذُهَا عَدُوُّ اللَّهِ الْمَسْخُوطُ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُهَا وَيَأْخُذُهَا حَبِيبُ اللَّهِ الْمَغْفُورُ لَهُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : لَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَنْبٌ ، فَمَاذَا يُغْفَرُ لَهُ ؟ قُلْنَا : الْجَوَابُ عَنْهُ قَدْ تَقَدَّمَ مِرَارًا مِنْ وُجُوهٍ
أَحَدُهَا : الْمُرَادُ ذَنْبُ الْمُؤْمِنِينَ .
ثَانِيهَا : الْمُرَادُ تَرْكُ الْأَفْضَلِ .
ثَالِثُهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=28751_21384_21377الصَّغَائِرُ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِالسَّهْوِ وَالْعَمْدِ ، وَهُوَ يَصُونُهُمْ عَنِ الْعَجَبِ .
رَابِعُهَا : الْمُرَادُ الْعِصْمَةُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ فِي سُورَةِ الْقِتَالِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : مَا مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=2وَمَا تَأَخَّرَ ) ؟ نَقُولُ فِيهِ وُجُوهٌ
أَحَدُهَا : أَنَّهُ وَعَدَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنَّهُ لَا يُذْنِبُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ .
ثَانِيهَا : مَا تَقَدَّمَ عَلَى الْفَتْحِ ، وَمَا تَأَخَّرَ عَنِ الْفَتْحِ .
ثَالِثُهَا : الْعُمُومُ يُقَالُ : اضْرِبْ مَنْ لَقِيتَ وَمَنْ لَا تَلْقَاهُ ، مَعَ أَنَّ مَنْ لَا يَلْقَى لَا يُمْكِنُ ضَرْبُهُ إِشَارَةً إِلَى الْعُمُومِ .
رَابِعُهَا : مِنْ قَبْلِ النُّبُوَّةِ وَمِنْ بَعْدِهَا ، وَعَلَى هَذَا فَمَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ بِالْعَفْوِ وَمَا بَعْدَهَا بِالْعِصْمَةِ ، وَفِيهِ وُجُوهٌ أُخَرُ سَاقِطَةٌ ، مِنْهَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ : مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرِ
مَارِيَةَ ، وَمَا تَأَخَّرَ مِنْ أَمْرِ
زَيْنَبَ ، وَهُوَ أَبْعَدُ الْوُجُوهِ وَأَسْقَطُهَا لِعَدَمِ الْتِئَامِ الْكَلَامِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=2وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ) يَحْتَمِلُ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : هُوَ أَنَّ التَّكَالِيفَ عِنْدَ الْفَتْحِ تَمَّتْ حَيْثُ وَجَبَ الْحَجُّ ، وَهُوَ آخِرُ التَّكَالِيفِ ، وَالتَّكَالِيفُ نِعَمٌ .
ثَانِيهَا : يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ بِإِخْلَاءِ الْأَرْضِ لَكَ عَنْ مُعَانِدِيكَ ، فَإِنَّ يَوْمَ الْفَتْحِ لَمْ يَبْقَ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَدُوٌّ ذُو اعْتِبَارٍ ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ كَانُوا أُهْلِكُوا يَوْمَ
بَدْرٍ وَالْبَاقُونَ آمَنُوا وَاسْتَأْمَنُوا يَوْمَ الْفَتْحِ .
ثَالِثُهَا : وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا بِاسْتِجَابَةِ دُعَائِكَ فِي طَلَبِ الْفَتْحِ ، وَفِي الْآخِرَةِ بِقَوْلِ شَفَاعَتِكَ فِي الذُّنُوبِ وَلَوْ كَانَتْ فِي غَايَةِ الْقُبْحِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=2وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ) يَحْتَمِلُ وُجُوهًا : ( أَظْهَرُهَا ) : يُدِيمُكَ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ حَتَّى لَا يَبْقَى مَنْ يَلْتَفِتُ إِلَى قَوْلِهِ مِنَ الْمُضِلِّينَ ، أَوْ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِكْرَاهِ عَلَى الْكُفْرِ ، وَهَذَا يُوَافِقُ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) [الْمَائِدَةِ : 3] حَيْثُ أَهْلَكْتُ الْمُجَادِلِينَ فِيهِ ، وَحَمَلْتُهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ .
وَثَانِيهَا : أَنْ يُقَالَ : جَعَلَ الْفَتْحَ سَبَبًا لِلْهِدَايَةِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ، لِأَنَّهُ سَهَّلَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْجِهَادَ لِعِلْمِهِمْ بِالْفَوَائِدِ الْعَاجِلَةِ بِالْفَتْحِ وَالْآجِلَةِ بِالْوَعْدِ ، وَالْجِهَادُ سُلُوكُ سَبِيلِ اللَّهِ ، وَلِهَذَا يُقَالُ لِلْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ مُجَاهِدٌ .
وَثَالِثُهَا : مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ التَّعْرِيفُ ، أَيْ لِيُعْرَفَ أَنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29677الْفَتْحَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى يَدِ مَنْ يَكُونُ عَلَى صِرَاطِ اللَّهِ بِدَلِيلِ حِكَايَةِ الْفِيلِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=3وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا ) ظَاهِرٌ ، لِأَنَّ بِالْفَتْحِ ظَهَرَ النَّصْرُ وَاشْتَهَرَ الْأَمْرُ ، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهُمَا لَفْظِيَّةٌ وَالْأُخْرَى مَعْنَوِيَّةٌ :
[ ص: 69 ] أَمَّا الْمَسْأَلَةُ اللَّفْظِيَّةُ : فَهِيَ أَنَّ اللَّهَ وَصَفَ النَّصْرَ بِكَوْنِهِ عَزِيزًا ، وَالْعَزِيزُ مَنْ لَهُ النَّصْرُ : ( وَالْجَوَابُ ) : مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : مَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ، أَنَّهُ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا ثَلَاثَةً :
الْأَوَّلُ : مَعْنَاهُ : نُصِرَ إِذْ عَزَّ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=21فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ) [الْحَاقَّةِ : 21] أَيْ ذَاتُ رِضًى .
الثَّانِي : وَصْفُ النَّصْرِ بِمَا يُوصَفُ بِهِ الْمَنْصُورُ إِسْنَادًا مَجَازِيًّا ، يُقَالُ : لَهُ كَلَامٌ صَادِقٌ ، كَمَا يُقَالُ لَهُ : صَادِقٌ .
الثَّالِثُ : وَصْفُ النَّصْرِ عَزِيزًا صَاحِبُهُ . الْوَجْهُ الثَّانِي مِنَ الْجَوَابِ أَنْ نَقُولَ : إِنَّمَا يَلْزَمُنَا مَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ مِنَ التَّقْدِيرَاتِ إِذَا قُلْنَا : الْعِزَّةُ مِنَ الْغَلَبَةِ ، وَالْعَزِيزُ الْغَالِبُ ، وَأَمَّا إِذَا قُلْنَا : الْعَزِيزُ هُوَ النَّفِيسُ الْقَلِيلُ النَّظِيرِ ، أَوِ الْمُحْتَاجُ إِلَيْهِ الْقَلِيلُ الْوُجُودِ ، يُقَالُ : عَزَّ الشَّيْءُ إِذَا قَلَّ وُجُودُهُ مَعَ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ ، فَالنَّصْرُ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ وَمِثْلُهُ لَمْ يُوجَدْ وَهُوَ أَخْذُ بَيْتِ اللَّهِ مِنَ الْكُفَّارِ الْمُتَمَكِّنِينَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ .
أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ : وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=2لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ ) أَبْرَزَ الْفَاعِلَ وَهُوَ اللَّهُ ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=2وَيُتِمَّ ) وَبِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=2وَيَهْدِيَكَ ) وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ اللَّهِ عَلَى الْوَجْهِ الْحَسَنِ فِي الْكَلَامِ ، وَهُوَ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْكَثِيرَةَ إِذَا صَدَرَتْ مِنْ فَاعِلٍ يَظْهَرُ اسْمُهُ فِي الْفِعْلِ الْأَوَّلِ ، وَلَا يَظْهَرُ فِيمَا بَعْدَهُ تَقُولُ : جَاءَ زَيْدٌ وَتَكَلَّمَ وَقَامَ وَرَاحَ ، وَلَا تَقُولُ : جَاءَ زَيْدٌ وَقَعَدَ زَيْدٌ اخْتِصَارًا لِلْكَلَامِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَهَهُنَا لَمْ يَقُلْ وَيَنْصُرَكَ نَصْرًا ، بَلْ أَعَادَ لَفْظَ اللَّهِ ، فَنَقُولُ هَذَا إِرْشَادٌ إِلَى طَرِيقِ النَّصْرِ ، وَلِهَذَا قَلَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ النَّصْرَ مِنْ غَيْرِ إِضَافَةٍ ، فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=5بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ ) [الرُّومِ : 5] وَلَمْ يَقُلْ بِالنَّصْرِ يَنْصُرُ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=62هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ ) [الْأَنْفَالِ : 62] وَلَمْ يَقُلْ بِالنَّصْرِ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=1إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) [النَّصْرِ : 1] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=13نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ) وَلَمْ يَقُلْ نَصْرٌ وَفَتْحٌ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=126وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) [آلِ عِمْرَانَ : 126] وَهَذَا أَدَلُّ الْآيَاتِ عَلَى مَطْلُوبِنَا ، وَتَحْقِيقُهُ هُوَ أَنَّ النَّصْرَ بِالصَّبْرِ ، وَالصَّبْرَ بِاللَّهِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ) [النَّحْلِ : 127] وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّبْرَ سُكُونُ الْقَلْبِ وَاطْمِئْنَانُهُ ، وَذَلِكَ بِذِكْرِ اللَّهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=28أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) [الرَّعْدِ : 28] فَلَمَّا قَالَ هَهُنَا وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ ، أَظْهَرَ لَفْظَ اللَّهِ ذِكْرًا لِلتَّعْلِيمِ أَنَّ بِذِكْرِ اللَّهِ يَحْصُلُ اطْمِئْنَانُ الْقُلُوبِ ، وَبِهِ يَحْصُلُ الصَّبْرُ ، وَبِهِ يَتَحَقَّقُ النَّصْرُ ، وَهَهُنَا مَسْأَلَةٌ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إِنَّا فَتَحْنَا ) ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=2لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ) وَلَمْ يَقُلْ إِنَّا فَتَحْنَا لِنَغْفِرَ لَكَ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْفَتْحِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ وَإِنْ كَانَتْ عَظِيمَةً لَكِنَّهَا عَامَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) [الزُّمَرِ :53] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) [النِّسَاءِ : 48] وَلَئِنْ قُلْنَا بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=31061الْمَغْفِرَةِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْعِصْمَةُ ، فَذَلِكَ لَمْ يَخْتَصَّ بِنَبِيِّنَا ، بَلْ غَيْرُهُ مِنَ الرُّسُلِ كَانَ مَعْصُومًا ، وَإِتْمَامُ النِّعْمَةِ كَذَلِكَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) [الْمَائِدَةِ : 3] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ) [الْبَقَرَةِ : 40] وَكَذَلِكَ الْهِدَايَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=27وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ) [الرَّعْدِ :27] فَعَمَّمَ ، وَكَذَلِكَ النَّصْرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=171وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=172إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ) [الصَّافَّاتِ : 171 ، 172] وَأَمَّا الْفَتْحُ فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَعَظَّمَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا ) وَفِيهِ التَّعْظِيمُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : إِنَّا .
وَثَانِيهِمَا : لَكَ أَيْ لِأَجْلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمِنَّةِ .