(
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=10إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ) .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=10إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ) .
لما بين أنه مرسل ذكر أن من بايعه فقد بايع الله ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=10يد الله فوق أيديهم ) يحتمل وجوها ، وذلك أن اليد في الموضعين إما أن تكون بمعنى واحد ، وإما أن تكون بمعنيين ، فإن قلنا إنها بمعنى واحد ، ففيه وجهان :
أحدهما : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=10يد الله ) بمعنى :
nindex.php?page=treesubj&link=29703_29716نعمة الله عليهم فوق إحسانهم إلى الله كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان ) [الحجرات : 17] وثانيهما : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=10يد الله فوق أيديهم ) أي نصرته إياهم أقوى وأعلى من نصرتهم إياه ، يقال : اليد لفلان ، أي الغلبة والنصرة والقهر . وأما إن قلنا : إنها بمعنيين ، فنقول في حق الله تعالى
[ ص: 76 ] بمعنى الحفظ ، وفي حق المبايعين بمعنى الجارحة ، واليد كناية عن الحفظ مأخوذ من حال المتبايعين إذا مد كل واحد منهما يده إلى صاحبه في البيع والشراء ، وبينهما ثالث متوسط لا يريد أن يتفاسخا العقد من غير إتمام البيع ، فيضع يده على يديهما ، ويحفظ أيديهما إلى أن يتم العقد ، ولا يترك أحدهما يترك يد الآخر ، فوضع اليد فوق الأيدي صار سببا للحفظ على البيعة ، فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=10يد الله فوق أيديهم ) يحفظهم على البيعة كما يحفظ ذلك المتوسط أيدي المتبايعين ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=10فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ) أما على قولنا المراد من اليد النعمة أو الغلبة والقوة ، فلأن من نكث فوت على نفسه الإحسان الجزيل في مقابلة العمل القليل ، فقد خسر ونكثه على نفسه ، وأما على قولنا المراد الحفظ ، فهو عائد إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=10إنما يبايعون الله ) يعني
nindex.php?page=treesubj&link=30531من يبايعك أيها النبي إذا نكث لا يكون نكثه عائدا إليك؛ لأن البيعة مع الله ولا إلى الله ، لأنه لا يتضرر بشيء ، فضرره لا يعود إلا إليه . قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=10ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ) وقد ذكرنا أن العظم في الأجرام لا يقال إلا إذا اجتمع فيه الطول البالغ والعرض الواسع والسمك الغليظ ، فيقال في الجبل الذي هو مرتفع ، ولا اتساع لعرضه جبل عال أو مرتفع أو شاهق ، فإذا انضم إليه الاتساع في الجوانب يقال عظيم ، والأجر كذلك ، لأن مآكل الجنة تكون من أرفع الأجناس ، وتكون في غاية الكثرة ، وتكون ممتدة إلى الأبد لا انقطاع لها ، فحصل فيه ما يناسب أن يقال له عظيم ، والعظيم في حق الله تعالى إشارة إلى كماله في صفاته ، كما أنه في الجسم إشارة إلى كماله في جهاته .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=10إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=10إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) .
لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ ذَكَرَ أَنَّ مَنْ بَايَعَهُ فَقَدْ بَايَعَ اللَّهَ ، وَقَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=10يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) يَحْتَمِلُ وُجُوهًا ، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَدَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَيَيْنِ ، فَإِنْ قُلْنَا إِنَّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=10يَدُ اللَّهِ ) بِمَعْنَى :
nindex.php?page=treesubj&link=29703_29716نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَوْقَ إِحْسَانِهِمْ إِلَى اللَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ ) [الْحُجُرَاتِ : 17] وَثَانِيهِمَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=10يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) أَيْ نُصْرَتُهُ إِيَّاهُمْ أَقْوَى وَأَعْلَى مِنْ نُصْرَتِهِمْ إِيَّاهُ ، يُقَالُ : الْيَدُ لِفُلَانٍ ، أَيِ الْغَلَبَةُ وَالنُّصْرَةُ وَالْقَهْرُ . وَأَمَّا إِنْ قُلْنَا : إِنَّهَا بِمَعْنَيَيْنِ ، فَنَقُولُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى
[ ص: 76 ] بِمَعْنَى الْحِفْظِ ، وَفِي حَقِّ الْمُبَايِعِينَ بِمَعْنَى الْجَارِحَةِ ، وَالْيَدُ كِنَايَةٌ عَنِ الْحِفْظِ مَأْخُوذٌ مِنْ حَالِ الْمُتَبَايِعِينَ إِذَا مَدَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَهُ إِلَى صَاحِبِهِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ، وَبَيْنَهُمَا ثَالِثٌ مُتَوَسِّطٍ لَا يُرِيدُ أَنْ يَتَفَاسَخَا الْعَقْدَ مِنْ غَيْرِ إِتْمَامِ الْبَيْعِ ، فَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى يَدَيْهِمَا ، وَيَحْفَظُ أَيْدِيَهُمَا إِلَى أَنْ يَتِمَّ الْعَقْدُ ، وَلَا يَتْرُكَ أَحَدَهُمَا يَتْرُكُ يَدَ الْآخَرِ ، فَوَضْعُ الْيَدِ فَوْقَ الْأَيْدِي صَارَ سَبَبًا لِلْحِفْظِ عَلَى الْبَيْعَةِ ، فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=10يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) يَحْفَظُهُمْ عَلَى الْبَيْعَةِ كَمَا يَحْفَظُ ذَلِكَ الْمُتَوَسِّطُ أَيْدِيَ الْمُتَبَايِعِينَ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=10فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ) أَمَّا عَلَى قَوْلِنَا الْمُرَادُ مِنَ الْيَدِ النِّعْمَةُ أَوِ الْغَلَبَةُ وَالْقُوَّةُ ، فَلِأَنَّ مَنْ نَكَثَ فَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ الْإِحْسَانَ الْجَزِيلَ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ الْقَلِيلِ ، فَقَدْ خَسِرَ وَنَكْثُهُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا الْمُرَادُ الْحِفْظُ ، فَهُوَ عَائِدٌ إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=10إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ ) يَعْنِي
nindex.php?page=treesubj&link=30531مَنْ يُبَايِعُكُ أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا نَكَثَ لَا يَكُونُ نَكْثُهُ عَائِدًا إِلَيْكَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَةَ مَعَ اللَّهِ وَلَا إِلَى اللَّهِ ، لِأَنَّهُ لَا يَتَضَرَّرُ بِشَيْءٍ ، فَضَرَرُهُ لَا يَعُودُ إِلَّا إِلَيْهِ . قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=10وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْعِظَمَ فِي الْأَجْرَامِ لَا يُقَالُ إِلَّا إِذَا اجْتَمَعَ فِيهِ الطُّولُ الْبَالِغُ وَالْعَرْضُ الْوَاسِعُ وَالسُّمْكُ الْغَلِيظُ ، فَيُقَالُ فِي الْجَبَلِ الَّذِي هُوَ مُرْتَفِعٌ ، وَلَا اتِّسَاعَ لِعَرْضِهِ جَبَلٌ عَالٍ أَوْ مُرْتَفِعٌ أَوْ شَاهِقٌ ، فَإِذَا انْضَمَّ إِلَيْهِ الِاتِّسَاعُ فِي الْجَوَانِبِ يُقَالُ عَظِيمٌ ، وَالْأَجْرُ كَذَلِكَ ، لِأَنَّ مَآكِلَ الْجَنَّةِ تَكُونُ مِنْ أَرْفَعِ الْأَجْنَاسِ ، وَتَكُونُ فِي غَايَةِ الْكَثْرَةِ ، وَتَكُونُ مُمْتَدَّةً إِلَى الْأَبَدِ لَا انْقِطَاعَ لَهَا ، فَحَصَلَ فِيهِ مَا يُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ لَهُ عَظِيمٌ ، وَالْعَظِيمُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إِشَارَةٌ إِلَى كَمَالِهِ فِي صِفَاتِهِ ، كَمَا أَنَّهُ فِي الْجِسْمِ إِشَارَةٌ إِلَى كَمَالِهِ فِي جِهَاتِهِ .