(
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما ) .
" إذ " يحتمل أن يكون ظرفا فلا بد من فعل يقع فيه ويكون عاملا له ، ويحتمل أن يكون مفعولا به ، فإن قلنا : إنه ظرف فالفعل الواقع فيه يحتمل أن يقال : هو مذكور ، ويحتمل أن يقال : هو مفهوم غير مذكور ، فإن قلنا : هو مذكور ففيه وجهان :
أحدهما : هو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=25وصدوكم ) أي وصدوكم حين جعلوا في قلوبهم الحمية .
[ ص: 88 ]
وثانيها : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=25لعذبنا الذين كفروا منهم ) أي لعذبناهم حين جعلوا في قلوبهم الحمية . والثاني أقرب لقربه لفظا ، وشدة مناسبته معنى ؛ لأنهم إذا جعلوا في قلوبهم الحمية لا يرجعون إلى الاستسلام والانقياد ، والمؤمنون لما أنزل الله عليهم السكينة لا يتركون الاجتهاد في الجهاد والله مع المؤمنين فيعذبونهم عذابا أليما أو غير المؤمنين ، وأما إن قلنا : إن ذلك مفهوم غير مذكور ففيه وجهان :
أحدهما : حفظ الله المؤمنين عن أن يطئوهم وهم الذين كفروا الذين جعل في قلوبهم الحمية .
وثانيها : أحسن الله إليكم إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية ، وعلى هذا فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26فأنزل الله سكينته ) تفسير لذلك الإحسان ، وأما إن قلنا : إنه مفعول به ، فالعامل مقدر ، تقديره : اذكر ، أي : اذكر ذلك الوقت ، كما تقول : أتذكر إذ قام زيد ، أي : أتذكر وقت قيامه ، كما تقول : أتذكر زيدا ، وعلى هذا يكون الظرف المضاف إليه عاملا فيه ، وفيه لطائف معنوية ولفظية : الأولى : هو أن الله تعالى أبان غاية البون بين الكافر والمؤمن ، فأشار إلى ثلاثة أشياء : أحدها :
جعل ما للكافرين بجعلهم فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26إذ جعل الذين كفروا ) وجعل ما للمؤمنين بجعل الله ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26فأنزل الله ) وبين الفاعلين ما لا يخفى .
ثانيها : جعل للكافرين الحمية ، وللمؤمنين السكينة ، وبين المفعولين تفاوت على ما سنذكره . ثالثها : أضاف الحمية إلى الجاهلية ، وأضاف السكينة إلى نفسه حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26حمية الجاهلية ) ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26سكينته ) ، وبين الإضافتين ما لا يذكر . الثانية : زاد المؤمنين خيرا بعد حصول مقابلة شيء بشيء ، فعلهم بفعل الله ، والحمية بالسكينة ، والإضافة إلى الجاهلية بالإضافة إلى الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وألزمهم كلمة التقوى ) وسنذكر معناه . وأما اللفظية فثلاث لطائف :
الأولى : قال في حق الكافر : (جعل ) وقال في حق المؤمن : ( أنزل ) ولم يقل خلق ، ولا جعل سكينته ، إشارة إلى أن الحمية كانت مجعولة في الحال في العرض الذي لا يبقى ، وأما السكينة فكانت كالمحفوظة في خزانة الرحمة ، معدة لعباده فأنزلها . الثانية : قال : الحمية ثم أضافها بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26حمية الجاهلية ) لأن
nindex.php?page=treesubj&link=30579الحمية في نفسها صفة مذمومة ، وبالإضافة إلى الجاهلية تزداد قبحا ، وللحمية في القبح درجة لا يعتبر معها قبح القبائح كالمضاف إلى الجاهلية . وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28900_32494السكينة في نفسها وإن كانت حسنة لكن الإضافة إلى الله فيها من الحسن ما لا يبقى معه لحسن اعتبار ، فقال (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26سكينته ) اكتفاء بحسن الإضافة . الثالثة : قوله : ( فأنزل ) بالفاء لا بالواو إشارة إلى أن ذلك كالمقابلة ، تقول : أكرمني فأكرمته ، للمجازاة والمقابلة ، ولو قلت : أكرمني وأكرمته لا ينبئ عن ذلك ، وحينئذ يكون فيه لطيفة : وهي أن عند اشتداد غضب أحد العدوين فالعدو الآخر إما أن يكون ضعيفا أو قويا ، فإن كان ضعيفا ينهزم وينقهر ، وإن كان قويا فيورث غضبه فيه غضبا ، وهذا سبب قيام الفتن والقتال ، فقال في نفس الحركة عند حركتهم : ما أقدمنا وما انهزمنا . وقوله تعالى : ( فأنزل الله ) بالفاء يدل ، تعلق الإنزال بالفاء على ترتيبه على شيء ، نقول : فيه وجهان :
أحدهما : ما ذكرنا من أن " إذ " ظرف كأنه قال : أحسن الله (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26إذ جعل الذين كفروا ) ، وقوله : ( فأنزل ) تفسير لذلك الإحسان كما يقال : أكرمني فأعطاني لتفسير الإكرام . وثانيهما : أن تكون الفاء للدلالة على أن تعلق إنزال السكينة بجعلهم الحمية في قلوبهم على معنى المقابلة ، تقول : أكرمني فأثنيت عليه ، ويجوز أن يكونا فعلين واقعين من غير مقابلة ، كما تقول : جاءني زيد وخرج عمرو ، وهو هنا كذلك لأنهم لما جعلوا في قلوبهم الحمية فالمسلمون على مجرى العادة لو نظرت إليهم لزم أن يوجد منهم أحد الأمرين : إما إقدام ، وإما
[ ص: 89 ] انهزام ؛ لأن أحد العدوين إذا اشتد غضبه فالعدو الآخر إن كان مثله في القوة يغضب أيضا وهذا يثير الفتن ، وإن كان أضعف منه ينهزم أو ينقاد له ، فالله تعالى أنزل في مقابلة حمية الكافرين على المؤمنين سكينته حتى لم يغضبوا ولم ينهزموا بل يصبروا ، وهو بعيد في العادة فهو من فضل الله تعالى ، قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26على رسوله وعلى المؤمنين ) فإنه هو الذي أجاب الكافرين إلى الصلح ، وكان في نفس المؤمنين أن لا يرجعوا إلا بأحد الثلاثة بالنحر في المنحر ، وأبوا أن لا يكتبوا
محمدا رسول الله وبسم الله ، فلما سكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكن المؤمنون . وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وألزمهم كلمة التقوى ) فيه وجوه ، أظهرها أنه قول : لا إله إلا الله ، فإن بها يقع الاتقاء عن الشرك ، وقيل : هو بسم الله الرحمن الرحيم
ومحمد رسول الله ، فإن الكافرين أبوا ذلك والمؤمنون التزموه ، وقيل : هي الوفاء بالعهد ، إلى غير ذلك ، ونحن نوضح فيه ما يترجح بالدليل ، فنقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وألزمهم ) يحتمل أن يكون عائدا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين جميعا ، يعني ألزم النبي والمؤمنين كلمة التقوى ، ويحتمل أن يكون عائدا إلى المؤمنين فحسب ، فإن قلنا : إنه عائد إليهما جميعا نقول : هو الأمر بالتقوى ، فإن الله تعالى قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1ياأيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين ) [ الأحزاب : 1 ] وقال للمؤمنين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ) [ آل عمران : 102 ] والأمر بتقوى الله حتى تذهله تقواه عن الالتفات إلى ما سوى الله ، كما قال في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1اتق الله ولا تطع الكافرين ) [ الأحزاب : 1 ] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) [ الأحزاب : 37 ] ثم بين له حال من صدقه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=39الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله ) [ الأحزاب : 39 ] أما في حق المؤمنين فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ) [ آل عمران : 102 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3فلا تخشوهم واخشون ) [ المائدة : 3 ] وإن قلنا بأنه راجع إلى المؤمنين فهو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) [ الحشر : 7 ] ألا ترى إلى قوله : ( واتقوا الله ) وهو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=1ياأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) [ الحجرات : 1 ] وفي قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وألزمهم كلمة التقوى ) على هذا معنى لطيف ، وهو أنه تعالى إذا قال : ( اتقوا ) يكون الأمر واردا ، ثم إن من الناس من يقبله بتوفيق الله ويلتزمه ومنهم من لا يلتزمه ، ومن التزمه فقد التزمه بإلزام الله إياه ، فكأنه قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وألزمهم كلمة التقوى ) وفي هذا المعنى رجحان من حيث إن التقوى وإن كان كاملا ولكنه أقرب إلى الكلمة ، وعلى هذا فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وكانوا أحق بها وأهلها ) معناه أنهم كانوا عند الله أكرم الناس فألزموا تقواه ، وذلك لأن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) [ الحجرات : 13 ] يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون معناه أن
nindex.php?page=treesubj&link=19886من يكون تقواه أكثر يكرمه الله أكثر . والثاني : أن يكون معناه أن من سيكون أكرم عند الله وأقرب إليه كان أتقى ، كما في قوله : " والمخلصون على خطر عظيم " . وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=57هم من خشية ربهم مشفقون ) [ المؤمنون : 57 ] وعلى الوجه الثاني يكون معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وكانوا أحق بها ) لأنهم كانوا أعلم بالله ؛ لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28إنما يخشى الله من عباده العلماء ) [ فاطر : 28 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وأهلها ) يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه يفهم من معنى الأحق أنه يثبت رجحانا على الكافرين إن لم يثبت الأهلية ، كما لو اختار الملك اثنين لشغل وكل واحد منهما غير صالح له ، ولكن أحدهما أبعد عن الاستحقاق ، فقال في الأقرب إلى الاستحقاق : إذا كان ولا بد فهذا أحق ، كما يقال : الحبس أهون من القتل مع أنه لا هين هناك ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وأهلها ) دفعا لذلك .
الثاني : وهو أقوى ، وهو أن يقال : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وأهلها ) فيه وجوه نبينها بعدما نبين معنى الأحق ، فنقول : هو يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون الأحق بمعنى الحق لا للتفضيل كما في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=73خير مقاما )
[ ص: 90 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=73وأحسن نديا ) [ مريم : 73 ] إذ لا خير في غيره .
والثاني : أن يكون للتفضيل وهو يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون بالنسبة إلى غيرهم ، أي : المؤمنون أحق من الكافرين .
والثاني : أن يكون بالنسبة إلى كلمة التقوى من كلمة أخرى غير تقوى ، تقول : زيد أحق بالإكرام منه بالإهانة ، كما إذا سأل شخص عن زيد إنه بالطب أعلم أو بالفقه ، تقول : هو بالفقه أعلم ، أي : من الطب .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) .
" إِذْ " يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا فَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلٍ يَقَعُ فِيهِ وَيَكُونُ عَامِلًا لَهُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ ، فَإِنْ قُلْنَا : إِنَّهُ ظَرْفٌ فَالْفِعْلُ الْوَاقِعُ فِيهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : هُوَ مَذْكُورٌ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : هُوَ مَفْهُومٌ غَيْرُ مَذْكُورٍ ، فَإِنْ قُلْنَا : هُوَ مَذْكُورٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=25وَصَدُّوكُمْ ) أَيْ وَصَدُّوكُمْ حِينَ جَعَلُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ .
[ ص: 88 ]
وَثَانِيهَا : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=25لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ ) أَيْ لَعَذَّبْنَاهُمْ حِينَ جَعَلُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ . وَالثَّانِي أَقْرَبُ لِقُرْبِهِ لَفْظًا ، وَشَدَّةِ مُنَاسَبَتِهِ مَعْنًى ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا جَعَلُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ لَا يَرْجِعُونَ إِلَى الِاسْتِسْلَامِ وَالِانْقِيَادِ ، وَالْمُؤْمِنُونَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةَ لَا يَتْرُكُونَ الِاجْتِهَادَ فِي الْجِهَادِ وَاللَّهُ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ فَيُعَذِّبُونَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا أَوْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَمَّا إِنْ قُلْنَا : إِنَّ ذَلِكَ مَفْهُومٌ غَيْرُ مَذْكُورٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : حَفِظَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَنْ يَطَئُوهُمْ وَهُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا الَّذِينَ جَعَلَ فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ .
وَثَانِيهَا : أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ ) تَفْسِيرٌ لِذَلِكَ الْإِحْسَانِ ، وَأَمَّا إِنْ قُلْنَا : إِنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ ، فَالْعَامِلُ مُقَدَّرٌ ، تَقْدِيرُهُ : اذْكُرْ ، أَيْ : اذْكُرْ ذَلِكَ الْوَقْتَ ، كَمَا تَقُولُ : أَتَذْكُرُ إِذْ قَامَ زَيْدٌ ، أَيْ : أَتَذْكُرُ وَقْتَ قِيَامِهِ ، كَمَا تَقُولُ : أَتَذْكُرُ زَيْدًا ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الظَّرْفُ الْمُضَافُ إِلَيْهِ عَامِلًا فِيهِ ، وَفِيهِ لَطَائِفُ مَعْنَوِيَّةٌ وَلَفْظِيَّةٌ : الْأُولَى : هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَانَ غَايَةَ الْبَوْنِ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ ، فَأَشَارَ إِلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ : أَحَدُهَا :
جَعَلَ مَا لِلْكَافِرِينَ بِجَعْلِهِمْ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) وَجَعَلَ مَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِجَعْلِ اللَّهِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26فَأَنْزَلَ اللَّهُ ) وَبَيْنَ الْفَاعِلَيْنِ مَا لَا يَخْفَى .
ثَانِيهَا : جَعَلَ لِلْكَافِرِينَ الْحَمِيَّةَ ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ السَّكِينَةَ ، وَبَيْنَ الْمَفْعُولَيْنِ تَفَاوُتٌ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ . ثَالِثُهَا : أَضَافَ الْحَمِيَّةَ إِلَى الْجَاهِلِيَّةِ ، وَأَضَافَ السَّكِينَةَ إِلَى نَفْسِهِ حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ) ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26سَكِينَتَهُ ) ، وَبَيْنَ الْإِضَافَتَيْنِ مَا لَا يُذْكَرُ . الثَّانِيَةُ : زَادَ الْمُؤْمِنِينَ خَيْرًا بَعْدَ حُصُولِ مُقَابَلَةِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ ، فِعْلُهُمْ بِفِعْلِ اللَّهِ ، وَالْحَمِيَّةُ بِالسَّكِينَةِ ، وَالْإِضَافَةُ إِلَى الْجَاهِلِيَّةِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ) وَسَنَذْكُرُ مَعْنَاهُ . وَأَمَّا اللَّفْظِيَّةُ فَثَلَاثُ لَطَائِفَ :
الْأُولَى : قَالَ فِي حَقِّ الْكَافِرِ : (جَعَلَ ) وَقَالَ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِ : ( أَنْزَلَ ) وَلَمْ يَقُلْ خَلَقَ ، وَلَا جَعَلَ سَكِينَتَهُ ، إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْحَمِيَّةَ كَانَتْ مَجْعُولَةً فِي الْحَالِ فِي الْعَرَضِ الَّذِي لَا يَبْقَى ، وَأَمَّا السَّكِينَةُ فَكَانَتْ كَالْمَحْفُوظَةِ فِي خِزَانَةِ الرَّحْمَةِ ، مُعَدَّةً لِعِبَادِهِ فَأَنْزَلَهَا . الثَّانِيَةُ : قَالَ : الْحَمِيَّةَ ثُمَّ أَضَافَهَا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ) لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30579الْحَمِيَّةَ فِي نَفْسِهَا صِفَةٌ مَذْمُومَةٌ ، وَبِالْإِضَافَةِ إِلَى الْجَاهِلِيَّةِ تَزْدَادُ قُبْحًا ، وَلِلَحَمِيَّةِ فِي الْقُبْحِ دَرَجَةٌ لَا يُعْتَبَرُ مَعَهَا قُبْحُ الْقَبَائِحِ كَالْمُضَافِ إِلَى الْجَاهِلِيَّةِ . وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28900_32494السَّكِينَةُ فِي نَفْسِهَا وَإِنْ كَانَتْ حَسَنَةً لَكِنَّ الْإِضَافَةَ إِلَى اللَّهِ فِيهَا مِنَ الْحُسْنِ مَا لَا يَبْقَى مَعَهُ لِحُسْنٍ اعْتِبَارٌ ، فَقَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26سَكِينَتَهُ ) اكْتِفَاءً بِحُسْنِ الْإِضَافَةِ . الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : ( فَأَنْزَلْ ) بِالْفَاءِ لَا بِالْوَاوِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ كَالْمُقَابَلَةِ ، تَقُولُ : أَكْرَمَنِي فَأَكْرَمْتُهُ ، لِلْمُجَازَاةِ وَالْمُقَابَلَةِ ، وَلَوْ قُلْتَ : أَكْرَمَنِي وَأَكْرَمْتُهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِيهِ لَطِيفَةٌ : وَهِيَ أَنَّ عِنْدَ اشْتِدَادِ غَضَبِ أَحَدِ الْعَدُوَّيْنِ فَالْعَدُوُّ الْآخَرُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا أَوْ قَوِيًّا ، فَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا يَنْهَزِمُ وَيَنْقَهِرُ ، وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا فَيُورِثُ غَضَبُهُ فِيهِ غَضَبًا ، وَهَذَا سَبَبُ قِيَامِ الْفِتَنِ وَالْقِتَالِ ، فَقَالَ فِي نَفْسِ الْحَرَكَةِ عِنْدَ حَرَكَتِهِمْ : مَا أَقْدَمْنَا وَمَا انْهَزَمْنَا . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَأَنْزَلَ اللَّهُ ) بِالْفَاءِ يَدُلُّ ، تَعَلُّقُ الْإِنْزَالِ بِالْفَاءِ عَلَى تَرْتِيبِهِ عَلَى شَيْءٍ ، نَقُولُ : فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ " إِذْ " ظَرْفٌ كَأَنَّهُ قَالَ : أَحْسَنَ اللَّهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ، وَقَوْلُهُ : ( فَأَنْزَلَ ) تَفْسِيرٌ لِذَلِكَ الْإِحْسَانِ كَمَا يُقَالُ : أَكْرَمَنِي فَأَعْطَانِي لِتَفْسِيرِ الْإِكْرَامِ . وَثَانِيهِمَا : أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ تَعَلُّقَ إِنْزَالِ السَّكِينَةِ بِجَعْلِهِمُ الْحَمِيَّةَ فِي قُلُوبِهِمْ عَلَى مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ ، تَقُولُ : أَكْرَمَنِي فَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَا فِعْلَيْنِ وَاقِعَيْنِ مِنْ غَيْرِ مُقَابَلَةٍ ، كَمَا تَقُولُ : جَاءَنِي زَيْدٌ وَخَرَجَ عَمْرٌو ، وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا جَعَلُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ فَالْمُسْلِمُونَ عَلَى مَجْرَى الْعَادَةِ لَوْ نَظَرْتَ إِلَيْهِمْ لَزِمَ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ : إِمَّا إِقْدَامٌ ، وَإِمَّا
[ ص: 89 ] انْهِزَامٌ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعَدُوَّيْنِ إِذَا اشْتَدَّ غَضَبُهُ فَالْعَدُوُّ الْآخَرُ إِنْ كَانَ مِثْلَهُ فِي الْقُوَّةِ يَغْضَبُ أَيْضًا وَهَذَا يُثِيرُ الْفِتَنَ ، وَإِنْ كَانَ أَضْعَفَ مِنْهُ يَنْهَزِمُ أَوْ يَنْقَادُ لَهُ ، فَاللَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَ فِي مُقَابَلَةِ حَمِيَّةِ الْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَكِينَتَهُ حَتَّى لَمْ يَغْضَبُوا وَلَمْ يَنْهَزِمُوا بَلْ يَصْبِرُوا ، وَهُوَ بَعِيدٌ فِي الْعَادَةِ فَهُوَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى ، قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي أَجَابَ الْكَافِرِينَ إِلَى الصُّلْحِ ، وَكَانَ فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا يَرْجِعُوا إِلَّا بِأَحَدِ الثَّلَاثَةِ بِالنَّحْرِ فِي الْمَنْحَرِ ، وَأَبَوْا أَنْ لَا يَكْتُبُوا
مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ وَبِسْمِ اللَّهِ ، فَلَمَّا سَكَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَكَنَ الْمُؤْمِنُونَ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ) فِيهِ وُجُوهٌ ، أَظْهَرُهَا أَنَّهُ قَوْلُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَإِنَّ بِهَا يَقَعُ الِاتِّقَاءُ عَنِ الشِّرْكِ ، وَقِيلَ : هُوَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ، فَإِنَّ الْكَافِرِينَ أَبَوْا ذَلِكَ وَالْمُؤْمِنُونَ الْتَزَمُوهُ ، وَقِيلَ : هِيَ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، وَنَحْنُ نُوَضِّحُ فِيهِ مَا يَتَرَجَّحُ بِالدَّلِيلِ ، فَنَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وَأَلْزَمَهُمْ ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا ، يَعْنِي أَلْزَمَ النَّبِيَّ وَالْمُؤْمِنِينَ كَلِمَةَ التَّقْوَى ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى الْمُؤْمِنِينَ فَحَسْبُ ، فَإِنْ قُلْنَا : إِنَّهُ عَائِدٌ إِلَيْهِمَا جَمِيعًا نَقُولُ : هُوَ الْأَمْرُ بِالتَّقْوَى ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ ) [ الْأَحْزَابِ : 1 ] وَقَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 102 ] وَالْأَمْرُ بِتَقْوَى اللَّهِ حَتَّى تُذْهِلَهُ تَقْوَاهُ عَنِ الِالْتِفَاتِ إِلَى مَا سِوَى اللَّهِ ، كَمَا قَالَ فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ ) [ الْأَحْزَابِ : 1 ] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) [ الْأَحْزَابِ : 37 ] ثُمَّ بَيَّنَ لَهُ حَالَ مَنْ صَدَّقَهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=39الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ) [ الْأَحْزَابِ : 39 ] أَمَّا فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 102 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ) [ الْمَائِدَةِ : 3 ] وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) [ الْحَشْرِ : 7 ] أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ : ( وَاتَّقُوا اللَّهَ ) وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=1يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) [ الْحُجُرَاتِ : 1 ] وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ) عَلَى هَذَا مَعْنًى لَطِيفٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى إِذَا قَالَ : ( اتَّقُوا ) يَكُونُ الْأَمْرُ وَارِدًا ، ثُمَّ إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقْبَلُهُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَيَلْتَزِمُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَلْتَزِمُهُ ، وَمَنِ الْتَزَمَهُ فَقَدِ الْتَزَمَهُ بِإِلْزَامِ اللَّهِ إِيَّاهُ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ) وَفِي هَذَا الْمَعْنَى رُجْحَانٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ التَّقْوَى وَإِنْ كَانَ كَامِلًا وَلَكِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْكَلِمَةِ ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ) مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ اللَّهِ أَكْرَمَ النَّاسِ فَأُلْزِمُوا تَقْوَاهُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) [ الْحُجُرَاتِ : 13 ] يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19886مَنْ يَكُونُ تَقْوَاهُ أَكْثَرَ يُكْرِمُهُ اللَّهُ أَكْثَرَ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ سَيَكُونُ أَكْرَمَ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْرَبَ إِلَيْهِ كَانَ أَتْقَى ، كَمَا فِي قَوْلِهِ : " وَالْمُخْلِصُونَ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ " . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=57هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ) [ الْمُؤْمِنُونَ : 57 ] وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا ) لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ بِاللَّهِ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) [ فَاطِرٍ : 28 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وَأَهْلَهَا ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ مَعْنَى الْأَحَقِّ أَنَّهُ يُثْبِتُ رُجْحَانًا عَلَى الْكَافِرِينَ إِنْ لَمْ يُثْبِتِ الْأَهْلِيَّةَ ، كَمَا لَوِ اخْتَارَ الْمَلِكُ اثْنَيْنِ لَشُغْلٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ صَالِحٍ لَهُ ، وَلَكِنَّ أَحَدَهُمَا أَبْعَدُ عَنِ الِاسْتِحْقَاقِ ، فَقَالَ فِي الْأَقْرَبِ إِلَى الِاسْتِحْقَاقِ : إِذَا كَانَ وَلَا بُدَّ فَهَذَا أَحَقُّ ، كَمَا يُقَالُ : الْحَبْسُ أَهْوَنُ مِنَ الْقَتْلِ مَعَ أَنَّهُ لَا هَيِّنَ هُنَاكَ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وَأَهْلَهَا ) دَفَعًا لِذَلِكَ .
الثَّانِي : وَهُوَ أَقْوَى ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وَأَهْلَهَا ) فِيهِ وُجُوهٌ نُبَيِّنُهَا بَعْدَمَا نُبَيِّنُ مَعْنَى الْأَحَقِّ ، فَنَقُولُ : هُوَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الْأَحَقُّ بِمَعْنَى الْحَقِّ لَا لِلتَّفْضِيلِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=73خَيْرٌ مَقَامًا )
[ ص: 90 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=73وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) [ مَرْيَمَ : 73 ] إِذْ لَا خَيْرَ فِي غَيْرِهِ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ لِلتَّفْضِيلِ وَهُوَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِمْ ، أَيِ : الْمُؤْمِنُونَ أَحَقُّ مِنَ الْكَافِرِينَ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَلِمَةِ التَّقْوَى مِنْ كَلِمَةٍ أُخْرَى غَيْرِ تَقْوَى ، تَقُولُ : زِيدٌ أَحَقُّ بِالْإِكْرَامِ مِنْهُ بِالْإِهَانَةِ ، كَمَا إِذَا سَأَلَ شَخْصٌ عَنْ زَيْدٍ إِنَّهُ بِالطِّبِّ أَعْلَمُ أَوْ بِالْفِقْهِ ، تَقُولُ : هُوَ بِالْفِقْهِ أَعْلَمُ ، أَيْ : مِنَ الطِّبِّ .