(
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا )
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ) .
nindex.php?page=treesubj&link=30569بيان لفساد ما قاله المنافقون بعد إنزال الله السكينة على رسوله وعلى المؤمنين ووقوفهم عند ما أمروا به من عدم الإقبال على القتال ، وذلك قولهم : ما دخلنا
المسجد الحرام ولا حلقنا ولا قصرنا ، حيث كان النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في منامه أن المؤمنين يدخلون
مكة ويتمون الحج ، ولم يعين له وقتا ، فقص رؤياه على المؤمنين ، فقطعوا بأن الأمر كما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في منامه ، وظنوا أن الدخول يكون عام
الحديبية ، والله أعلم أنه لا يكون إلا عام الفتح ، فلما صالحوا ورجعوا قال المنافقون استهزاء : ما دخلنا ولا حلقنا ، فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ) وتعدية صدق إلى مفعولين يحتمل أن يكون بنفسه ، وكونه من الأفعال التي تتعدى إلى المفعولين ككلمة جعل وخلق ، ويحتمل أن يقال : عدي إلى الرؤيا بحرف تقديره :
nindex.php?page=treesubj&link=33678صدق الله رسوله في الرؤيا ، وعلى الأول معناه : جعلها واقعة بين صدق وعده إذ وقع الموعود به وأتى به ، وعلى الثاني معناه : ما أراه الله لم يكذب فيه ، وعلى هذا فيحتمل أن يكون رأى في منامه أن الله تعالى يقول : ستدخلون
المسجد الحرام . فيكون قوله : ( صدق ) ظاهرا لأن استعمال الصدق في الكلام ظاهر ، ويحتمل أن يكون عليه الصلاة والسلام رأى أنه يدخل المسجد ، فيكون قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27صدق الله ) معناه أنه أتى بما يحقق المنام ، ويدل على كونه صادقا ، يقال : صدقني سن بكره مثلا ، وفيما إذا حقق الأمر الذي يريه من نفسه ، مأخوذ من الإبل إذا قيل له : هدع ، سكن ، فحقق كونه من صغار الإبل ، فإن " هدع " كلمة يسكن بها صغار الإبل ، وقوله تعالى : ( بالحق ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : هو حال أو قسم أو صفة صدق ، وعلى كونه حالا تقديره صدقه الرؤيا ملتبسة بالحق ، وعلى تقدير كونه صفة تقديره : صدقه صدقا ملتبسا بالحق ، وعلى تقدير كونه قسما إما أن يكون قسما بالله فإن الحق من أسمائه ، وإما أن يكون قسما بالحق الذي هو نقيض الباطل . هذا ما قاله . ويحتمل أن يقال : [ إن ] فيه وجهين آخرين :
أحدهما : أن يقال فيه تقديم وتأخير تقديره : صدق الله رسوله بالحق الرؤيا ، أي الرسول الذي هو رسول بالحق ، وفيه إشارة إلى امتناع الكذب في الرؤيا ؛ لأنه لما كان رسولا بالحق فلا يرى في منامه الباطل .
والثاني : أن يقال بأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لتدخلن المسجد الحرام ) إن قلنا بأن الحق قسم ، فأمر اللام ظاهر ، وإن لم يقل به فتقديره : لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق والله لتدخلن ، وقوله : والله لتدخلن ، جاز أن يكون تفسيرا للرؤيا ، يعني الرؤيا هي :
[ ص: 91 ] والله لتدخلن ، وعلى هذا تبين أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27صدق الله ) كان في الكلام ؛ لأن الرؤيا كانت كلاما ، ويحتمل أن يكون تحقيقا لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27صدق الله رسوله ) يعني والله ليقعن الدخول ، وليظهرن الصدق ، ف " لتدخلن " ابتداء كلام . وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27إن شاء الله ) فيه وجوه :
أحدها : أنه ذكره تعليما للعباد الأدب وتأكيدا لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24إلا أن يشاء الله ) [ الكهف : 23 ] .
الثاني : هو أن الدخول لما لم يقع عام
الحديبية ، وكان المؤمنون يريدون الدخول ويأبون الصلح قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لتدخلن ) ولكن لا بجلادتكم ولا بإرادتكم ، إنما تدخلون بمشيئة الله تعالى . الثالث : هو أن الله تعالى لما قال في الوحي المنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لتدخلن ) ذكر أنه بمشيئة الله تعالى ؛ لأن ذلك من الله وعد ليس عليه دين ولا حق واجب ، ومن وعد بشيء لا يحققه إلا بمشيئة الله تعالى ، وإلا فلا يلزمه به أحد ، وإذا كان هذا حال الموعود به في الوحي المنزل صريحا في اليقظة ، فما ظنكم بالوحي بالمنام ، وهو يحتمل التأويل أكثر مما يحتمله الكلام ، فإذا تأخر الدخول لم يستهزئون ؟
الرابع : هو أن ذلك تحقيقا للدخول وذلك لأن
أهل مكة قالوا : لا تدخلوها إلا بإرادتنا ، ولا نريد دخولكم في هذه السنة ، ونختار دخولكم في السنة القابلة ، والمؤمنون أرادوا الدخول في عامهم ولم يقع ، فكان لقائل أن يقول : بقي الأمر موقوفا على مشيئة
أهل مكة إن أرادوا في السنة الآتية يتركوننا ندخلها . وإن كرهوا لا ندخلها ، فقال : لا تشترط إرادتهم ومشيئتهم ، بل تمام الشرط بمشيئة الله ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون ) إشارة إلى أنكم تتمون الحج من أوله إلى آخره ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لتدخلن ) إشارة إلى الأول ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27محلقين ) إشارة إلى الآخر ، وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27محلقين ) حال الداخلين . والداخل لا يكون إلا محرما ، والمحرم لا يكون محلقا ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27آمنين ) ينبئ عن الدوام فيه إلى الحلق ، فكأنه قال : تدخلونها آمنين متمكنين من أن تتموا الحج محلقين .
المسألة الثانية : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لا تخافون ) أيضا حال معناه غير خائفين ، وذلك حصل بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27آمنين ) فما الفائدة في إعادتها ؟ نقول : فيه بيان كمال الأمن ، وذلك لأن بعد الحلق يخرج الإنسان عن الإحرام فلا يحرم عليه القتال ، وكان عند
أهل مكة يحرم قتال من أحرم ومن دخل
الحرم فقال : تدخلون آمنين ، وتحلقون ، ويبقى أمنكم بعد خروجكم عن الإحرام ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27فعلم ما لم تعلموا ) أي من المصلحة ، وكون دخولكم في سنتكم سببا لوطء المؤمنين والمؤمنات أو (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27فعلم ) للتعقيب ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27فعلم ) وقع عقيب ماذا ؟ نقول : إن قلنا : المراد من (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27فعلم ) وقت الدخول فهو عقيب صدق ، وإن قلنا : المراد فعلم المصلحة فالمعنى علم الوقوع والشهادة لا علم الغيب ، والتقدير يعني حصلت المصلحة في العام القابل (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27فعلم ما لم تعلموا ) من المصلحة المتجددة (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ) إما صلح الحديبية ، وإما فتح
خيبر ، وقد ذكرناه ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وكان الله بكل شيء عليما ) يدفع وهم حدوث علمه من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27فعلم ) وذلك لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وكان الله بكل شيء عليما ) يفيد سبق علمه العام لكل علم محدث .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا )
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ) .
nindex.php?page=treesubj&link=30569بَيَانٌ لِفَسَادِ مَا قَالَهُ الْمُنَافِقُونَ بَعْدَ إِنْزَالِ اللَّهِ السَّكِينَةَ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَوُقُوفِهِمْ عِنْدَ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ عَدَمِ الْإِقْبَالِ عَلَى الْقِتَالِ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ : مَا دَخَلْنَا
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَلَا حَلَقْنَا وَلَا قَصَّرْنَا ، حَيْثُ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى فِي مَنَامِهِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَدْخُلُونَ
مَكَّةَ وَيُتِمُّونَ الْحَجَّ ، وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ وَقْتًا ، فَقَصَّ رُؤْيَاهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَطَعُوا بِأَنَّ الْأَمْرَ كَمَا رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَنَامِهِ ، وَظَنُّوا أَنَّ الدُّخُولَ يَكُونُ عَامَ
الْحُدَيْبِيَةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَامَ الْفَتْحِ ، فَلَمَّا صَالَحُوا وَرَجَعُوا قَالَ الْمُنَافِقُونَ اسْتِهْزَاءً : مَا دَخَلْنَا وَلَا حَلَقْنَا ، فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ) وَتَعْدِيَةُ صَدَقَ إِلَى مَفْعُولَيْنِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِنَفْسِهِ ، وَكَوْنُهُ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَتَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُولَيْنِ كَكَلِمَةِ جَعَلَ وَخَلَقَ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : عُدِّيَ إِلَى الرُّؤْيَا بِحَرْفٍ تَقْدِيرُهُ :
nindex.php?page=treesubj&link=33678صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ فِي الرُّؤْيَا ، وَعَلَى الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ : جَعَلَهَا وَاقِعَةً بَيْنَ صِدْقِ وَعْدِهِ إِذْ وَقَعَ الْمَوْعُودُ بِهِ وَأَتَى بِهِ ، وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَاهُ : مَا أَرَاهُ اللَّهُ لَمْ يَكْذِبْ فِيهِ ، وَعَلَى هَذَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَأَى فِي مَنَامِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : سَتَدْخُلُونَ
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ . فَيَكُونُ قَوْلُهُ : ( صَدَقَ ) ظَاهِرًا لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الصِّدْقِ فِي الْكَلَامِ ظَاهِرٌ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَأَى أَنَّهُ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27صَدَقَ اللَّهُ ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَتَى بِمَا يُحَقِّقُ الْمَنَامَ ، وَيَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ صَادِقًا ، يُقَالُ : صَدَقَنِي سِنَّ بَكْرِهِ مَثَلًا ، وَفِيمَا إِذَا حَقَّقَ الْأَمْرَ الَّذِي يُرِيهِ مِنْ نَفْسِهِ ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِبِلِ إِذَا قِيلَ لَهُ : هِدَعْ ، سَكَنَ ، فَحَقَّقَ كَوْنَهُ مِنْ صِغَارِ الْإِبِلِ ، فَإِنَّ " هِدَعْ " كَلِمَةٌ يُسَكَّنُ بِهَا صِغَارُ الْإِبِلِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : ( بِالْحَقِّ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : هُوَ حَالٌ أَوْ قَسَمٌ أَوْ صِفَةُ صِدْقٍ ، وَعَلَى كَوْنِهِ حَالًا تَقْدِيرُهُ صَدَقَهُ الرُّؤْيَا مُلْتَبِسَةً بِالْحَقِّ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ صِفَةً تَقْدِيرُهُ : صَدَقَهُ صِدْقًا مُلْتَبِسًا بِالْحَقِّ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ قَسَمًا إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَسَمًا بِاللَّهِ فَإِنَّ الْحَقَّ مِنْ أَسْمَائِهِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَسَمًا بِالْحَقِّ الَّذِي هُوَ نَقِيضُ الْبَاطِلِ . هَذَا مَا قَالَهُ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : [ إِنَّ ] فِيهِ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يُقَالَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهُ : صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِالْحَقِّ الرُّؤْيَا ، أَيِ الرَّسُولَ الَّذِي هُوَ رَسُولٌ بِالْحَقِّ ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى امْتِنَاعِ الْكَذِبِ فِي الرُّؤْيَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ رَسُولًا بِالْحَقِّ فَلَا يَرَى فِي مَنَامِهِ الْبَاطِلَ .
وَالثَّانِي : أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ) إِنْ قُلْنَا بِأَنَّ الْحَقَّ قَسَمٌ ، فَأَمْرُ اللَّامِ ظَاهِرٌ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ فَتَقْدِيرُهُ : لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ وَاللَّهِ لَتَدْخُلُنَّ ، وَقَوْلُهُ : وَاللَّهِ لَتَدْخُلُنَّ ، جَازَ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِلرُّؤْيَا ، يَعْنِي الرُّؤْيَا هِيَ :
[ ص: 91 ] وَاللَّهِ لَتُدْخُلُنَّ ، وَعَلَى هَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27صَدَقَ اللَّهُ ) كَانَ فِي الْكَلَامِ ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَا كَانَتْ كَلَامًا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَحْقِيقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ ) يَعْنِي وَاللَّهِ لَيَقَعَنَّ الدُّخُولُ ، وَلَيَظْهَرَنَّ الصِّدْقُ ، فَ " لَتَدْخُلُنَّ " ابْتِدَاءُ كَلَامٍ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27إِنْ شَاءَ اللَّهُ ) فِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ ذَكَرَهُ تَعْلِيمًا لِلْعِبَادِ الْأَدَبَ وَتَأْكِيدًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ) [ الْكَهْفِ : 23 ] .
الثَّانِي : هُوَ أَنَّ الدُّخُولَ لَمَّا لَمْ يَقَعْ عَامَ
الْحُدَيْبِيَةِ ، وَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ يُرِيدُونَ الدُّخُولَ وَيَأْبَوْنَ الصُّلْحَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لَتَدْخُلُنَّ ) وَلَكِنْ لَا بِجَلَادَتِكُمْ وَلَا بِإِرَادَتِكُمْ ، إِنَّمَا تَدْخُلُونَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى . الثَّالِثُ : هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَالَ فِي الْوَحْيِ الْمُنَزَّلِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لَتَدْخُلُنَّ ) ذَكَرَ أَنَّهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ وَعْدٌ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا حَقٌّ وَاجِبٌ ، وَمَنْ وَعَدَ بِشَيْءٍ لَا يُحَقِّقُهُ إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِلَّا فَلَا يُلْزِمُهُ بِهِ أَحَدٌ ، وَإِذَا كَانَ هَذَا حَالَ الْمَوْعُودِ بِهِ فِي الْوَحْيِ الْمُنَزَّلِ صَرِيحًا فِي الْيَقَظَةِ ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِالْوَحْيِ بِالْمَنَامِ ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ الْكَلَامُ ، فَإِذَا تَأَخَّرَ الدُّخُولُ لِمَ يَسْتَهْزِئُونَ ؟
الرَّابِعُ : هُوَ أَنَّ ذَلِكَ تَحْقِيقًا لِلدُّخُولِ وَذَلِكَ لِأَنَّ
أَهْلَ مَكَّةَ قَالُوا : لَا تَدْخُلُوهَا إِلَّا بِإِرَادَتِنَا ، وَلَا نُرِيدُ دُخُولَكُمْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ ، وَنَخْتَارُ دُخُولَكُمْ فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ ، وَالْمُؤْمِنُونَ أَرَادُوا الدُّخُولَ فِي عَامِهِمْ وَلَمْ يَقَعْ ، فَكَانَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : بَقِيَ الْأَمْرُ مَوْقُوفًا عَلَى مَشِيئَةِ
أَهْلِ مَكَّةَ إِنْ أَرَادُوا فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ يَتْرُكُونَنَا نَدْخُلُهَا . وَإِنْ كَرِهُوا لَا نَدْخُلُهَا ، فَقَالَ : لَا تُشْتَرَطُ إِرَادَتُهُمْ وَمَشِيئَتُهُمْ ، بَلْ تَمَامُ الشَّرْطِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّكُمْ تُتِمُّونَ الْحَجَّ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لَتَدْخُلُنَّ ) إِشَارَةٌ إِلَى الْأَوَّلِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27مُحَلِّقِينَ ) إِشَارَةٌ إِلَى الْآخَرِ ، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27مُحَلِّقِينَ ) حَالُ الدَّاخِلِينَ . وَالدَّاخِلُ لَا يَكُونُ إِلَّا مُحْرِمًا ، وَالْمُحْرِمُ لَا يَكُونُ مُحَلِّقًا ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27آمِنِينَ ) يُنْبِئُ عَنِ الدَّوَامِ فِيهِ إِلَى الْحَلْقِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : تَدْخُلُونَهَا آمِنِينَ مُتَمَكِّنِينَ مِنْ أَنْ تُتِمُّوا الْحَجَّ مُحَلِّقِينَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لَا تَخَافُونَ ) أَيْضًا حَالٌ مَعْنَاهُ غَيْرُ خَائِفِينَ ، وَذَلِكَ حَصَلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27آمِنِينَ ) فَمَا الْفَائِدَةُ فِي إِعَادَتِهَا ؟ نَقُولُ : فِيهِ بَيَانُ كَمَالِ الْأَمْنِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ بَعْدَ الْحَلْقِ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ عَنِ الْإِحْرَامِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْقِتَالُ ، وَكَانَ عِنْدَ
أَهْلِ مَكَّةَ يَحْرُمُ قِتَالُ مَنْ أَحْرَمَ وَمَنْ دَخَلَ
الْحَرَمَ فَقَالَ : تَدْخُلُونَ آمِنِينَ ، وَتُحَلِّقُونَ ، وَيَبْقَى أَمْنُكُمْ بَعْدَ خُرُوجِكُمْ عَنِ الْإِحْرَامِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا ) أَيْ مِنَ الْمَصْلَحَةِ ، وَكَوْنِ دُخُولِكُمْ فِي سَنَتِكُمْ سَبَبًا لِوَطْءِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ أَوْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27فَعَلِمَ ) لِلتَّعْقِيبِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27فَعَلِمَ ) وَقَعَ عَقِيبَ مَاذَا ؟ نَقُولُ : إِنْ قُلْنَا : الْمُرَادُ مِنْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27فَعَلِمَ ) وَقْتُ الدُّخُولِ فَهُوَ عَقِيبَ صَدَقَ ، وَإِنْ قُلْنَا : الْمُرَادُ فَعِلْمَ الْمَصْلَحَةَ فَالْمَعْنَى عِلْمُ الْوُقُوعِ وَالشَّهَادَةِ لَا عِلْمُ الْغَيْبِ ، وَالتَّقْدِيرُ يَعْنِي حَصَلَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا ) مِنَ الْمَصْلَحَةِ الْمُتَجَدِّدَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ) إِمَّا صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَإِمَّا فَتْحُ
خَيْبَرَ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) يَدْفَعُ وَهْمَ حُدُوثِ عِلْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27فَعَلِمَ ) وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) يُفِيدُ سَبْقَ عِلْمِهِ الْعَامِّ لِكُلِّ عِلْمٍ مُحْدَثٍ .