(
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=10إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون )
ثم قال سبحانه وتعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ) .
لما حذر الله المؤمنين من النبأ الصادر من الفاسق ، أشار إلى ما يلزم منه استدراكا لما يفوت ، فقال : فإن اتفق أنكم تبنون على قول من يوقع بينكم ، وآل الأمر إلى
nindex.php?page=treesubj&link=26551اقتتال طائفتين من المؤمنين ، فأزيلوا ما أثبته ذلك الفاسق وأصلحوا بينهما (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9nindex.php?page=treesubj&link=28439_29020فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي ) أي الظالم يجب عليكم دفعه عنه ، ثم إن الظالم إن كان هو الرعية ، فالواجب على الأمير دفعهم ، وإن كان هو الأمير فالواجب على المسلمين منعه بالنصيحة فما فوقها ، وشرطه أن لا يثير فتنة مثل التي في اقتتال الطائفتين أو أشد منها ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله تعالى : ( وإن ) إشارة إلى ندرة وقوع القتال بين طوائف المسلمين ، فإن قيل : فنحن نرى أكثر الاقتتال بين طوائفهم ؟ نقول : قوله تعالى : ( وإن ) إشارة إلى أنه ينبغي أن لا يقع إلا نادرا ، غاية ما في الباب أن الأمر على خلاف ما ينبغي ، وكذلك (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6إن جاءكم فاسق بنبإ ) إشارة إلى أن مجيء الفاسق بالنبأ ينبغي أن يقع قليلا ، مع أن مجيء الفاسق بالنبأ كثير ، وقول الفاسق صار عند أولي الأمر أشد قبولا من قول الصادق الصالح .
المسألة الثانية : قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وإن طائفتان ) ولم يقل : وإن فرقتان تحقيقا للمعنى الذي ذكرناه وهو التقليل ؛ لأن الطائفة دون الفرقة ، ولهذا قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ) [ التوبة : 122 ] .
المسألة الثالثة : قال تعالى : ( من المؤمنين ) ولم يقل منكم ، مع أن الخطاب مع المؤمنين لسبق قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ ) تنبيها على قبح ذلك وتبعيدا لهم عنهم ، كما يقول السيد لعبده : إن رأيت أحدا من غلماني يفعل كذا فامنعه ، فيصير بذلك مانعا للمخاطب عن ذلك الفعل بالطريق الحسن ، كأنه يقول : أنت حاشاك أن تفعل ذلك ، فإن فعل غيرك فامنعه ، كذلك ههنا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وإن طائفتان من المؤمنين ) ولم يقل منكم لما ذكرنا من التنبيه مع أن المعنى واحد .
المسألة الرابعة : قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ) ولم يقل : وإن اقتتل طائفتان من المؤمنين ، مع أن كلمة " إن " اتصالها بالفعل أولى ، وذلك ليكون الابتداء بما يمنع من القتال ، فيتأكد معنى النكرة المدلول عليها بكلمة " إن " وذلك لأن كونهما طائفتين مؤمنتين يقتضي أن لا يقع القتال منهما ، فإن قيل : فلم لم يقل : يا أيها الذين آمنوا إن فاسق جاءكم ، أو إن أحد من الفساق جاءكم ، ليكون الابتداء بما يمنعهم
[ ص: 110 ] من الإصغاء إلى كلامه ، وهو كونه فاسقا ؟ نقول : المجيء بالنبأ الكاذب يورث كون الإنسان فاسقا ، أو يزداد بسببه فسقه ، فالمجيء به سبب الفسق فقدمه . وأما الاقتتال فلا يقع سببا للإيمان أو الزيادة ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6إن جاءكم فاسق ) أي سواء كان فاسقا أو لا ، أو جاءكم بالنبأ فصار فاسقا به ، ولو قال : وإن أحد من الفساق جاءكم ، كان لا يتناول إلا مشهور الفسق قبل المجيء إذا جاءهم بالنبأ .
المسألة الخامسة : قال تعالى : ( اقتتلوا ) ولم يقل : يقتتلوا ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=34077صيغة الاستقبال تنبئ عن الدوام والاستمرار ، فيفهم منه أن طائفتين من المؤمنين إن تمادى الاقتتال بينهما فأصلحوا ، وهذا لأن صيغة المستقبل تنبئ عن ذلك ، يقال : فلان يتهجد ويصوم .
المسألة السادسة : قال : ( اقتتلوا ) ولم يقل : اقتتلا ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فأصلحوا بينهما ) ولم يقل : بينهم ، ذلك لأن عند الاقتتال تكون الفتنة قائمة ، وكل أحد برأسه يكون فاعلا فعلا ، فقال : ( اقتتلوا ) وعند العود إلى الصلح تتفق كلمة كل طائفة ، وإلا لم يكن يتحقق الصلح فقال : ( بينهما ) لكون الطائفتين حينئذ كنفسين .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فإن بغت إحداهما ) إشارة إلى نادرة أخرى وهي البغي ؛ لأنه غير متوقع ، فإن قيل : كيف يصح في هذا الموضع كلمة " إن " مع أنها تستعمل في الشرط الذي لا يتوقع وقوعه ، وبغي أحدهما عند الاقتتال لا بد منه ، إذ كل واحد منهما لا يكون محسنا ، فقوله : ( أن ) تكون من قبيل قول القائل : إن طلعت الشمس ، نقول : فيه معنى لطيف ، وهو أن الله تعالى يقول : الاقتتال بين طائفتين لا يكون إلا نادر الوقوع ، وهو كما تظن كل طائفة أن الأخرى فيها الكفر والفساد ، فالقتال واجب كما سبق في الليالي المظلمة ، أو يقع لكل واحد أن القتال جائز بالاجتهاد ، وهو خطأ ، فقال تعالى : الاقتتال لا يقع إلا كذا ، فإن بان لهما أو لأحدهما الخطأ واستمر عليه فهو نادر ، وعند ذلك يكون قد بغى فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فإن بغت إحداهما على الأخرى ) يعني بعد استبانة الأمر ، وحينئذ فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فإن بغت ) في غاية الحسن ؛ لأنه يفيد الندرة وقلة الوقوع ، وفيه أيضا مباحث :
الأول : قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فإن بغت ) ولم يقل : فإن تبغ لما ذكرنا في قوله تعالى : ( اقتتلوا ) ولم يقل : يقتتلوا .
الثاني : قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9حتى تفيء ) إشارة إلى أن
nindex.php?page=treesubj&link=28439القتال ليس جزاء للباغي ، كحد الشرب الذي يقام وإن ترك الشرب ، بل القتال إلى حد الفيئة ، فإن فاءت الفئة الباغية حرم قتالهم .
الثالث : هذا القتال لدفع الصائل ، فيندرج فيه ، وذلك لأنه لما كانت الفيئة من إحداهما ، فإن حصلت من الأخرى لا يوجد البغي الذي لأجله حل القتال .
الرابع : هذا دليل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28652المؤمن بالكبيرة لا يخرج عن كونه مؤمنا ؛ لأن الباغي جعله من إحدى الطائفتين وسماهما مؤمنين .
الخامس : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9إلى أمر الله ) يحتمل وجوها :
أحدها : إلى طاعة الرسول وأولي الأمر ؛ لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) [ النساء : 59 ] .
وثانيها : إلى أمر الله ، أي إلى
nindex.php?page=treesubj&link=26553_15442الصلح فإنه مأمور به يدل عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1وأصلحوا ذات بينكم ) [ الأنفال : 1 ] .
ثالثها : إلى أمر الله بالتقوى ، فإن من خاف الله حق الخوف لا يبقى له عداوة إلا مع الشيطان ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=6إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ) [ فاطر : 6 ] .
السادس : لو قال قائل : قد ذكرتم ما يدل على كون الشرط غير متوقع الوقوع ، وقلتم بأن القتال والبغي من المؤمن نادر ، فإذن تكون الفيئة متوقعة ، فكيف قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فإن فاءت ) [ الحجرات : 9 ] ؟ نقول : قول القائل لعبده : إن مت فأنت حر ، مع أن الموت لا بد من وقوعه ، لكن لما كان وقوعه بحيث يكون العبد محلا للعتق بأن يكون باقيا في ملكه حيا يعيش بعد وفاته غير معلوم ، فكذلك ههنا لما كان الواقع فيئتهم من تلقاء أنفسهم
[ ص: 111 ] فلما لم يقع دل على تأكيد الأخذ بينهم فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فإن فاءت ) بقتالكم إياهم بعد اشتداد الأمر والتحام الحرب فأصلحوا ، وفيه معنى لطيف ، وهو أنه تعالى أشار إلى أن من لم يخف الله وبغى لا يكون رجوعه بقتالكم إلا جبرا .
السابع : قال ههنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فأصلحوا بينهما بالعدل ) ولم يذكر العدل في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا ) نقول : لأن الإصلاح هناك بإزالة الاقتتال نفسه وذلك يكون بالنصيحة أو التهديد والزجر والتعذيب ، والإصلاح ههنا بإزالة آثار القتل بعد اندفاعه من ضمان المتلفات وهو حكم ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9بالعدل ) فكأنه قال : واحكموا بينهما بعد تركهما القتال بالحق وأصلحوا بالعدل مما يكون بينهما ؛ لئلا يؤدي إلى ثوران الفتنة بينهما مرة أخرى .
الثامن : إذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فأصلحوا بينهما بالعدل ) فأية فائدة في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وأقسطوا ) ؟ نقول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فأصلحوا بينهما بالعدل ) كان فيه تخصيص بحال دون حال ، فعمم الأمر بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وأقسطوا ) أي في كل أمر مفض إلى أشرف درجة وأرفع منزلة وهي محبة الله ، والإقساط إزالة القسط وهو الجور ، والقاسط هو الجائر ، والتركيب دال على كون الأمر غير مرضي من القسط والقاسط في القلب ، وهو أيضا غير مرضي ولا معتد به ، فكذلك القسط .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=10nindex.php?page=treesubj&link=15442_26553_29020إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ) تتميما للإرشاد ؛ وذلك لأنه لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ) كان لظان أن يظن أو لمتوهم أن يتوهم أن ذلك عند اختلاف قوم ، فأما إذا كان الاقتتال بين اثنين فلا تعم المفسدة فلا يؤمر بالإصلاح ، وكذلك الأمر بالإصلاح هناك عند الاقتتال ، وأما إذا كان دون الاقتتال كالتشاتم والتسافه ، فلا يجب الإصلاح ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=10بين أخويكم ) وإن لم تكن الفتنة عامة وإن لم يكن الأمر عظيما كالقتال ، بل لو
nindex.php?page=treesubj&link=15442كان بين رجلين من المسلمين أدنى اختلاف فاسعوا في الإصلاح .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=10إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )
ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) .
لَمَّا حَذَّرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ النَّبَأِ الصَّادِرِ مِنَ الْفَاسِقِ ، أَشَارَ إِلَى مَا يَلْزَمُ مِنْهُ اسْتِدْرَاكًا لِمَا يَفُوتُ ، فَقَالَ : فَإِنِ اتَّفَقَ أَنَّكُمْ تَبْنُونَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُوقِعُ بَيْنَكُمْ ، وَآلَ الْأَمْرُ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=26551اقْتِتَالِ طَائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَأَزِيلُوا مَا أَثْبَتَهُ ذَلِكَ الْفَاسِقُ وَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9nindex.php?page=treesubj&link=28439_29020فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ) أَيِ الظَّالِمُ يَجِبُ عَلَيْكُمْ دَفْعُهُ عَنْهُ ، ثُمَّ إِنَّ الظَّالِمَ إِنْ كَانَ هُوَ الرَّعِيَّةَ ، فَالْوَاجِبُ عَلَى الْأَمِيرِ دَفْعُهُمْ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَمِيرَ فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَنْعُهُ بِالنَّصِيحَةِ فَمَا فَوْقَهَا ، وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يُثِيرَ فِتْنَةً مِثْلَ الَّتِي فِي اقْتِتَالِ الطَّائِفَتَيْنِ أَوْ أَشَدَّ مِنْهَا ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَإِنْ ) إِشَارَةٌ إِلَى نُدْرَةِ وُقُوعِ الْقِتَالِ بَيْنَ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِنْ قِيلَ : فَنَحْنُ نَرَى أَكْثَرَ الِاقْتِتَالِ بَيْنَ طَوَائِفِهِمْ ؟ نَقُولُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَإِنْ ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ إِلَّا نَادِرًا ، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى خِلَافِ مَا يَنْبَغِي ، وَكَذَلِكَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَجِيءَ الْفَاسِقِ بِالنَّبَأِ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ قَلِيلًا ، مَعَ أَنَّ مَجِيءَ الْفَاسِقِ بِالنَّبَأِ كَثِيرٌ ، وَقَوْلُ الْفَاسِقِ صَارَ عِنْدَ أُولِي الْأَمْرِ أَشَدَّ قَبُولًا مِنْ قَوْلِ الصَّادِقِ الصَّالِحِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وَإِنْ طَائِفَتَانِ ) وَلَمْ يَقُلْ : وَإِنْ فِرْقَتَانِ تَحْقِيقًا لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ التَّقْلِيلُ ؛ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ دُونَ الْفِرْقَةِ ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ ) [ التَّوْبَةِ : 122 ] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَ تَعَالَى : ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) وَلَمْ يَقُلْ مِنْكُمْ ، مَعَ أَنَّ الْخِطَابَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ لِسَبْقِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ ) تَنْبِيهًا عَلَى قُبْحِ ذَلِكَ وَتَبْعِيدًا لَهُمْ عَنْهُمْ ، كَمَا يَقُولُ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ : إِنْ رَأَيْتَ أَحَدًا مِنْ غِلْمَانِي يَفْعَلُ كَذَا فَامْنَعْهُ ، فَيَصِيرُ بِذَلِكَ مَانِعًا لِلْمُخَاطَبِ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِالطَّرِيقِ الْحَسَنِ ، كَأَنَّهُ يَقُولُ : أَنْتَ حَاشَاكَ أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ ، فَإِنْ فَعَلَ غَيْرُكَ فَامْنَعْهُ ، كَذَلِكَ هَهُنَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) وَلَمْ يَقُلْ مِنْكُمْ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّنْبِيهِ مَعَ أَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ) وَلَمْ يَقُلْ : وَإِنِ اقْتَتَلَ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَعَ أَنَّ كَلِمَةَ " إِنْ " اتِّصَالُهَا بِالْفِعْلِ أَوْلَى ، وَذَلِكَ لِيَكُونَ الِابْتِدَاءُ بِمَا يَمْنَعُ مِنَ الْقِتَالِ ، فَيَتَأَكَّدُ مَعْنَى النَّكِرَةِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا بِكَلِمَةِ " إِنْ " وَذَلِكَ لِأَنَّ كَوْنَهُمَا طَائِفَتَيْنِ مُؤْمِنَتَيْنِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَقَعَ الْقِتَالُ مِنْهُمَا ، فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ لَمْ يَقُلْ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ فَاسْقٌ جَاءَكُمْ ، أَوْ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْفُسَّاقِ جَاءَكُمْ ، لِيَكُونَ الِابْتِدَاءُ بِمَا يَمْنَعُهُمْ
[ ص: 110 ] مِنَ الْإِصْغَاءِ إِلَى كَلَامِهِ ، وَهُوَ كَوْنُهُ فَاسِقًا ؟ نَقُولُ : الْمَجِيءُ بِالنَّبَأِ الْكَاذِبِ يُورِثُ كَوْنَ الْإِنْسَانِ فَاسِقًا ، أَوْ يَزْدَادُ بِسَبَبِهِ فِسْقُهُ ، فَالْمَجِيءُ بِهِ سَبَبُ الْفِسْقِ فَقَدَّمَهُ . وَأَمَّا الِاقْتِتَالُ فَلَا يَقَعُ سَبَبًا لِلْإِيمَانِ أَوِ الزِّيَادَةِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فَاسِقًا أَوْ لَا ، أَوْ جَاءَكُمْ بِالنَّبَأِ فَصَارَ فَاسِقًا بِهِ ، وَلَوْ قَالَ : وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْفُسَّاقِ جَاءَكُمْ ، كَانَ لَا يَتَنَاوَلُ إِلَّا مَشْهُورَ الْفِسْقِ قَبْلَ الْمَجِيءِ إِذَا جَاءَهُمْ بِالنَّبَأِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَالَ تَعَالَى : ( اقْتَتَلُوا ) وَلَمْ يَقُلْ : يَقْتَتِلُوا ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=34077صِيغَةَ الِاسْتِقْبَالِ تُنْبِئُ عَنِ الدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ طَائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ تَمَادَى الِاقْتِتَالُ بَيْنَهُمَا فَأَصْلِحُوا ، وَهَذَا لِأَنَّ صِيغَةَ الْمُسْتَقْبَلِ تُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ ، يُقَالُ : فُلَانٌ يَتَهَجَّدُ وَيَصُومُ .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : قَالَ : ( اقْتَتَلُوا ) وَلَمْ يَقُلْ : اقْتَتَلَا ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) وَلَمْ يَقُلْ : بَيْنَهُمْ ، ذَلِكَ لِأَنَّ عِنْدَ الِاقْتِتَالِ تَكُونُ الْفِتْنَةُ قَائِمَةً ، وَكُلُّ أَحَدٍ بِرَأْسِهِ يَكُونُ فَاعِلًا فِعْلًا ، فَقَالَ : ( اقْتَتَلُوا ) وَعِنْدَ الْعَوْدِ إِلَى الصُّلْحِ تَتَّفِقُ كَلِمَةُ كُلِّ طَائِفَةٍ ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ يَتَحَقَّقُ الصُّلْحُ فَقَالَ : ( بَيْنِهِمَا ) لِكَوْنِ الطَّائِفَتَيْنِ حِينَئِذٍ كَنَفْسَيْنِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا ) إِشَارَةً إِلَى نَادِرَةٍ أُخْرَى وَهِيَ الْبَغْيُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَوَقَّعٍ ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَصِحُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَلِمَةُ " إِنْ " مَعَ أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ الَّذِي لَا يُتَوَقَّعُ وُقُوعُهُ ، وَبَغْيُ أَحَدِهِمَا عِنْدَ الِاقْتِتَالِ لَا بُدَّ مِنْهُ ، إِذْ كَلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَكُونُ مُحْسِنًا ، فَقَوْلُهُ : ( أَنْ ) تَكُونُ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِ الْقَائِلِ : إِنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ ، نَقُولُ : فِيهِ مَعْنًى لَطِيفٌ ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : الِاقْتِتَالُ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ لَا يَكُونُ إِلَّا نَادِرَ الْوُقُوعِ ، وَهُوَ كَمَا تَظُنُّ كُلُّ طَائِفَةٍ أَنَّ الْأُخْرَى فِيهَا الْكُفْرُ وَالْفَسَادُ ، فَالْقِتَالُ وَاجِبٌ كَمَا سَبَقَ فِي اللَّيَالِي الْمُظْلِمَةِ ، أَوْ يَقَعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنَّ الْقِتَالَ جَائِزٌ بِالِاجْتِهَادِ ، وَهُوَ خَطَأٌ ، فَقَالَ تَعَالَى : الِاقْتِتَالُ لَا يَقَعُ إِلَّا كَذَا ، فَإِنْ بَانَ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا الْخَطَأُ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ فَهُوَ نَادِرٌ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ قَدْ بَغَى فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى ) يَعْنِي بَعْدَ اسْتِبَانَةِ الْأَمْرِ ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فَإِنْ بَغَتْ ) فِي غَايَةِ الْحُسْنِ ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ النُّدْرَةَ وَقِلَّةَ الْوُقُوعِ ، وَفِيهِ أَيْضًا مَبَاحِثُ :
الْأَوَّلُ : قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فَإِنْ بَغَتْ ) وَلَمْ يَقُلْ : فَإِنْ تَبْغِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( اقْتَتَلُوا ) وَلَمْ يَقُلْ : يَقْتَتِلُوا .
الثَّانِي : قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9حَتَّى تَفِيءَ ) إِشَارَةً إِلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28439الْقِتَالَ لَيْسَ جَزَاءً لِلْبَاغِي ، كَحَدِّ الشُّرْبِ الَّذِي يُقَامُ وَإِنْ تَرَكَ الشُّرْبَ ، بَلِ الْقِتَالُ إِلَى حَدِّ الْفَيْئَةِ ، فَإِنْ فَاءَتِ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ حَرُمَ قِتَالُهُمْ .
الثَّالِثُ : هَذَا الْقِتَالُ لِدَفْعِ الصَّائِلِ ، فَيَنْدَرِجُ فِيهِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْفَيْئَةُ مِنْ إِحْدَاهُمَا ، فَإِنْ حَصَلَتْ مِنَ الْأُخْرَى لَا يُوجَدُ الْبَغْيُ الَّذِي لِأَجْلِهِ حَلَّ الْقِتَالُ .
الرَّابِعُ : هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28652الْمُؤْمِنَ بِالْكَبِيرَةِ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُؤْمِنًا ؛ لِأَنَّ الْبَاغِيَ جَعَلَهُ مِنْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَسَمَّاهُمَا مُؤْمِنِينَ .
الْخَامِسُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) يَحْتَمِلُ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : إِلَى طَاعَةِ الرَّسُولِ وَأُولِي الْأَمْرِ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) [ النِّسَاءِ : 59 ] .
وَثَانِيهَا : إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ، أَيْ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=26553_15442الصُّلْحِ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ) [ الْأَنْفَالِ : 1 ] .
ثَالِثُهَا : إِلَى أَمْرِ اللَّهِ بِالتَّقْوَى ، فَإِنَّ مَنْ خَافَ اللَّهَ حَقَّ الْخَوْفِ لَا يَبْقَى لَهُ عَدَاوَةٌ إِلَّا مَعَ الشَّيْطَانِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=6إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ) [ فَاطِرٍ : 6 ] .
السَّادِسُ : لَوْ قَالَ قَائِلٌ : قَدْ ذَكَرْتُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الشَّرْطِ غَيْرَ مُتَوَقَّعِ الْوُقُوعِ ، وَقُلْتُمْ بِأَنَّ الْقِتَالَ وَالْبَغْيَ مِنَ الْمُؤْمِنِ نَادِرٌ ، فَإِذَنْ تَكُونُ الْفَيْئَةُ مُتَوَقَّعَةً ، فَكَيْفَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فَإِنْ فَاءَتْ ) [ الْحُجُرَاتِ : 9 ] ؟ نَقُولُ : قَوْلُ الْقَائِلِ لِعَبْدِهِ : إِنْ مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ ، مَعَ أَنَّ الْمَوْتَ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ وُقُوعُهُ بِحَيْثُ يَكُونُ الْعَبْدُ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ بِأَنْ يَكُونَ بَاقِيًا فِي مِلْكِهِ حَيًّا يَعِيشُ بَعْدَ وَفَاتِهِ غَيْرَ مَعْلُومٍ ، فَكَذَلِكَ هَهُنَا لَمَّا كَانَ الْوَاقِعُ فَيْئَتَهُمْ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ
[ ص: 111 ] فَلَمَّا لَمْ يَقَعْ دَلَّ عَلَى تَأْكِيدِ الْأَخْذِ بَيْنَهُمْ فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فَإِنْ فَاءَتْ ) بِقِتَالِكُمْ إِيَّاهُمْ بَعْدَ اشْتِدَادِ الْأَمْرِ وَالْتِحَامِ الْحَرْبِ فَأَصْلِحُوا ، وَفِيهِ مَعْنًى لَطِيفٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى أَشَارَ إِلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ وَبَغَى لَا يَكُونُ رُجُوعُهُ بِقِتَالِكُمْ إِلَّا جَبْرًا .
السَّابِعُ : قَالَ هَهُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ ) وَلَمْ يَذْكُرِ الْعَدْلَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا ) نَقُولُ : لِأَنَّ الْإِصْلَاحَ هُنَاكَ بِإِزَالَةِ الِاقْتِتَالِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِالنَّصِيحَةِ أَوِ التَّهْدِيدِ وَالزَّجْرِ وَالتَّعْذِيبِ ، وَالْإِصْلَاحُ هَهُنَا بِإِزَالَةِ آثَارِ الْقَتْلِ بَعْدَ انْدِفَاعِهِ مِنْ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَهُوَ حُكْمٌ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9بِالْعَدْلِ ) فَكَأَنَّهُ قَالَ : وَاحْكُمُوا بَيْنَهُمَا بَعْدَ تَرْكِهِمَا الْقِتَالَ بِالْحَقِّ وَأَصْلِحُوا بِالْعَدْلِ مِمَّا يَكُونُ بَيْنَهُمَا ؛ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إِلَى ثَوَرَانِ الْفِتْنَةِ بَيْنَهُمَا مَرَّةً أُخْرَى .
الثَّامِنُ : إِذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ ) فَأَيَّةُ فَائِدَةٍ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وَأَقْسِطُوا ) ؟ نَقُولُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ ) كَانَ فِيهِ تَخْصِيصٌ بِحَالٍ دُونَ حَالٍ ، فَعَمَّمَ الْأَمْرَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وَأَقْسِطُوا ) أَيْ فِي كُلِّ أَمْرٍ مُفْضٍ إِلَى أَشْرَفِ دَرَجَةٍ وَأَرْفَعِ مَنْزِلَةٍ وَهِيَ مَحَبَّةُ اللَّهِ ، وَالْإِقْسَاطُ إِزَالَةُ الْقِسْطِ وَهُوَ الْجَوْرُ ، وَالْقَاسِطُ هُوَ الْجَائِرُ ، وَالتَّرْكِيبُ دَالٌّ عَلَى كَوْنِ الْأَمْرِ غَيْرَ مَرْضِيٍّ مِنَ الْقِسْطِ وَالْقَاسِطِ فِي الْقَلْبِ ، وَهُوَ أَيْضًا غَيْرُ مَرْضِيٍّ وَلَا مُعْتَدٍّ بِهِ ، فَكَذَلِكَ الْقِسْطُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=10nindex.php?page=treesubj&link=15442_26553_29020إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ) تَتْمِيمًا لِلْإِرْشَادِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ) كَانَ لِظَانٍّ أَنْ يَظُنَّ أَوْ لِمُتَوَهِّمٍ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ اخْتِلَافِ قَوْمٍ ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الِاقْتِتَالُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَلَا تَعُمُّ الْمَفْسَدَةُ فَلَا يُؤْمَرُ بِالْإِصْلَاحِ ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْإِصْلَاحِ هُنَاكَ عِنْدَ الِاقْتِتَالِ ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ دُونَ الِاقْتِتَالِ كَالتَّشَاتُمِ وَالتَّسَافُهِ ، فَلَا يَجِبُ الْإِصْلَاحُ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=10بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ) وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْفِتْنَةُ عَامَّةً وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ عَظِيمًا كَالْقِتَالِ ، بَلْ لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=15442كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَدْنَى اخْتِلَافٍ فَاسْعَوْا فِي الْإِصْلَاحِ .