(
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=9ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=10والنخل باسقات لها طلع نضيد nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=9ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=10والنخل باسقات ) .
إشارة إلى دليل آخر وهو ما بين السماء والأرض ، فيكون الاستدلال بالسماء والأرض وما بينهما ، وذلك
nindex.php?page=treesubj&link=31763_33679إنزال [ الماء من ] السماء من فوق ، وإخراج النبات من تحت ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : هذا الاستدلال قد تقدم بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=7وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج ) فما الفائدة في إعادته بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=9فأنبتنا به جنات وحب الحصيد ) ؟ نقول : قوله : ( فأنبتنا ) استدلال بنفس النبات أي الأشجار تنمو وتزيد ، فكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=33679_30336_30340بدن الإنسان بعد الموت ينمو ويزيد بأن يرجع الله تعالى إليه قوة النشوء والنماء كما يعيدها إلى الأشجار بواسطة ماء السماء (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=9وحب الحصيد ) فيه حذف تقديره : وحب الزرع الحصيد ، وهو المحصود ، أي
[ ص: 136 ] أنشأنا جنات يقطف ثمارها وأصولها باقية ، وزرعا يحصد كل سنة ويزرع في كل عام أو عامين ، ويحتمل أن يقال : التقدير : وننبت الحب الحصيد ، والأول هو المختار ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=10والنخل باسقات ) إشارة إلى المختلط من جنسين ؛ لأن الجنات تقطف ثمارها وتثمر من غير زراعة كل سنة ، لكن النخل يؤبر ، ولولا التأبير لم
يثمر ، فهو جنس مختلط من الزرع والشجر ، وخلق المركب من جنسين في الأثمار ؛ لأن بعض الثمار فاكهة ولا قوت فيه ، وأكثر الزرع قوت والثمر فاكهة وقوت ، والباسقات الطوال من النخيل .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=10باسقات ) يؤكد كمال القدرة والاختيار ، وذلك من حيث إن الزرع إن قيل فيه : إنه يمكن أن يقطف من ثمرته لضعفه وضعف حجمه ، فكذلك يحتاج إلى إعادته كل سنة ، والجنات لكبرها وقوتها تبقى وتثمر سنة بعد سنة ، فيقال : أليس
nindex.php?page=treesubj&link=32446_33679_29426النخل الباسقات أكثر وأقوى من الكرم الضعيف ، والنخل محتاجة كل سنة إلى عمل عامل ، والكرم غير محتاج ، فالله تعالى هو الذي قدر ذلك لذلك لا للكبر والصغر والطول والقصر .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=10لها طلع نضيد ) أي منضود بعضها فوق بعض في أكمامها في سنبله الزرع وهو عجيب ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=29426_32446الأشجار الطوال أثمارها بارزها متميز بعضها من بعض ، لكل واحد منها أصل يخرج منه كالجوز واللوز وغيرهما ، والطلع كالسنبلة الواحدة يكون على أصل واحد .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11رزقا للعباد ) وفيه وجهان :
أحدهما : نصب على المصدر ؛ لأن الإنبات رزق ، فكأنه تعالى قال : أنبتناها للعباد .
والثاني : نصب على كونه مفعولا له ، كأنه قال : أنبتناها لرزق العباد ، وههنا مسائل :
المسألة الأولى : قال في
nindex.php?page=treesubj&link=31756_29426_33679_32412_32415خلق السماء والأرض : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=8تبصرة وذكرى ) وفي الثمار قال : ( رزقا ) والثمار أيضا فيها تبصرة ، وفي السماء والأرض أيضا منفعة غير التبصرة والتذكرة ، فما الحكمة في اختيار الأمرين ؟ نقول : فيه وجوه ، أحدها : أن نقول : الاستدلال وقع لوجود أمرين :
أحدهما الإعادة .
والثاني البقاء بعد الإعادة ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخبرهم بحشر وجمع يكون بعده الثواب الدائم والعقاب الدائم ، وأنكروا ذلك ، فأما الأول
nindex.php?page=treesubj&link=33679_30340_30336فالله القادر على خلق السماوات والأرض قادر على خلق الخلق بعد الفناء ، وأما الثاني فلأن البقاء في الدنيا بالرزق ، والقادر على إخراج الأرزاق من النجم والشجر قادر على أن يرزق العبد في الجنة ويبقى ، فكأن الأول تبصرة وتذكرة بالخلق ، والثاني تذكرة بالبقاء بالرزق ، ويدل على هذا الفصل بينهما بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=8تبصرة وذكرى ) حيث ذكر ذلك بعد الآيتين ، ثم بدأ بذكر الماء وإنزاله وإنباته النبات .
ثانيها : أن منفعة الثمار الظاهرة هي الرزق ، فذكرها ، ومنفعة السماء الظاهرة ليست أمرا عائدا إلى انتفاع العباد لبعدها عن ذهنهم ، حتى أنهم لو توهموا عدم الزرع والثمر لظنوا أن يهلكوا ، ولو توهموا عدم السماء فوقهم لقالوا : لا يضرنا ذلك مع أن الأمر بالعكس أولى ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=32413_32412_28783السماء سبب الأرزاق بتقدير الله ، وفيها غير ذلك من المنافع ، والثمار وإن لم تكن [ ما ] كان العيش ، كما أنزل الله على قوم المن والسلوى وعلى قوم المائدة من السماء ، فذكر الأظهر للناس في هذا الموضع ، ثالثها : قوله : ( رزقا ) إشارة إلى كونه منعما لكون تكذيبهم في غاية القبح ، فإنه يكون إشارة [ للتكذيب ] بالمنعم ، وهو أقبح ما يكون .
المسألة الثانية : قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=8تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ) فقيد العبد بكونه منيبا وجعل خلقها (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=8تبصرة ) لعباده المخلصين ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11رزقا للعباد ) مطلقا ؛ لأن الرزق حصل لكل أحد ، غير أن المنيب يأكل ذاكرا شاكرا للإنعام ، وغيره يأكل كما تأكل الأنعام فلم يخصص الرزق بقيد .
[ ص: 137 ] المسألة الثالثة : ذكر في هذه الآية أمورا ثلاثة أيضا وهي : إنبات الجنات والحب والنخيل ، كما ذكر في السماء والأرض في كل واحدة أمورا ثلاثة ، وقد ثبت أن الأمور الثلاثة في الآيتين المتقدمتين متناسبة ، فهل هي كذلك في هذه الآية ؟ نقول : قد بينا أن الأمور الثلاثة إشارة إلى الأجناس الثلاثة ، وهي التي يبقى أصلها سنين ، ولا تحتاج إلى عمل عامل ، والتي لا يبقى أصلها وتحتاج كل سنة إلى عمل عامل ، والتي يجتمع فيها الأمران ، وليس شيء من الثمار والزروع خارجا عنه أصلا ، كما أن أمور الأرض منحصرة في ثلاثة : ابتداء وهو المد ، ووسط وهو النبات بالجبال الراسية ، وثالثها هو غاية الكمال وهو الإنبات والتزيين بالزخارف .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=9وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=10وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=9وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=10وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ ) .
إِشَارَةً إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، فَيَكُونُ الِاسْتِدْلَالُ بِالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ، وَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=31763_33679إِنْزَالُ [ الْمَاءِ مِنْ ] السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ ، وَإِخْرَاجُ النَّبَاتِ مِنْ تَحْتُ ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : هَذَا الِاسْتِدْلَالُ قَدْ تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=7وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) فَمَا الْفَائِدَةُ فِي إِعَادَتِهِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=9فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ) ؟ نَقُولُ : قَوْلُهُ : ( فَأَنْبَتْنَا ) اسْتِدْلَالٌ بِنَفْسِ النَّبَاتِ أَيِ الْأَشْجَارِ تَنْمُو وَتَزِيدُ ، فَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=33679_30336_30340بَدَنُ الْإِنْسَانِ بَعْدَ الْمَوْتِ يَنْمُو وَيَزِيدُ بِأَنْ يُرْجِعَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ قُوَّةَ النُّشُوءِ وَالنَّمَاءِ كَمَا يُعِيدُهَا إِلَى الْأَشْجَارِ بِوَاسِطَةِ مَاءِ السَّمَاءِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=9وَحَبَّ الْحَصِيدِ ) فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ : وَحَبَّ الزَّرْعِ الْحَصِيدِ ، وَهُوَ الْمَحْصُودُ ، أَيْ
[ ص: 136 ] أَنْشَأْنَا جَنَّاتٍ يُقْطَفُ ثِمَارُهَا وَأُصُولُهَا بَاقِيَةٌ ، وَزَرْعًا يُحْصَدُ كُلَّ سَنَةٍ وَيُزْرَعُ فِي كُلِّ عَامٍ أَوْ عَامَيْنِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : التَّقْدِيرُ : وَنُنْبِتُ الْحَبَّ الْحَصِيدَ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُخْتَارُ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=10وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ ) إِشَارَةٌ إِلَى الْمُخْتَلِطِ مِنْ جِنْسَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْجَنَّاتِ تُقْطَفُ ثِمَارُهَا وَتُثْمِرُ مِنْ غَيْرِ زِرَاعَةٍ كُلَّ سَنَةٍ ، لَكِنَّ النَّخْلَ يُؤَبَّرُ ، وَلَوْلَا التَّأْبِيرُ لَمْ
يُثْمِرْ ، فَهُوَ جِنْسٌ مُخْتَلِطٌ مِنَ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ ، وَخُلِقَ الْمُرَكَّبُ مِنْ جِنْسَيْنِ فِي الْأَثْمَارِ ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الثِّمَارِ فَاكِهَةً وَلَا قُوتَ فِيهِ ، وَأَكْثَرُ الزَّرْعِ قُوتٌ وَالثَّمَرُ فَاكِهَةٌ وَقُوتٌ ، وَالْبَاسِقَاتُ الطِّوَالُ مِنَ النَّخِيلِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=10بَاسِقَاتٍ ) يُؤَكِّدُ كَمَالَ الْقُدْرَةِ وَالِاخْتِيَارِ ، وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الزَّرْعَ إِنْ قِيلَ فِيهِ : إِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقْطَفَ مِنْ ثَمَرَتِهِ لِضَعْفِهِ وَضَعْفِ حَجْمِهِ ، فَكَذَلِكَ يَحْتَاجُ إِلَى إِعَادَتِهِ كُلَّ سَنَةٍ ، وَالْجَنَّاتُ لِكِبَرِهَا وَقُوَّتِهَا تَبْقَى وَتُثْمِرُ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ ، فَيُقَالُ : أَلَيْسَ
nindex.php?page=treesubj&link=32446_33679_29426النَّخْلُ الْبَاسِقَاتُ أَكْثَرَ وَأَقْوَى مِنَ الْكَرْمِ الضَّعِيفِ ، وَالنَّخْلُ مُحْتَاجَةٌ كُلَّ سَنَةٍ إِلَى عَمَلِ عَامِلٍ ، وَالْكَرْمُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ ، فَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي قَدَّرَ ذَلِكَ لِذَلِكَ لَا لِلْكِبَرِ وَالصِّغَرِ وَالطُّولِ وَالْقِصَرِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=10لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ ) أَيْ مَنْضُودٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ فِي أَكْمَامِهَا فِي سُنْبُلِهِ الزَّرْعُ وَهُوَ عَجِيبٌ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29426_32446الْأَشْجَارَ الطِّوَالَ أَثْمَارُهَا بَارِزُهَا مُتَمَيِّزٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَصْلٌ يَخْرُجُ مِنْهُ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَغَيْرِهِمَا ، وَالطَّلْعُ كَالسُّنْبُلَةِ الْوَاحِدَةِ يَكُونُ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11رِزْقًا لِلْعِبَادِ ) وَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : نَصْبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْبَاتَ رِزْقٌ ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : أَنْبَتْنَاهَا لِلْعِبَادِ .
وَالثَّانِي : نَصْبٌ عَلَى كَوْنِهِ مَفْعُولًا لَهُ ، كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْبَتْنَاهَا لِرِزْقِ الْعِبَادِ ، وَهَهُنَا مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=31756_29426_33679_32412_32415خَلْقِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=8تَبْصِرَةً وَذِكْرَى ) وَفِي الثِّمَارِ قَالَ : ( رِزْقًا ) وَالثِّمَارُ أَيْضًا فِيهَا تَبْصِرَةٌ ، وَفِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَيْضًا مَنْفَعَةٌ غَيْرُ التَّبْصِرَةِ وَالتَّذْكِرَةِ ، فَمَا الْحِكْمَةُ فِي اخْتِيَارِ الْأَمْرَيْنِ ؟ نَقُولُ : فِيهِ وُجُوهٌ ، أَحَدُهَا : أَنْ نَقُولَ : الِاسْتِدْلَالُ وَقَعَ لِوُجُودِ أَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا الْإِعَادَةُ .
وَالثَّانِي الْبَقَاءُ بَعْدَ الْإِعَادَةِ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُخْبِرُهُمْ بِحَشْرٍ وَجَمْعٍ يَكُونُ بَعْدَهُ الثَّوَابُ الدَّائِمُ وَالْعِقَابُ الدَّائِمُ ، وَأَنْكَرُوا ذَلِكَ ، فَأَمَّا الْأَوَّلُ
nindex.php?page=treesubj&link=33679_30340_30336فَاللَّهُ الْقَادِرُ عَلَى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْخَلْقِ بَعْدَ الْفَنَاءِ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْبَقَاءَ فِي الدُّنْيَا بِالرِّزْقِ ، وَالْقَادِرُ عَلَى إِخْرَاجِ الْأَرْزَاقِ مِنَ النَّجْمِ وَالشَّجَرِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَرْزُقَ الْعَبْدَ فِي الْجَنَّةِ وَيَبْقَى ، فَكَأَنَّ الْأَوَّلَ تَبْصِرَةٌ وَتَذْكِرَةٌ بِالْخَلْقِ ، وَالثَّانِي تَذْكِرَةٌ بِالْبَقَاءِ بِالرِّزْقِ ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=8تَبْصِرَةً وَذِكْرَى ) حَيْثُ ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ الْآيَتَيْنِ ، ثُمَّ بَدَأَ بِذِكْرِ الْمَاءِ وَإِنْزَالِهِ وَإِنْبَاتِهِ النَّبَاتَ .
ثَانِيهَا : أَنَّ مَنْفَعَةَ الثِّمَارِ الظَّاهِرَةِ هِيَ الرِّزْقُ ، فَذَكَرَهَا ، وَمَنْفَعَةَ السَّمَاءِ الظَّاهِرَةِ لَيْسَتْ أَمْرًا عَائِدًا إِلَى انْتِفَاعِ الْعِبَادِ لِبُعْدِهَا عَنْ ذِهْنِهِمْ ، حَتَّى أَنَّهُمْ لَوْ تَوَهَّمُوا عَدَمَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ لَظَنُّوا أَنْ يَهْلَكُوا ، وَلَوْ تَوَهَّمُوا عَدَمَ السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ لَقَالُوا : لَا يَضُرُّنَا ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32413_32412_28783السَّمَاءَ سَبَبُ الْأَرْزَاقِ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ ، وَفِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَنَافِعِ ، وَالثِّمَارُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ [ مَا ] كَانَ الْعَيْشُ ، كَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى قَوْمٍ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى وَعَلَى قَوْمٍ الْمَائِدَةَ مِنَ السَّمَاءِ ، فَذَكَرَ الْأَظْهَرَ لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، ثَالِثُهَا : قَوْلُهُ : ( رِزْقًا ) إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِهِ مُنْعِمًا لِكَوْنِ تَكْذِيبِهِمْ فِي غَايَةِ الْقُبْحِ ، فَإِنَّهُ يَكُونُ إِشَارَةً [ لِلتَّكْذِيبِ ] بِالْمُنْعِمِ ، وَهُوَ أَقْبَحُ مَا يَكُونُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=8تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ) فَقَيَّدَ الْعَبْدَ بِكَوْنِهِ مُنِيبًا وَجَعَلَ خَلْقَهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=8تَبْصِرَةً ) لِعِبَادِهِ الْمُخْلِصِينَ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11رِزْقًا لِلْعِبَادِ ) مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ الرِّزْقَ حَصَلَ لِكُلِّ أَحَدٍ ، غَيْرَ أَنَّ الْمُنِيبَ يَأْكُلُ ذَاكِرًا شَاكِرًا لِلْإِنْعَامِ ، وَغَيْرَهُ يَأْكُلُ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ فَلَمْ يُخَصِّصِ الرِّزْقَ بِقَيْدٍ .
[ ص: 137 ] الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أُمُورًا ثَلَاثَةً أَيْضًا وَهِيَ : إِنْبَاتُ الْجَنَّاتِ وَالْحَبِّ وَالنَّخِيلِ ، كَمَا ذَكَرَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ أُمُورًا ثَلَاثَةً ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ فِي الْآيَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ مُتَنَاسِبَةٌ ، فَهَلْ هِيَ كَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ؟ نَقُولُ : قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ إِشَارَةٌ إِلَى الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ ، وَهِيَ الَّتِي يَبْقَى أَصْلُهَا سِنِينَ ، وَلَا تَحْتَاجُ إِلَى عَمَلِ عَامِلٍ ، وَالَّتِي لَا يَبْقَى أَصْلُهَا وَتَحْتَاجُ كُلَّ سَنَةٍ إِلَى عَمَلِ عَامِلٍ ، وَالَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا الْأَمْرَانِ ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ خَارِجًا عَنْهُ أَصْلًا ، كَمَا أَنَّ أُمُورَ الْأَرْضِ مُنْحَصِرَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ : ابْتِدَاءٌ وَهُوَ الْمَدُّ ، وَوَسَطٌ وَهُوَ النَّبَاتُ بِالْجِبَالِ الرَّاسِيَةِ ، وَثَالِثُهَا هُوَ غَايَةُ الْكَمَالِ وَهُوَ الْإِنْبَاتُ وَالتَّزْيِينُ بِالزَّخَارِفِ .