ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11وأحيينا به بلدة ميتا ) عطفا على ( أنبتنا به ) وفيه بحثان :
الأول : إن قلنا : إن
nindex.php?page=treesubj&link=29426_28658_30340الاستدلال بإنبات الزرع وإنزال الماء كان لإمكان البقاء بالرزق ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11وأحيينا به ) إشارة إلى أنه دليل على الإعادة كما أنه دليل على البقاء ، ويدل عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11كذلك الخروج ) فإن قيل : كيف يصح قولك استدلالا وإنزال الماء كان لبيان البقاء مع أنه تعالى قال بعد ذلك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11وأحيينا به بلدة ميتا ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11كذلك الخروج ) فيكون الاستدلال على البقاء قبل الاستدلال على الإحياء ، والإحياء سابق على الإبقاء ، فينبغي أن يبين أولا أنه يحيي الموتى ثم يبين أنه يبقيهم ؟
نقول : لما كان الاستدلال بالسماوات والأرض على الإعادة كافيا بعد ذكر دليل الإحياء ، ذكر دليل الإبقاء ، ثم عاد واستدرك فقال : هذا الدليل الدال على الإبقاء دال على الإحياء ، وهو غير محتاج إليه ؛ لسبق دليلين قاطعين ، فبدأ ببيان البقاء وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=9فأنبتنا به جنات ) ثم ثنى بإعادة ذكر الإحياء فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11وأحيينا به ) وإن قلنا : إن الاستدلال بإنزال الماء وإنبات الزرع لا لبيان إمكان الحشر ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11وأحيينا به ) ينبغي أن يكون مغايرا لقوله : ( فأنبتنا به ) بخلاف ما لو قلنا بالقول الأول ؛ لأن الإحياء وإن كان غير الإنبات لكن الاستدلال لما كان به على أمرين متغايرين جاز العطف ، تقول : خرج للتجارة وخرج للزيارة ، ولا يجوز أن يقال : خرج للتجارة وذهب للتجارة إلا إذا كان الذهاب غير الخروج ، فنقول : الإحياء غير إنبات الرزق ؛ لأن بإنزال الماء من السماء يخضر وجه الأرض ويخرج منها أنواع من الأزهار ، ولا يتغذى به ولا يقتات ، وإنما يكون به زينة وجه الأرض ، وهو أعم من الزرع والشجر ؛ لأنه يوجد في كل مكان ، والزرع والثمر لا يوجدان في كل مكان ، فكذلك هذا الإحياء ، فإن قيل : فكان ينبغي أن يقدم في الذكر لأن اخضرار وجه الأرض يكون قبل حصول الزرع والثمر ؛ ولأنه يوجد في كل مكان بخلاف الزرع والثمر ، نقول : لما كان
nindex.php?page=treesubj&link=32412_32413_32446_33679إنبات الزرع والثمر أكمل نعمة قدمه في الذكر .
الثاني : في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11بلدة ميتا ) نقول : جاز إثبات التاء في الميت وحذفها عند وصف المؤنث بها ؛ لأن الميت تخفيف للميت ، والميت فيعل بمعنى فاعل ، فيجوز فيه إثبات التاء ؛ لأن التسوية في الفعيل بمعنى المفعول كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56إن رحمة الله قريب من المحسنين ) [ الأعراف : 56 ] فإن قيل : لم سوى بين المذكر والمؤنث في الفعيل بمعنى المفعول ؟ قلنا : لأن الحاجة إلى التمييز بين الفاعل والمفعول أشد من الحاجة إلى التمييز بين المفعول المذكر والمفعول المؤنث نظرا إلى المعنى ونظرا إلى اللفظ ، فأما المعنى فظاهر ، وأما اللفظ فلأن المخالفة بين الفاعل والمفعول له ، إذا علم هذا فنقول : في الفعيل لم يتميز الفاعل بحرف ، فإن فعيلا جاء بمعنى الفاعل كالنصير والبصير ، وبمعنى المفعول كالكسير والأسير ، ولا يتميز بحرف عند المخالفة إلا الأقوى ، فلا يتميز عند المخالفة الأدنى ، والتحقيق فيه أن فعيلا وضع لمعنى لفظي ، والمفعول وضع لمعنى حقيقي
[ ص: 138 ] فكأن القائل قال : استعملوا لفظ المفعول للمعنى الفلاني ، واستعملوا لفظ الفعيل مكان لفظ المفعول ، فصار فعيل كالموضوع للمفعول ، والمفعول كالموضوع للمعنى ، ولما كان تغير اللفظ تابعا لتغير المعنى تغير المفعول لكونه بإزاء المعنى ، ولم يتغير الفعيل لكونه بإزاء اللفظ في أول الأمر ، فإن قيل : فما الفرق بين هذا الموضع وبين قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=33وآية لهم الأرض الميتة أحييناها ) [ يس : 33 ] حيث أثبت التاء هناك ؟ نقول : الأرض أراد بها الوصف فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=33الأرض الميتة ) لأن معنى الفاعلية ظاهر هناك ، والبلدة الأصل فيها الحياة ؛ لأن الأرض إذا صارت حية صارت آهلة ، وأقام بها الناس وعمروها ، فصارت بلدة فأسقط التاء ؛ لأن معنى الفاعلية ثبت فيها ، والذي بمعنى الفاعل لا يثبت فيه التاء ، وتحقيق هذا قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=15بلدة طيبة ) [ سبأ : 15 ] حيث أثبت التاء حيث ظهر بمعنى الفاعل ، ولم يثبت حيث لم يظهر ، وهذا بحث عزيز .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11كذلك الخروج ) أي كالإحياء ( الخروج ) فإن قيل : الإحياء يشبه به الإخراج لا الخروج ، فنقول : تقديره : أحيينا به بلدة ميتا فتشققت وخرج منها النبات كذلك تشقق ويخرج منها الأموات ، وهذا يؤكد قولنا : الرجع بمعنى الرجوع في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=3ذلك رجع بعيد ) لأنه تعالى بين لهم ما استبعدوه فلو استبعدوا الرجع الذي هو من المتعدي لناسب أن يقول : كذلك الإخراج ، ولما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11كذلك الخروج ) فهم أنهم أنكروا الرجوع فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11كذلك الخروج ) نقول : فيه معنى لطيف على القول الآخر ، وذلك لأنهم استبعدوا الرجع الذي هو من المتعدي بمعنى الإخراج ، والله تعالى أثبت الخروج ، وفيهما مبالغة تنبيها على
nindex.php?page=treesubj&link=28914_34077بلاغة القرآن مع أنها مستغنية عن البيان ، ووجهها هو أن الرجع والإخراج كالسبب للرجوع والخروج ، والسبب إذا انتفى ينتفي المسبب جزما ، وإذا وجد قد يتخلف عنه المسبب لمانع ، تقول : كسرته فلم ينكسر ، وإن كان مجازا والمسبب إذا وجد فقد وجد سببه ، وإذا انتفى لا ينتفي السبب ؛ لما تقدم ، إذا علم هذا فهم أنكروا وجود السبب ونفوه ، وينتفي المسبب عند انتفائه جزما فبالغوا وأنكروا الأمر جميعا ؛ لأن نفي السبب نفي المسبب ، فأثبت الله الأمرين بالخروج كما نفوا الأمرين جميعا بنفي الإخراج .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا ) عَطْفًا عَلَى ( أَنْبَتْنَا بِهِ ) وَفِيهِ بَحْثَانِ :
الْأَوَّلُ : إِنْ قُلْنَا : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29426_28658_30340الِاسْتِدْلَالَ بِإِنْبَاتِ الزَّرْعِ وَإِنْزَالِ الْمَاءِ كَانَ لِإِمْكَانِ الْبَقَاءِ بِالرِّزْقِ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11وَأَحْيَيْنَا بِهِ ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الْإِعَادَةِ كَمَا أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الْبَقَاءِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ) فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُكَ اسْتِدْلَالًا وَإِنْزَالُ الْمَاءِ كَانَ لِبَيَانِ الْبَقَاءِ مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ) فَيَكُونُ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْبَقَاءِ قَبْلَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْإِحْيَاءِ ، وَالْإِحْيَاءُ سَابِقٌ عَلَى الْإِبْقَاءِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ أَوَّلًا أَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى ثُمَّ يُبَيِّنَ أَنَّهُ يُبْقِيهِمْ ؟
نَقُولُ : لَمَّا كَانَ الِاسْتِدْلَالُ بِالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَلَى الْإِعَادَةِ كَافِيًا بَعْدَ ذِكْرِ دَلِيلِ الْإِحْيَاءِ ، ذَكَرَ دَلِيلَ الْإِبْقَاءِ ، ثُمَّ عَادَ وَاسْتَدْرَكَ فَقَالَ : هَذَا الدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى الْإِبْقَاءِ دَالٌّ عَلَى الْإِحْيَاءِ ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ ؛ لِسَبْقِ دَلِيلَيْنِ قَاطِعَيْنِ ، فَبَدَأَ بِبَيَانِ الْبَقَاءِ وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=9فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ ) ثُمَّ ثَنَّى بِإِعَادَةِ ذِكْرِ الْإِحْيَاءِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11وَأَحْيَيْنَا بِهِ ) وَإِنْ قُلْنَا : إِنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِإِنْزَالِ الْمَاءِ وَإِنْبَاتِ الزَّرْعِ لَا لِبَيَانِ إِمْكَانِ الْحَشْرِ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11وَأَحْيَيْنَا بِهِ ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُغَايِرًا لِقَوْلِهِ : ( فَأَنْبَتْنَا بِهِ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْإِنْبَاتِ لَكِنَّ الِاسْتِدْلَالَ لَمَّا كَانَ بِهِ عَلَى أَمْرَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ جَازَ الْعَطْفُ ، تَقُولُ : خَرَجَ لِلتِّجَارَةِ وَخَرَجَ لِلزِّيَارَةِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : خَرَجَ لِلتِّجَارَةِ وَذَهَبَ لِلتِّجَارَةِ إِلَّا إِذَا كَانَ الذَّهَابُ غَيْرَ الْخُرُوجِ ، فَنَقُولُ : الْإِحْيَاءُ غَيْرُ إِنْبَاتِ الرِّزْقِ ؛ لِأَنَّ بِإِنْزَالِ الْمَاءِ مِنَ السَّمَاءِ يَخْضَرُّ وَجْهُ الْأَرْضِ وَيَخْرُجُ مِنْهَا أَنْوَاعٌ مِنَ الْأَزْهَارِ ، وَلَا يُتَغَذَّى بِهِ وَلَا يُقْتَاتُ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ بِهِ زِينَةُ وَجْهِ الْأَرْضِ ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، وَالزَّرْعُ وَالثَّمَرُ لَا يُوجَدَانِ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، فَكَذَلِكَ هَذَا الْإِحْيَاءُ ، فَإِنْ قِيلَ : فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ فِي الذِّكْرِ لِأَنَّ اخْضِرَارَ وَجْهِ الْأَرْضِ يَكُونُ قَبْلَ حُصُولِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ ؛ وَلِأَنَّهُ يُوجَدُ فِي كُلِّ مَكَانٍ بِخِلَافِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ ، نَقُولُ : لَمَّا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=32412_32413_32446_33679إِنْبَاتُ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ أَكْمَلَ نِعْمَةً قَدَّمَهُ فِي الذِّكْرِ .
الثَّانِي : فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11بَلْدَةً مَيْتًا ) نَقُولُ : جَازَ إِثْبَاتُ التَّاءِ فِي الْمَيْتِ وَحَذْفُهَا عِنْدَ وَصْفِ الْمُؤَنَّثِ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْمَيْتَ تَخْفِيفٌ لِلْمَيِّتِ ، وَالْمَيِّتُ فَيْعِلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ ، فَيَجُوزُ فِيهِ إِثْبَاتُ التَّاءِ ؛ لِأَنَّ التَّسْوِيَةَ فِي الْفَعِيلِ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) [ الْأَعْرَافِ : 56 ] فَإِنْ قِيلَ : لِمَ سَوَّى بَيْنَ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ فِي الْفَعِيلِ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ ؟ قُلْنَا : لِأَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ أَشَدُّ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمَفْعُولِ الْمُذَكَّرِ وَالْمَفْعُولِ الْمُؤَنَّثِ نَظَرًا إِلَى الْمَعْنَى وَنَظَرًا إِلَى اللَّفْظِ ، فَأَمَّا الْمَعْنَى فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا اللَّفْظُ فَلِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ لَهُ ، إِذَا عُلِمَ هَذَا فَنَقُولُ : فِي الْفَعِيلِ لَمْ يَتَمَيَّزِ الْفَاعِلُ بِحَرْفٍ ، فَإِنَّ فَعِيلًا جَاءَ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ كَالنَّصِيرِ وَالْبَصِيرِ ، وَبِمَعْنَى الْمَفْعُولِ كَالْكَسِيرِ وَالْأَسِيرِ ، وَلَا يَتَمَيَّزُ بِحَرْفٍ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ إِلَّا الْأَقْوَى ، فَلَا يَتَمَيَّزُ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ الْأَدْنَى ، وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ أَنَّ فَعِيلًا وُضِعَ لِمَعْنًى لَفْظِيٍّ ، وَالْمَفْعُولَ وُضِعَ لِمَعْنًى حَقِيقِيٍّ
[ ص: 138 ] فَكَأَنَّ الْقَائِلَ قَالَ : اسْتَعْمَلُوا لَفْظَ الْمَفْعُولِ لِلْمَعْنَى الْفُلَانِيِّ ، وَاسْتَعْمَلُوا لَفْظَ الْفَعِيلِ مَكَانَ لَفْظِ الْمَفْعُولِ ، فَصَارَ فَعِيلٌ كَالْمَوْضُوعِ لِلْمَفْعُولِ ، وَالْمَفْعُولُ كَالْمَوْضُوعِ لِلْمَعْنَى ، وَلَمَّا كَانَ تَغَيُّرُ اللَّفْظِ تَابِعًا لِتَغَيُّرِ الْمَعْنَى تَغَيَّرَ الْمَفْعُولُ لِكَوْنِهِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى ، وَلَمْ يَتَغَيَّرِ الْفَعِيلُ لِكَوْنِهِ بِإِزَاءِ اللَّفْظِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ، فَإِنْ قِيلَ : فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْمَوْضِعِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=33وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا ) [ يس : 33 ] حَيْثُ أَثْبَتَ التَّاءَ هُنَاكَ ؟ نَقُولُ : الْأَرْضُ أَرَادَ بِهَا الْوَصْفَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=33الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ ) لِأَنَّ مَعْنَى الْفَاعِلِيَّةِ ظَاهِرٌ هُنَاكَ ، وَالْبَلْدَةُ الْأَصْلُ فِيهَا الْحَيَاةُ ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ إِذَا صَارَتْ حَيَّةً صَارَتْ آهِلَةً ، وَأَقَامَ بِهَا النَّاسُ وَعَمَّرُوهَا ، فَصَارَتْ بَلْدَةً فَأَسْقَطَ التَّاءَ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْفَاعِلِيَّةِ ثَبَتَ فِيهَا ، وَالَّذِي بِمَعْنَى الْفَاعِلِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ التَّاءُ ، وَتَحْقِيقُ هَذَا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=15بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ) [ سَبَأٍ : 15 ] حَيْثُ أَثْبَتَ التَّاءَ حَيْثُ ظَهَرَ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ ، وَهَذَا بَحْثٌ عَزِيزٌ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ) أَيْ كَالْإِحْيَاءِ ( الْخُرُوجُ ) فَإِنْ قِيلَ : الْإِحْيَاءُ يُشَبَّهُ بِهِ الْإِخْرَاجُ لَا الْخُرُوجُ ، فَنَقُولُ : تَقْدِيرُهُ : أَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا فَتَشَقَّقَتْ وَخَرَجَ مِنْهَا النَّبَاتُ كَذَلِكَ تَشَقَّقُ وَيَخْرُجُ مِنْهَا الْأَمْوَاتُ ، وَهَذَا يُؤَكِّدُ قَوْلَنَا : الرَّجْعُ بِمَعْنَى الرُّجُوعِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=3ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ) لِأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ لَهُمْ مَا اسْتَبْعَدُوهُ فَلَوِ اسْتَبْعَدُوا الرَّجْعَ الَّذِي هُوَ مِنَ الْمُتَعَدِّي لَنَاسَبَ أَنْ يَقُولَ : كَذَلِكَ الْإِخْرَاجُ ، وَلَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ) فُهِمَ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا الرُّجُوعَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ) نَقُولُ : فِيهِ مَعْنًى لَطِيفٌ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمُ اسْتَبْعَدُوا الرَّجْعَ الَّذِي هُوَ مِنَ الْمُتَعَدِّي بِمَعْنَى الْإِخْرَاجِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ الْخُرُوجَ ، وَفِيهِمَا مُبَالِغَةٌ تَنْبِيهًا عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28914_34077بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ مَعَ أَنَّهَا مُسْتَغْنِيَةٌ عَنِ الْبَيَانِ ، وَوَجْهُهَا هُوَ أَنَّ الرَّجْعَ وَالْإِخْرَاجَ كَالسَّبَبِ لِلرُّجُوعِ وَالْخُرُوجِ ، وَالسَّبَبُ إِذَا انْتَفَى يَنْتَفِي الْمُسَبَّبُ جَزْمًا ، وَإِذَا وُجِدَ قَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الْمُسَبَّبُ لِمَانِعٍ ، تَقُولُ : كَسَرْتُهُ فَلَمْ يَنْكَسِرْ ، وَإِنْ كَانَ مَجَازًا وَالْمُسَبَّبُ إِذَا وُجِدَ فَقَدْ وُجِدَ سَبَبُهُ ، وَإِذَا انْتَفَى لَا يَنْتَفِي السَّبَبُ ؛ لِمَا تَقَدَّمَ ، إِذَا عُلِمَ هَذَا فَهُمْ أَنْكَرُوا وُجُودَ السَّبَبِ وَنَفَوْهُ ، وَيَنْتَفِي الْمُسَبَّبُ عِنْدَ انْتِفَائِهِ جَزْمًا فَبَالَغُوا وَأَنْكَرُوا الْأَمْرَ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ نَفْيَ السَّبَبِ نَفْيُ الْمُسَبَّبِ ، فَأَثْبَتَ اللَّهُ الْأَمْرَيْنِ بِالْخُرُوجِ كَمَا نَفُوَا الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا بِنَفْيِ الْإِخْرَاجِ .