(
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=18فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=19كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=20متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين )
وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=18فاكهين ) يزيد في ذلك لأن المتنعم قد يكون آثار التنعم على ظاهره وقلبه مشغول ، فلما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=18فاكهين ) يدل على غاية الطيبة ، وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=18بما آتاهم ربهم ) يفيد زيادة في ذلك ، لأن الفكه قد يكون خسيس النفس فيسره أدنى شيء ، ويفرح بأقل سبب ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=18فاكهين ) لا لدنو هممهم بل لعلو نعمهم حيث هي من عند ربهم .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=18nindex.php?page=treesubj&link=29680_29023_30428_30495ووقاهم ربهم عذاب الجحيم ) يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون المراد أنهم " فاكهون " بأمرين أحدهما : بما آتاهم . والثاني : بأنه وقاهم .
وثانيهما : أن يكون ذلك جملة أخرى منسوقة على الجملة الأولى ، كأنه بين أنه أدخلهم جنات ونعيما (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=18ووقاهم ربهم عذاب الجحيم ) .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=19كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=20متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين ) وفيه بيان أسباب التنعيم على الترتيب ، فأول ما يكون المسكن وهو الجنات ثم الأكل والشرب ، ثم الفرش والبسط ثم الأزواج ، فهذه أمور أربعة ذكرها الله على الترتيب ، وذكر في كل واحد منها ما يدل على كماله، قوله ( جنات ) إشارة إلى المسكن، والمسكن للجسم ضروري وهو المكان ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=18فاكهين ) لأن مكان التنعيم قد يتنغص بأمور وبين أن سبب الفكاهة وعلو المرتبة يكون مما آتاهم الله ، وقد ذكرنا هذا ، وأما في
nindex.php?page=treesubj&link=29680_30413_30387الأكل والشرب والإذن المطلق فترك ذكر المأكول والمشروب لتنوعهما وكثرتهما ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=19هنيئا ) إشارة إلى خلوهما عما يكون فيها من المفاسد في الدنيا ، منها أن الآكل يخاف من المرض فلا يهنأ له الطعام ، ومنها أنه يخاف النفاد فلا يسخو بالأكل والكل منتف في الجنة فلا مرض ولا انقطاع ، فإن كل أحد عنده ما يفضل عنه ، ولا إثم ولا تعب في تحصيله ، فإن الإنسان في الدنيا ربما يترك لذة الأكل لما فيه من تهيئة المأكول بالطبخ والتحصيل من التعب أو المنة أو ما فيه من قضاء الحاجة واستقذار ما فيه ، فلا يتهنأ ، وكل ذلك في الجنة منتف . وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=19بما كنتم تعملون ) إشارة إلى أنه تعالى يقول ، أي مع أني ربكم وخالقكم وأدخلتكم بفضلي الجنة ، وإنما منتي عليكم في الدنيا إذ هديتكم ووفقتكم للأعمال الصالحة كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان ) [ الحجرات : 17] . وأما اليوم فلا من عليكم لأن هذا
nindex.php?page=treesubj&link=33678_30503_30404إنجاز الوعد، فإن قيل : قال في حق الكفار : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=7إنما تجزون ما كنتم تعملون ) [ التحريم : 7] وقال في حق المؤمنين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=19بما كنتم تعملون ) فهل بينهما فرق ؟ قلت بينهما بون عظيم من وجوه :
[ ص: 214 ] الأول :
nindex.php?page=treesubj&link=34077_34080كلمة ( إنما ) للحصر أي لا تجزون إلا ذلك ، ولم يذكر هذا في حق المؤمن فإنه يجزيه أضعاف ما عمل ويزيده من فضله ، وحينئذ إن كان يمن الله على عبده فيمن بذلك لا بالأكل والشرب. الثاني : قال هنا ( بما كنتم ) وقال هناك ( ما كنتم ) أي تجزون عين أعمالكم إشارة إلى المبالغة في المماثلة، كما تقول هذا عين ما عملت وقد تقدم بيان هذا، وقال في حق المؤمن ( بما كنتم ) كأن ذلك أمر ثابت مستمر بعملكم هذا . الثالث : ذكر الجزاء هناك وقال هاهنا (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=19بما كنتم تعملون ) لأن الجزاء ينبئ عن الانقطاع فإن من أحسن إلى أحد فأتى بجزائه لا يتوقع المحسن منه شيئا آخر . فإن قيل فالله تعالى قال في مواضع (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=24جزاء بما كانوا يعملون ) [ الواقعة : 24] في الثواب ، نقول في تلك المواضع لما لم يخاطب المجزى لم يقل تجزى وإنما أتى بما يفيد العالم بالدوام وعدم الانقطاع . وأما في السرر فذكر أمورا أيضا أحدها : الاتكاء فإنه هيئة تختص بالمنعم والفارغ الذي لا كلفة عليه ولا تكلف لديه، فإن من يكون عنده من يتكلف له يجلس له ولا يتكئ عنده ، ومن يكون في مهم لا يتفرغ للاتكاء فالهيئة دليل خير . ثم الجمع يحتمل أمرين أحدهما : أن يكون لكل واحد سرر وهو الظاهر لأن قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=20مصفوفة ) يدل على أنها لواحد لأن سرر الكل لا تكون في موضع واحد مصطفة، ولفظ السرير فيه حروف السرور بخلاف التخت وغيره ، وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=20مصفوفة ) دليل على أنه لمجرد العظم فإنها لو كانت متفرقة لقيل في كل موضع واحد ليتكئ عليه صاحبه إذا حضر في هذا الموضع ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=20وزوجناهم ) إشارة إلى النعمة الرابعة، وفيها أيضا ما يدل على كمال الحال من وجوه :
أحدها : أنه تعالى هو المزوج وهو يتولى الطرفين يزوج عباده بأمانه، ومن يكون كذلك لا يفعل إلا ما فيه راحة العباد والإماء . ثانيها : قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=20وزوجناهم بحور ) ولم يقل وزوجناهم حورا مع أن لفظة التزويج يتعدى فعله إلى مفعولين بغير حرف يقال زوجتكها قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها ) [ الأحزاب : 37] وذلك إشارة إلى أن
nindex.php?page=treesubj&link=30387_30397_30395المنفعة في التزويج لهم وإنما زوجوا للذتهم بالحور لا للذة الحور بهم وذلك لأن المفعول بغير حرف يعلق الفعل به كذلك التزويج تعلق بهم ثم بالحور ، لأن ذلك بمعنى جعلنا ازدواجهم بهذا الطريق وهو الحور . ثالثها : عدم الاقتصار على الزوجات بل وصفهن بالحسن واختار الأحسن من الأحسن ، فإن أحسن ما في صورة الآدمي وجهه، وأحسن ما في الوجه العين ، ولأن الحور والعين يدلان على حسن المزاج في الأعضاء ووفرة المادة في الأرواح ، أما حسن المزاج فعلامته الحور ، وأما وفرة الروح فإن سعة العين بسبب كثرة الروح المصوبة إليها ، فإن قيل قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=20وزوجناهم ) ذكره بفعل ماض و (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=20متكئين ) حال ولم يسبق ذكر فعل ماض ، يعطف عليه ذلك وعطف الماضي على الماضي والمستقبل على المستقبل أحسن ، نقول الجواب من وجوه اثنان لفظيان ومعنوي :
أحدها : أن ذلك حسن في كثير من المواضع ، تقول جاء زيد ويجيء عمرو وخرج زيد . ثانيها : أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=17إن المتقين في جنات ونعيم ) تقديره أدخلناهم في جنات ، وذلك لأن الكلام على تقدير أن في اليوم الذي يدع الكافر في النار في ذلك الوقت يكون المؤمن قد أدخل مكانه ، فكأنه تعالى يقول في (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=13يوم يدعون إلى نار جهنم ) إن المتقين كائنون في جنات . والثالث : المعنوي وهو أنه تعالى ذكر مجزاة الحكم ، فهو في هذا اليوم زوج عباده حورا عينا ، وهن منتظرات الزفاف يوم الآزفة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=18فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=19كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=20مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ )
وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=18فَاكِهِينَ ) يَزِيدُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُتَنَعِّمَ قَدْ يَكُونُ آثَارُ التَّنَعُّمِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَلْبُهُ مَشْغُولٌ ، فَلَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=18فَاكِهِينَ ) يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ الطِّيبَةِ ، وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=18بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ) يُفِيدُ زِيَادَةً فِي ذَلِكَ ، لِأَنَّ الْفَكِهَ قَدْ يَكُونُ خَسِيسَ النَّفْسِ فَيَسُرُّهُ أَدْنَى شَيْءٍ ، وَيَفْرَحُ بِأَقَلِّ سَبَبٍ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=18فَاكِهِينَ ) لَا لِدُنُوِّ هِمَمِهِمْ بَلْ لِعُلُوِّ نِعَمِهِمْ حَيْثُ هِيَ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=18nindex.php?page=treesubj&link=29680_29023_30428_30495وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ " فَاكِهُونَ " بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا : بِمَا آتَاهُمْ . وَالثَّانِي : بِأَنَّهُ وَقَاهُمْ .
وَثَانِيهِمَا : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ جُمْلَةً أُخْرَى مَنْسُوقَةً عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى ، كَأَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّهُ أَدْخَلَهُمْ جَنَّاتٍ وَنَعِيمًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=18وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=19كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=20مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ) وَفِيهِ بَيَانُ أَسْبَابِ التَّنْعِيمِ عَلَى التَّرْتِيبِ ، فَأَوَّلُ مَا يَكُونُ الْمَسْكَنُ وَهُوَ الْجَنَّاتُ ثُمَّ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ ، ثُمَّ الْفُرُشُ وَالْبُسُطُ ثُمَّ الْأَزْوَاجُ ، فَهَذِهِ أُمُورٌ أَرْبَعَةٌ ذَكَرَهَا اللَّهُ عَلَى التَّرْتِيبِ ، وَذَكَرَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِهِ، قَوْلُهُ ( جَنَّاتٍ ) إِشَارَةٌ إِلَى الْمَسْكَنِ، وَالْمَسْكَنُ لِلْجِسْمِ ضَرُورِيٌّ وَهُوَ الْمَكَانُ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=18فَاكِهِينَ ) لِأَنَّ مَكَانَ التَّنْعِيمِ قَدْ يَتَنَغَّصُ بِأُمُورٍ وَبَيَّنَ أَنَّ سَبَبَ الْفَكَاهَةِ وَعُلُوَّ الْمَرْتَبَةِ يَكُونُ مِمَّا آتَاهُمُ اللَّهُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا ، وَأَمَّا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29680_30413_30387الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْإِذْنِ الْمُطْلَقِ فَتَرَكَ ذِكْرَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ لِتَنَوُّعِهِمَا وَكَثْرَتِهِمَا ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=19هَنِيئًا ) إِشَارَةٌ إِلَى خُلُوِّهِمَا عَمَّا يَكُونُ فِيهَا مِنَ الْمَفَاسِدِ فِي الدُّنْيَا ، مِنْهَا أَنَّ الْآكِلَ يَخَافُ مِنَ الْمَرَضِ فَلَا يَهْنَأُ لَهُ الطَّعَامُ ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يَخَافُ النَّفَادَ فَلَا يَسْخُو بِالْأَكْلِ وَالْكُلُّ مُنْتَفٍ فِي الْجَنَّةِ فَلَا مَرَضَ وَلَا انْقِطَاعَ ، فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ عِنْدَهُ مَا يَفْضُلُ عَنْهُ ، وَلَا إِثْمَ وَلَا تَعَبَ فِي تَحْصِيلِهِ ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ فِي الدُّنْيَا رُبَّمَا يَتْرُكُ لَذَّةَ الْأَكْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَهْيِئَةِ الْمَأْكُولِ بِالطَّبْخِ وَالتَّحْصِيلِ مِنَ التَّعَبِ أَوِ الْمِنَّةِ أَوْ مَا فِيهِ مِنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَاسْتِقْذَارِ مَا فِيهِ ، فَلَا يَتَهَنَّأُ ، وَكُلُّ ذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ مُنْتَفٍ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=19بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ ، أَيْ مَعَ أَنِّي رَبُّكُمْ وَخَالِقُكُمْ وَأَدْخَلْتُكُمْ بِفَضْلِي الْجَنَّةَ ، وَإِنَّمَا مِنَّتِي عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا إِذْ هَدَيْتُكُمْ وَوَفَّقْتُكُمْ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ ) [ الْحُجُرَاتِ : 17] . وَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا مَنَّ عَلَيْكُمْ لِأَنَّ هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=33678_30503_30404إِنْجَازُ الْوَعْدِ، فَإِنْ قِيلَ : قَالَ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=7إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) [ التَّحْرِيمِ : 7] وَقَالَ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=19بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) فَهَلْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ ؟ قُلْتُ بَيْنَهُمَا بَوْنٌ عَظِيمٌ مِنْ وُجُوهٍ :
[ ص: 214 ] الْأَوَّلُ :
nindex.php?page=treesubj&link=34077_34080كَلِمَةُ ( إِنَّمَا ) لِلْحَصْرِ أَيْ لَا تُجْزَوْنَ إِلَّا ذَلِكَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَجْزِيهِ أَضْعَافَ مَا عَمِلَ وَيَزِيدُهُ مِنْ فَضْلِهِ ، وَحِينَئِذٍ إِنْ كَانَ يَمُنُّ اللَّهُ عَلَى عَبْدِهِ فَيَمُنُّ بِذَلِكَ لَا بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. الثَّانِي : قَالَ هُنَا ( بِمَا كُنْتُمْ ) وَقَالَ هُنَاكَ ( مَا كُنْتُمْ ) أَيْ تُجْزَوْنَ عَيْنَ أَعْمَالِكُمْ إِشَارَةٌ إِلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْمُمَاثَلَةِ، كَمَا تَقُولُ هَذَا عَيْنُ مَا عَمِلْتَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا، وَقَالَ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِ ( بِمَا كُنْتُمْ ) كَأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ ثَابِتٌ مُسْتَمِرٌّ بِعَمَلِكُمْ هَذَا . الثَّالِثُ : ذَكَرَ الْجَزَاءَ هُنَاكَ وَقَالَ هَاهُنَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=19بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) لِأَنَّ الْجَزَاءَ يُنْبِئُ عَنِ الِانْقِطَاعِ فَإِنَّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَى أَحَدٍ فَأَتَى بِجَزَائِهِ لَا يَتَوَقَّعُ الْمُحْسِنُ مِنْهُ شَيْئًا آخَرَ . فَإِنْ قِيلَ فَاللَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي مَوَاضِعَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=24جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [ الْوَاقِعَةِ : 24] فِي الثَّوَابِ ، نَقُولُ فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ لَمَّا لَمْ يُخَاطِبِ الْمُجْزَى لَمْ يَقُلْ تُجْزَى وَإِنَّمَا أَتَى بِمَا يُفِيدُ الْعَالِمَ بِالدَّوَامِ وَعَدَمِ الِانْقِطَاعِ . وَأَمَّا فِي السُّرُرِ فَذَكَرَ أُمُورًا أَيْضًا أَحَدُهَا : الِاتِّكَاءُ فَإِنَّهُ هَيْئَةٌ تَخْتَصُّ بِالْمُنَعَّمِ وَالْفَارِغِ الَّذِي لَا كُلْفَةَ عَلَيْهِ وَلَا تَكَلُّفَ لَدَيْهِ، فَإِنَّ مَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ مَنْ يَتَكَلَّفُ لَهُ يَجْلِسُ لَهُ وَلَا يَتَّكِئُ عِنْدَهُ ، وَمَنْ يَكُونُ فِي مُهِمٍّ لَا يَتَفَرَّغُ لِلِاتِّكَاءِ فَالْهَيْئَةُ دَلِيلُ خَيْرٍ . ثُمَّ الْجَمْعُ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ سُرُرٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=20مَصْفُوفَةٍ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لِوَاحِدٍ لِأَنَّ سُرُرَ الْكُلِّ لَا تَكُونُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مُصْطَفَّةً، وَلَفْظُ السَّرِيرِ فِيهِ حُرُوفُ السُّرُورِ بِخِلَافِ التَّخْتِ وَغَيْرِهِ ، وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=20مَصْفُوفَةٍ ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لِمُجَرَّدِ الْعِظَمِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً لَقِيلَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَاحِدٌ لِيَتَّكِئَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ إِذَا حَضَرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=20وَزَوَّجْنَاهُمْ ) إِشَارَةٌ إِلَى النِّعْمَةِ الرَّابِعَةِ، وَفِيهَا أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ الْحَالِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُزَوِّجُ وَهُوَ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ يُزَوِّجُ عِبَادَهُ بِأَمَانِهِ، وَمَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ لَا يَفْعَلُ إِلَّا مَا فِيهِ رَاحَةُ الْعِبَادِ وَالْإِمَاءِ . ثَانِيهَا : قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=20وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ ) وَلَمْ يَقُلْ وَزَوَّجْنَاهُمْ حُورًا مَعَ أَنَّ لَفْظَةَ التَّزْوِيجِ يَتَعَدَّى فِعْلُهُ إِلَى مَفْعُولَيْنِ بِغَيْرِ حَرْفٍ يُقَالُ زَوَّجْتُكَهَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ) [ الْأَحْزَابِ : 37] وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30387_30397_30395الْمَنْفَعَةَ فِي التَّزْوِيجِ لَهُمْ وَإِنَّمَا زُوِّجُوا لِلَذَّتِهِمْ بِالْحُورِ لَا لِلَذَّةِ الْحُورِ بِهِمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَفْعُولَ بِغَيْرِ حَرْفٍ يُعَلَّقُ الْفِعْلُ بِهِ كَذَلِكَ التَّزْوِيجُ تَعَلَّقَ بِهِمْ ثُمَّ بِالْحُورِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَعْنَى جَعَلْنَا ازْدِوَاجَهُمْ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَهُوَ الْحُورُ . ثَالِثُهَا : عَدَمُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الزَّوْجَاتِ بَلْ وَصَفَهُنَّ بِالْحُسْنِ وَاخْتَارَ الْأَحْسَنَ مِنَ الْأَحْسَنِ ، فَإِنَّ أَحْسَنَ مَا فِي صُورَةِ الْآدَمِيِّ وَجْهُهُ، وَأَحْسَنَ مَا فِي الْوَجْهِ الْعَيْنُ ، وَلِأَنَّ الْحَوَرَ وَالْعَيَنَ يَدُلَّانِ عَلَى حُسْنِ الْمِزَاجِ فِي الْأَعْضَاءِ وَوَفْرَةِ الْمَادَّةِ فِي الْأَرْوَاحِ ، أَمَّا حُسْنُ الْمِزَاجِ فَعَلَامَتُهُ الْحَوَرُ ، وَأَمَّا وَفْرَةُ الرَّوْحِ فَإِنَّ سَعَةَ الْعَيْنِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الرَّوْحِ الْمُصَوَّبَةِ إِلَيْهَا ، فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=20وَزَوَّجْنَاهُمْ ) ذَكَرَهُ بِفِعْلٍ مَاضٍ وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=20مُتَّكِئِينَ ) حَالَ وَلَمْ يَسْبِقْ ذِكْرُ فِعْلٍ مَاضٍ ، يُعْطَفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَعَطْفُ الْمَاضِي عَلَى الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ أَحْسَنُ ، نَقُولُ الْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ اثْنَانِ لَفْظِيَّانِ وَمَعْنَوِيٌّ :
أَحَدُهَا : أَنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ ، تَقُولُ جَاءَ زَيْدٌ وَيَجِيءُ عَمْرٌو وَخَرَجَ زَيْدٌ . ثَانِيهَا : أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=17إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ ) تَقْدِيرُهُ أَدْخَلْنَاهُمْ فِي جَنَّاتٍ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَلَامَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُدَعُّ الْكَافِرُ فِي النَّارِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَكُونُ الْمُؤْمِنُ قَدْ أُدْخِلَ مَكَانَهُ ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=13يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ ) إِنَّ الْمُتَّقِينَ كَائِنُونَ فِي جَنَّاتٍ . وَالثَّالِثُ : الْمَعْنَوِيُّ وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ مَجْزَاةَ الْحُكْمِ ، فَهُوَ فِي هَذَا الْيَوْمِ زَوَّجَ عِبَادَهُ حُورًا عِينًا ، وَهُنَّ مُنْتَظِرَاتُ الزِّفَافِ يَوْمَ الْآزِفَةِ .