(
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=46يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=46nindex.php?page=treesubj&link=29023_30362_34077_34080يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون ) .
[ ص: 234 ] لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=45يلاقوا يومهم ) [ الطور : 45] وكل بر وفاجر يلاقي يومه أعاد صفة يومهم وذكر ما يتميز به يومهم عن يوم المؤمنين فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=46يوم لا يغني ) وهو يخالف يوم المؤمنين فإنه تعالى قال فيه (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=119يوم ينفع الصادقين ) [ المائدة : 119] ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في " يوم لا يغني " وجهان :
الأول : بدل عن قوله ( يومهم ) .
ثانيهما : ظرف يلاقوا أي يلاقوا يومهم يوم ، فإن قيل هذا يلزم منه أن يكون اليوم في يوم فيكون اليوم ظرف اليوم نقول هو على حد قول من يقول يأتي يوم قتل فلان يوم تبين جرائمه ، ولا مانع منه ، وقد ذكرنا بحث الزمان وجواز كونه ظرفا في قوله تعالى : ( يومئذ ) وجواز إضافة اليوم إلى الزمان مع أنه زمان .
المسألة الثانية : قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=46يوم لا يغني عنهم كيدهم ) ولم يقل يوم لا يغنيهم كيدهم مع أن الإغناء يتعدى بنفسه لفائدة جليلة وهي أن قول القائل أغناني كذا يفهم منه أنه نفعني ، وقوله أغنى عني يفهم منه أنه دفع عني الضرر ؛ وذلك لأن قوله أغناني معناه في الحقيقة أفادني غير مستفيد وقوله : أغنى عني ، أي لم يحوجني إلى الحضور فأغنى غيري عن حضوري يقول من يطلب لأمر : خذوا عني ولدي ، فإنه يغني عني أي يغنيكم عني فيدفع عني أيضا مشقة الحضور فقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=46لا يغني عنهم ) أي لا يدفع عنهم الضرر ، ولا شك أن قوله لا يدفع عنهم ضررا أبلغ من قوله لا ينفعهم نفعا وإنما في المؤمن لو قال يوم يغني عنهم صدقهم لما فهم منه نفعهم ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=119يوم ينفع ) [ المائدة : 119] كأنه قال يوم يغنيهم صدقهم ، فكأنه استعمل في المؤمن يغنيهم وفي الكافر لا يغني عنهم وهو مما لا يطلع عليه إلا من يكون عنده من علم البيان طرف ويتفكر بقريحة وقادة آيات الله ووفقه الله .
المسألة الثالثة : الأصل تقديم الفاعل على المفعول ، والأصل تقديم المضمر على المظهر ، أما في الأول فلأن الفاعل متصل بالفعل ؛ ولهذا قالوا فعلت فأسكنوا اللام لئلا يلزم أربع متحركات في كلمة واحدة ، وقالوا ضربك ولم يسكنوا لأن الكاف ضمير المفعول وهو منفصل ، وأما تقديم المضمر فلأنه يكون أشد اختصارا ، فإنك إذا قلت ضربني زيد يكون أقرب إلى الاختصار من قولك ضرب زيد إياي ، فإن لم يكن هناك اختصار كقولك مر بي زيد ومر بي فالأولى تقديم الفاعل ، وهاهنا لو قال يوم لا يغنيهم كيدهم كان الأحسن تقديم المفعول ، فإذا قال يوم لا يغني عنهم صار كما قلنا في مر زيد بي فلم لم يقدم الفاعل ؟ نقول فيه فائدة مستفادة من علم البيان ، وهو أن تقديم الأهم أولى فلو قال يوم لا يغني كيدهم كان السامع لهذا الكلام ربما يقول لا يغني كيدهم غيرهم فيرجو الخير في حقهم ، وإذا سمع لا يغني عنهم انقطع رجاؤه وانتظر الأمر الذي ليس بمغن .
المسألة الرابعة : قد ذكرنا أن معنى الكيد هو فعل يسوء من نزل به وإن حسن ممن صدر منه ، فما الفائدة في تخصيص العمل الذي يسوء بالذكر ولم يقل يوم لا يغني عنهم أفعالهم على الإطلاق ؟ نقول هو قياس بالطريق الأولى لأنهم كانوا يأتون بفعل النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، وكانوا يعتقدون أنه أحسن أعمالهم ، فقال ما أغنى أحسن أعمالهم الذي كانوا يعتقدون فيه ليقطع رجاءهم عما دونه ، وفيه وجه آخر وهو أنه تعالى لما قال من قبل (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=42أم يريدون كيدا ) وقد قلنا إن أكثر المفسرين على أن المراد به تدبيرهم في قتل النبي صلى الله عليه وسلم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=42هم المكيدون ) أي
nindex.php?page=treesubj&link=30539_30362_30532لا ينفعهم كيدهم في الدنيا فماذا يفعلون يوم لا ينفعهم ذلك الكيد بل يضرهم ، وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=46ولا هم ينصرون )
[ ص: 235 ] فيه وجوه :
أحدها : أنه متمم بيان ، وجهه هو أن الداعي أولا يرتب أمورا لدفع المكروه بحيث لا يحتاج إلى الانتصار بالغير والمنة ثم إذا لم ينفعه ذلك ينتصر بالأغيار ، فقال لا ينفعهم أفعال أنفسهم ولا ينصرهم عند اليأس وحصول اليأس عن إقبالهم .
ثانيها : أن المراد منه ما هو المراد من قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون ) [ يس : 23] ، فقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=46يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ) أي عبادتهم الأصنام ، وقولهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=18هؤلاء شفعاؤنا ) [ يونس : 18] وقولهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3ما نعبدهم إلا ليقربونا ) [ الزمر : 3] وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=46ولا هم ينصرون ) ، أي لا نصير لهم كما لا شفيع ، ودفع العذاب ، إما بشفاعة شفيع أو بنصر ناصر .
ثالثها : أن نقول : الإضافة في كيدهم إضافة المصدر إلى المفعول ، لا إضافته إلى الفاعل ، فكأنه قال لا يغني عنهم كيد الشيطان إياهم ، وبيانه هو أنك تقول أعجبني ضرب زيد عمرا ، وأعجبني ضرب عمرو ، فإذا اقتصرت على المصدر والمضاف إليه لا يعلم إلا بالقرينة والنية ، فإذا سمعت قول القائل ، أعجبني ضرب زيد يحتمل أن يكون زيد ضاربا ويحتمل أن يكون مضروبا ، فإذا سمعت قول القائل ، أعجبني قطع اللص على سرقته دلت القرينة على أنه مضاف إلى المفعول ، فإن قيل : هذا فاسد من حيث إنه إيضاح واضح لأن كيد المكيد لا ينفع قطعا ، ولا يخفى على أحد ، فلا يحتاج إلى بيان ، لكن كيد الكائد يظن أنه ينفع ، فقال تعالى : ذلك لا ينفع ، نقول كيد الشيطان إياهم على عبادة الأصنام وهم كانوا يظنون أنها تنفع ، وأما كيدهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يعلمون أنه لا ينفع في الآخرة وإنما طلبوا أن ينفعهم في الدنيا لا في الآخرة ، فالإشكال ينقلب على صاحب الوجه الأول ، ولا إشكال على الوجهين جميعا إذا تفكرت فيما قلناه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=46يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=46nindex.php?page=treesubj&link=29023_30362_34077_34080يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ) .
[ ص: 234 ] لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=45يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ ) [ الطُّورِ : 45] وَكُلُّ بَرِّ وَفَاجِرٍ يُلَاقِي يَوْمَهُ أَعَادَ صِفَةَ يَوْمِهِمْ وَذَكَرَ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ يَوْمُهُمْ عَنْ يَوْمِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=46يَوْمَ لَا يُغْنِي ) وَهُوَ يُخَالِفُ يَوْمَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِيهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=119يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ ) [ الْمَائِدَةِ : 119] ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي " يَوْمَ لَا يُغْنِي " وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : بَدَلٌ عَنْ قَوْلِهِ ( يَوْمَهُمْ ) .
ثَانِيهِمَا : ظَرْفُ يُلَاقُوا أَيْ يُلَاقُوا يَوْمَهُمْ يَوْمَ ، فَإِنْ قِيلَ هَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْيَوْمُ فِي يَوْمٍ فَيَكُونَ الْيَوْمُ ظَرْفَ الْيَوْمِ نَقُولُ هُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ يَأْتِي يَوْمُ قَتْلِ فُلَانٍ يَوْمَ تُبَيَّنُ جَرَائِمُهُ ، وَلَا مَانِعَ مِنْهُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا بَحْثَ الزَّمَانِ وَجَوَازَ كَوْنِهِ ظَرْفًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( يَوْمَئِذٍ ) وَجَوَازُ إِضَافَةِ الْيَوْمِ إِلَى الزَّمَانِ مَعَ أَنَّهُ زَمَانٌ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=46يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ ) وَلَمْ يَقُلْ يَوْمَ لَا يُغْنِيهِمْ كَيْدُهُمْ مَعَ أَنَّ الْإِغْنَاءَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ لِفَائِدَةٍ جَلِيلَةٍ وَهِيَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ أَغْنَانِي كَذَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ نَفَعَنِي ، وَقَوْلَهُ أَغْنَى عَنِّي يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ دَفَعَ عَنِّي الضَّرَرَ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَغْنَانِي مَعْنَاهُ فِي الْحَقِيقَةِ أَفَادَنِي غَيْرَ مُسْتَفِيدٍ وَقَوْلَهُ : أَغْنَى عَنِّي ، أَيْ لَمْ يُحْوِجْنِي إِلَى الْحُضُورِ فَأَغْنَى غَيْرِي عَنْ حُضُورِي يَقُولُ مَنْ يُطْلَبُ لِأَمْرٍ : خُذُوا عَنِّي وَلَدِي ، فَإِنَّهُ يُغْنِي عَنِّي أَيْ يُغْنِيكُمْ عَنِّي فَيَدْفَعُ عَنِّي أَيْضًا مَشَقَّةَ الْحُضُورِ فَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=46لَا يُغْنِي عَنْهُمْ ) أَيْ لَا يَدْفَعُ عَنْهُمُ الضَّرَرَ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَدْفَعُ عَنْهُمْ ضَرَرًا أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَنْفَعُهُمْ نَفْعًا وَإِنَّمَا فِي الْمُؤْمِنِ لَوْ قَالَ يَوْمَ يُغْنِي عَنْهُمْ صِدْقُهُمْ لَمَا فُهِمَ مِنْهُ نَفْعُهُمْ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=119يَوْمُ يَنْفَعُ ) [ الْمَائِدَةِ : 119] كَأَنَّهُ قَالَ يَوْمَ يُغْنِيهِمْ صِدْقُهُمْ ، فَكَأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ فِي الْمُؤْمِنِ يُغْنِيهِمْ وَفِي الْكَافِرِ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ وَهُوَ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلَّا مَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ الْبَيَانِ طَرَفٌ وَيَتَفَكَّرُ بِقَرِيحَةٍ وَقَّادَةٍ آيَاتِ اللَّهِ وَوَفَّقَهُ اللَّهُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : الْأَصْلُ تَقْدِيمُ الْفَاعِلِ عَلَى الْمَفْعُولِ ، وَالْأَصْلُ تَقْدِيمُ الْمُضْمَرِ عَلَى الْمُظْهَرِ ، أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْفَاعِلَ مُتَّصِلٌ بِالْفِعْلِ ؛ وَلِهَذَا قَالُوا فَعَلْتُ فَأَسْكَنُوا اللَّامَ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَرْبَعُ مُتَحَرِّكَاتٍ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَقَالُوا ضَرَبَكَ وَلَمْ يُسَكِّنُوا لِأَنَّ الْكَافَ ضَمِيرُ الْمَفْعُولِ وَهُوَ مُنْفَصِلٌ ، وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْمُضْمَرِ فَلِأَنَّهُ يَكُونُ أَشَدَّ اخْتِصَارًا ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ضَرَبَنِي زَيْدٌ يَكُونُ أَقْرَبَ إِلَى الِاخْتِصَارِ مِنْ قَوْلِكَ ضَرَبَ زَيْدٌ إِيَّايَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ اخْتِصَارٌ كَقَوْلِكَ مَرَّ بِي زَيْدٌ وَمَرَّ بِي فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ الْفَاعِلِ ، وَهَاهُنَا لَوْ قَالَ يَوْمَ لَا يُغْنِيهِمْ كَيْدُهُمْ كَانَ الْأَحْسَنُ تَقْدِيمَ الْمَفْعُولِ ، فَإِذَا قَالَ يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ صَارَ كَمَا قُلْنَا فِي مَرَّ زَيْدٌ بِي فَلِمَ لَمْ يُقَدِّمِ الْفَاعِلَ ؟ نَقُولُ فِيهِ فَائِدَةٌ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ عِلْمِ الْبَيَانِ ، وَهُوَ أَنَّ تَقْدِيمَ الْأَهَمِّ أَوْلَى فَلَوْ قَالَ يَوْمُ لَا يُغْنِي كَيْدُهُمْ كَانَ السَّامِعُ لِهَذَا الْكَلَامِ رُبَّمَا يَقُولُ لَا يُغْنِي كَيْدُهُمْ غَيْرَهُمْ فَيَرْجُو الْخَيْرَ فِي حَقِّهِمْ ، وَإِذَا سَمِعَ لَا يُغْنِي عَنْهُمُ انْقَطَعَ رَجَاؤُهُ وَانْتَظَرَ الْأَمْرَ الَّذِي لَيْسَ بِمُغْنٍ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَعْنَى الْكَيْدِ هُوَ فِعْلٌ يَسُوءُ مَنْ نَزَلَ بِهِ وَإِنْ حَسُنَ مِمَّنْ صَدَرَ مِنْهُ ، فَمَا الْفَائِدَةُ فِي تَخْصِيصِ الْعَمَلِ الَّذِي يَسُوءُ بِالذِّكْرِ وَلَمْ يَقُلْ يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ أَفْعَالُهُمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ ؟ نَقُولُ هُوَ قِيَاسٌ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْتُونَ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ ، وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ أَحْسَنُ أَعْمَالِهِمْ ، فَقَالَ مَا أَغْنَى أَحْسَنُ أَعْمَالِهِمُ الَّذِي كَانُوا يَعْتَقِدُونَ فِيهِ لِيَقْطَعَ رَجَاءَهُمْ عَمَّا دُونَهُ ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ مِنْ قَبْلُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=42أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا ) وَقَدْ قُلْنَا إِنَّ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَدْبِيرُهُمْ فِي قَتْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=42هُمُ الْمَكِيدُونَ ) أَيْ
nindex.php?page=treesubj&link=30539_30362_30532لَا يَنْفَعُهُمْ كَيْدُهُمْ فِي الدُّنْيَا فَمَاذَا يَفْعَلُونَ يَوْمَ لَا يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ الْكَيْدُ بَلْ يَضُرُّهُمْ ، وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=46وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ )
[ ص: 235 ] فِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ مُتَمِّمُ بَيَانٍ ، وَجْهُهُ هُوَ أَنَّ الدَّاعِيَ أَوَّلًا يُرَتِّبُ أُمُورًا لِدَفْعِ الْمَكْرُوهِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الِانْتِصَارِ بِالْغَيْرِ وَالْمِنَّةِ ثُمَّ إِذَا لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ يَنْتَصِرُ بِالْأَغْيَارِ ، فَقَالَ لَا يَنْفَعُهُمْ أَفْعَالُ أَنْفُسِهِمْ وَلَا يَنْصُرُهُمْ عِنْدَ الْيَأْسِ وَحُصُولِ الْيَأْسِ عَنْ إِقْبَالِهِمْ .
ثَانِيهَا : أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ ) [ يس : 23] ، فَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=46يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ) أَيْ عِبَادَتُهُمُ الْأَصْنَامَ ، وَقَوْلُهُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=18هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا ) [ يُونُسَ : 18] وَقَوْلُهُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا ) [ الزُّمَرِ : 3] وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=46وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ) ، أَيْ لَا نَصِيرَ لَهُمْ كَمَا لَا شَفِيعَ ، وَدَفْعُ الْعَذَابِ ، إِمَّا بِشَفَاعَةِ شَفِيعٍ أَوْ بِنَصْرِ نَاصِرٍ .
ثَالِثُهَا : أَنْ نَقُولَ : الْإِضَافَةُ فِي كَيْدِهِمْ إِضَافَةُ الْمَصْدَرِ إِلَى الْمَفْعُولِ ، لَا إِضَافَتُهُ إِلَى الْفَاعِلِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُمْ ، وَبَيَانُهُ هُوَ أَنَّكَ تَقُولُ أَعْجَبَنِي ضَرْبُ زَيْدٍ عَمْرًا ، وَأَعْجَبَنِي ضَرْبُ عَمْرٍو ، فَإِذَا اقْتَصَرْتَ عَلَى الْمَصْدَرِ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِالْقَرِينَةِ وَالنِّيَّةِ ، فَإِذَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْقَائِلِ ، أَعْجَبَنِي ضَرْبُ زَيْدٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ زَيْدٌ ضَارِبًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَضْرُوبًا ، فَإِذَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْقَائِلِ ، أَعْجَبَنِي قَطْعُ اللِّصِّ عَلَى سَرِقَتِهِ دَلَّتِ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّهُ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ ، فَإِنْ قِيلَ : هَذَا فَاسِدٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ إِيضَاحُ وَاضِحٍ لِأَنَّ كَيْدَ الْمَكِيدِ لَا يَنْفَعُ قَطْعًا ، وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانٍ ، لَكِنَّ كَيْدَ الْكَائِدِ يَظُنُّ أَنَّهُ يَنْفَعُ ، فَقَالَ تَعَالَى : ذَلِكَ لَا يَنْفَعُ ، نَقُولُ كَيْدَ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُمْ عَلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَهُمْ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهَا تَنْفَعُ ، وَأَمَّا كَيْدُهُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ وَإِنَّمَا طَلَبُوا أَنْ يَنْفَعَهُمْ فِي الدُّنْيَا لَا فِي الْآخِرَةِ ، فَالْإِشْكَالُ يَنْقَلِبُ عَلَى صَاحِبِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، وَلَا إِشْكَالَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا إِذَا تَفَكَّرْتَ فِيمَا قُلْنَاهُ .