( واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا  وسبح بحمد ربك حين تقوم    ) 
ثم قال تعالى : ( واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم    ) وقد ذكرناه في تفسير قوله تعالى : ( فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس    ) [ ق : 39] ونشير إلى بعضه هاهنا فإن طول العهد ينسي ، فنقول لما قال تعالى : ( فذرهم    ) [ الطور : 45] كان فيه الإشارة إلى أنه لم يبق في نصحهم نفع ولا سيما وقد تقدم قوله تعالى : ( وإن يروا كسفا من السماء    ) [ الطور : 44] وكان ذلك مما يحمل النبي صلى الله عليه وسلم على الدعاء كما قال نوح  عليه السلام ( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا    ) [ نوح : 26] وكما دعا يونس  عليه السلام فقال تعالى : ( واصبر    ) وبدل اللعن بالتسبيح ( وسبح بحمد ربك    ) بدل قولك اللهم أهلكهم ألا ترى إلى قوله تعالى : ( فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت    ) [ القلم : 48] وقوله تعالى : ( فإنك بأعيننا    ) فيه وجوه : 
الأول : أنه تعالى لما بين أنهم يكيدونه كان ذلك مما يقتضي في العرف المبادرة إلى إهلاكهم لئلا يتم كيدهم فقال : اصبر ولا تخف ، فإنك محفوظ بأعيننا . 
ثانيها : أنه تعالى قال فاصبر ولا تدع عليهم فإنك بمرأى منا نراك ، وهذه الحالة تقتضي أن تكون على أفضل ما يكون من الأحوال ، لكن كونك مسبحا لنا أفضل من كونك داعيا على عباد خلقناهم ، فاختر الأفضل فإنك بمرأى منا . 
ثالثها : أن من يشكو حاله عند   [ ص: 237 ] غيره يكون فيه إنباء عن عدم علم المشكو إليه بحال الشاكي ، فقال تعالى : اصبر ولا تشك حالك فإنك بأعيننا نراك فلا فائدة في شكواك ، وفيه مسائل مختصة بهذا الموضع لا توجد في قوله ( فاصبر على ما يقولون    ) [ طه : 130] . 
المسألة الأولى : اللام في قوله ( واصبر لحكم    ) تحتمل وجوها : 
الأول : هي بمعنى ( إلى ) أي اصبر إلى أن يحكم الله . 
الثاني : الصبر فيه معنى الثبات ، فكأنه يقول فاثبت لحكم ربك ، يقال ثبت فلان لحمل قرنه . 
الثالث : هي اللام التي تستعمل بمعنى السبب ، يقال : لم خرجت ؟ فيقال لحكم فلان علي بالخروج ، فقال : ( واصبر ) واجعل سبب الصبر امتثال الأمر ، حيث قال واصبر لهذا الحكم عليك لا لشيء آخر . 
المسألة الثانية : قال هاهنا ( بأعيننا    ) وقال في مواضع أخر ( ولتصنع على عيني    ) [ طه : 39] نقول لما وحد الضمير هناك وهو ياء المتكلم وحد العين ، ولما ذكر هاهنا ضمير الجمع في قوله ( بأعيننا ) وهو النون جمع العين ، وقال : ( بأعيننا ) هذا من حيث اللفظ ، وأما من حيث المعنى فلأن الحفظ هاهنا أتم لأن الصبر مطية الرحمة  بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث اجتمع له الناس وجمعوا له مكايد وتشاوروا في أمره ، وكذلك أمره بالفلك وأمره بالاتخاذ عند عدم الماء وحفظه من الغرق مع كون كل البقاع مغمورة تحت الماء تحتاج إلى حفظ عظيم في نظر الخلق فقال بأعيننا. 
المسألة الثالثة : ما وجه تعلق الباء هاهنا ؟ قلنا قد ظهر من جميع الوجوه ، أما إن قلنا بأنه للحفظ فتقديره محفوظ بأعيننا ، وإن قلنا للعلم فمعناه بمرأى منا ، أي بمكان نراك ، وتقديره فإنك بأعيننا مرئي ، وحينئذ هو كقول القائل رأيته بعيني ، كما يقال كتب بالقلم الآلة وإن كان رؤية الله ليست بآلة ، فإن قيل فما الفرق في الموضعين حيث قال في طه ( على عيني    ) [ طه : 39] وقال هاهنا ( بأعيننا ) وما الفرق بين على وبين الباء ؟ نقول معنى على هناك هو أنه يرى على ما يرضاه الله تعالى ، كما يقول أفعله على عيني أي على رضاي ، تقديره على وجه يدخل في عيني وألتفت إليه ، فإن من يفعل شيئا لغيره ولا يرتضيه لا ينظر فيه ولا يقلب عينه إليه ، والباء في قوله ( وسبح بحمد ربك    ) قد ذكرناها ، وقوله ( حين تقوم ) فيه وجوه : 
الأول : تقوم من موضعك ، والمراد قبل القيام حين ما تعزم على القيام وحين مجيء القيام ، وقد ورد في الخبر أن من قال : " سبحان الله    " من قبل أن يقوم من مجلسه يكتب ذلك كفارة لما يكون قد صدر منه من اللفظ واللغو في ذلك المجلس . 
الثاني : حين تقوم من النوم ، وقد ورد أيضا فيه خبر يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان " يسبح بعد الانتباه   " . 
الثالث : حين تقوم إلى الصلاة وقد ورد في الخبر أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في افتتاح الصلاة    " سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك   " . 
الرابع : حين تقوم لأمر ما ولا سيما إذا قمت منتصبا لمجاهدة قومك ومعاداتهم والدعاء عليهم ( فسبح بحمد ربك    ) وبدل قيامك للمعاداة وانتصابك للانتقام بقيامك لذكر الله وتسبيحه . 
الخامس : ( حين تقوم ) أي بالنهار ، فإن الليل محل السكون والنهار محل الابتغاء وهو بالقيام أولى ، ويكون كقوله ( ومن الليل فسبحه    ) إشارة إلى ما بقي من الزمان ، وكذلك ( وإدبار النجوم    ) وهو أول الصبح . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					