(
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17ما زاغ البصر وما طغى )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17ما زاغ البصر وما طغى ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اللام في ( البصر ) يحتمل وجهين :
أحدهما : المعروف وهو بصر
محمد صلى الله عليه وسلم أي
nindex.php?page=treesubj&link=28751ما زاغ بصر محمد ، وعلى هذا فعدم الزيغ على وجوه ، إن قلنا الغاشي للسدرة هو الجراد والفراش ، فمعناه لم يلتفت إليه ولم يشتغل به ، ولم يقطع نظره عن المقصود ، وعلى هذا فغشيان الجراد والفراش يكون ابتلاء ، وامتحانا
لمحمد صلى الله عليه وسلم . وإن قلنا أنوار الله ، ففيه وجهان :
أحدهما : لم يلتفت يمنة ويسرة ، واشتغل بمطالعتها .
وثانيهما : ما زاغ البصر بصعقة بخلاف
موسى عليه السلام ، فإنه قطع النظر وغشي عليه ، وفي الأول : بيان
nindex.php?page=treesubj&link=28751أدب محمد صلى الله عليه وسلم وفي الثاني : بيان قوته. الوجه الثاني : في اللام أنه لتعريف الجنس ، أي ما زاغ بصر أصلا في ذلك الموضع لعظمة الهيبة ، فإن قيل لو كان كذلك لقال ما زاغ بصر ، لأنه أدل على العموم ، لأن النكرة في معرض النفي تعم ، نقول هو كقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تدركه الأبصار ) [ الأنعام : 103] ولم يقل لا يدركه بصر .
[ ص: 254 ] المسألة الثانية : إن كان المراد
محمدا ، فلو قال ما زاغ قلبه كان يحصل به فائدة قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17ما زاغ البصر ) ؟ نقول لا ، وذلك لأن من يحضر عند ملك عظيم يرى من نفسه أنه يهابه ويرتجف إظهارا لعظمته مع أن قلبه قوي ، فإذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17ما زاغ البصر ) يحصل منه فائدة أن الأمر كان عظيما ، ولم يزغ بصره من غير اختيار من صاحب البصر .
المسألة الثالثة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17وما طغى ) عطف جملة مستقلة على جملة أخرى ، أو عطف جملة مقدرة على جملة ، مثال المستقلة : خرج زيد ودخل عمرو ، ومثال المقدرة : خرج زيد ودخل ، فنقول : الوجهان جائزان أما الأول : فكأنه تعالى قال عند ظهور النور : ما زاغ بصر
محمد صلى الله عليه وسلم وما طغى
محمد بسبب الالتفات ، ولو التفت لكان طاغيا . وأما الثاني : فظاهر على الأوجه ، أما على قولنا : غشي السدرة جراد فلم يلتفت إليه (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17وما طغى ) أي ما التفت إلى غير الله ، فلم يلتفت إلى الجراد ، ولا إلى غير الجراد سوى الله . وأما على قولنا غشيها نور ، فقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17ما زاغ ) أي ما مال عن الأنوار (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17وما طغى ) أي ما طلب شيئا وراءها وفيه لطيفة وهي أن الله تعالى قال : ما زاغ وما طغى ، ولم يقل : ما مال وما جاوز ، لأن الميل في ذلك الموضع والمجاوزة مذمومان ، فاستعمل الزيغ والطغيان فيه ، وفيه وجه آخر وهو أن يكون ذلك بيانا لوصول
محمد صلى الله عليه وسلم إلى سدرة اليقين الذي لا يقين فوقه ، ووجه ذلك أن بصر
محمد صلى الله عليه وسلم (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17ما زاغ ) أي ما مال عن الطريق ، فلم ير الشيء على خلاف ما هو عليه ، بخلاف من ينظر إلى عين الشمس مثلا ، ثم ينظر إلى شيء أبيض ، فإنه يراه أصفر أو أخضر يزيغ بصره عن جادة الأبصار (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17وما طغى ) ما تخيل المعدوم موجودا فرأى المعدوم مجاوزا الحد .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اللَّامُ فِي ( الْبَصَرِ ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : الْمَعْرُوفُ وَهُوَ بَصَرُ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ
nindex.php?page=treesubj&link=28751مَا زَاغَ بَصَرُ مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى هَذَا فَعَدَمُ الزَّيْغِ عَلَى وُجُوهٍ ، إِنْ قُلْنَا الْغَاشِي لِلسِّدْرَةِ هُوَ الْجَرَادُ وَالْفَرَاشُ ، فَمَعْنَاهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِهِ ، وَلَمْ يَقْطَعْ نَظَرَهُ عَنِ الْمَقْصُودِ ، وَعَلَى هَذَا فَغَشِيَانُ الْجَرَادِ وَالْفَرَاشِ يَكُونُ ابْتِلَاءً ، وَامْتِحَانًا
لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَإِنْ قُلْنَا أَنْوَارُ اللَّهِ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : لَمْ يَلْتَفِتْ يَمْنَةً وَيَسْرَةً ، وَاشْتَغَلَ بِمُطَالَعَتِهَا .
وَثَانِيهِمَا : مَا زَاغَ الْبَصَرُ بِصَعْقَةٍ بِخِلَافِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَإِنَّهُ قَطَعَ النَّظَرَ وَغُشِيَ عَلَيْهِ ، وَفِي الْأَوَّلِ : بَيَانُ
nindex.php?page=treesubj&link=28751أَدَبِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الثَّانِي : بَيَانُ قُوَّتِهِ. الْوَجْهُ الثَّانِي : فِي اللَّامِ أَنَّهُ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ ، أَيْ مَا زَاغَ بَصَرٌ أَصْلًا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِعَظَمَةِ الْهَيْبَةِ ، فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ مَا زَاغَ بَصَرٌ ، لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى الْعُمُومِ ، لَأَنَّ النَّكِرَةَ فِي مَعْرِضِ النَّفْيِ تَعُمُّ ، نَقُولُ هُوَ كَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ) [ الْأَنْعَامِ : 103] وَلَمْ يَقُلْ لَا يُدْرِكُهُ بَصَرٌ .
[ ص: 254 ] الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : إِنْ كَانَ الْمُرَادُ
مُحَمَّدًا ، فَلَوْ قَالَ مَا زَاغَ قَلْبُهُ كَانَ يَحْصُلُ بِهِ فَائِدَةُ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17مَا زَاغَ الْبَصَرُ ) ؟ نَقُولُ لَا ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ يَحْضُرُ عِنْدَ مَلِكٍ عَظِيمٍ يَرَى مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَهَابُهُ وَيَرْتَجِفُ إِظْهَارًا لِعَظَمَتِهِ مَعَ أَنَّ قَلْبَهُ قَوِيٌّ ، فَإِذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17مَا زَاغَ الْبَصَرُ ) يَحْصُلُ مِنْهُ فَائِدَةُ أَنَّ الْأَمْرَ كَانَ عَظِيمًا ، وَلَمْ يَزِغْ بَصَرُهُ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْ صَاحِبِ الْبَصَرِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17وَمَا طَغَى ) عَطْفُ جُمْلَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ عَلَى جُمْلَةٍ أُخْرَى ، أَوْ عَطْفُ جُمْلَةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ ، مِثَالُ الْمُسْتَقِلَّةِ : خَرَجَ زَيْدٌ وَدَخَلَ عَمْرٌو ، وَمِثَالُ الْمُقَدَّرَةِ : خَرَجَ زَيْدٌ وَدَخَلَ ، فَنَقُولُ : الْوَجْهَانِ جَائِزَانِ أَمَّا الْأَوَّلُ : فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ عِنْدَ ظُهُورِ النُّورِ : مَا زَاغَ بَصَرُ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا طَغَى
مُحَمَّدٌ بِسَبَبِ الِالْتِفَاتِ ، وَلَوِ الْتَفَتَ لَكَانَ طَاغِيًا . وَأَمَّا الثَّانِي : فَظَاهِرٌ عَلَى الْأَوْجُهِ ، أَمَّا عَلَى قَوْلِنَا : غَشِيَ السِّدْرَةَ جَرَادٌ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17وَمَا طَغَى ) أَيْ مَا الْتَفَتَ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى الْجَرَادِ ، وَلَا إِلَى غَيْرِ الْجَرَادِ سِوَى اللَّهِ . وَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا غَشِيَهَا نُورٌ ، فَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17مَا زَاغَ ) أَيْ مَا مَالَ عَنِ الْأَنْوَارِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17وَمَا طَغَى ) أَيْ مَا طَلَبَ شَيْئًا وَرَاءَهَا وَفِيهِ لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : مَا زَاغَ وَمَا طَغَى ، وَلَمْ يَقُلْ : مَا مَالَ وَمَا جَاوَزَ ، لِأَنَّ الْمَيْلَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالْمُجَاوَزَةَ مَذْمُومَانِ ، فَاسْتَعْمَلَ الزَّيْغَ وَالطُّغْيَانَ فِيهِ ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَيَانًا لِوُصُولِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سِدْرَةِ الْيَقِينِ الَّذِي لَا يَقِينَ فَوْقَهُ ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ بَصَرَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17مَا زَاغَ ) أَيْ مَا مَالَ عَنِ الطَّرِيقِ ، فَلَمْ يَرَ الشَّيْءَ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى عَيْنِ الشَّمْسِ مَثَلًا ، ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى شَيْءٍ أَبْيَضَ ، فَإِنَّهُ يَرَاهُ أَصْفَرَ أَوْ أَخْضَرَ يَزِيغُ بَصَرُهُ عَنْ جَادَّةِ الْأَبْصَارِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17وَمَا طَغَى ) مَا تَخَيَّلَ الْمَعْدُومَ مَوْجُودًا فَرَأَى الْمَعْدُومَ مُجَاوِزًا الْحَدَّ .