(
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=27إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=27إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى ) وقد بينا ذلك في سورة الطور واستدللنا بهذه الآية ونذكر ما يقرب منه هاهنا فنقول (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=27الذين لا يؤمنون بالآخرة ) هم الذين لا يؤمنون بالرسل ولا يتبعون الشرع ، وإنما يتبعون ما يدعون أنه عقل فيقولون أسماء الله تعالى ليست توقيفية ، ويقولون الولد هو الموجود من الغير ويستدلون عليه بقول أهل اللغة : كذا يتولد منه كذا ، يقال الزجاج يتولد من الآجر بمعنى يوجد منه ، وكذا القول في بنت الكرم وبنت الجبل ، ثم قالوا الملائكة وجدوا من الله تعالى فهم أولاده بمعنى الإيجاد ثم إنهم رأوا في الملائكة تاء التأنيث ، وصح عندهم أن يقال سجدت الملائكة فقالوا : بنات الله ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=27إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى ) أي كما سمي الإناث بنات . وفيه مسائل :
المسألة الأولى : كيف يصح أن يقال إنهم لا يؤمنون بالآخرة مع أنهم كانوا يقولون : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، وكان من عادتهم أن يربطوا مركوبا على قبر من يموت ويعتقدون أنه يحشر عليه ؟ فنقول : الجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أنهم لما كانوا لا يجزمون به كانوا يقولون لا حشر ، فإن كان فلنا شفعاء يدل عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=50وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى ) [ فصلت : 50] .
ثانيهما : أنهم ما كانوا يعترفون بالآخرة على الوجه [ الحق] وهو ما ورد به الرسل .
المسألة الثانية : قال بعض الناس أنثى فعلى من أفعل ، يقال في فعلها آنث ، ويقال في فاعلها أنيث ، يقال حديد ذكر وحديد أنيث ، والحق أن الأنثى يستعمل في الأكثر على خلاف ذلك بدليل جمعها على إناث .
المسألة الثالثة : كيف قال
nindex.php?page=treesubj&link=34077تسمية الأنثى ولم يقل تسمية الإناث ؟ نقول عنه جوابان . أحدهما : ظاهر والآخر دقيق ، أما الظاهر فهو أن المراد بيان الجنس ، وهذا اللفظ أليق بهذا الموضع لما جاء على وفقه آخر
[ ص: 266 ] الآيات . والدقيق هو أنه لو قال يسمونهم تسمية الإناث كان يحتمل وجهين :
أحدهما : البنات .
وثانيهما : الأعلام المعتادة للإناث كعائشة وحفصة ، فإن تسمية الإناث كذلك تكون ، فإذا قال تسمية الأنثى تعين أن تكون للجنس وهي البنت والبنات ، ومناسبة هذه الآية لما قبلها هي أنهم لما قيل لهم إن الصنم جماد لا يشفع وبين لهم إن
nindex.php?page=treesubj&link=30376أعظم أجناس الخلق لا شفاعة لهم إلا بالإذن ، قالوا : نحن لا نعبد الأصنام لأنها جمادات وإنما نعبد الملائكة بعبادتها فإنها على صورها وننصبها بين أيدينا ليذكرنا الشاهد الغائب ، فنعظم الملك الذي ثبت أنه مقرب عظيم الشأن رفيع المكان ، فقال تعالى ردا عليهم كيف تعظمونهم وأنتم تسمونهم تسمية الأنثى ، ثم ذكر فيه مستندهم في ذلك وهو لفظ الملائكة ، ولم يقل إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى ، بل قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=27ليسمون الملائكة ) فإنهم اغتروا بالتاء واغترارهم باطل لأن التاء تجيء لمعان غير التأنيث الحقيقي ، والبنت لا تطلق إلا على المؤنث الحقيقي بالإطلاق ، والتاء فيها لتأكيد معنى الجمع كما في صياقلة وهي تشبه تلك التاء ، وذلك لأن الملائكة في المشهور جمع ملك ، والملك اختصار من الملاك بحذف الهمزة ، والملأك قلب المألك من الألوكة وهي الرسالة ، فالملائكة على هذا القول مفاعلة ، والأصل مفاعل ورد إلى ملائكة في الجمع فهي تشبه فعائل وفعائلة ، والظاهر أن الملائكة فعائل جمع مليكي منسوب إلى المليك بدليل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55عند مليك مقتدر ) [ القمر : 55] في وعد المؤمن ، وقال في
nindex.php?page=treesubj&link=28734وصف الملائكة (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=38فالذين عند ربك ) [ فصلت : 38] وقال أيضا في الوعد (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=40وإن له عندنا لزلفى ) [ ص : 40] وقال في وصف الملائكة (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=172ولا الملائكة المقربون ) [ النساء : 172] فهم إذن عباد مكرمون اختصهم الله بمزيد قربه (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6ويفعلون ما يؤمرون ) [ التحريم : 6] كأمر الملوك والمستخدمين عند السلاطين الواقفين بأبوابهم منتظرين لورود أمر عليهم ، فهم منتسبون إلى المليك المقتدر في الحال ، فهم مليكيون وملائكة ، فالتاء للنسبة في الجمع كما في الصيارفة والبياطرة .
فإن قيل هذا باطل من وجوه :
الأول : أن أحدا لم يستعمل لواحد منهم مليكي كما استعمل صيرفي .
والثاني : أن الإنسان عندما يصير عند الله تعالى يجب أن يكون من الملائكة ، وليس كذلك لأن المفهوم من الملائكة جنس غير الآدمي .
الثالث : هو أن فعائلة في جمع فعيلي لم يسمع ، وإنما يقال فعيلة كما يقال جاء بالنميمة والحقيبة .
الرابع : لو كان كذلك لما جمع ملك ؟ نقول :
الجواب عن الأول : أما عدم استعمال واحده فمسلم وهو لسبب وهو أن الملك كلما كان أعظم كان حكمه وخدمه وحشمه أكثر ، فإذا وصف بالعظمة وصف بالجمع ، فيقال صاحب العسكر الكثير ، ولا يوصف بواحد وصف تعظيم ، وأما ذلك الواحد فإن نسب إلى المليك عين للخبر بأن يقال هذا مليكي وذلك عندما تعرف عينه فتجعله مبتدأ وتخبر بالمليكي عنه ، والملائكة لم يعرفوا بأعيانهم إلا قليلا منهم
كجبريل وميكائيل ، وحينئذ لا فائدة في قولنا
جبريل مليكي ، لأن من عرف الخبر ولا يصاغ الحمل إلا لبيان ثبوت الخبر للمبتدأ ، فلا يقال للإنسان حيوان أو جسم لأنه إيضاح واضح ، اللهم إلا أن يستعمل ذلك في ضرب مثال أو في صورة نادرة لغرض ، وأما أن ينسب إلى المليك وهو مبتدأ فلا ، لأن العظمة في أن يقول واحد من الملائكة فنبه على كثرة المقربين إليه كما تقول واحد من أصحاب الملك ولا تقول صاحب الملك ، فإذا أردت التعظيم البالغ فعند الواحد استعمل اسم الملك غير منسوب بل هو موضوع لشدته وقوته كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=6ذو مرة ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20ذي قوة ) فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5شديد القوى ) و ( م ل ك ) تدل على الشدة في تقاليبها على ما عرف وعند
[ ص: 267 ] الجمع استعمل الملائكة للتعظيم ، كما قاله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=31وما يعلم جنود ربك إلا هو ) [ المدثر : 31] .
الجواب عن الثاني : نقول قد يكون الاسم في الأول لوصف يختص ببعض من يتصف به ، وغيره لو صار متصفا بذلك الوصف لا يسمى بذلك الاسم كالدابة فاعلة من دب ، ولا يقال للمرأة ذات الدب دابة اسما ، وربما يقال لها صفة عند حالة ما تدب بدب مخصوص غير الدب العام الذي في الكل ، كما لو دبت بليل لأخذ شيء أو غيره ، أو يقال إنما
nindex.php?page=treesubj&link=33693سميت الملائكة ملائكة لطول انتسابهم من قبل خلق الآدمي بسنين لا يعلم عددها إلا الله ، فمن لم يصل إلى الله ويقم ببابه لا يحصل له العهد والانتساب ، فلا يسمى بذلك الاسم .
الجواب عن الثالث : نقول : الجموع القياسية لا مانع لها كفعال في جمع فعل كجبال وثمار وأفعال كأثقال وأشجار وفعلان وغيرها ، وأما السماع وإن لم يرد إلا قليلا فاكتفي بما فيه من التعظيم من نسبة الجمع إلا باب الله ، ويكون من باب المرأة والنساء .
الجواب عن الرابع : فالمنع ولعل هذا منه ، أو نقول حمل فعيلي على فعيل في الجمع كما حمل فيعل في الجمع على فعيل فقيل في جمع جيد جياد ولا يقال في فعيل أفاعل ، ويؤيد ما ذكرنا أن إبليس عندما كان واقفا بالباب كان داخلا في جملة الملائكة ، فنقول قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=34وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس ) [ البقرة : 34] عندما صرف وأبعد خرج عنهم وصار من الجن .
وأما ما قاله بعض أهل اللغة من أن الملائكة جمع ملأك ، وأصل ملأك مألك من الألوكة وهي الرسالة ففيه تعسفات أكثر مما ذكرنا بكثير ، منها أن الملك لا يكون فعل بل هو مفعل وهو خلاف الظاهر ، ولم لم يستعمل مآلك على أصله كمآرب ومآثم ومآكل وغيرها مما لا يعد إلا بتعسف ؟ ومنها أن ملكا لم جعل ملأك ولم يفعل ذلك بأخواته التي ذكرناها ؟ ومنها أن التاء لم ألحقت بجمعه ولم لم يقل ملائك كما في جمع كل مفعل ؟ والذي يرد قولهم قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1جاعل الملائكة رسلا ) [ فاطر : 1] فهي غير الرسل ، فلا يصح أن يقال جعلت الملائكة رسلا كما لا يصح جعلت الرسل مرسلين ، وجعل المقترب قريبا ، لأن الجعل لا بد فيه من تغيير ، ومما يدل على خلاف ما ذكروا أن الكل منسوبون إليه موقوفون بين يديه منتظرون أمره لورود الأوامر عليهم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=27إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=27إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى ) وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي سُورَةِ الطُّورِ وَاسْتَدْلَلْنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ وَنَذْكُرُ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ هَاهُنَا فَنَقُولُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=27الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ) هُمُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالرُّسُلِ وَلَا يَتَّبِعُونَ الشَّرْعَ ، وَإِنَّمَا يَتَّبِعُونَ مَا يَدَّعُونَ أَنَّهُ عَقْلٌ فَيَقُولُونَ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَتْ تَوْقِيفِيَّةً ، وَيَقُولُونَ الْوَلَدُ هُوَ الْمَوْجُودُ مِنَ الْغَيْرِ وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَيْهِ بِقَوْلِ أَهْلِ اللُّغَةِ : كَذَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ كَذَا ، يُقَالُ الزُّجَاجُ يَتَوَلَّدُ مِنَ الْآجُرِّ بِمَعْنَى يُوجَدُ مِنْهُ ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي بِنْتِ الْكَرَمِ وَبِنْتِ الْجَبَلِ ، ثُمَّ قَالُوا الْمَلَائِكَةُ وُجِدُوا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُمْ أَوْلَادُهُ بِمَعْنَى الْإِيجَادِ ثُمَّ إِنَّهُمْ رَأَوْا فِي الْمَلَائِكَةِ تَاءَ التَّأْنِيثِ ، وَصَحَّ عِنْدَهُمْ أَنْ يُقَالَ سَجَدَتِ الْمَلَائِكَةُ فَقَالُوا : بَنَاتُ اللَّهِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=27إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى ) أَيْ كَمَا سُمِّيَ الْإِنَاثُ بَنَاتٍ . وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ : هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ، وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ أَنْ يَرْبُطُوا مَرْكُوبًا عَلَى قَبْرِ مَنْ يَمُوتُ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ يُحْشَرُ عَلَيْهِ ؟ فَنَقُولُ : الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا لَا يَجْزِمُونَ بِهِ كَانُوا يَقُولُونَ لَا حَشْرَ ، فَإِنْ كَانَ فَلَنَا شُفَعَاءُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=50وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى ) [ فُصِّلَتْ : 50] .
ثَانِيهِمَا : أَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَعْتَرِفُونَ بِالْآخِرَةِ عَلَى الْوَجْهِ [ الْحَقِّ] وَهُوَ مَا وَرَدَ بِهِ الرُّسُلُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَ بَعْضُ النَّاسِ أُنْثَى فُعْلَى مِنْ أَفْعَلَ ، يُقَالُ فِي فِعْلِهَا آنَثَ ، وَيُقَالُ فِي فَاعِلِهَا أَنِيثٌ ، يُقَالُ حَدِيدٌ ذَكَرٌ وَحَدِيدٌ أَنِيثٌ ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْأُنْثَى يُسْتَعْمَلُ فِي الْأَكْثَرِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ بِدَلِيلِ جَمْعِهَا عَلَى إِنَاثٍ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : كَيْفَ قَالَ
nindex.php?page=treesubj&link=34077تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى وَلَمْ يَقُلْ تَسْمِيَةَ الْإِنَاثِ ؟ نَقُولُ عَنْهُ جَوَابَانِ . أَحَدُهُمَا : ظَاهِرٌ وَالْآخَرُ دَقِيقٌ ، أَمَّا الظَّاهِرُ فَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ الْجِنْسِ ، وَهَذَا اللَّفْظُ أَلْيَقُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ لَمَّا جَاءَ عَلَى وَفْقِهِ آخِرُ
[ ص: 266 ] الْآيَاتِ . وَالدَّقِيقُ هُوَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ يُسَمُّونَهُمْ تَسْمِيَةَ الْإِنَاثِ كَانَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : الْبَنَاتُ .
وَثَانِيهِمَا : الْأَعْلَامُ الْمُعْتَادَةُ لِلْإِنَاثِ كَعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ ، فَإِنَّ تَسْمِيَةَ الْإِنَاثِ كَذَلِكَ تَكُونُ ، فَإِذَا قَالَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى تَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ وَهِيَ الْبِنْتُ وَالْبَنَاتُ ، وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا هِيَ أَنَّهُمْ لَمَّا قِيلَ لَهُمْ إِنَّ الصَّنَمَ جَمَادٌ لَا يَشْفَعُ وَبَيَّنَ لَهُمْ إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30376أَعْظَمَ أَجْنَاسِ الْخَلْقِ لَا شَفَاعَةَ لَهُمْ إِلَّا بِالْإِذْنِ ، قَالُوا : نَحْنُ لَا نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ لِأَنَّهَا جَمَادَاتٌ وَإِنَّمَا نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ بِعِبَادَتِهَا فَإِنَّهَا عَلَى صُوَرِهَا وَنَنْصِبُهَا بَيْنَ أَيْدِينَا لِيُذَكِّرَنَا الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ، فَنُعَظِّمُ الْمَلَكَ الَّذِي ثَبَتَ أَنَّهُ مُقَرَّبٌ عَظِيمُ الشَّأْنِ رَفِيعُ الْمَكَانِ ، فَقَالَ تَعَالَى رَدًّا عَلَيْهِمْ كَيْفَ تُعَظِّمُونَهُمْ وَأَنْتُمْ تُسَمُّونَهُمْ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى ، ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ مُسْتَنَدَهُمْ فِي ذَلِكَ وَهُوَ لَفْظُ الْمَلَائِكَةِ ، وَلَمْ يَقُلْ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لِيُسَمُّونِ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى ، بَلْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=27لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ ) فَإِنَّهُمُ اغْتَرُّوا بِالتَّاءِ وَاغْتِرَارُهُمْ بَاطِلٌ لِأَنَّ التَّاءَ تَجِيءُ لِمَعَانٍ غَيْرِ التَّأْنِيثِ الْحَقِيقِيِّ ، وَالْبِنْتُ لَا تُطْلَقُ إِلَّا عَلَى الْمُؤَنَّثِ الْحَقِيقِيِّ بِالْإِطْلَاقِ ، وَالتَّاءُ فِيهَا لِتَأْكِيدِ مَعْنَى الْجَمْعِ كَمَا فِي صَيَاقِلَةٍ وَهِيَ تُشْبِهُ تِلْكَ التَّاءَ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ فِي الْمَشْهُورِ جَمْعُ مَلَكٍ ، وَالْمَلَكُ اخْتِصَارٌ مِنَ الْمَلَاكِ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ ، وَالْمَلْأَكُ قَلْبُ الْمَأْلَكِ مِنَ الْأَلُوكَةِ وَهِيَ الرِّسَالَةُ ، فَالْمَلَائِكَةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَفَاعِلَةٌ ، وَالْأَصْلُ مَفَاعِلُ وَرُدَّ إِلَى مَلَائِكَةٍ فِي الْجَمْعِ فَهِيَ تُشْبِهُ فَعَائِلَ وَفَعَائِلَةَ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ فَعَائِلُ جَمْعُ مَلِيكِيٍّ مَنْسُوبٌ إِلَى الْمَلِيكِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) [ الْقَمَرِ : 55] فِي وَعْدِ الْمُؤْمِنِ ، وَقَالَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28734وَصْفِ الْمَلَائِكَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=38فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ ) [ فُصِّلَتْ : 38] وَقَالَ أَيْضًا فِي الْوَعْدِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=40وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى ) [ ص : 40] وَقَالَ فِي وَصْفِ الْمَلَائِكَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=172وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ) [ النِّسَاءِ : 172] فَهُمْ إِذَنْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ اخْتَصَّهُمُ اللَّهُ بِمَزِيدِ قُرْبِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) [ التَّحْرِيمِ : 6] كَأَمْرِ الْمُلُوكِ وَالْمُسْتَخْدَمِينَ عِنْدَ السَّلَاطِينِ الْوَاقِفِينَ بِأَبْوَابِهِمْ مُنْتَظِرِينَ لِوُرُودِ أَمْرٍ عَلَيْهِمْ ، فَهُمْ مُنْتَسِبُونَ إِلَى الْمَلِيكِ الْمُقْتَدِرِ فِي الْحَالِ ، فَهُمْ مَلِيكِيُّونَ وَمَلَائِكَةٌ ، فَالتَّاءُ لِلنِّسْبَةِ فِي الْجَمْعِ كَمَا فِي الصَّيَارِفَةِ وَالْبَيَاطِرَةِ .
فَإِنْ قِيلَ هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ أَحَدًا لَمْ يُسْتَعْمَلْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ مَلِيكِيٌّ كَمَا اسْتُعْمِلَ صَيْرَفِيٌّ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْإِنْسَانَ عِنْدَمَا يَصِيرُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ جِنْسٌ غَيْرُ الْآدَمِيِّ .
الثَّالِثُ : هُوَ أَنَّ فَعَائِلَةَ فِي جَمْعِ فَعِيلِيَّ لَمْ يُسْمَعْ ، وَإِنَّمَا يُقَالُ فَعِيلَةٌ كَمَا يُقَالُ جَاءَ بِالنَّمِيمَةِ وَالْحَقِيبَةِ .
الرَّابِعُ : لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لِمَا جُمِعَ مَلَكٌ ؟ نَقُولُ :
الْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ : أَمَّا عَدَمُ اسْتِعْمَالِ وَاحِدِهِ فَمُسَلَّمٌ وَهُوَ لِسَبَبٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَلِكَ كُلَّمَا كَانَ أَعْظَمَ كَانَ حُكْمُهُ وَخَدَمُهُ وَحَشَمُهُ أَكْثَرَ ، فَإِذَا وُصِفَ بِالْعَظَمَةِ وُصِفَ بِالْجَمْعِ ، فَيُقَالُ صَاحِبُ الْعَسْكَرِ الْكَثِيرِ ، وَلَا يُوصَفُ بِوَاحِدٍ وَصْفَ تَعْظِيمٍ ، وَأَمَّا ذَلِكَ الْوَاحِدُ فَإِنْ نُسِبَ إِلَى الْمَلِيكِ عُيِّنَ لِلْخَبَرِ بِأَنْ يُقَالَ هَذَا مَلِيكِيٌّ وَذَلِكَ عِنْدَمَا تُعْرَفُ عَيْنُهُ فَتَجْعَلُهُ مُبْتَدَأً وَتُخْبِرُ بِالْمَلِيكِيِّ عَنْهُ ، وَالْمَلَائِكَةُ لَمْ يُعْرَفُوا بِأَعْيَانِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ
كَجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ ، وَحِينَئِذٍ لَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِنَا
جِبْرِيلُ مَلِيكِيٌّ ، لِأَنَّ مَنْ عَرَّفَ الْخَبَرَ وَلَا يُصَاغُ الْحَمْلُ إِلَّا لِبَيَانِ ثُبُوتِ الْخَبَرِ لِلْمُبْتَدَأِ ، فَلَا يُقَالُ لِلْإِنْسَانِ حَيَوَانٌ أَوْ جِسْمٌ لِأَنَّهُ إِيضَاحُ وَاضِحٍ ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُسْتَعْمَلَ ذَلِكَ فِي ضَرْبِ مِثَالٍ أَوْ فِي صُورَةٍ نَادِرَةٍ لِغَرَضٍ ، وَأَمَّا أَنْ يُنْسَبَ إِلَى الْمَلِيكِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ فَلَا ، لِأَنَّ الْعَظَمَةَ فِي أَنْ يَقُولَ وَاحِدٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَنَبَّهَ عَلَى كَثْرَةِ الْمُقَرَّبِينَ إِلَيْهِ كَمَا تَقُولُ وَاحِدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمَلِكِ وَلَا تَقُولُ صَاحِبُ الْمَلِكِ ، فَإِذَا أَرَدْتَ التَّعْظِيمَ الْبَالِغَ فَعِنْدَ الْوَاحِدِ اسْتَعْمَلَ اسْمَ الْمَلَكِ غَيْرَ مَنْسُوبٍ بَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ لِشِدَّتِهِ وَقُوَّتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=6ذُو مِرَّةٍ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20ذِي قُوَّةٍ ) فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5شَدِيدُ الْقُوَى ) وَ ( م ل ك ) تَدُلُّ عَلَى الشِّدَّةِ فِي تَقَالِيبِهَا عَلَى مَا عُرِفَ وَعِنْدَ
[ ص: 267 ] الْجَمْعِ اسْتَعْمَلَ الْمَلَائِكَةَ لِلتَّعْظِيمِ ، كَمَا قَالَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=31وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ) [ الْمُدَّثِّرِ : 31] .
الْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي : نَقُولُ قَدْ يَكُونُ الِاسْمُ فِي الْأَوَّلِ لِوَصْفٍ يَخْتَصُّ بِبَعْضِ مَنْ يَتَّصِفُ بِهِ ، وَغَيْرُهُ لَوْ صَارَ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ الْوَصْفِ لَا يُسَمَّى بِذَلِكَ الِاسْمِ كَالدَّابَّةِ فَاعِلَةٌ مِنْ دَبَّ ، وَلَا يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ ذَاتِ الدَّبِّ دَابَّةٌ اسْمًا ، وَرُبَّمَا يُقَالُ لَهَا صِفَةً عِنْدَ حَالَةِ مَا تَدِبُّ بِدَبٍّ مَخْصُوصٍ غَيْرِ الدَّبِّ الْعَامِّ الَّذِي فِي الْكُلِّ ، كَمَا لَوْ دَبَّتْ بِلَيْلٍ لِأَخْذِ شَيْءٍ أَوْ غَيْرِهِ ، أَوْ يُقَالُ إِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=33693سُمِّيَتِ الْمَلَائِكَةُ مَلَائِكَةً لِطُولِ انْتِسَابِهِمْ مِنْ قَبْلِ خَلْقِ الْآدَمِيِّ بِسِنِينَ لَا يَعْلَمُ عَدَدَهَا إِلَّا اللَّهُ ، فَمَنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى اللَّهِ وَيَقُمْ بِبَابِهِ لَا يَحْصُلُ لَهُ الْعَهْدُ وَالِانْتِسَابُ ، فَلَا يُسَمَّى بِذَلِكَ الِاسْمِ .
الْجَوَابُ عَنِ الثَّالِثِ : نَقُولُ : الْجُمُوعُ الْقِيَاسِيَّةُ لَا مَانِعَ لَهَا كَفِعَالٍ فِي جَمْعِ فَعَلٍ كَجِبَالٍ وَثِمَارٍ وَأَفْعَالٍ كَأَثْقَالٍ وَأَشْجَارٍ وَفَعْلَانَ وَغَيْرِهَا ، وَأَمَّا السَّمَاعُ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ إِلَّا قَلِيلًا فَاكْتُفِيَ بِمَا فِيهِ مِنَ التَّعْظِيمِ مِنْ نِسْبَةِ الْجَمْعِ إِلَّا بَابَ اللَّهِ ، وَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْمَرْأَةِ وَالنِّسَاءِ .
الْجَوَابُ عَنِ الرَّابِعِ : فَالْمَنْعُ وَلَعَلَّ هَذَا مِنْهُ ، أَوْ نَقُولُ حُمِلَ فَعِيلِيٌّ عَلَى فَعِيلٍ فِي الْجَمْعِ كَمَا حُمِلَ فَيْعِلٌ فِي الْجَمْعِ عَلَى فَعِيلٍ فَقِيلَ فِي جَمْعِ جَيِّدٍ جِيَادٌ وَلَا يُقَالُ فِي فَعِيلٍ أَفَاعِلُ ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ إِبْلِيسَ عِنْدَمَا كَانَ وَاقِفًا بِالْبَابِ كَانَ دَاخِلًا فِي جُمْلَةِ الْمَلَائِكَةِ ، فَنَقُولُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=34وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ ) [ الْبَقَرَةِ : 34] عِنْدَمَا صُرِفَ وَأُبْعِدَ خَرَجَ عَنْهُمْ وَصَارَ مِنَ الْجِنِّ .
وَأَمَّا مَا قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ مِنْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ جَمْعُ مَلْأَكٍ ، وَأَصْلُ مَلْأَكٍ مَأْلَكٌ مِنَ الْأَلُوكَةِ وَهِيَ الرِّسَالَةُ فَفِيهِ تَعَسُّفَاتٌ أَكْثَرُ مِمَّا ذَكَرْنَا بِكَثِيرٍ ، مِنْهَا أَنَّ الْمَلَكَ لَا يَكُونُ فَعَلٌ بَلْ هُوَ مَفْعَلٌ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ ، وَلِمَ لَمْ يُسْتَعْمَلْ مَآلِكُ عَلَى أَصْلِهِ كَمَآرِبَ وَمَآثِمَ وَمَآكِلَ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يُعَدُّ إِلَّا بِتَعَسُّفٍ ؟ وَمِنْهَا أَنَّ مَلَكًا لِمَ جُعِلَ مَلْأَكٌ وَلَمْ يُفْعَلْ ذَلِكَ بِأَخَوَاتِهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ؟ وَمِنْهَا أَنَّ التَّاءَ لِمَ أُلْحِقَتْ بِجَمْعِهِ وَلِمَ لَمْ يَقُلْ مَلَائِكُ كَمَا فِي جَمْعِ كُلِّ مَفْعَلٍ ؟ وَالَّذِي يَرُدُّ قَوْلَهُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا ) [ فَاطِرٍ : 1] فَهِيَ غَيْرُ الرُّسُلِ ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ جُعِلَتِ الْمَلَائِكَةُ رُسُلًا كَمَا لَا يَصِحُّ جُعِلَتِ الرُّسُلُ مُرْسَلِينَ ، وَجُعِلَ الْمُقْتَرِبُ قَرِيبًا ، لِأَنَّ الْجَعْلَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَغْيِيرٍ ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرُوا أَنَّ الْكُلَّ مَنْسُوبُونَ إِلَيْهِ مَوْقُوفُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ مُنْتَظِرُونَ أَمْرَهُ لِوُرُودِ الْأَوَامِرِ عَلَيْهِمْ .