(
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=44وأنه هو أمات وأحيا nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=45وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=44وأنه هو أمات وأحيا ) والبحث فيه كما في الضحك والبكاء ، غير أن الله تعالى في الأول بين خاصة النوع الذي هو أخص من الجنس ، فإنه أظهر ، وعن التعليل أبعد ثم عطف عليه ما هو أعم منه ودونه في البعد عن التعليل وهي الإماتة والإحياء وهما صفتان متضادتان أي : الموت والحياة كالضحك والبكاء ، والموت على هذا ليس بمجرد العدم وإلا لكان الممتنع ميتا ، وكيفما كان
nindex.php?page=treesubj&link=28779فالإماتة والإحياء أمر وجودي وهما من خواص الحيوان ، ويقول : الطبيعي في الحياة لاعتدال المزاج ، والمزاج من أركان متضادة هي النار والهواء والماء والتراب ، وهي متداعية إلى الانفكاك وما لا تركيب فيه من المتضادات لا موت له ؛ لأن المتضادات كل أحد يطلب مفارقة مجاوره ، فقال تعالى :
nindex.php?page=treesubj&link=28784الذي خلق ومزج العناصر وحفظها مدة قادر على أن يحفظها أكثر من ذلك ، فإذا مات فليس عن ضرورة فهو بفعل فاعل مختار وهو الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=44وأنه هو أمات وأحيا ) . فإن قيل : متى أمات وأحيا حتى يعلم ذلك ، بل مشاهدة الإحياء والإماتة بناء على الحياة والموت ؟ نقول : فيه وجوه :
أحدها : أنه على التقديم والتأخير كأنه قال : أحيا وأمات .
ثانيها : هو بمعنى المستقبل ، فإن الأمر قريب يقال : فلان وصل والليل دخل إذا قرب مكانه وزمانه ، فكذلك الإحياء والإماتة .
ثالثها : أمات أي : خلق الموت والجمود في العناصر ، ثم ركبها ، وأحيا أي خلق الحس والحركة فيها .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=45وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى ) وهو أيضا من جملة المتضادات التي تتوارد على النطفة ، فبعضها يخلق ذكرا ، وبعضها أنثى ولا يصل إليه فهم الطبيعي الذي يقول : إنه من البرد والرطوبة في الأنثى ، فرب امرأة أيبس مزاجا من الرجل ، وكيف وإذا نظرت في المميزات بين الصغير والكبير تجدها أمورا عجيبة منها
nindex.php?page=treesubj&link=28661نبات اللحية ، وأقوى ما قالوا في نبات اللحية أنهم قالوا : الشعور مكونة من بخار دهاني ينحدر إلى المسام ، فإذا كانت المسام في غاية الرطوبة والتحلل كما في مزاج الصبي والمرأة ، لا ينبت الشعر لخروج تلك الأدخنة من المسام الرطبة بسهولة قبل أن يتكون شعر ، وإذا كانت في غاية اليبوسة والتكاثف ينبت الشعر لعسر خروجه من المخرج الضيق ، ثم إن تلك المواد تنجذب إلى مواضع مخصوصة فتندفع ، إما إلى الرأس فتندفع إليه ؛ لأنه مخلوق كقبة فوق الأبخرة والأدخنة فتتصاعد إليه تلك المواد ، فلهذا يكون شعر الرأس أكثر وأطول ، ولهذا في الرجل مواضع تنجذب إليها الأبخرة والأدخنة ، منها الصدر لحرارة القلب ، والحرارة تجذب الرطوبة كالسراج للزيت ، ومنها بقرب آلة التناسل ؛ لأن حرارة الشهوة تجذب أيضا ، ومنها اللحيان فإنها كثيرة الحركة بسبب الأكل والكلام ، والحركة أيضا جاذبة ، فإذا قيل لهم : فما
nindex.php?page=treesubj&link=28661_19789السبب الموجب لتلازم نبات شعر اللحية وآلة التناسل فإنها إذا قطعت لم تنبت اللحية ؟ وما الفرق بين سن الصبا وسن الشباب
[ ص: 19 ] وبين المرأة والرجل ؟ ففي بعضها يبهت وفي بعضها يتكلم بأمور واهية ، ولو فوضها إلى حكمة إلهية لكان أولى ، وفيه مسألتان :
الأول : قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=45وأنه خلق ) ولم يقل : وأنه هو خلق كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=43وأنه هو أضحك وأبكى ) وذلك لأن الضحك والبكاء ربما يتوهم متوهم أنه بفعل الإنسان ، وفي الإماتة والإحياء وإن كان ذلك التوهم بعيدا ، لكن ربما يقول به جاهل ، كما قال من حاج
إبراهيم الخليل عليه السلام حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=258أنا أحيي وأميت ) [ البقرة : 258 ] فأكد ذلك بذكر الفصل ، وأما خلق الذكر والأنثى من النطفة فلا يتوهم أحد أن يفعل أحد من الناس فلم يؤكد بالفصل ألا ترى إلى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=48وأنه هو أغنى وأقنى ) [ النجم : 48 ] حيث كان الإغناء عندهم غير مستند إلى الله تعالى ، وكان في معتقدهم أن ذلك بفعلهم كما قال قارون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=78إنما أوتيته على علم عندي ) [ القصص : 78 ] ولذلك قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=49وأنه هو رب الشعرى ) [ النجم : 49 ] لأنهم كانوا يستبعدون أن يكون رب
محمد هو رب الشعرى . فأكد في مواضع استبعادهم النسبة إلى الله تعالى الإسناد ولم يؤكده في غيره .
المسألة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=28661_34077الذكر والأنثى اسمان هما صفة أو اسمان ليسا بصفة ؟ المشهور عند أهل اللغة الثاني والظاهر أنهما من الأسماء التي هي صفات ، فالذكر كالحسن والعزب والأنثى كالحبلى والكبرى ، وإنما قلنا : إنها كالحبلى في رأي لأنها حيالها أنشئت لا كالكبرى ، وإن قلنا : إنها كالكبرى في رأي ، وإنما قلنا : إن الظاهر أنهما صفتان ؛ لأن الصفة ما يطلق على شيء ثبت له أمر كالعالم يطلق على شيء له علم ، والمتحرك يقال لشيء له حركة بخلاف الشجر والحجر ، فإن الشجر لا يقال لشيء بشرط أن يثبت له أمر ، بل هو اسم موضوع لشيء معين ، والذكر اسم يقال لشيء له أمر ، ولهذا يوصف به ، ولا يوصف بالشجر ، يقال : جاءني شخص ذكر ، أو إنسان ذكر ، ولا يقال : جسم شجر ، والذي ذهب إلى أنه اسم غير صفة إنما ذهب إليه لأنه لم يرد له فعل ، والصفة في الغالب له فعل كالعالم والجاهل ، والعزب والكبرى والحبلى ، وذلك لا يدل على ما ذهب إليه ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=28661_34077الذكورة والأنوثة من الصفات التي لا يتبدل بعضها ببعض ، فلا يصاغ لها أفعال ؛ لأن الفعل لما يتوقع له تجدد في صورة الغالب ، ولهذا لم يوجد للإضافيات أفعال كالأبوة والبنوة والأخوة ؛ إذ لم تكن من الذي يتبدل ، ووجد للإضافيات المتبدلة أفعال ، يقال : واخاه وتبناه لما لم يكن مثبتا بتكلف فقبل التبدل .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=44وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=45وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=44وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ) وَالْبَحْثُ فِيهِ كَمَا فِي الضَّحِكِ وَالْبُكَاءِ ، غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْأَوَّلِ بَيَّنَ خَاصَّةَ النَّوْعِ الَّذِي هُوَ أَخَصُّ مِنَ الْجِنْسِ ، فَإِنَّهُ أَظْهَرُ ، وَعَنِ التَّعْلِيلِ أَبْعَدُ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَدُونَهُ فِي الْبُعْدِ عَنِ التَّعْلِيلِ وَهِيَ الْإِمَاتَةُ وَالْإِحْيَاءُ وَهُمَا صِفَتَانِ مُتَضَادَّتَانِ أَيِ : الْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ كَالضَّحِكِ وَالْبُكَاءِ ، وَالْمَوْتُ عَلَى هَذَا لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْعَدَمِ وَإِلَّا لَكَانَ الْمُمْتَنِعُ مَيِّتًا ، وَكَيْفَمَا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=28779فَالْإِمَاتَةُ وَالْإِحْيَاءُ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ وَهُمَا مِنْ خَوَاصِّ الْحَيَوَانِ ، وَيَقُولُ : الطَّبِيعِيُّ فِي الْحَيَاةِ لِاعْتِدَالِ الْمِزَاجِ ، وَالْمِزَاجُ مِنْ أَرْكَانٍ مُتَضَادَّةٍ هِيَ النَّارُ وَالْهَوَاءُ وَالْمَاءُ وَالتُّرَابُ ، وَهِيَ مُتَدَاعِيَةٌ إِلَى الِانْفِكَاكِ وَمَا لَا تَرْكِيبَ فِيهِ مِنَ الْمُتَضَادَّاتِ لَا مَوْتَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُتَضَادَّاتِ كُلُّ أَحَدٍ يَطْلُبُ مُفَارَقَةَ مُجَاوِرِهِ ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=treesubj&link=28784الَّذِي خَلَقَ وَمَزَجَ الْعَنَاصِرَ وَحَفِظَهَا مُدَّةً قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَحْفَظَهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، فَإِذَا مَاتَ فَلَيْسَ عَنْ ضَرُورَةٍ فَهُوَ بِفِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=44وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ) . فَإِنْ قِيلَ : مَتَى أَمَاتَ وَأَحْيَا حَتَّى يَعْلَمَ ذَلِكَ ، بَلْ مُشَاهَدَةُ الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ بِنَاءً عَلَى الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ ؟ نَقُولُ : فِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ : أَحْيَا وَأَمَاتَ .
ثَانِيهَا : هُوَ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ ، فَإِنَّ الْأَمْرَ قَرِيبٌ يُقَالُ : فُلَانٌ وَصَلَ وَاللَّيْلُ دَخَلَ إِذَا قَرُبَ مَكَانُهُ وَزَمَانُهُ ، فَكَذَلِكَ الْإِحْيَاءُ وَالْإِمَاتَةُ .
ثَالِثُهَا : أَمَاتَ أَيْ : خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْجُمُودَ فِي الْعَنَاصِرِ ، ثُمَّ رَكَّبَهَا ، وَأَحْيَا أَيْ خَلَقَ الْحِسَّ وَالْحَرَكَةَ فِيهَا .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=45وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ) وَهُوَ أَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ الْمُتَضَادَّاتِ الَّتِي تَتَوَارَدُ عَلَى النُّطْفَةِ ، فَبَعْضُهَا يُخْلَقُ ذَكَرًا ، وَبَعْضُهَا أُنْثَى وَلَا يَصِلُ إِلَيْهِ فَهْمُ الطَّبِيعِيِّ الَّذِي يَقُولُ : إِنَّهُ مِنَ الْبَرْدِ وَالرُّطُوبَةِ فِي الْأُنْثَى ، فَرُبَّ امْرَأَةٍ أَيْبَسُ مِزَاجًا مِنَ الرَّجُلِ ، وَكَيْفَ وَإِذَا نَظَرْتَ فِي الْمُمَيِّزَاتِ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ تَجِدُهَا أُمُورًا عَجِيبَةً مِنْهَا
nindex.php?page=treesubj&link=28661نَبَاتُ اللِّحْيَةِ ، وَأَقْوَى مَا قَالُوا فِي نَبَاتِ اللِّحْيَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا : الشُّعُورُ مُكَوَّنَةٌ مِنْ بُخَارٍ دِهَانِيٍّ يَنْحَدِرُ إِلَى الْمَسَامِّ ، فَإِذَا كَانَتِ الْمَسَامُّ فِي غَايَةِ الرُّطُوبَةِ وَالتَّحَلُّلِ كَمَا فِي مِزَاجِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ ، لَا يَنْبُتُ الشَّعْرُ لِخُرُوجِ تِلْكَ الْأَدْخِنَةِ مِنَ الْمَسَامِّ الرَّطْبَةِ بِسُهُولَةٍ قَبْلَ أَنْ يَتَكَوَّنَ شَعْرٌ ، وَإِذَا كَانَتْ فِي غَايَةِ الْيُبُوسَةِ وَالتَّكَاثُفِ يَنْبُتُ الشَّعْرُ لِعُسْرِ خُرُوجِهِ مِنَ الْمَخْرَجِ الضَّيِّقِ ، ثُمَّ إِنَّ تِلْكَ الْمَوَادَّ تَنْجَذِبُ إِلَى مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ فَتَنْدَفِعُ ، إِمَّا إِلَى الرَّأْسِ فَتَنْدَفِعُ إِلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ كَقُبَّةٍ فَوْقَ الْأَبْخِرَةِ وَالْأَدْخِنَةِ فَتَتَصَاعَدُ إِلَيْهِ تِلْكَ الْمَوَادُّ ، فَلِهَذَا يَكُونُ شَعْرُ الرَّأْسِ أَكْثَرَ وَأَطْوَلَ ، وَلِهَذَا فِي الرَّجُلِ مَوَاضِعُ تَنْجَذِبُ إِلَيْهَا الْأَبْخِرَةُ وَالْأَدْخِنَةُ ، مِنْهَا الصَّدْرُ لِحَرَارَةِ الْقَلْبِ ، وَالْحَرَارَةُ تَجْذِبُ الرُّطُوبَةَ كَالسِّرَاجِ لِلزَّيْتِ ، وَمِنْهَا بِقُرْبِ آلَةِ التَّنَاسُلِ ؛ لِأَنَّ حَرَارَةَ الشَّهْوَةِ تَجْذِبُ أَيْضًا ، وَمِنْهَا اللِّحْيَانِ فَإِنَّهَا كَثِيرَةُ الْحَرَكَةِ بِسَبَبِ الْأَكْلِ وَالْكَلَامِ ، وَالْحَرَكَةُ أَيْضًا جَاذِبَةٌ ، فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ : فَمَا
nindex.php?page=treesubj&link=28661_19789السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِتَلَازُمِ نَبَاتِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ وَآلَةِ التَّنَاسُلِ فَإِنَّهَا إِذَا قُطِعَتْ لَمْ تَنْبُتِ اللِّحْيَةُ ؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ سِنِّ الصِّبَا وَسِنِّ الشَّبَابِ
[ ص: 19 ] وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ ؟ فَفِي بَعْضِهَا يُبْهَتُ وَفِي بَعْضِهَا يُتَكَلَّمُ بِأُمُورٍ وَاهِيَةٍ ، وَلَوْ فَوَّضَهَا إِلَى حِكْمَةٍ إِلَهِيَّةٍ لَكَانَ أَوْلَى ، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْأَوَّلُ : قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=45وَأَنَّهُ خَلَقَ ) وَلَمْ يَقُلْ : وَأَنَّهُ هُوَ خَلَقَ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=43وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الضَّحِكَ وَالْبُكَاءَ رُبَّمَا يَتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ أَنَّهُ بِفِعْلِ الْإِنْسَانِ ، وَفِي الْإِمَاتَةِ وَالْإِحْيَاءِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ التَّوَهُّمُ بَعِيدًا ، لَكِنْ رُبَّمَا يَقُولُ بِهِ جَاهِلٌ ، كَمَا قَالَ مَنْ حَاجَّ
إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=258أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ) [ الْبَقَرَةِ : 258 ] فَأَكَّدَ ذَلِكَ بِذِكْرِ الْفَصْلِ ، وَأَمَّا خَلْقُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنَ النُّطْفَةِ فَلَا يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ أَنْ يَفْعَلَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ فَلَمْ يُؤَكِّدْ بِالْفَصْلِ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=48وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى ) [ النَّجْمِ : 48 ] حَيْثُ كَانَ الْإِغْنَاءُ عِنْدَهُمْ غَيْرَ مُسْتَنِدٍ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَكَانَ فِي مُعْتَقَدِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ بِفِعْلِهِمْ كَمَا قَالَ قَارُونُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=78إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ) [ الْقَصَصِ : 78 ] وَلِذَلِكَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=49وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى ) [ النَّجْمِ : 49 ] لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَبْعِدُونَ أَنْ يَكُونَ رَبُّ
مُحَمَّدٍ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى . فَأَكَّدَ فِي مَوَاضِعِ اسْتِبْعَادِهِمُ النِّسْبَةَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الْإِسْنَادُ وَلَمْ يُؤَكِّدْهُ فِي غَيْرِهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28661_34077الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى اسْمَانِ هُمَا صِفَةٌ أَوِ اسْمَانِ لَيْسَا بِصِفَةٍ ؟ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الثَّانِي وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا مِنَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي هِيَ صِفَاتٌ ، فَالذَّكَرُ كَالْحَسَنِ وَالْعَزَبِ وَالْأُنْثَى كَالْحُبْلَى وَالْكُبْرَى ، وَإِنَّمَا قُلْنَا : إِنَّهَا كَالْحُبْلَى فِي رَأْيٍ لِأَنَّهَا حِيَالُهَا أُنْشِئَتْ لَا كَالْكُبْرَى ، وَإِنْ قُلْنَا : إِنَّهَا كَالْكُبْرَى فِي رَأْيٍ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا : إِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمَا صِفَتَانِ ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ مَا يُطْلَقُ عَلَى شَيْءٍ ثَبَتَ لَهُ أَمْرٌ كَالْعَالِمِ يُطْلَقُ عَلَى شَيْءٍ لَهُ عِلْمٌ ، وَالْمُتَحَرِّكُ يُقَالُ لِشَيْءٍ لَهُ حَرَكَةٌ بِخِلَافِ الشَّجَرِ وَالْحَجَرِ ، فَإِنَّ الشَّجَرَ لَا يُقَالُ لِشَيْءٍ بِشَرْطِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ أَمْرٌ ، بَلْ هُوَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ ، وَالذَّكَرُ اسْمٌ يُقَالُ لِشَيْءٍ لَهُ أَمْرٌ ، وَلِهَذَا يُوصَفُ بِهِ ، وَلَا يُوصَفُ بِالشَّجَرِ ، يُقَالُ : جَاءَنِي شَخْصٌ ذَكَرٌ ، أَوْ إِنْسَانٌ ذَكَرٌ ، وَلَا يُقَالُ : جِسْمٌ شَجَرٌ ، وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ اسْمٌ غَيْرُ صِفَةٍ إِنَّمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ لَهُ فِعْلٌ ، وَالصِّفَةُ فِي الْغَالِبِ لَهُ فِعْلٌ كَالْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ ، وَالْعَزَبِ وَالْكُبْرَى وَالْحُبْلَى ، وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28661_34077الذُّكُورَةَ وَالْأُنُوثَةَ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي لَا يَتَبَدَّلُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ ، فَلَا يُصَاغُ لَهَا أَفْعَالٌ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لِمَا يُتَوَقَّعُ لَهُ تَجَدُّدٌ فِي صُورَةِ الْغَالِبِ ، وَلِهَذَا لَمْ يُوجَدْ لِلْإِضَافِيَّاتِ أَفْعَالٌ كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَالْأُخُوَّةِ ؛ إِذْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الَّذِي يَتَبَدَّلُ ، وَوُجِدَ لِلْإِضَافِيَّاتِ الْمُتَبَدِّلَةِ أَفْعَالٌ ، يُقَالُ : وَاخَاهُ وَتَبَنَّاهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُثْبَتًا بِتَكَلُّفٍ فَقَبِلَ التَّبَدُّلَ .