(
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49إنا كل شيء خلقناه بقدر )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49إنا كل شيء خلقناه بقدر ) وفيه مسائل :
الأولى : المشهور أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49إنا كل شيء ) متعلق بما قبله كأنه قال : ذوقوا فإنا
nindex.php?page=treesubj&link=30455_30451كل شيء خلقناه بقدر ، أي هو جزاء لمن أنكر ذلك ، وهو كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=49ذق إنك أنت العزيز الكريم ) [ الدخان : 49 ] والظاهر أنه ابتداء كلام وتم الكلام عند قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=48ذوقوا مس سقر ) ثم ذكر بيان العذاب لأن عطف : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=50وما أمرنا إلا واحدة ) [ القمر : 50 ] يدل على أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49إنا كل شيء خلقناه بقدر ) ليس آخر الكلام . ويدل عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54ألا له الخلق والأمر ) وقد ذكر في الآية الأولى الخلق بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49إنا كل شيء خلقناه ) فيكون من اللائق أن يذكر الأمر فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=50وما أمرنا إلا واحدة ) وأما ما ذكر من الجدل فنقول : النبي صلى الله عليه وسلم تمسك عليهم بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=47إن المجرمين في ضلال ) إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=48ذوقوا مس سقر ) وتلا آية أخرى على قصد التلاوة ، ولم يقرأ الآية الأخيرة اكتفاء بعلم من علم الآية كما تقول في الاستدلالات : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29لا تأكلوا أموالكم ) [ النساء : 29 ] الآية و (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) [ الأنعام : 121 ] الآية : و (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282إذا تداينتم ) [ البقرة : 282 ] الآية إلى غير ذلك .
المسألة الثانية : ( كل ) قرئ بالنصب وهو الأصح المشهور ، وبالرفع فمن قرأ بالنصب فنصبه بفعل مضمر يفسره الظاهر كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=39والقمر قدرناه ) [ يس : 39 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=31والظالمين أعد لهم ) [ الإنسان : 31 ] وذلك الفعل هو خلقناه وقد فسره قوله : ( خلقناه ) كأنه قال : إنا خلقنا كل شيء بقدر ، وخلقناه على هذا لا يكون صفة لشيء كما في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=49ومن كل شيء خلقنا زوجين ) [ الذاريات : 49 ] غير أن هناك يمنع من أن يكون صفة كونه خاليا عن ضمير عائد إلى الموصوف ، وهاهنا لم يوجد ذلك المانع ، وعلى هذا فالآية حجة على
المعتزلة ؛ لأن أفعالنا شيء فتكون داخلة في كل شيء ، فتكون مخلوقة لله تعالى ، ومن قرأ بالرفع لم يمكنه أن يقول كما يقول في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=17وأما ثمود فهديناهم ) [ فصلت : 17 ] حيث قرئ بالرفع ؛ لأن كل شيء نكرة فلا يصح مبتدأ فيلزمه أن يقول : كل شيء خلقناه فهو بقدر ، كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=8وكل شيء عنده بمقدار ) [ الرعد : 8 ] في المعنى ، وهذان الوجهان ذكرهما
ابن عطية في تفسيره ، وذكر أن المعتزلي يتمسك بقراءة الرفع ، ويحتمل أن يقال : القراءة الأولى وهو النصب له وجه آخر ، وهو أن يقال : نصبه بفعل معلوم لا بمضمر مفسر وهو قدرنا أو خلقنا ، كأنه قال : إنا خلقنا كل شيء خلقناه بقدر ، أو قدرنا كل شيء خلقناه بقدر ، وإنما قلنا : إنه معلوم ؛ لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=62ذلكم الله ربكم خالق كل شيء ) [ غافر : 62 ] دل عليه ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=8وكل شيء عنده بمقدار ) دل على أنه قدر ، وحينئذ لا يكون في الآية دلالة على بطلان قول المعتزلي ، وإنما يدل على بطلان قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=16الله خالق كل شيء ) وأما على القراءة الثانية وهي الرفع ، فنقول : جاز أن يكون " كل شيء " مبتدأ و" خلقناه بقدر " خبره ، وحينئذ تكون الحجة قائمة عليهم بأبلغ
[ ص: 65 ] وجه ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49كل شيء ) نكرة فلا يصلح مبتدأ ضعيف لأن قوله : ( كل شيء ) عم الأشياء كلها بأسرها ، فليس فيه المحذور الذي في قولنا : رجل قائم ، لأنه لا يفيد فائدة ظاهرة ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49كل شيء ) يفيد ما يفيد زيد خلقناه وعمرو خلقناه مع زيادة فائدة ، ولهذا جوزوا ما أحد خير منك لأنه أفاد العموم ، ولم يحسن قول القائل أحد خير منك حيث لم يفد العموم .
المسألة الثالثة : ما
nindex.php?page=treesubj&link=28775معنى القدر ؟ قلنا : فيه وجوه :
أحدها : المقدار كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=8وكل شيء عنده بمقدار ) وعلى هذا فكل شيء مقدر في ذاته وفي صفاته ، أما المقدر في الذات فالجسم وذلك ظاهر فيه ، وكذلك القائم بالجسم من المحسوسات كالبياض والسواد ، وأما الجوهر الفرد ما لا مقدار له ، والقائم بالجوهر ما لا مقدار له بمعنى الامتداد كالعلم والجهل وغيرهما ، فنقول : ههنا مقادير لا بمعنى الامتداد ، أما الجوهر الفرد فإن الاثنين منه أصغر من الثلاثة ، ولولا أن حجما يزداد به الامتداد ، وإلا لما حصل دون الامتداد فيه ، وأما القائم بالجوهر فله نهاية وبداية ، فمقدار العلوم الحادثة والقدر المخلوقة متناهية ، وأما الصفة فلأن لكل شيء ابتدئ زمانا فله مقدار في البقاء لكون كل شيء حادثا ، فإن قيل : الله تعالى وصف به ، ولا مقدار له ولا ابتداء لوجوده ، نقول : المتكلم إذا كان موصوفا بصفة أو مسمى باسم ، ثم ذكر الأشياء المسماة بذلك الاسم أو الأشياء الموصوفة بتلك الصفة ، وأسند فعلا من أفعاله إليه يخرج هو عنه ، كما يقول القائل : رأيت جميع من في هذا البيت فرأيتهم كلهم أكرمني ، ويقول : ما في البيت أحد إلا وضربني أو ضربته يخرج هو عنه لا لعدم كونه مقتضى الاسم ، بل بما في التركيب من الدليل على خروجه عن الإرادة ، فكذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49خلقناه ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102خالق كل شيء ) يخرج عنه لا بطريق التخصيص ، بل بطريق الحقيقة إذا قلنا : إن التركيب وضعي ، فإن هذا التركيب لم يوضع حينئذ إلا لغير المتكلم . ثانيها : القدر التقدير ، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=23فقدرنا فنعم القادرون ) [ المرسلات : 23 ] وقال الشاعر :
وقد قدر الرحمن ما هو قادر
أي قدر ما هو مقدر ، وعلى هذا فالمعنى أن
nindex.php?page=treesubj&link=30455_30452الله تعالى لم يخلق شيئا من غير تقدير ، كما يرمي الرامي السهم فيقع في موضع لم يكن قد قدره ، بل خلق الله كما قدر بخلاف قول الفلاسفة إنه فاعل لذاته والاختلاف للقوابل ، فالذي جاء قصيرا أو صغيرا فلاستعداد مادته ، والذي جاء طويلا أو كبيرا فلاستعداد آخر ، فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49كل شيء خلقناه بقدر ) منا ، فالصغير جاز أن يكون كبيرا ، والكبير جاز خلقه صغيرا . ثالثها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49بقدر ) هو ما يقال مع القضاء ، يقال بقضاء الله وقدره ، وقالت الفلاسفة في القدر الذي مع القضاء : إن ما يقصد إليه فقضاء وما يلزمه فقدر ، فيقولون : خلق النار حارة بقضاء وهو مقضي به لأنها ينبغي أن تكون كذلك ، لكن من لوازمها أنها إذا تعلقت بقطن عجوز أو وقعت في قصب صعلوك تحرقه ، فهو بقدر لا بقضاء ، وهو كلام فاسد ، بل
nindex.php?page=treesubj&link=28775القضاء ما في العلم والقدر ما في الإرادة ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49كل شيء خلقناه بقدر ) أي بقدره مع إرادته ، لا على ما يقولون إنه موجب ردا على المشركين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْأُولَى : الْمَشْهُورُ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَهُ كَأَنَّهُ قَالَ : ذُوقُوا فَإِنَّا
nindex.php?page=treesubj&link=30455_30451كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ، أَيْ هُوَ جَزَاءٌ لِمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=49ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ) [ الدُّخَانِ : 49 ] وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ وَتَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=48ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ) ثُمَّ ذَكَرَ بَيَانَ الْعَذَابِ لِأَنَّ عَطْفَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=50وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ ) [ الْقَمَرِ : 50 ] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) لَيْسَ آخِرَ الْكَلَامِ . وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ) وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى الْخَلْقَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ ) فَيَكُونُ مِنَ اللَّائِقِ أَنْ يَذْكُرَ الْأَمْرَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=50وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ ) وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنَ الْجَدَلِ فَنَقُولُ : النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَسَّكَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=47إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ ) إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=48ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ) وَتَلَا آيَةً أُخْرَى عَلَى قَصْدِ التِّلَاوَةِ ، وَلَمْ يَقْرَأِ الْآيَةَ الْأَخِيرَةَ اكْتِفَاءً بِعِلْمِ مَنْ عَلِمَ الْآيَةَ كَمَا تَقُولُ فِي الِاسْتِدْلَالَاتِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ ) [ النِّسَاءِ : 29 ] الْآيَةَ وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ) [ الْأَنْعَامِ : 121 ] الْآيَةَ : وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282إِذَا تَدَايَنْتُمْ ) [ الْبَقَرَةِ : 282 ] الْآيَةَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : ( كُلَّ ) قُرِئَ بِالنَّصْبِ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمَشْهُورُ ، وَبِالرَّفْعِ فَمَنْ قَرَأَ بِالنَّصْبِ فَنَصْبُهُ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يُفَسِّرُهُ الظَّاهِرُ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=39وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ ) [ يس : 39 ] وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=31وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ ) [ الْإِنْسَانِ : 31 ] وَذَلِكَ الْفِعْلُ هُوَ خَلَقْنَاهُ وَقَدْ فَسَّرَهُ قَوْلُهُ : ( خَلَقْنَاهُ ) كَأَنَّهُ قَالَ : إِنَّا خَلَقْنَا كُلَّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ ، وَخَلَقْنَاهُ عَلَى هَذَا لَا يَكُونُ صِفَةً لِشَيْءٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=49وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ) [ الذَّارِيَاتِ : 49 ] غَيْرَ أَنْ هُنَاكَ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صِفَةً كَوْنُهُ خَالِيًا عَنْ ضَمِيرٍ عَائِدٍ إِلَى الْمَوْصُوفِ ، وَهَاهُنَا لَمْ يُوجَدُ ذَلِكَ الْمَانِعُ ، وَعَلَى هَذَا فَالْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَى
الْمُعْتَزِلَةِ ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَنَا شَيْءٌ فَتَكُونُ دَاخِلَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ ، فَتَكُونُ مَخْلُوقَةً لِلَّهِ تَعَالَى ، وَمَنْ قَرَأَ بِالرَّفْعِ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقُولَ كَمَا يَقُولُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=17وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ ) [ فُصِّلَتْ : 17 ] حَيْثُ قُرِئَ بِالرَّفْعِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ نَكِرَةٌ فَلَا يَصِحُّ مُبْتَدَأً فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ : كُلُّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ فَهُوَ بِقَدَرٍ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=8وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ) [ الرَّعْدِ : 8 ] فِي الْمَعْنَى ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا
ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ ، وَذَكَرَ أَنَّ الْمُعْتَزِلِيَّ يَتَمَسَّكُ بِقِرَاءَةِ الرَّفْعِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : الْقِرَاءَةُ الْأُولَى وَهُوَ النَّصْبُ لَهُ وَجْهٌ آخَرُ ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ : نَصْبُهُ بِفِعْلٍ مَعْلُومٍ لَا بِمُضْمَرٍ مُفَسَّرٍ وَهُوَ قَدَّرْنَا أَوْ خَلَقْنَا ، كَأَنَّهُ قَالَ : إِنَّا خَلَقْنَا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرِ ، أَوْ قَدَّرْنَا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا : إِنَّهُ مَعْلُومٌ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=62ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) [ غَافِرٍ : 62 ] دَلَّ عَلَيْهِ ، وَقَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=8وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ) دَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدَرٌ ، وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الْمُعْتَزِلِيِّ ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=16اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) وَأَمَّا عَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الرَّفْعُ ، فَنَقُولُ : جَازَ أَنْ يَكُونَ " كُلُّ شَيْءٍ " مُبْتَدَأً وَ" خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ " خَبَرَهُ ، وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْحُجَّةُ قَائِمَةً عَلَيْهِمْ بِأَبْلَغَ
[ ص: 65 ] وَجْهٍ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49كُلَّ شَيْءٍ ) نَكِرَةٌ فَلَا يَصْلُحُ مُبْتَدَأً ضَعِيفٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ : ( كُلَّ شَيْءٍ ) عَمَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا بِأَسْرِهَا ، فَلَيْسَ فِيهِ الْمَحْذُورُ الَّذِي فِي قَوْلِنَا : رَجُلٌ قَائِمٌ ، لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَائِدَةً ظَاهِرَةً ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49كُلَّ شَيْءٍ ) يُفِيدُ مَا يُفِيدُ زَيْدٌ خَلَقْنَاهُ وَعَمْرٌو خَلَقْنَاهُ مَعَ زِيَادَةِ فَائِدَةٍ ، وَلِهَذَا جَوَّزُوا مَا أَحَدَ خَيْرٌ مِنْكَ لِأَنَّهُ أَفَادَ الْعُمُومَ ، وَلَمْ يَحْسُنْ قَوْلُ الْقَائِلِ أَحَدٌ خَيْرٌ مِنْكَ حَيْثُ لَمْ يُفِدِ الْعُمُومَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : مَا
nindex.php?page=treesubj&link=28775مَعْنَى الْقَدَرِ ؟ قُلْنَا : فِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : الْمِقْدَارُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=8وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ) وَعَلَى هَذَا فَكُلُّ شَيْءٍ مُقَدَّرٌ فِي ذَاتِهِ وَفِي صِفَاتِهِ ، أَمَّا الْمُقَدَّرُ فِي الذَّاتِ فَالْجِسْمُ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ الْقَائِمُ بِالْجِسْمِ مِنَ الْمَحْسُوسَاتِ كَالْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ ، وَأَمَّا الْجَوْهَرُ الْفَرْدُ مَا لَا مِقْدَارَ لَهُ ، وَالْقَائِمُ بِالْجَوْهَرِ مَا لَا مِقْدَارَ لَهُ بِمَعْنَى الِامْتِدَادِ كَالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَغَيْرِهِمَا ، فَنَقُولُ : هَهُنَا مَقَادِيرُ لَا بِمَعْنَى الِامْتِدَادِ ، أَمَّا الْجَوْهَرُ الْفَرْدُ فَإِنَّ الِاثْنَيْنِ مِنْهُ أَصْغَرُ مِنَ الثَّلَاثَةِ ، وَلَوْلَا أَنَّ حَجْمًا يَزْدَادُ بِهِ الِامْتِدَادُ ، وَإِلَّا لَمَا حَصَلَ دُونَ الِامْتِدَادِ فِيهِ ، وَأَمَّا الْقَائِمُ بِالْجَوْهَرِ فَلَهُ نِهَايَةٌ وَبِدَايَةٌ ، فَمِقْدَارُ الْعُلُومِ الْحَادِثَةِ وَالْقُدُرُ الْمَخْلُوقَةُ مُتَنَاهِيَةٌ ، وَأَمَّا الصِّفَةُ فَلِأَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ ابْتُدِئَ زَمَانًا فَلَهُ مِقْدَارٌ فِي الْبَقَاءِ لِكَوْنِ كُلِّ شَيْءٍ حَادِثًا ، فَإِنْ قِيلَ : اللَّهُ تَعَالَى وُصِفَ بِهِ ، وَلَا مِقْدَارَ لَهُ وَلَا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ ، نَقُولُ : الْمُتَكَلِّمُ إِذَا كَانَ مَوْصُوفًا بِصِفَةٍ أَوْ مُسَمًّى بِاسْمٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْأَشْيَاءَ الْمُسَمَّاةَ بِذَلِكَ الِاسْمِ أَوِ الْأَشْيَاءَ الْمَوْصُوفَةَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ ، وَأَسْنَدَ فِعْلًا مِنْ أَفْعَالِهِ إِلَيْهِ يَخْرُجُ هُوَ عَنْهُ ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ : رَأَيْتُ جَمِيعَ مَنْ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَرَأَيْتُهُمْ كُلُّهُمْ أَكْرَمَنِي ، وَيَقُولُ : مَا فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلَّا وَضَرَبَنِي أَوْ ضَرَبْتُهُ يَخْرُجُ هُوَ عَنْهُ لَا لِعَدَمِ كَوْنِهِ مُقْتَضَى الِاسْمِ ، بَلْ بِمَا فِي التَّرْكِيبِ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَى خُرُوجِهِ عَنِ الْإِرَادَةِ ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49خَلَقْنَاهُ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) يَخْرُجُ عَنْهُ لَا بِطَرِيقِ التَّخْصِيصِ ، بَلْ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ إِذَا قُلْنَا : إِنَّ التَّرْكِيبَ وَضْعِيٌّ ، فَإِنَّ هَذَا التَّرْكِيبَ لَمْ يُوضَعْ حِينَئِذٍ إِلَّا لِغَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ . ثَانِيهَا : الْقَدَرُ التَّقْدِيرُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=23فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ) [ الْمُرْسَلَاتِ : 23 ] وَقَالَ الشَّاعِرُ :
وَقَدْ قَدَّرَ الرَّحْمَنُ مَا هُوَ قَادِرُ
أَيْ قَدَّرَ مَا هُوَ مُقَدَّرٌ ، وَعَلَى هَذَا فَالْمَعْنَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30455_30452اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ ، كَمَا يَرْمِي الرَّامِي السَّهْمَ فَيَقَعُ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَدَّرَهُ ، بَلْ خَلَقَ اللَّهُ كَمَا قَدَّرَ بِخِلَافِ قَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ إِنَّهُ فَاعِلٌ لِذَاتِهِ وَالِاخْتِلَافُ لِلْقَوَابِلِ ، فَالَّذِي جَاءَ قَصِيرًا أَوْ صَغِيرًا فَلِاسْتِعْدَادِ مَادَّتِهِ ، وَالَّذِي جَاءَ طَوِيلًا أَوْ كَبِيرًا فَلِاسْتِعْدَادٍ آخَرَ ، فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) مِنَّا ، فَالصَّغِيرُ جَازَ أَنْ يَكُونَ كَبِيرًا ، وَالْكَبِيرُ جَازَ خَلْقُهُ صَغِيرًا . ثَالِثُهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49بِقَدَرٍ ) هُوَ مَا يُقَالُ مَعَ الْقَضَاءِ ، يُقَالُ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ ، وَقَالَتِ الْفَلَاسِفَةُ فِي الْقَدَرِ الَّذِي مَعَ الْقَضَاءِ : إِنَّ مَا يُقْصَدُ إِلَيْهِ فَقَضَاءٌ وَمَا يَلْزَمُهُ فَقَدَرٌ ، فَيَقُولُونَ : خَلْقُ النَّارِ حَارَّةً بِقَضَاءٍ وَهُوَ مَقْضِيٌّ بِهِ لِأَنَّهَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ ، لَكِنْ مِنْ لَوَازِمِهَا أَنَّهَا إِذَا تَعَلَّقَتْ بِقُطْنِ عَجُوزٍ أَوْ وَقَعَتْ فِي قَصَبِ صُعْلُوكٍ تَحْرِقُهُ ، فَهُوَ بِقَدَرٍ لَا بِقَضَاءٍ ، وَهُوَ كَلَامٌ فَاسِدٌ ، بَلِ
nindex.php?page=treesubj&link=28775الْقَضَاءُ مَا فِي الْعِلْمِ وَالْقَدَرُ مَا فِي الْإِرَادَةِ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) أَيْ بِقَدَرِهِ مَعَ إِرَادَتِهِ ، لَا عَلَى مَا يَقُولُونَ إِنَّهُ مُوجِبٌ رَدًّا عَلَى الْمُشْرِكِينَ .