( وحلوا أساور من فضة    ) 
قوله تعالى : ( وحلوا أساور من فضة    ) ، وفيه سؤالات : 
السؤال الأول : قال تعالى في سورة الكهف : ( أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب    ) [ الكهف : 31 ] فكيف جعل تلك الأساور ههنا من فضة ؟ ( والجواب ) من ثلاثة أوجه : 
أحدها : أنه لا منافاة بين الأمرين ، فلعلهم يسورون بالجنسين ؛ إما على المعاقبة أو على الجمع كما تفعل النساء في الدنيا . 
وثانيها : أن الطباع مختلفة ، فرب إنسان يكون استحسانه لبياض الفضة فوق استحسانه لصفرة الذهب ، فالله تعالى يعطي كل أحد ما تكون رغبته فيه أتم ، وميله إليه أشد . 
وثالثها : أن هذه الأسورة من الفضة إنما تكون للولدان ، الذين هم الخدم ، وأسورة الذهب للناس . 
السؤال الثاني : السوار إنما يليق بالنساء ، وهو عيب للرجال ، فكيف ذكر الله تعالى ذلك في معرض الترغيب ؟ ( الجواب ) : أهل الجنة جرد مرد شباب  ، فلا يبعد أن يحلوا ذهبا وفضة ، وإن كانوا رجالا ، وقيل : هذه الأسورة من الفضة والذهب إنما تكون لنساء أهل الجنة وللصبيان فقط ، ثم غلب في اللفظ جانب التذكير . وفي الآية وجه آخر ، وهو أن آلة أكثر الأعمال هي اليد ، وتلك الأعمال والمجاهدات هي التي يتوسل بها إلى تحصيل المعارف الإلهية والأنوار الصمدية ، فتكون تلك الأعمال جارية مجرى الذهب والفضة التي يتوسل بهما إلى تحصيل المطالب ، فلما كانت تلك الأعمال صادرة من اليد كانت تلك الأعمال جارية مجرى سوار   [ ص: 225 ] الذهب والفضة ، فسميت الأعمال والمجاهدات بسوار الذهب والفضة ، وعبر عن تلك الأنوار الفائضة عن الحضرة الصمدية بقوله : ( وسقاهم ربهم شرابا طهورا    ) ، وبالجملة فقوله : ( وحلوا أساور من فضة    ) إشارة إلى قوله : ( والذين جاهدوا فينا    ) [ العنكبوت : 69 ] ، وقوله : ( وسقاهم ربهم شرابا طهورا    ) إشارة إلى قوله : ( لنهدينهم سبلنا    ) [ العنكبوت : 69 ] فهذا احتمال خطر بالبال ، والله أعلم بمراده . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					