( وسقاهم ربهم شرابا طهورا    ) 
قوله تعالى : ( وسقاهم ربهم شرابا طهورا    ) الطهور فيه قولان : 
الأول : المبالغة في كونه طاهرا ، ثم فيه على هذا التفسير احتمالات : 
أحدها : أنه لا يكون نجسا كخمر الدنيا . 
وثانيها : المبالغة في البعد عن الأمور المستقذرة ، يعني ما مسته الأيدي الوضرة ، وما داسته الأقدام الدنسة . 
وثالثها : أنها لا تئول إلى النجاسة ؛ لأنها ترشح عرقا من أبدانهم له ريح كريح المسك . 
القول الثاني في الطهور : أنه المطهر ، وعلى هذا التفسير أيضا في الآية احتمالان : 
أحدهما : قال مقاتل    : هو عين ماء على باب الجنة تنبع من ساق شجرة من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غل وغش وحسد ، وما كان في جوفه من قذر وأذى . 
وثانيهما : قال أبو قلابة    : يؤتون الطعام والشراب ، فإذا كان في آخر ذلك أتوا بالشراب الطهور فيشربون فتطهر بذلك بطونهم ، ويفيض عرق من جلودهم مثل ريح المسك ، وعلى هذين الوجهين يكون الطهور مطهرا ؛ لأنه يطهر باطنهم عن الأخلاق الذميمة ، والأشياء المؤذية ، فإن قيل : قوله تعالى : ( وسقاهم ربهم    ) هو عين ما ذكر تعالى قبل ذلك من أنهم يشربون من عين الكافور والزنجبيل  والسلسبيل ، أو هذا نوع آخر ؟ قلنا : بل هذا نوع آخر ، ويدل عليه وجوه : 
أحدها : دفع التكرار . 
وثانيها : أنه تعالى أضاف هذا الشراب إلى نفسه ، فقال : ( وسقاهم ربهم    ) وذلك يدل على فضل في هذا دون غيره . 
وثالثها : ما روينا أنه تقدم إليهم الأطعمة والأشربة ، فإذا فرغوا منها أتوا بالشراب الطهور فيشربون ، فيطهر ذلك بطونهم ، ويفيض عرق من جلودهم مثل ريح المسك ، وهذا يدل على أن هذا الشراب مغاير لتلك الأشربة ، ولأن هذا الشراب يهضم سائر الأشربة ، ثم له مع هذا الهضم تأثير عجيب ، وهو أنه يجعل سائر الأطعمة والأشربة عرقا يفوح منه ريح كريح المسك ، وكل ذلك يدل على المغايرة . 
ورابعها : وهو أن الروح من عالم الملائكة ، والأنوار الفائضة من جواهر أكابر الملائكة وعظمائهم على هذه الأرواح مشبهة بالماء العذب الذي يزيل العطش ويقوي البدن ، وكما أن العيون متفاوتة في الصفاء والكثرة والقوة ، فكذا ينابيع الأنوار العلوية مختلفة ، فبعضها تكون كافورية على طبع البرد واليبس ، ويكون صاحبها في الدنيا في مقام الخوف والبكاء والانقباض ، وبعضها تكون زنجبيلية على طبع الحر واليبس ، فيكون صاحب هذه الحالة قليل الالتفات إلى ما سوى الله تعالى ، قليل المبالاة بالأجسام والجسمانيات ، ثم لا تزال الروح البشرية منتقلة من ينبوع إلى ينبوع ، ومن نور إلى نور ، ولا شك أن الأسباب والمسببات متناهية في ارتقائها إلى واجب الوجود الذي هو النور المطلق جل جلاله ، وعز كماله ، فإذا وصل إلى ذلك المقام وشرب من ذلك الشراب انهضمت تلك الأشربة المتقدمة ، بل فنيت ؛ لأن نور ما سوى الله تعالى يضمحل في مقابلة نور الله وكبريائه وعظمته ، وذلك هو آخر سير الصديقين ، ومنتهى درجاتهم في الارتقاء والكمال ، فلهذا السبب ختم الله تعالى ذكر ثواب الأبرار على قوله : ( وسقاهم ربهم شرابا طهورا    ) . 
 [ ص: 226 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					