(
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=16أو مسكينا ذا متربة nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ) .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=16أو مسكينا ذا متربة ) أي مسكينا قد لصق بالتراب من فقره وضره ، فليس فوقه ما يستره ولا تحته ما يوطئه ، روي أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مر بمسكين لاصق بالتراب فقال : هذا الذي قال الله تعالى [ فيه ] : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=16أو مسكينا ذا متربة ) واحتج
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بهذه الآية على أن
nindex.php?page=treesubj&link=3140المسكين قد يكون بحيث يملك شيئا ، لأنه لو كان لفظ المسكين دليلا على أنه لا يملك شيئا البتة لكان تقييده بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=16ذا متربة ) تكريرا وهو غير جائز .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17ثم كان من الذين آمنوا ) أي : كان مقتحم العقبة من الذين آمنوا ، فإنه إن لم يكن منهم لم ينتفع بشيء من هذه الطاعات ، ولا مقتحما للعقبة ( فإن قيل ) : لما كان الإيمان شرطا للانتفاع بهذه الطاعات وجب كونه مقدما عليها ، فما السبب في أن الله تعالى أخره عنها بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17ثم كان من الذين آمنوا ) ؟ والجواب : من وجوه :
أحدها : أن هذا التراخي في الذكر لا في الوجود ، كقوله :
إن من ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد قبل ذلك جده
لم يرد بقوله : " ثم ساد أبوه " التأخر في الوجود ، وإنما المعنى ، ثم اذكر أنه ساد أبوه . كذلك في الآية .
وثانيها : أن يكون المراد ثم كان في عاقبة أمره من الذين آمنوا وهو أن يموت على الإيمان فإن الموافاة شرط الانتفاع بالطاعات .
وثالثها : أن من أتى بهذه القرب تقربا إلى الله تعالى قبل إيمانه
بمحمد صلى الله عليه وسلم ثم آمن بعد ذلك
بمحمد عليه الصلاة والسلام ، فعند بعضهم أنه يثاب على تلك الطاعات ، قالوا : ويدل عليه ما روي : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013960أن nindex.php?page=showalam&ids=137حكيم بن حزام بعدما أسلم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا كنا نأتي nindex.php?page=treesubj&link=30587بأعمال الخير في الجاهلية فهل لنا منها شيء ؟ فقال عليه السلام : أسلمت على ما قدمت من الخير " .
ورابعها : أن المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17ثم كان من الذين آمنوا ) تراخي الإيمان وتباعده في الرتبة والفضيلة عن العتق والصدقة لأن درجة ثواب الإيمان أعظم بكثير من درجة ثواب سائر الأعمال .
[ ص: 170 ]
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ) فالمعنى أنه كان يوصي بعضهم بعضا بالصبر على الإيمان والثبات عليه أو الصبر على المعاصي وعلى الطاعات والمحن التي يبتلى بها المؤمن ثم ضم إليه التواصي بالمرحمة وهو أن يحث بعضهم بعضا على أن يرحم المظلوم أو الفقير ، أو يرحم المقدم على منكر فيمنعه منه لأن كل ذلك داخل في الرحمة ، وهذا يدل على أنه يجب على المرء أن
nindex.php?page=treesubj&link=32023_30237_24661يدل غيره على طريق الحق ويمنعه من سلوك طريق الشر والباطل ما أمكنه ، واعلم أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ) يعني : يكون مقتحم العقبة من هذه الزمرة والطائفة ، وهذه الطائفة هم أكابر الصحابة كالخلفاء الأربعة وغيرهم ، فإنهم كانوا مبالغين في الصبر على شدائد الدين والرحمة على الخلق ، وبالجملة فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17وتواصوا بالصبر ) إشارة إلى التعظيم لأمر الله ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17وتواصوا بالمرحمة ) إشارة إلى
nindex.php?page=treesubj&link=19964الشفقة على خلق الله ، ومدار أمر الطاعات ليس إلا على هذين الأصلين وهو الذي قاله بعض المحققين : إن
nindex.php?page=treesubj&link=29404الأصل في التصوف أمران : صدق مع الحق ، وخلق مع الحق .
ثم إنه سبحانه لما وصف هؤلاء المؤمنين بين أنهم من هم في القيامة فقال :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=16أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ) .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=16أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) أَيْ مِسْكِينًا قَدْ لَصِقَ بِالتُّرَابِ مِنْ فَقْرِهِ وَضُرِّهِ ، فَلَيْسَ فَوْقَهُ مَا يَسْتُرُهُ وَلَا تَحْتَهُ مَا يُوَطِّئُهُ ، رُوِيَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ مَرَّ بِمِسْكِينٍ لَاصِقٍ بِالتُّرَابِ فَقَالَ : هَذَا الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى [ فِيهِ ] : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=16أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) وَاحْتَجَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3140الْمِسْكِينَ قَدْ يَكُونُ بِحَيْثُ يَمْلِكُ شَيْئًا ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَفْظُ الْمِسْكِينِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا الْبَتَّةَ لَكَانَ تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=16ذَا مَتْرَبَةٍ ) تَكْرِيرًا وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ) أَيْ : كَانَ مُقْتَحِمُ الْعَقَبَةِ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ، فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الطَّاعَاتِ ، وَلَا مُقْتَحِمًا لِلْعَقَبَةِ ( فَإِنْ قِيلَ ) : لَمَّا كَانَ الْإِيمَانُ شَرْطًا لِلِانْتِفَاعِ بِهَذِهِ الطَّاعَاتِ وَجَبَ كَوْنُهُ مُقَدَّمًا عَلَيْهَا ، فَمَا السَّبَبُ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخَّرَهُ عَنْهَا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ) ؟ وَالْجَوَابُ : مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ هَذَا التَّرَاخِيَ فِي الذِّكْرِ لَا فِي الْوُجُودِ ، كَقَوْلِهِ :
إِنَّ مَنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أَبُوهُ ثُمَّ قَدْ سَادَ قَبْلَ ذَلِكَ جَدُّهُ
لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ : " ثُمَّ سَادَ أَبُوهُ " التَّأَخُّرَ فِي الْوُجُودِ ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى ، ثُمَّ اذْكُرْ أَنَّهُ سَادَ أَبُوهُ . كَذَلِكَ فِي الْآيَةِ .
وَثَانِيهَا : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ ثُمَّ كَانَ فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُوَ أَنْ يَمُوتَ عَلَى الْإِيمَانِ فَإِنَّ الْمُوَافَاةَ شَرْطُ الِانْتِفَاعِ بِالطَّاعَاتِ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ مَنْ أَتَى بِهَذِهِ الْقُرَبِ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ إِيمَانِهِ
بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ آمَنَ بَعْدَ ذَلِكَ
بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، فَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى تِلْكَ الطَّاعَاتِ ، قَالُوا : وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013960أَنَّ nindex.php?page=showalam&ids=137حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ بَعْدَمَا أَسْلَمَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّا كُنَّا نَأْتِي nindex.php?page=treesubj&link=30587بِأَعْمَالِ الْخَيْرِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهَلْ لَنَا مِنْهَا شَيْءٌ ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : أَسْلَمْتَ عَلَى مَا قَدَّمْتَ مِنَ الْخَيْرِ " .
وَرَابِعُهَا : أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ) تَرَاخِي الْإِيمَانِ وَتَبَاعُدُهُ فِي الرُّتْبَةِ وَالْفَضِيلَةِ عَنِ الْعِتْقِ وَالصَّدَقَةِ لِأَنَّ دَرَجَةَ ثَوَابِ الْإِيمَانِ أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِنْ دَرَجَةِ ثَوَابِ سَائِرِ الْأَعْمَالِ .
[ ص: 170 ]
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ) فَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يُوصِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالصَّبْرِ عَلَى الْإِيمَانِ وَالثَّبَاتِ عَلَيْهِ أَوِ الصَّبْرِ عَلَى الْمَعَاصِي وَعَلَى الطَّاعَاتِ وَالْمِحَنِ الَّتِي يُبْتَلَى بِهَا الْمُؤْمِنُ ثُمَّ ضَمَّ إِلَيْهِ التَّوَاصِيَ بِالْمَرْحَمَةِ وَهُوَ أَنْ يَحُثَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى أَنْ يَرْحَمَ الْمَظْلُومَ أَوِ الْفَقِيرَ ، أَوْ يَرْحَمَ الْمُقْدِمَ عَلَى مُنْكَرٍ فَيَمْنَعَهُ مِنْهُ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي الرَّحْمَةِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=32023_30237_24661يَدُلَّ غَيْرَهُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ وَيَمْنَعَهُ مِنْ سُلُوكِ طَرِيقِ الشَّرِّ وَالْبَاطِلِ مَا أَمْكَنَهُ ، وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ) يَعْنِي : يَكُونُ مُقْتَحِمُ الْعَقَبَةِ مِنْ هَذِهِ الزُّمْرَةِ وَالطَّائِفَةِ ، وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ هُمْ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ كَالْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُبَالِغِينَ فِي الصَّبْرِ عَلَى شَدَائِدِ الدِّينِ وَالرَّحْمَةِ عَلَى الْخَلْقِ ، وَبِالْجُمْلَةِ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) إِشَارَةٌ إِلَى التَّعْظِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ) إِشَارَةٌ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=19964الشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ ، وَمَدَارُ أَمْرِ الطَّاعَاتِ لَيْسَ إِلَّا عَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29404الْأَصْلَ فِي التَّصَوُّفِ أَمْرَانِ : صِدْقٌ مَعَ الْحَقِّ ، وَخُلُقٌ مَعَ الْحَقِّ .
ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بَيَّنَ أَنَّهُمْ مَنْ هُمْ فِي الْقِيَامَةِ فَقَالَ :