المسألة السابعة : تجوز الصلاة في جوف الكعبة   عند عامة أهل العلم ، ويتوجه إلى أي جانب شاء ، وقال مالك    : يكره أن يصلي في الكعبة  المكتوبة ؛ لأن من كان داخل الكعبة  لا يكون متوجها إلى كل الكعبة  ، بل يكون متوجها إلى بعض أجزائها ، ومستدبرا عن بعض أجزائها ، وإذا كان كذلك لم يكن مستقبلا لكل الكعبة  فوجب أن لا تصح صلاته ؛ لأن الله تعالى أمر باستقبال البيت ، قال : وأما النافلة فجائزة ؛ لأن استقبال القبلة فيها غير واجب ، حجة الجمهور ما أخرجه الشيخان في الصحيحين ، ورواه  الشافعي    - رضي الله عنه - أيضا عن مالك  ، عن نافع  ، عن ابن عمر  ، أنه - عليه الصلاة والسلام - دخل الكعبة  هو  وأسامة بن زيد  ، وعثمان بن أبي طلحة  ، وبلال  فأغلقها عليه ومكث فيها ، قال  عبد الله بن عمر    : فسألت بلالا  حين خرج : ماذا صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : جعل عمودا عن يساره ، وعمودين عن يمينه ، وثلاثة أعمدة وراءه ، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ، ثم صلى ، واعلم أن الاستدلال بهذا الخبر ضعيف من وجوه : 
أحدها : أن خبر الواحد لا يعارض ظاهر القرآن . 
وثانيها : لعل تلك الصلاة كانت نافلة ، وذلك عند مالك  جائز . وثالثها : أن مالكا  خالف هذا الخبر ، ومخالفة الراوي وإن كانت لا توجب الطعن في الخبر إلا أنها تفيد نوع مرجوحية بالنسبة إلى خبر واحد خلا عن هذا الطعن ، فكيف بالنسبة إلى القرآن . ورابعها : أن الشيخين أوردا في الصحيحين عن ابن جريج  عن عطاء    : سمعت  ابن عباس  قال : لما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى خرج منه ، فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة  وقال : " هذه القبلة " والتعارض حاصل من وجهين : 
الأول : أن النفي والإثبات يتعارضان . 
والثاني : قوله - صلى الله عليه وسلم - : " هذه القبلة " يدل على أنه لا بد من توجه ذلك الموضع ومن جوز الصلاة داخل البيت لا يوجب عليه استقبال ذلك الموضع بل جوز استدباره    . 
والجواب عن استدلال مالك    - رحمه الله - أن نقول : قوله : ( وحيثما كنتم    ) إما أن يكون صيغة عموم أو لا يكون فإن كان صيغة عموم فقد تناول الإنسان الذي يكون في البيت ، فكأنه تعالى أمر من كان في البيت أن يتوجه إليه ، فالآتي به يكون خارجا عن العهدة ، وإن لم يكن صيغة عموم لم تكن الآية متناولة لهذه المسألة البتة ، فلا تدل على حكمها لا بالنفي ولا بالإثبات ، ثم المعتمد في المسألة أن الإنسان الواحد لا يمكنه أن يتوجه إلى كل البيت ، بل إنما يمكنه أن يتوجه إلى جزء من أجزاء البيت ، والذي في البيت يتوجه إلى جزء من أجزاء البيت فقد كان آتيا بما أمر به فوجب أن يخرج عن العهدة . 
				
						
						
