الفصل الثالث 
في مقادير الحركات  
قال الجمهور : إن جميع الأفلاك تتحرك من المغرب إلى المشرق سوى الفلك الأعظم ، والمدير لعطارد والفلك الممثل والمائل والمدير للقمر ، فالحركة الشرقية تسمى الحركة إلى التوالي ، والغربية إلى خلاف التوالي ، والفلك الأعظم يتحرك حركة سريعة في كل يوم بليلته دورة واحدة على قطبين يسميان قطبي العالم ، ويحرك جميع الأفلاك والكواكب ، وبهذه الحركة يقع للكواكب الطلوع والغروب وتسمى الحركة الأولى ، وفلك الثوابت يتحرك حركة بطيئة في كل ست وستين سنة عند المتأخرين درجة واحدة على قطبين يسميان قطبي فلك البروج ، وهما يدوران حول قطبي العالم بالحركة الأولى ، وتتحرك على وفق هذه الحركة جميع الأفلاك المتحركة ، وبهذه الحركة تنتقل الأوجات عن موضعها من فلك البروج وتسمى الحركة الثانية وحركة الأوج وهي حركة الثوابت ، والثوابت إنما سميت ثوابت لأسباب : 
أحدها : كونها بطيئة ؛ لأنها بإزاء السيارة تشبه الساكنة . 
 [ ص: 168 ] 
وثانيها : السيارة تتحرك إليها وهي لا تتحرك إلى السيارة فكأن الثوابت ثابتة لانتظارها . 
وثالثها : عروضها ثابتة على مقدار واحد لا يتغير . 
ورابعها : أبعاد ما بينها ثابتة على حال واحد لا تتغير الصورة المتوهمة عليها من الصور الثماني والأربعين . 
وخامسها : الأزمنة عند أكثر عوام الأمم بطلوعها وأفولها بحيث لا يتفاوت إلا في القرون والأحقاب . 
وأما الأفلاك الخارجة المركز فإنها تتحرك في كل يوم هكذا : زحل ( ب ) المشتري ( دنط ) المريخ بدلالة الشمس ( لا كر ) الزهرة ( نط ج ) عطارد ( نط ح ) والقمر ( يج يج مو ) وتسمى حركة المركز ، وحركة الوسط ، وهي حركات مراكز أفلاك التداوير ومركز الشمس ، والأفلاك التداوير تتحرك بهذا المقدار زحل ( نرح ) المشتري ( ند ط ) المريخ ( كرمب ) الزهرة ( لونط ) عطارد ( ج وكد ) القمر ( يج ج ند ) وتسمى الحركة الخاصة ، وحركة الاختلاف ، وهي حركات مراكز الكواكب . واعلم أن بسبب هذه الحركات المختلفة يعرض لهذه الكواكب أحوال مختلفة : 
أحدها : أنه يحصل للقمر مثلا أبعاد مختلفة غير مضبوطة بالنسبة إلى هذا العالم ، والأنواع المضبوطة منها أربعة : 
الأول : أن يكون القمر على البعد الأقرب من فلك التدوير ، ومركز التدوير على البعد الأقرب من الفلك الخارج المركز ويقال له : البعد الأقرب ، وهو الثلاث وثلاثون مرة مثل نصف قطر الأرض بالتقريب . 
الثاني : أن يكون القمر على البعد الأبعد من فلك التدوير ، ومركز فلك التدوير على البعد الأقرب من الفلك الخارج المركز ، وهو البعد الأقرب للأبعد وهو ثلاث وأربعون مرة مثل نصف قطر الأرض . 
الثالث : أن يكون القمر على البعد الأقرب من فلك التدوير ، ومركز فلك التدوير على البعد الأبعد من الفلك الخارج المركز وهو البعد الأبعد للأقرب ، وهو أربعة وخمسون مرة مثل نصف قطر الأرض . 
الرابع : أن يكون القمر على البعد الأبعد من فلك التدوير ، ومركز التدوير على البعد الأبعد من الفلك الخارج المركز وهو البعد الأبعد وهو أربعة وستون مرة مثل نصف قطر الأرض ، ثم إن ما بين هذه النقط الأربعة الأحوال مختلفة على ما أتى على شرحها أبو الريحان . 
وثانيها : أن جميع الكواكب مرتبطة بالشمس ارتباطا ما ، فأما العلوية فإن بعد مراكزها عن ذرى أفلاك تداويرها أبدا تكون بمقدار بعد مركز الشمس عن مراكز تداويرها ، وحينئذ تكون محترقة ، ومتى كانت في الحضيض كانت في مقابلتها ، وحينئذ تكون مقابلة للشمس ، وذلك يقارن الشمس في منتصف الاستقامة ويقابلها في منتصف الرجوع . وقيل : إن نصف قطر فلك تدوير المريخ أعظم من نصف قطر فلك ممثل الشمس فيلزم أنه إذا كان مقارنا للشمس يكون بعد مركزه عن مركز الشمس أعظم منه إذا كان مقابلا لها ، وأما السفليات فإن مراكز أفلاك تدويرها أبدا يكون مقارنا للشمس ، فيلزم أن تقارن الشمس الذروة والحضيض في منتصفي الاستقامة ، والرجوع غاية بعد كل واحد منهما عن الشمس بمقدار نصف قطر فلك تدويرهما ، وهو للزهرة ( مه ) ولعطارد ( كه ) بالتقريب ، وأما القمر فإن مركز الشمس أبدا يكون متوسطا بين بعده الأبعد وبين مركز تدويره ، ولذلك يقال لبعد مركز تدويره عن البعد الأبعد البعد المضاعف ؛ لأنه ضعف بعد مركز تدويره من الشمس ، فلزم أنه متى كان مركز تدويره في البعد الأبعد ، فإما أن يكون مقابلا للشمس أو مقارنا لها ، ومتى كان في البعد الأقرب تكون الشمس في تربيعه ، فلذلك يكون اجتماعه واستقباله في البعد الأبعد وتربيعه مع الشمس في الأقرب . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					