[ ص: 356 ]   ( فصل) 
فأما الصبي والمجنون والعبد إذا دخلوا مكة  بغير إحرام ، ثم أرادوا الحج  بأن يأذن للصبي مولاه ، وللعبد سيده ، أو صاروا من أهل الوجوب فإنهم يحرمون بالحج من حيث أنشئوه ولا دم عليهم ، قال أحمد  في رواية ابن منصور  وذكر له قول سفيان  في مملوك جاوز المواقيت بغير إحرام منعه مواليه أن يحرم حتى وقف بعرفة   ، قال : يحرم مكانه وليس عليه دم لأن سيده منعه ، قال أحمد    : جيد حديث أبي رجاء  عن  ابن عباس  ؛ لأنه جاز لهم مجاوزة الميقات بغير إحرام ، وإنما وجب عليهم الإحرام حين صاروا من أهل الوجوب فصاروا كالمكي ، ولأنهما لا يملكان الإحرام إلا بإذن الولي ، وهذا فيما إذا دخلوا غير مريدين للنسك ، أو أراده ومنعهما السيد والولي من الإحرام ، فإن أذن لهما الولي في الإحرام من الميقات فلم يحرما لزمهما دم ، ذكره القاضي . 
وأما الكافر إذا جاوز الميقات ، أو دخل مكة ثم أسلم وأراد الحج  ففيه روايتان : 
أحدهما : عليه أن يرجع إلى الميقات فيحرم منه ، فإن تعذر ذلك أحرم من موضعه وعليه دم ، قال في روايةأبي طالب  في نصراني أسلم   [ ص: 357 ] بمكة    : يخرج إلى الميقات فيحرم ، فإن خشي الفوات أحرم من مكة  وعليه دم ، وهذا اختيار القاضي والشريف أبي جعفر  وأبي الخطاب  وابن عقيل  وغيرهم ؛ لأنه قد وجب عليه الإحرام وتمكن منه فإذا لم يفعله فعليه دم بتركه كالمسلم ، وذلك لأن الكافر يمكنه أن يسلم ويحرم وهو غير معذور في ترك الإسلام ، وإن كان لا يصح منه الإحرام في حال كفره فأشبه من ترك الصلاة وهو محدث حتى خرج الوقت . 
والرواية الثانية : يحرم من موضعه ولا دم عليه ، قال في رواية ابن منصور  في نصراني أسلم بمكة  ثم أراد أن يحج : هو بمنزلة من ولد بمكة  وقال في رواية حنبل  في الذمي يسلم بمكة    : يحرم من مكة  أو من موضع أسلم  ، وهذا اختيار أبي بكر  ، وهذا لأنه لا يصح منه الإحرام فأشبه المجنون ، ولأنه إنما جاوز الميقات قبل الإسلام وقد غفر له ما ترك قبل الإسلام من الواجبات بقوله تعالى : ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف    ) وبقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( الإسلام يجب ما قبله فصار بمنزلة العبد إذا عتق والصبي إذا بلغ سواء ، وبهذا يظهر الفرق بينه وبين من ترك الصلاة   [ ص: 358 ] محدثا فإنه هناك لا يسقط عنه ما تركه من الواجبات في حال حدثه ، وهنا يغفر له ما تركه في حال كفره حتى يخاطب بالوجوب من حين الإسلام . 
ولأن مكة  قد استوطنها أقوام في الجاهلية من غير أهلها ، فإما أن يكونوا دخلوها بغير إحرام ، أو بإحرام لا يصح ، ثم لما أسلموا لم يؤمروا أن يخرجوا إلى الميقات فيحرموا منه ، إلا أن يقال : لا نسلم أنه استوطنها أفقي بعد فرض الحج . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					