[ ص: 361 ] مسألة : ( والأفضل أن لا يحرم قبل الميقات ، فإن فعل فهو محرم .
مذهب
أحمد أن
nindex.php?page=treesubj&link=3418الأفضل أن لا يحرم بالحج ولا بالعمرة حتى يبلغ الميقات ، قال في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم وقد سئل أيما أعجب إليك : يحرم من الميقات أم قبل ؟ فقال : من الميقات أعجب إلي .
قيل له وسئل في رواية
ابن منصور : إنهم كانوا يحبون أن يحرم الرجل أول ما يحج من بيته ، أو من بيت المقدس أو من دون الميقات ، فقال : وجه العمل المواقيت .
وكذلك قال
عبد الله : قرأت على أبي : كانوا يحبون أن يحرم الرجل أول ما يحج من بيته أو من بيت المقدس أو من دون الميقات ، فقال : وجه العمل المواقيت .
وقال في رواية
محمد بن الحسن بن هارون : إذا أحرم الرجل أحرم من ميقات أعجب إلي ، ولا يحرم من قبل الميقات فإن أحرم قبل الميقات انعقد إحرامه .
[ ص: 362 ] قال
ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن من
nindex.php?page=treesubj&link=3418أحرم قبل الميقات أنه محرم .
قال بعض أصحابنا : يكره الإحرام قبل الميقات ، وقال أكثرهم : لا يكره وهو المنصوص عنه ، قال حرب : قلت
لأحمد : الرجل يحرم قبل الميقات ؟ قال : قد فعل ذلك قوم ، وكأنه سهل فيه .
وقال في رواية
صالح : إن قوي على ذلك أرجو أن لا يكون فيه بأس .
وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حج حجة الوداع هو وعامة المسلمين ،
[ ص: 363 ] واعتمر عمرة الحديبية وعمرة القضاء هو وخلق كثير من أصحابه ، وفي كل ذلك يحرم هو والمسلمون من الميقات ولم يندب أحدا إلى الإحرام قبل ذلك ولا رغب فيه ولا فعله أحد على عهده ، فلو كان ذلك أفضل لكان أولى الخلق بالفضائل أفضل الخلائق وخير القرون ولو كان خيرا لسبقونا إليه وكانوا به أولى ، وبفضل - لو كان فيه - أحرى ، ولندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك كما ندب إلى جميع الفضائل ؛ إذ هو القائل : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015017وما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وقد أمرتكم به ، ولا من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد نهيتكم عنه " .
فإن قيل : فعل ذلك ؛ لأنه أيسر فتقتدي الأمة به وقد يختار غير الأفضل للتعليم .
[ ص: 364 ] قيل : قد أحرم عدة مرات مع أن العمرة لا تجب إلا مرة فقد كان الجواز والبيان يحصل بمرة واحدة ، فلما أحرم فيها كلها على وجه واحد علم أنه أحب إلى الله .
ولأنه قد كرر العمر مع أنه ليس عليه إلا عمرة واحدة ، فزيادة موضع الإحرام لو كان فيه فضل أولى من ذلك وأيسر .
ولأن ذلك إنما يكون في الفعل الذي يتكرر ، فيفعل المفضول مرات لبيان الجواز كالصلاة في آخر الوقت ، فأما ما لا يفعله إلا مرة واحدة فما كان الله ليختار لرسوله أدنى الأمرين ويدخر لمن بعده أفضلهما ، وفاعل هذا وقائله يخاف عليه الفتنة .
وقد سئل
مالك عمن أحرم قبل الميقات فقال : أخاف عليه الفتنة [ قيل له : وأي فتنة ] في ذلك وإنما هي زيادة أميال ؟ فقال : وأي فتنة أعظم من أن تظن أنك خصصت بأمر لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم لو كان الفضل في غير ذلك لبينه للمؤمنين ، ولدلهم عليه إذ هو أنصح الخلق للخلق ،
[ ص: 365 ] وأرحم الخلق بالخلق ، كما دلهم على الأعمال الفاضلة ، وإن كان فيها مشقة كالجهاد وغيره .
وكونه أيسر قد يكون مقتضيا لفضله ، كما أن صوم شطر الدهر أفضل من صيامه كله وقيام الليل أفضل من قيامه كله ، والتزوج وأكل ما أباحه الله أفضل من تحريم ما أحل الله ، والله - عز وجل - يحب أن يؤخذ برخصه كما يكره أن تؤتى معصيته .
وأيضا فإن قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015018 " nindex.php?page=treesubj&link=3285يهل أهل المدينة من ذي الحليفة " وقول الصحابة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015019 " وقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة من ذي الحليفة " أمر بالإهلال من هذه المواقيت ، وهذا التوقيت يقتضي نفي الزيادة والنقص ، فإن لم تكن الزيادة محرمة فلا أقل من أن يكون تركها أفضل .
وأيضا ما روي عن أبي سورة عن
أبي أيوب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
[ ص: 366 ] (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015020ليستمتع أحدكم بحله ما استطاع فإنه لا يدري ما يعرض له في حرمته ) رواه
أبو كريب nindex.php?page=showalam&ids=12201وأبو يعلى الموصلي ، وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه بمثل إسناده ، لكن أبو سورة ضعفوه .
وأيضا فإن المكان أحد الوقتين ، فلم يكن الإحرام قبله مستحبا كالزمان ؛ ولأن الأصل أن الزيادة على المقدرات من المشروعات كإعداد الصلاة ورمي الجمرات ونحو ذلك لا يشرع كالنقص منه ، فإذا لم تكن الزيادة مكروهة فلا أقل من أن لا يكون فيها فضل .
[ ص: 367 ] وأيضا فإن الترفه بالحل قبل الميقات رخصة ، كالأكل بالليل في زمان الصوم ، والله يحب أن يؤخذ برخصه كما يكره أن تؤتى معصيته .
وأيضا فإن في زيادة الإحرام على ما وجب تعريضا لأخطار الإحرام ؛ من مواقعة المحظورات وملالة النفس ، فكان الأولى السلامة ، كما سئل
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن رجل قليل الطاعة قليل المعصية ، ورجل كثير الطاعة كثير المعصية ، فقال : " لا أعدل بالسلامة شيئا " ، وطرد هذا عند أصحابنا أنه لا يستحب
nindex.php?page=treesubj&link=3416الإحرام بالحج للمتمتع قبل يوم التروية ، وإنما استحببنا للمعتمر أن يخرج إلى المواقيت فيحرم منها ؛ لأنه ميقات شرعي .
فإن قيل : فقد قال الله (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وأتموا الحج والعمرة لله ) قال
علي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود : " تمامها أن تحرم بها من دويرة أهلك " .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015021من nindex.php?page=treesubj&link=3418_24104_3284أهل من المسجد الأقصى بعمرة أو بحجة غفر له ما تقدم من ذنبه ) رواه
أحمد ، وفي لفظ له : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015022من أحرم من بيت المقدس غفر له ما [ ص: 368 ] تقدم من ذنبه )
nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود ولفظه : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015023ومن أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، أو وجبت له الجنة ) شك الراوي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ولفظه : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015024من أهل بعمرة من بيت المقدس كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ).
وقد أحرم جماعة من الصحابة من فوق المواقيت ، فعن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر " أنه أحرم عام الحكمين من بيت المقدس " وعنه : " أنه أحرم من بيت المقدس بعمرة ثم قال بعد ذلك : لوددت أني لو جئت بيت المقدس فأحرمت منه " .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك " أنه أحرم من العقيق " رواهما
سعيد .
[ ص: 369 ] وقد قيل : أهل
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس من
الشام ، وأهل
nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين من
البصرة ، وأهل
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود من
القادسية ، وقال
إبراهيم : كانوا يحبون أول ما يحج الرجل أو يعتمر أن يحرم من أرضه التي يخرج منها ، ولأن
nindex.php?page=treesubj&link=3395الإحرام عبادة ، وتركه عادة ، والعبادات أفضل من العادات .
قيل : أما أثر
علي رضي الله عنه فقد رواه
سعيد وحرب وغيرهما عن
عبد الله بن سلمة عن
علي أن رجلا سأله عن هذه الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196nindex.php?page=treesubj&link=28973_3418وأتموا الحج والعمرة لله ) قال : " إن إتمامها أن تحرم من دويرة أهلك " قال
حرب : سمعت
أحمد يقول : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة في تفسير الحديث : " أن تحرم من دويرة أهلك " قال : هو أن ينشئ سفرها من أهله ، وقال
أحمد في رواية
ابن الحكم وقد سئل عن الحديث " أن تحرم من دويرة أهلك " قال : ينشئ لها سفرا من أهله ؛ كأنه يخرج للعمرة عامدا ، كما يخرج للحج عامدا ، وهذا مما يؤكد أمر العمرة .
[ ص: 370 ] والذي يدل على هذا التفسير ما روى
عبد الرحمن بن أذينة عن أبيه قال : " أتيت
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسألته عن تمام العمرة فقال : ائت
عليا فسله فعدت فسألته فقال : ائت
عليا عليه السلام فسله ، فأتيت
عليا فقلت : إني قد ركبت الخيل والإبل والسفن ، فأخبرني عن تمام العمرة فقال : تمامها أن تنشئها من بلادك ، فعدت إلى
عمر فسألته فقال : ألم أقل لك : ائت
عليا فسله ، فقلت : قد سألته فقال : تمامها أن تنشئها من بلادك ، قال : هو كما قال " رواه
سعيد وذكره
أحمد ، وقال : قال
علي : " أحرم من دويرة أهلك " فقد توافق
عمر وعلي رضي الله عنهما على أن تمامها أن ينشئها من بلده ، فيسافر لها سفرا مفردا كسفر الحج كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أنشأ لعمرة الحديبية والقضية سفرا من بلده ، وهذا مذهبنا فإن العمرة التي ينشئ
[ ص: 371 ] لها سفرا من مصره أفضل من عمرة المتمتع وعمرة المحرم والعمرة من المواقيت ، وهذا هو الذي كان يقصده عمر بنهيهم عن المتعة أن ينشئوا للعمرة سفرا آخر .
فأما أن يراد به الدخول في الإحرام من المصر فكلا ؛ لأن
عمر قد زجر عن ذلك ،
وعلي لم يفعله قط هو ولا أحد من الخلفاء الراشدين ، بل لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكيف يكون التمام الذي أمر الله به لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من خلفائه ولا جماهير أصحابه .
وقوله : " أن تحرم من أهلك " كما يقال : تحج من أهلك وتعتمر من أهلك لمن سافر سفر الحج ، وإن كان لا يصير حاجا ولا معتمرا حتى يهل بهما كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015025لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله ) .
[ ص: 372 ] ولهذا كره جماعة من السلف أن يطلق عليه ذلك ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود : " من أراد منكم هذا الوجه فلا يقولن : إني حاج ولكن ليقل : إني وافد ، فإنما الحاج المحرم " وفي رواية عنه : " لا يقول أحدكم إني حاج وإنما الحاج المحرم ، ولكن يقول : أريد الحج ، ولا يقولن أحدكم إني صرورة فإن المسلم ليس بصرورة " .
وعن
عاصم الأحول قال : " سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=9أنسا يقول : لا تقل إني حاج حتى تهل ، ولكن لتقل إني مسافر ، فذكرت ذلك
لأبي العالية فقال : صدق
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس ، أوليس إن شاء رجع من الطريق " رواهما
سعيد .
تقديره أن تقصد الإحرام والإهلال من أهلك وتنشئ سفرهما من أهلك .
وأما حديث
بيت المقدس ، فقد قيل : هو مخصوص به فيكون الإحرام
[ ص: 373 ] من
بيت المقدس أفضل خصوصا لأنه يعمر ما بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى بالعبادة ، وهما أولى مساجد الأرض وبينهما كان مسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهما القبلتان ، ومنهما المبدأ والمعاد فإن الأرض دحيت من تحت الكعبة وتعاد من تحت الصخرة ، وعامة الأنبياء الكبار بعثوا من بينهما ، ويدل على ذلك إهلال
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر منه ولم يفعل ذلك في حجه وعمرته من
المدينة .
وظاهر كلام
أحمد في رواية
ابن منصور : إن
nindex.php?page=treesubj&link=3418الإحرام من الميقات أفضل من بيت المقدس ، وكذلك ذكر القاضي وغيره من أصحابنا ، ثم منهم من ضعف الحديث .
وتأوله القاضي : على أن ينشئ السفر من بيت المقدس ويكون الإحرام من
[ ص: 374 ] الميقات وفيه نظر .
وأما من أحرم من الصحابة قبل المواقيت فأكثر منهم عددا وأعظم منهم قدرا لم يحرموا إلا من المواقيت ، وقد أنكروه بالقول ، فروى
الحسن : " أن
nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين أحرم من
البصرة فبلغ ذلك
عمر رضي الله عنه فغضب وقال : " يتسامع الناس أن رجلا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحرم من مصره " .
وعن
الحسن : " أن
عبد الله بن عامر أحرم من
خراسان فلما قدم على
عثمان رضي الله عنه لامه فيما صنع وكرهه له " رواهما
سعيد . [ ص: 375 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : وكره
عثمان رضي الله عنه أن يحرم من
خراسان أو
كرمان .
وفي رواية في حديث
عمران : " فقدم على
عمر فأغلظ له وقال : يتحدث الناس أن رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحرم من مصر من الأمصار " .
وعن
مسلم أبي سلمان : " أن رجلا أحرم من
الكوفة فرأى
عمر سيئ الهيئة ، فأخذ بيده وجعل يديره في الخلق ويقول: انظروا إلى هذا ما صنع بنفسه وقد وسع الله عليه " .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر قال : " استمتعوا بثيابكم فإن ركابكم لا تغني عنكم من الله
[ ص: 376 ] شيئا رواهن
النجاد .
[ ص: 361 ] مَسْأَلَةٌ : ( وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُحْرِمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ ، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ مُحْرِمٌ .
مَذْهَبُ
أَحْمَدَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3418الْأَفْضَلَ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَلَا بِالْعُمْرَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْمِيقَاتَ ، قَالَ فِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=13665الْأَثْرَمِ وَقَدْ سُئِلَ أَيُّمَا أَعْجَبُ إِلَيْكَ : يُحْرِمُ مِنَ الْمِيقَاتِ أَمْ قَبْلُ ؟ فَقَالَ : مِنَ الْمِيقَاتِ أَعْجَبُ إِلَيَّ .
قِيلَ لَهُ وَسُئِلَ فِي رِوَايَةِ
ابْنِ مَنْصُورٍ : إِنَّهُمْ كَانُوا يُحِبُّونَ أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ أَوَّلَ مَا يَحُجُّ مِنْ بَيْتِهِ ، أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ مِنْ دُونِ الْمِيقَاتِ ، فَقَالَ : وَجْهُ الْعَمَلِ الْمَوَاقِيتُ .
وَكَذَلِكَ قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ : قَرَأْتُ عَلَى أَبِي : كَانُوا يُحِبُّونَ أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ أَوَّلَ مَا يَحُجُّ مِنْ بَيْتِهِ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ مِنْ دُونِ الْمِيقَاتِ ، فَقَالَ : وَجْهُ الْعَمَلِ الْمَوَاقِيتُ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ : إِذَا أَحْرَمَ الرَّجُلُ أَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتٍ أَعْجَبُ إِلَيَّ ، وَلَا يُحْرِمُ مِنْ قَبْلِ الْمِيقَاتِ فَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ انْعَقَدَ إِحْرَامُهُ .
[ ص: 362 ] قَالَ
ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=3418أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ أَنَّهُ مُحْرِمٌ .
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ ، وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ : لَا يُكْرَهُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ ، قَالَ حَرْبٌ : قُلْتُ
لِأَحْمَدَ : الرَّجُلُ يُحْرِمُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ ؟ قَالَ : قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمٌ ، وَكَأَنَّهُ سَهَّلَ فِيهِ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
صَالِحٍ : إِنْ قَوِيَ عَلَى ذَلِكَ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ بَأْسٌ .
وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ حَجَّةَ الْوَدَاعِ هُوَ وَعَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ ،
[ ص: 363 ] وَاعْتَمَرَ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ وَعُمْرَةَ الْقَضَاءِ هُوَ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ يُحْرِمُ هُوَ وَالْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمِيقَاتِ وَلَمْ يَنْدُبْ أَحَدًا إِلَى الْإِحْرَامِ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا رَغَّبَ فِيهِ وَلَا فَعَلَهُ أَحَدٌ عَلَى عَهْدِهِ ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ أَفْضَلَ لَكَانَ أَوْلَى الْخَلْقِ بِالْفَضَائِلِ أَفْضَلَ الْخَلَائِقِ وَخَيْرَ الْقُرُونِ وَلَوْ كَانَ خَيْرًا لَسَبَقُونَا إِلَيْهِ وَكَانُوا بِهِ أَوْلَى ، وَبِفَضْلٍ - لَوْ كَانَ فِيهِ - أَحْرَى ، وَلَنَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى ذَلِكَ كَمَا نَدَبَ إِلَى جَمِيعِ الْفَضَائِلِ ؛ إِذْ هُوَ الْقَائِلُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015017وَمَا تَرَكْتُ مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ إِلَّا وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ ، وَلَا مِنْ شَيْءٍ يُبَعِّدُكُمْ عَنِ النَّارِ إِلَّا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ " .
فَإِنْ قِيلَ : فَعَلَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ فَتَقْتَدِي الْأُمَّةُ بِهِ وَقَدْ يَخْتَارُ غَيْرَ الْأَفْضَلِ لِلتَّعْلِيمِ .
[ ص: 364 ] قِيلَ : قَدْ أَحْرَمَ عِدَّةَ مَرَّاتٍ مَعَ أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَجِبُ إِلَّا مَرَّةً فَقَدْ كَانَ الْجَوَازُ وَالْبَيَانُ يَحْصُلُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ ، فَلَمَّا أَحْرَمَ فِيهَا كُلِّهَا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ عُلِمَ أَنَّهُ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ .
وَلِأَنَّهُ قَدْ كَرَّرَ الْعُمَرَ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا عُمْرَةٌ وَاحِدَةٌ ، فَزِيَادَةُ مَوْضِعِ الْإِحْرَامِ لَوْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ أَوْلَى مِنْ ذَلِكَ وَأَيْسَرَ .
وَلِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْفِعْلِ الَّذِي يَتَكَرَّرُ ، فَيَفْعَلُ الْمَفْضُولَ مَرَّاتٍ لِبَيَانِ الْجَوَازِ كَالصَّلَاةِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ ، فَأَمَّا مَا لَا يَفْعَلُهُ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَخْتَارَ لِرَسُولِهِ أَدْنَى الْأَمْرَيْنِ وَيَدَّخِرَ لِمَنْ بَعْدَهُ أَفْضَلَهُمَا ، وَفَاعِلُ هَذَا وَقَائِلُهُ يُخَافُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ .
وَقَدْ سُئِلَ
مَالِكٌ عَمَّنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ فَقَالَ : أَخَافُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةَ [ قِيلَ لَهُ : وَأَيُّ فِتْنَةٍ ] فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا هِيَ زِيَادَةُ أَمْيَالٍ ؟ فَقَالَ : وَأَيُّ فِتْنَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَظُنَّ أَنَّكَ خُصِصْتَ بِأَمْرٍ لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَوْ كَانَ الْفَضْلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ لَبَيَّنَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَلَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ إِذْ هُوَ أَنْصَحُ الْخَلْقِ لِلْخَلْقِ ،
[ ص: 365 ] وَأَرْحَمُ الْخَلْقِ بِالْخَلْقِ ، كَمَا دَلَّهُمْ عَلَى الْأَعْمَالِ الْفَاضِلَةِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَشَقَّةٌ كَالْجِهَادِ وَغَيْرِهِ .
وَكَوْنُهُ أَيْسَرَ قَدْ يَكُونُ مُقْتَضِيًا لِفَضْلِهِ ، كَمَا أَنَّ صَوْمَ شَطْرِ الدَّهْرِ أَفْضَلُ مِنْ صِيَامِهِ كُلِّهِ وَقِيَامَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِهِ كُلِّهِ ، وَالتَّزَوُّجَ وَأَكْلَ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ أَفْضَلُ مِنْ تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ ، وَاللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ .
وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015018 " nindex.php?page=treesubj&link=3285يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ " وَقَوْلُ الصَّحَابَةِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015019 " وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ " أَمْرٌ بِالْإِهْلَالِ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ ، وَهَذَا التَّوْقِيتُ يَقْتَضِي نَفْيَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنِ الزِّيَادَةُ مُحَرَّمَةً فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهَا أَفْضَلَ .
وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَوْرَةَ عَنْ
أَبِي أَيُّوبَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
[ ص: 366 ] (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015020لِيَسْتَمْتِعْ أَحَدُكُمْ بِحِلِّهِ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ فِي حُرْمَتِهِ ) رَوَاهُ
أَبُو كُرَيْبٍ nindex.php?page=showalam&ids=12201وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ ، وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13478وَابْنُ مَاجَهْ بِمِثْلِ إِسْنَادِهِ ، لَكِنْ أَبُو سَوْرَةَ ضَعَّفُوهُ .
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَكَانَ أَحَدُ الْوَقْتَيْنِ ، فَلَمْ يَكُنِ الْإِحْرَامُ قَبْلَهُ مُسْتَحَبًّا كَالزَّمَانِ ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمُقَدَّرَاتِ مِنَ الْمَشْرُوعَاتِ كَإِعْدَادِ الصَّلَاةِ وَرَمْيِ الْجَمَرَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا يُشْرَعُ كَالنَّقْصِ مِنْهُ ، فَإِذَا لَمْ تَكُنِ الزِّيَادَةُ مَكْرُوهَةً فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا فَضْلٌ .
[ ص: 367 ] وَأَيْضًا فَإِنَّ التَّرَفُّهَ بِالْحِلِّ قَبْلَ الْمِيقَاتِ رُخْصَةٌ ، كَالْأَكْلِ بِاللَّيْلِ فِي زَمَانِ الصَّوْمِ ، وَاللَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ .
وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي زِيَادَةِ الْإِحْرَامِ عَلَى مَا وَجَبَ تَعْرِيضًا لِأَخْطَارِ الْإِحْرَامِ ؛ مِنْ مُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورَاتِ وَمَلَالَةِ النَّفْسِ ، فَكَانَ الْأَوْلَى السَّلَامَةَ ، كَمَا سُئِلَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ رَجُلٍ قَلِيلِ الطَّاعَةِ قَلِيلِ الْمَعْصِيَةِ ، وَرَجُلٍ كَثِيرِ الطَّاعَةِ كَثِيرِ الْمَعْصِيَةِ ، فَقَالَ : " لَا أَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا " ، وَطَرْدُ هَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ
nindex.php?page=treesubj&link=3416الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ لِلْمُتَمَتِّعِ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ ، وَإِنَّمَا اسْتَحْبَبْنَا لِلْمُعْتَمِرِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمَوَاقِيتِ فَيُحْرِمَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ مِيقَاتٌ شَرْعِيٌّ .
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ اللَّهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) قَالَ
عَلِيٌّ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنُ مَسْعُودٍ : " تَمَامُهَا أَنْ تُحْرِمَ بِهَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ " .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=54أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015021مَنْ nindex.php?page=treesubj&link=3418_24104_3284أَهَلَّ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) رَوَاهُ
أَحْمَدُ ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015022مَنْ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ غُفِرَ لَهُ مَا [ ص: 368 ] تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )
nindex.php?page=showalam&ids=11998وَأَبُو دَاوُدَ وَلَفْظُهُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015023وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ، أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ) شَكَّ الرَّاوِي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وَابْنُ مَاجَهْ وَلَفْظُهُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015024مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ ).
وَقَدْ أَحْرَمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ فَوْقِ الْمَوَاقِيتِ ، فَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ أَحْرَمَ عَامَ الْحَكَمَيْنِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ " وَعَنْهُ : " أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : لَوَدِدْتُ أَنِّي لَوْ جِئْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَأَحْرَمْتُ مِنْهُ " .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنَ الْعَقِيقِ " رَوَاهُمَا
سَعِيدٌ .
[ ص: 369 ] وَقَدْ قِيلَ : أَهَلَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ مِنَ
الشَّامِ ، وَأَهَلَّ
nindex.php?page=showalam&ids=40عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ مِنَ
الْبَصْرَةِ ، وَأَهَلَّ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ مِنَ
الْقَادِسِيَّةِ ، وَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ : كَانُوا يُحِبُّونَ أَوَّلَ مَا يَحُجُّ الرَّجُلُ أَوْ يَعْتَمِرُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَرْضِهِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا ، وَلِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3395الْإِحْرَامَ عِبَادَةٌ ، وَتَرْكَهُ عَادَةٌ ، وَالْعِبَادَاتُ أَفْضَلُ مِنَ الْعَادَاتِ .
قِيلَ : أَمَّا أَثَرُ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَدْ رَوَاهُ
سَعِيدٌ وَحَرْبٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ
عَلِيٍّ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196nindex.php?page=treesubj&link=28973_3418وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) قَالَ : " إِنَّ إِتْمَامَهَا أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ " قَالَ
حَرْبٌ : سَمِعْتُ
أَحْمَدَ يَقُولُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16008سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ : " أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ " قَالَ : هُوَ أَنْ يُنْشِئَ سَفَرَهَا مِنْ أَهْلِهِ ، وَقَالَ
أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ
ابْنِ الْحَكَمِ وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْحَدِيثِ " أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ " قَالَ : يُنْشِئُ لَهَا سَفَرًا مِنْ أَهْلِهِ ؛ كَأَنَّهُ يَخْرُجُ لِلْعُمْرَةِ عَامِدًا ، كَمَا يَخْرُجُ لِلْحَجِّ عَامِدًا ، وَهَذَا مِمَّا يُؤَكِّدُ أَمْرَ الْعُمْرَةِ .
[ ص: 370 ] وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ مَا رَوَى
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُذَيْنَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : " أَتَيْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ تَمَامِ الْعُمْرَةِ فَقَالَ : ائْتِ
عَلِيًّا فَسَلْهُ فَعُدْتُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ : ائْتِ
عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ فَسَلْهُ ، فَأَتَيْتُ
عَلِيًّا فَقُلْتُ : إِنِّي قَدْ رَكِبْتُ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَالسُّفُنَ ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ تَمَامِ الْعُمْرَةِ فَقَالَ : تَمَامُهَا أَنْ تُنْشِئَهَا مِنْ بِلَادِكَ ، فَعُدْتُ إِلَى
عُمَرَ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ : أَلَمْ أَقُلْ لَكَ : ائْتِ
عَلِيًّا فَسَلْهُ ، فَقُلْتُ : قَدْ سَأَلْتُهُ فَقَالَ : تَمَامُهَا أَنْ تُنْشِئَهَا مِنْ بِلَادِكَ ، قَالَ : هُوَ كَمَا قَالَ " رَوَاهُ
سَعِيدٌ وَذَكَرَهُ
أَحْمَدُ ، وَقَالَ : قَالَ
عَلِيٌّ : " أَحْرِمْ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ " فَقَدْ تَوَافَقَ
عُمَرُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَى أَنَّ تَمَامَهَا أَنْ يُنْشِئَهَا مِنْ بَلَدِهِ ، فَيُسَافِرَ لَهَا سَفَرًا مُفْرَدًا كَسَفَرِ الْحَجِّ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَنْشَأَ لِعُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْقَضِيَّةِ سَفَرًا مِنْ بَلَدِهِ ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا فَإِنَّ الْعُمْرَةَ الَّتِي يُنْشِئُ
[ ص: 371 ] لَهَا سَفَرًا مِنْ مِصْرِهِ أَفْضَلُ مِنْ عُمْرَةِ الْمُتَمَتِّعِ وَعُمْرَةِ الْمُحْرِمِ وَالْعُمْرَةِ مِنَ الْمَوَاقِيتِ ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي كَانَ يَقْصِدُهُ عُمَرُ بِنَهْيِهِمْ عَنِ الْمُتْعَةِ أَنْ يُنْشِئُوا لِلْعُمْرَةِ سَفَرًا آخَرَ .
فَأَمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الدُّخُولُ فِي الْإِحْرَامِ مِنَ الْمِصْرِ فَكَلَّا ؛ لِأَنَّ
عُمَرَ قَدْ زَجَرَ عَنْ ذَلِكَ ،
وَعَلِيٌّ لَمْ يَفْعَلْهُ قَطُّ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ ، بَلْ لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ يَكُونُ التَّمَامُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ وَلَا جَمَاهِيرُ أَصْحَابِهِ .
وَقَوْلُهُ : " أَنْ تُحْرِمَ مِنْ أَهْلِكَ " كَمَا يُقَالُ : تَحُجُّ مِنْ أَهْلِكَ وَتَعْتَمِرُ مِنْ أَهْلِكَ لِمَنْ سَافَرَ سَفَرَ الْحَجِّ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصِيرُ حَاجًّا وَلَا مُعْتَمِرًا حَتَّى يُهِلَّ بِهِمَا كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015025لَا يَرْكَبِ الْبَحْرَ إِلَّا حَاجٌّ أَوْ مُعْتَمِرٌ أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) .
[ ص: 372 ] وَلِهَذَا كَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : " مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ هَذَا الْوَجْهَ فَلَا يَقُولَنَّ : إِنِّي حَاجٌّ وَلَكِنْ لِيَقُلْ : إِنِّي وَافِدٌ ، فَإِنَّمَا الْحَاجُّ الْمُحْرِمُ " وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ : " لَا يَقُولُ أَحَدُكُمْ إِنِّي حَاجٌّ وَإِنَّمَا الْحَاجُّ الْمُحْرِمُ ، وَلَكِنْ يَقُولُ : أُرِيدُ الْحَجَّ ، وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي صَرُورَةٌ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَيْسَ بِصَرُورَةٍ " .
وَعَنْ
عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ : " سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسًا يَقُولُ : لَا تَقُلْ إِنِّي حَاجٌّ حَتَّى تُهِلَّ ، وَلَكِنْ لِتَقُلْ إِنِّي مُسَافِرٌ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ
لِأَبِي الْعَالِيَةِ فَقَالَ : صَدَقَ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسٌ ، أَوَلَيْسَ إِنْ شَاءَ رَجَعَ مِنَ الطَّرِيقِ " رَوَاهُمَا
سَعِيدٌ .
تَقْدِيرُهُ أَنْ تَقْصِدَ الْإِحْرَامَ وَالْإِهْلَالَ مِنْ أَهْلِكَ وَتُنْشِئَ سَفَرَهُمَا مِنْ أَهْلِكَ .
وَأَمَّا حَدِيثُ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَقَدْ قِيلَ : هُوَ مَخْصُوصٌ بِهِ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ
[ ص: 373 ] مِنْ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَفْضَلَ خُصُوصًا لِأَنَّهُ يُعَمِّرُ مَا بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِالْعِبَادَةِ ، وَهُمَا أَوْلَى مَسَاجِدِ الْأَرْضِ وَبَيْنَهُمَا كَانَ مَسْرَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمَا الْقِبْلَتَانِ ، وَمِنْهُمَا الْمَبْدَأُ وَالْمَعَادُ فَإِنَّ الْأَرْضَ دُحِيَتْ مِنْ تَحْتِ الْكَعْبَةِ وَتُعَادُ مِنْ تَحْتِ الصَّخْرَةِ ، وَعَامَّةُ الْأَنْبِيَاءِ الْكِبَارِ بُعِثُوا مِنْ بَيْنِهِمَا ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إِهْلَالُ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ مِنْهُ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فِي حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ مِنَ
الْمَدِينَةِ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ
أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ
ابْنِ مَنْصُورٍ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3418الْإِحْرَامَ مِنَ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ ضَعَّفَ الْحَدِيثَ .
وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي : عَلَى أَنْ يُنْشِئَ السَّفَرَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَيَكُونَ الْإِحْرَامُ مِنَ
[ ص: 374 ] الْمِيقَاتِ وَفِيهِ نَظَرٌ .
وَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ مِنَ الصَّحَابَةِ قَبْلَ الْمَوَاقِيتِ فَأَكْثَرُ مِنْهُمْ عَدَدًا وَأَعْظَمُ مِنْهُمْ قَدْرًا لَمْ يُحْرِمُوا إِلَّا مِنَ الْمَوَاقِيتِ ، وَقَدْ أَنْكَرُوهُ بِالْقَوْلِ ، فَرَوَى
الْحَسَنُ : " أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=40عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ أَحْرَمَ مِنَ
الْبَصْرَةِ فَبَلَغَ ذَلِكَ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَغَضِبَ وَقَالَ : " يَتَسَامَعُ النَّاسُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ مَنْ مِصْرِهِ " .
وَعَنِ
الْحَسَنِ : " أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ أَحْرَمَ مِنْ
خُرَاسَانَ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى
عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَامَهُ فِيمَا صَنَعَ وَكَرِهَهُ لَهُ " رَوَاهُمَا
سَعِيدٌ . [ ص: 375 ] قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ : وَكَرِهَ
عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ
خُرَاسَانَ أَوْ
كِرْمَانَ .
وَفِي رِوَايَةٍ فِي حَدِيثِ
عِمْرَانَ : " فَقَدِمَ عَلَى
عُمَرَ فَأَغْلَظَ لَهُ وَقَالَ : يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ مِنْ مِصْرٍ مِنَ الْأَمْصَارِ " .
وَعَنْ
مُسْلِمٍ أَبِي سَلْمَانَ : " أَنَّ رَجُلًا أَحْرَمَ مِنَ
الْكُوفَةِ فَرَأَى
عُمَرُ سَيِّئَ الْهَيْئَةِ ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ وَجَعَلَ يُدِيرُهُ فِي الْخَلْقِ وَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ وَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ " .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=1584أَبِي ذَرٍّ قَالَ : " اسْتَمْتِعُوا بِثِيَابِكُمْ فَإِنَّ رِكَابَكُمْ لَا تُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ
[ ص: 376 ] شَيْئًا رَوَاهُنَّ
النَّجَّادُ .